كتاب 11
أمين وجامعة!
دون دراما ولا غموض ولا إثارة تم حسم اختيار منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية لصالح مصر، والمرشح الوحيد الذي تقدم لهذا المنصب وزير خارجيتها الأسبق أحمد أبو الغيط.
أحمد أبو الغيط دبلوماسي عتيق وقدير، متمرس في العمل السياسي بامتياز، ولذلك جاء اختياره لهذا المنصب طبيعيًا ولقي في ذلك شبه إجماع باستثناء محاولات تعطيل متوقعة من قطر والسودان. التقيت الرجل بعد فوزه بالمنصب وتبادلت معه حديثًا سريعًا.. كان يتحدث بثقة وتفاؤل، وذلك على الرغم من أن الجامعة العربية لم يعد لها مكانة وثقل يعتد به ولكنها تبقى كيانًا رمزيًا له بصمة. ولعله من محاسن الصدف أن اختيار الرجل لمنصب الأمين العام جاء في نفس الجلسة التي تم التصويت فيها عربيًا على تصنيف تنظيم حزب الله تنظيمًا إرهابيًا وبشكل رسمي، وهذا قرار مهم ونوعي من المفروض أن يتم ترجمته بسلسلة من السياسات والتشريعات والقوانين المصاحبة لتقييد حراك هذا التنظيم إداريًا وماليًا.
يأتي أحمد أبو الغيط إلى هذا المنصب بتاريخ حافل من الدبلوماسية المصرية وصل خلالها إلى رأس السلطة وتبوأ منصب وزير الخارجية المهم في مرحلة مهمة وعصيبة من التاريخ المصري الحديث. وهو يجيء إلى مؤسسة ضخمة هرمت وشاخت وفقدت دورها ومكانتها وهيبتها بين الناس وسط أجواء ومناخ شديد الاضطراب والتوتر والقلق. فالعالم العربي لا يزال يحاول أن يلتقط أنفاسه بعد أحداث موتورة ومجنونة دمرت بلادًا وأرعبت بلادًا أخرى. جامعة الدول العربية بحاجة لأن تعرف موقفها من ماهية الثورات وماهية الإرهاب وماهية التدخل الخارجي وماهية الاستبداد، لأن سوء الفهم الذي يحدث هو الذي يؤدي إلى رخصة سوء الاستغلال للأوضاع المتردية في المنطقة، ويتم السماح لنظام مجرم مثل بشار الأسد بالتمادي في قتل شعبه تحت مظلة حمايته من الإرهاب والتدخل الخارجي والسماح بتنظيم عميل مثل حزب الله بأن يحتل لبنان تحت ذريعة عدم التعرض إليه بحجة أنه يقاوم إسرائيل.
أمام أحمد أبو الغيظ ملفات كثيرة وكبيرة ومعقدة منها ما هو قابل للحل ومنها ما هو بحاجة لمعجزات، وبالتالي يجب أن يكون سقف التوقعات الممنوح له واقعيًا ومنطقيًا لأنه سيظلم ظلمًا كبيرًا وعظيمًا إذا لم يكن كذلك. هناك قناعات لدى شريحة عريضة من الناس أن الأمين العام السابق نبيل العربي لم يكن متحمسًا في الدفاع عن الشعب السوري وكان في مواقفه اعتذاريًا لنظام بشار الأسد وهذه مسألة ليست هينة، إنْ صحت، لأن الجامعة يجب أن تمثل الشعوب وليس الأنظمة.
أحمد أبو الغيط يأتي إلى منصبه الجديد بعد مسيرة حافلة ولكنه يصل إلى موقع في غيبوبة تامة ونزاع مع البقاء، وقد يكون هو آخر أمين لهذه الجامعة التي أشرفت على الاقتراب من نهاية عمرها الافتراضي.