كتاب 11

02:43 مساءً EET

أعباء السياسة و البنوك المركزية

للوقوف في وجه الرياح المعاكسة وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وحالة عدم الاستقرار المالي المستمرة، فإن تقرير التوظيف الأميركي عن شهر فبراير (شباط) الصادر مؤخرا يحتاج لأن يُظهر المزيد من الإضافات القوية في فرص العمل، ونمو الأجور، ومعدل مشاركة العمال الذي يشهد ارتفاعًا. وهذا بالضبط ما تطالب به الأسواق مع مرور الوقت، حتى لو كان ذلك يعني وجود صورة أكثر ارتباكًا بالنسبة لصناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي، وحالة التقلبات المالية التي يمكن أن تترتب عليها.
يقول تقرير كويك – تيك الشهري للوظائف بالولايات المتحدة، إن من شأن 150 ألفًا أو نحوها من الوظائف المضافة أن يوطد دعائم مسار خلق الوظائف عبر عامين ونصف العام، الذي ساعد على تقليل معدل البطالة الأكثر متابعة وشيوعًا، حتى مستوى 4.9 نقطة مئوية – وهو الهبوط المسجل بأكثر من النصف من الارتفاع الكبير المحقق عقب الأزمة – والذي جعل الولايات المتحدة أحد أكبر محركات خلق فرص العمل على مستوى العالم.
النمو الهائل في فرص العمل لم يُترجم إلى زيادة معتبرة في الأجور، حتى الآن على أقل تقدير، حيث أشار تقرير الوظائف لشهر يناير (كانون الثاني) والصادر الشهر الماضي، إلى أن ذلك الوضع قد يتغير. وتأكيد مثل تلك التحسينات من حيث الأجور، مع التعافي التدريجي في معدل مشاركة العمال، يعد من الأمور الضرورية؛ إذ سوف يؤدي إلى استهلاك أكبر لتعزيز الاقتصاد الأميركي الذي يتوسع في الاستثمار، والذي يحظى بزخم داخلي يكفي لتجاوز التباطؤ الاقتصادي الصيني، والصمت الأوروبي، والنمو الياباني، إلى جانب حالات العدوى السلبية من نوبات عدم الاستقرار الأخيرة في الأسواق المالية.
يأمل مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضًا في تلك الحلول الثلاثية المفضلة والمذكورة في التقرير المشار إليه، وإن كانت على حساب زيادة الحساسية وتوازن القرارات السياسية المتخذة من جانبهم على المدى القصير، وعلى وجه التحديد، توسيع نطاق التحسينات في سوق العمل والتي من شأنها تشجيع البنك المركزي الأميركي على الاستمرار في العملية المتأنية لتطبيق السياسة النقدية، بما في ذلك الارتفاع المزدوج للنقاط الـ25 الأساسية خلال هذا العام – وذلك على الرغم من البيئة العالمية غير الداعمة بشكل كامل.
ومن شأن الأسهم، ولا سيما في بادئ الأمر، ألا تتبنى سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي المستمرة على نفس المنوال. وبعد كل شيء، فلقد ازداد اعتمادها على مواصلة دعم السيولة من البنوك المركزية ذات الأهمية التنظيمية حول العالم (خصوصًا بنك الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك الشعب الصيني). ولكن على المدى البعيد، سوف تكون الأسس الاقتصادية والمؤسسية الصلبة، هي المحركات التي تسمح لأسواق الأسهم في الولايات المتحدة بالمحافظة على مستوياتها الحالية والارتفاع لأعلى.
في الواقع، يمكن لذلك أن يصبح كل ما يمكن فعله لحماية وتعزيز الأسهم بصورة مستدامة. ويصح ذلك تمامًا وبشكل خاص، لأن التدابير النقدية غير التقليدية وغيرها من أنماط الهندسة المالية تبدو شديدة الإنهاك على نحو متزايد، حتى أن «رأس المال المعتل» أصبح أقل توافرًا، وأن هناك عددًا متزايدًا من محافظي البنوك المركزية يعتريهم قلق متنامٍ حول الأضرار الجانبية والعواقب غير المقصودة للاعتماد المفرط ولفترات طويلة على تدابير السيولة المالية التجريبية.
وبصرف النظر عما قد يقوله البعض حول التناقضات قصيرة الأجل المحتملة، ما بين تقرير الوظائف القوي وسوق الأسهم التي تعتمد بشكل كبير على البنوك المركزية، فهناك في حقيقة الأمر محاذاة ذات أهمية كبرى وعلى المدى البعيد. والتحسينات ثلاثية المحاور المشار إليها في سوق العمل تعتبر من الشروط الضرورية لترسيخ النمو الشامل والمستمر، وتخفيض حالة عدم المساواة، وتعزيز الاستقرار المالي الحقيقي.
تلك هي النتيجة التي نصبو جميعا إلى تحقيقها. وسوف تفتح الباب لفرصة أكبر من التجسيد إذا ما كان السياسيون على استعداد لنشر مجموعة كاملة من السياسات المتاحة أمامهم، بدلا من الاستمرار في وضع جُل أعباء السياسة على عاتق البنوك المركزية وحدها.

التعليقات