كتاب 11
حسين شبكشي يكتب : الخشية من ألا يصدقنا أحد!
لديّ صديق قديم هاجر إلى بلاد الغرب منذ سنوات طويلة، وانخرط بنجاح لافت ومميز في مسيرته المهنية هناك، متألقًا في مجال تخصصه، وكذلك في المجال الأكاديمي التعليمي المصاحب.
تغير الرجل مع الوقت فاكتسب صفات جديدة، وكانت للغربة بصمتها عليه فمنحته بعدًا شموليًا وحكمة عميقة، وأصبح يرى الأمور بخلطة خاصة تستدعي الاحترام وتجبر المتلقي على الإنصات.
وكانت له التعليقات الحادة على أحداث المنطقة بشتى أنواعها، وأتذكر تعليقه على سلسلة من الأحداث الإرهابية التي أتت متلاحقة على المنطقة العربية، وذلك في مواقع مختلفة تبعتها فورًا مجموعة من العمليات الإرهابية التي ضربت القارة الأوروبية، وتم اكتشاف خلايا إرهابية يقف وراءها متطرفون من أصول عربية، فما كان منه سوى إرسال رسالة صغيرة بالهاتف الجوال تقول: «وبعدين معاكم؟»، فما كان مني سوى الاتصال به وبادرته بالسؤال: ما الذي تقصده برسالتك يا عزيزي؟ قال لي: وهل الرسالة بحاجة لسؤال منك يا عزيزي؟
الموضوع واضح وضوح الشمس في كبد السماء. عندكم في عالمكم العربي مشكلة البعض مع تفسير الفقه الديني. قلت له وضّح أكثر، قال لي: قارن المسلمين في العالم العربي وفي إندونيسيا وماليزيا وتركيا وكأن الفريقين ينتميان لعالمين مختلفين لا علاقة لهما ببعض، بل لا تذهب بعيدًا.. قارن بين المسلمين في الهند وجيرانهم في باكستان، يبدو لي فارق مهول في الفهم والعيش والإقبال على الحياة والتعامل مع الآخر. ثم ختم حواره معي، وقال لي نصيحة أخيرة في هذا الموضوع: لا تبحثوا عن «شماعة» في الخارج تعلقون عليها «الخيبات»، ابحثوا في الداخل وانظروا حولكم بشكل دقيق وعميق وصادق، واسألوا أنفسكم هل تودون أن تكونوا جزءًا من هذا العالم، أم ترغبون في البقاء خارجه بشكل معزول ومهمش؟
أنهيت المكالمة المختصرة معه والتي كانت مليئة بالكلام «الثقيل». لم تكن هذه المعاني تصلني بهذا الشكل لأول مرة أبدًا، على العكس، بل هي تتكرر بشكل مستمر في مناسبات مختلفة، ولكن هذه المرة كان لها صدى مختلف. العالم لم يعد لديه القدرة على «تحملنا»، ولا «تفهم» الكثير من مواقف بعضنا وتناقضاتهم، بل وازدواجية خطابهم الداخلي والخارجي، فيما يتعلق بالعلاقة مع الآخر، حتى تحول الأمر مع الوقت إلى مسألة لا يمكن تفسيرها، وبالتالي لا يمكن الدفاع عنها. اليوم لدى الكثيرين في الغرب القدرة على ترجمة وتفسير الكثير من مفرداتنا في طروحاتنا، وبات من المستحيل أن «نضحك» عليهم بمعسول الكلام، بينما يستمر الطرح العملي مليئًا بالخط العكسي المناقض.
حقيقة الأمر أن المسألة اليوم تحولت إلى خطاب وجودي واختيار واضح؛ هل نريد أن نكون جزءًا من المجتمع الإنساني حول العالم، أم أن نكون جزءًا من المعسكر الغاضب؟ الإجابة بحاجة ماسة إلى أن تأخذ الشكل العملي الحقيقي والملموس، فبغير ذلك لن يصدقنا أحد بما في ذلك أنفسنا.