كتاب 11

03:39 مساءً EET

سفينة مجلس التعاون حماية من الطوفان الإيراني

بعد طلب دول مجلس التعاون من وزراء الداخلية العرب اعتبار حزب الله الوكيل الإيراني لمنطقة الشرق الأوسط منظمة إرهابية، وبعد الوثيقة التي عرضتها دول مجلس التعاون في اجتماع وزراء الخارجية العرب لإدانة اعتداء إيران على السفارة السعودية، أعتقد أن على الدول المحسوبة على العرب لغة وتاريخًا وعرقًا أن تحسم مسألة موقفها من الآن فصاعدًا من «المشروع الإيراني» الذي يستهدف جميع الدول العربية بلا استثناء. إن دول مجلس التعاون تحاول أن تنبه الدول العربية أن المشروع أكبر من مجرد خلاف سعودي إيراني.
فالأمر ليس تشنجًا في العلاقات السعودية الإيرانية أو «حساسية إقليمية» تعذر بها وزير الداخلية الجزائري حين امتنع عن التصويت على قرار اعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية، وليس خلافًا طارئًا يفضل لبنان أن «ينأى بنفسه» عنه كما برر وزير الخارجية اللبناني أسباب رفضه التوقيع على الوثيقة، إذ تسعى دول مجلس التعاون إلى بلورة موقف عربي قومي يعي خطورة المشروع الإيراني التوسعي الذي لا يقف عند حدود البحر الأحمر أو البحر الأبيض بل يمتد إلى المحيط الأطلسي.
لذا كانت آذاننا صاغية تبحث عن النغمة القومية التي صدعت رؤوسنا منذ الخمسينات إلى اليوم في دول تعد معاقل لحركة القوميين العرب لنفاجأ باصطفاف تلك المعاقل إلى جانب طهران وميلان مواقفها إلى مناصرة كل ما هو مرتبط بالقومية الفارسية على حساب العروبة ودارها!
حين باعت فلول حركة القوميين العرب مبادئها وتشبثت في البحرين وفي سوريا وفي العراق وفي الجزائر بالجماعات الدينية الشيعية أو السنية وهي في طريقها للبحث عن مقعد نيابي هنا أو هناك قلنا حسابات انتخابية فحسب سيزول تأثيرها بزوال المؤثر (الانتخابات)، إنما امتد الأمر حتى بات البعض منهم في حضن النظام الإيراني مباشرة ومنهم المثقفون والفنانون والإعلاميون والسياسيون، لينسف الأصل والأساس الذي قامت عليه الحركة من جذوره.
قبلوا باللجوء للسفارات البريطانية والأميركية، ناصبوا المملكة العربية السعودية العداء ورفضوا دعوتها للنهوض من الكبوة والصحوة والتصدي للمشروع الإيراني، ماذا تبقى من القومية العربية؟
إيران أعلنت الحرب عبر وكلائها وهم يحملون الجنسيات العربية، لكنهم داسوا عليها بأقدامهم وتعلقوا بعباءة المرشد الفارسي وغلب العرق الطائفي على العرق القومي، الأمر ليس مجرد «حساسية» أو خلاف سطحي تفضل بعض الدول أن تنأى بنفسها عنه، فجماعة الولي الفقيه في الدول العربية أعلنت الولاء المطلق لإيران ونزعت عنها ثوب العروبة، مما اضطر وزير الداخلية البحريني أن يقولها بصراحة «من اقتنع بولاية فقيه فليذهب إليها».
إيران أعلنت الحرب على العالم العربي لا على المملكة العربية السعودية فحسب، جميع المنظمات التي تحمل السلاح الآن في الدول العربية خيوطها تمتد لإيران، سنية كانت تلك المنظمات أو شيعية، هذا الذي يجب أن يكون واضحًا وتعمل جميع استخباراتنا على تقديمه لأي دولة عربية ما زالت تشك أو مترددة في تصديقه.
لم تظهر منظمات كتنظيم داعش إلا من العراق وسوريا وهما دولتان عربيتان تخضعان أو على أقل تقدير متحالفتان مع إيران، ومن ثم ظهرت بعدهما ميليشيات كالحشد الشعبي والحوثيين بحجة محاربة الأولى.
الإرهاب الذي يضرب في شمال أفريقيا أو في سوريا والعراق هو ذاته الذي يضرب السعودية والبحرين واليمن، فلا يخدعنكم تلون تلك المنظمات الطائفي، فهي ليست شيعية ولا سنية جميعها تخدم الأجندة الإيرانية، وإن لم تعِ الدول العربية هذا الخطر المشترك وأبعاد المشروع الإيراني، فستتخبط في قراراتها وتبعد عن أهدافها، وعاجلاً أم آجلاً ستجد كل دولة من تلك الدول نفسها تدافع عن أمنها منفردة وحدودها مفتوحة وداخلها مخترق.
دول مجلس التعاون اليوم تقود حملة تدعو فيها الدول العربية أن تركب معها في السفينة قبل أن يجتاحنا الطوفان الإيراني حماية لتلك الدول لا حماية لنفسها فحسب، لهذا عليها أن تقدم مشروعًا متكاملاً مدعمًا بالأدلة والبراهين حتى تعرف أي من تلك الدول التي ترفض الانضمام أنها مخطئة إن اعتقدت أنها ستأوي إلى جبل طهران ليعصمها من الماء!!
على الدول العربية أن تحدد مستقبلها إنْ كانت تنوي الدفاع عن هويتها وتلتزم بتبعات هذه الهوية واستحقاقاتها، أو إنْ كانت تنوي أن تبيع عرضها وشرفها للمرشد الأعلى الإيراني. إيران اليوم لديها مشروع يتقاطع تمامًا مع المشروع الإسرائيلي الأميركي بتقسيم المنطقة وتفتيتها وإعادة رسمها.
هذا باختصار خلاصة النتائج التي تتمخض عنها اجتماعات العرب في الآونة الأخيرة، سواء كان على مستوى القمة أو على المستوى الوزاري، كما حدث في اجتماع وزراء الخارجية العرب واجتماع وزراء الداخلية العرب.
إذ أفرزت هذه الاجتماعات الوزارية العربية فسطاطين؛ أحدهما وقف صامدًا مدافعًا عن عروبته وعن عرضه وعن شرفه، والآخر ارتضى أن يبيع نفسه وعرضه وشرفه لإيران وعليه أن يتحمل نتيجة هذا الاصطفاف وتبعاته.

التعليقات