كتاب 11

03:32 مساءً EET

نهاية التكتلات

بعد أسابيع ليست بالبعيدة ستجري بريطانيا استفتاءً شعبيًا مفتوحًا لمعرفة رغبة الناس في الاستمرارية في عضوية الاتحاد الأوروبي، وهي مسألة محورية يتحدث البريطانيون عنها بشغف وحماس غير عادي.
مشاكل الاتحاد الأوروبي بالنسبة لشريحة متزايدة منهم أكثر من مزاياه.. مشاكل مثل حال العملة الموحدة اليورو التي تعاني المر بسبب التفاوت الحاد في القدرات الاقتصادية للدول الأعضاء مما يعني عمليًا أن هناك دومًا حالة إنقاذ مالي مستمر من الدول المقتدرة للدول المنهكة اقتصاديًا، أيضًا هناك الكثير من السياسات المالية المختلفة في ظل غياب بنك مركزي موحد وميزانية عامة موحدة، إضافة طبعًا إلى القضية الملتهبة الحالية والمتعلقة بوضعية أرتال المهاجرين الجدد المتدفقين على أوروبا وتبعات ذلك الأمر على الصعيد الاجتماعي والأمني والاقتصادي والسياسي على دول القارة المختلفة، وهي مسألة تزداد تعقيدًا ويزداد معها الارتباك الشديد في المشهد الأوروبي العام مما جعل أكثر من دولة تهدد بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي هي الأخرى وإغلاق الحدود تمامًا مع دول أوروبية أخرى، وهذا يعتبر مخالفة صريحة جدًا لمعاهدة شينغن المتعلقة بفتح الحدود الأوروبية والسماح بحرية الحركة والانتقال.. كل هذه الأحداث السريعة والمتلاحقة جعلت من آراء كثيرة تقول وتؤكد أن قرب «انتهاء» عمر الاتحاد الأوروبي بات مسألة وقت وأن المسألة حسمت.
أيضًا المتابع لتصريحات المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب بحق المكسيك، وهي الدولة الجارة المهمة للولايات المتحدة، وهي تصريحات تلقى تأييدًا شعبيًا عريضًا ورغم كونها مليئة بالعنصرية والإهانات، يلاحظ أن مسألة الرهان على استمرارية تكتل «نافتا» الذي يضم كندا والولايات المتحدة والمكسيك بات فيه الكثير من الشك والقلق والخوف وخرجت أصوات متصاعدة تراهن على نهاية قريبة جدًا لهذا التكتل.
والتكتلات السياسية الاقتصادية التي قامت وانتهت ليست بجديدة. فهناك الاتحاد المغاربي بين دول شمال أفريقيا الذي دفن بعد حياة مخيبة للآمال ولم يكتب له النجاح في شيء يذكر، وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد العربي الذي ضم دولاً مثل مصر والأردن واليمن والعراق ليكتشف الجميع أن ذلك كله لم يكن سوى غطاء سياسي رخيص للغزو العراقي للكويت. وهناك أيضًا حلف بغداد الذي ولد ولادة قيصرية ومات سريعًا. ما يحدث في هذه النوعية من المجالس والخلافات الحادة المتزايدة بين الدول الأعضاء هو تأكيد على فكرة العودة إلى فكرة الدولة الواحدة وحماية المصالح بشكل متطرف ومتعصب حتى لو كان على حساب المصلحة الجمعية، وهو من علامات انعدام الثقة بين الدول الأعضاء في المجتمع الدولي الواحد.
الكيان الموحد يقوى على حساب التكتل.. ندخل مرحلة جديدة من الوطنية العنصرية التي تبرز قوة الأنا الجمعية على حساب كل شيء آخر، إنه نهاية زمن التكتلات وعودة «الأنا» الوطنية المدمرة.
ما يحدث في أوروبا قد يكون بداية انتكاسة مهمة بلغت جديتها حدًا لافتًا إلى درجة أن الحليف الأوروبي وهو الولايات المتحدة تركت الأمور تزداد سوءًا من دون مبادرة تدخل للحل.

التعليقات