كتاب 11
مصر لا للمساعدات ونعم للبحث عن فرص
يدرك صانع القرار في مصر أن خزانة الدولة ستبقى عل حالها لسنوات قد تطول في ظل الوضع الاقتصادي السيء للاشقاء في الخليج، وهو ما يعني الاعتماد على الذات أولا ، والتفكير في حلول واقعية فضلا عن جذب استثمارات خارجية من بلدان أخرى جديدة بعيدا عن مساعدات وهبات الاشقاء العرب، وشكرهم والوقوف معهم في هذه السنوات العجاف كما وقفوا بجانب مصر .
لا يخفى على أحد ما تعانيه دول الخليج من وضع مالى واقتصادى لأسباب عدة من بينها تراجع أسعار النفط ، حيث هبط سعر برميل النفط من 120 دولاراً إلى ما بين 25 و30 دولارا ، وانخفاض عائد استثمارات دول الخليج فى أوروبا والولايات المتحدة بسبب بطء الاقتصادى العالمى ، واضطراب أسواق المال العالمية، اضف إلى ذلك عبء جديد على ميزانية دول الخليج يتمثل في كلفة الحرب فى اليمن حيث تتحمل هذه الدول بقيادة السعودية تكاليف هذه الحرب لاستعادة الشرعية في اليمن، وتلقين إيران درسا، كذلك سوريا مع احتمال اتساع جبهة القتال فى حال حدوث أعمال عسكرية برية تتحمس السعودية لخوضها هناك فضلا عن العراق وليبيا .
تزامن مع ذلك ضغوط داخلية على موازنات هذه الدول بسبب مشروعات إنمائية ضخمة شرعت هذه الدول في تنفيذها قبل هبوط اسعار النفط ، وخططها الدائمة لتوظيف مواطنيها، وتقديم خدمات متميزة للمواطنين والمقيمين، ولعل التنوع الاقتصادي في بعض الدول مثل الإمارات لا يجعلها تخشى هذه التقلبات في اسعار النفط ، فهي الدولة النموذج للعيش والعمل والإقامة، ولعل وزارة السعادة التي انشاتها الإمارات لهي خير دليل على الاهتمام برفاهية المواطن، فزادت الرواتب بنسبة 100% ، وكخطوة إحترازية رفعت الإمارات الدعم عن اسعار المحروقات وحذت حذوها السعودية، وضغطت بقية دول الخليج نفقاتها الداخلية، وبحثت عن مصادر إضافية للدخل فسنت تشريعات ضرائب على الأراضي، وطبقت نظام القيمة المضافة على المبيعات .
والكل تابع قرار الرياض إيقاف الهبة المالية للجيش اللبناني المقدرة بنحو أربعة مليارات دولار سنويا لاسباب داخلية تتمثل في انخفاض اسعار النفط، وسياسية تتعلق بعدم التوافق على رئيس للبنان ، وتوجيه حزب الله للسياسة اللبنانية، فضلا عن تردد السعودية في منح مصر استثمارات بقيمة 9 مليار دولار أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبد العزيز” كل هذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار ويضعه صناع القرار في مصر في حساباتهم وينظرون من جديد الى خريطة العالم بحثا عن مناطق بكر لجلب استثمارات وتمويل لمشروعات نطمح أن تضع مصر على طريق النمور الاقتصادية العملاقة، ولعل زيارة الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) لكازخستان واليابان وكوريا الجنوبية وهي دول متقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا تهدف إلى إعادة التوازن الدقيق لمصر في علاقاتها مع كل الدول بما يصب في مصلحة مشروعات الطاقة والتكنولوجيا والنقل والتعليم والسياحة والمشاركة في مشروع تنمية قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة .
اليابان مثلا انطلقت إلى آفاق رحبة عالميا وأصبحت الدولة الاولى تكنولوجيا في العالم ومنتجاتها حاضرة بقوة في السوق العربية وهي تجربة جديرة بالدراسة، تعتمد اليابان فى 90% من احتياجاتها البترولية على الشرق الأوسط، حجم التبادل التجارى مع مصر لا يتعدى 4 مليارات دولار سنويا،يجب الاستفادة من التجربة اليابانية خاصة في التعليم لأنها من أرقى وأهم التجارب في العالم .
كوريا الجنوبية تتميز هي الآخرى بتجربة فريدة من نوعها ، كانت حتى بداية الستينيات واحدة من أفقر الدول الآسيوية المعتمدة على الزراعة مع نسبة أمية عالية ونقص في الموارد الانتاجية اللازمة لعملية التنميةلكنها استطاعت خلال أربعة عقود تحقيق معجزة اقتصادية منذ خطة التنمية الاقتصادية الاولى عام 1962 ، اعتمدت على الصناعات التي تحتاج إلى عمالة كثيفة في البداية، ثم تحولت لأهم منتج للصلب والسفن والسيارات، وباتت رائدة في مجال الصناعات الالكترونية فتحولت من دولة معدمة إلى عضو بمجموعة العشرين، وبات دولة صناعية تحتل المركز الثالث على مستوي آسيا ،والعاشر على مستوى العالم بعد أن كانت دولة تعيش على المساعدات أصبحت تقدم مساعدات تنموية لعدد من دول العالم الثالث.
كذلك مرت كازاخستان بظروف اقتصادية صعبة حتى اوائل التسعينيات ، فلم يكن لها ترتيب في مؤشرات التنافسية العالمية مع ذلك استطاعت في فترة قصيرة التغلب على هذه العقبات وباتت نقطة جذب إقليمية للاستثمارات فخلال الفترة من 2005 إلى 2012 بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية 160 مليار دولار أمريكي وخلال 15 عاما تضاعف الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 16 مرة.
ليس معنى أننا نعيش في عالم يعاني من التباطىء الاقتصادي ووجود ندرة في السيولة وصعوبة في التمويل أننا لا نستطيع تحقيق قفزة اقتصادية بل على العكس فكم من أزمات اقتصادية مرت على العالم ومن بينها أزمة 1997 وخرجت منها الدول القوية اقتصاديا اليوم أكثر قوة ، فقط يجب الاعتماد على النفس عند التفكير في جلب موارد للدولة لا نريد تفكير هواة بل محترفين يغري أصحاب رؤوس الاموال في الداخل والخارج بالاستثمار حينئذ نكون على الطريق الصحيح.