كتاب 11

02:47 مساءً EET

الاتحاد الأوروبي و«الحاج» كاميرون

رئيس الوزراء دافيد كاميرون  يخوض  مغامرة  قد تدمر حياته السياسة.

رفع رايته  فوق بارجة الخضوع للاتحاد الاوروبي بينما  يبحر اكثر من نصف ناخبي  بريطانيا في أسطول  معارض؛ بعض سفنه  يوجه البوصلة بعيدا عن  مياه الفيدرالية الأوروبية والبعض الاخر  لم يكتف بتوجيه مدافعه نحو بروكسيل بل بدا اطلاقها اتجاه سفن تبحر رافعة  العلم الكاميروني.

يوم الجمعة القادم نرافق كصحفيين الزعيم البريطاني في مهمته  ليواجه ٢٧ زعيما اخر في قمة مجلس الاتحاد الاوروبي ، التي وعد الناخب بان يعود منها بتعهد من المجلس بإصلاحات يطالب بها البريطانيون؛ ومعظمنا يتفكه متنبئا بخيبة امل لم يتوقعها رئيس الوزراء.

المخاطرة التي غامر بها كاميرون لها نصلان  قد يرتدا الى صدره.

النصل الاول مفاوضته على قضية فرعية  هي  منع المهاجرين الاوروبيين  من  منح الدعم الاجتماعة قبل العمل ودفع الضرائب لاربع سنوات  مدعيا ان ذلك سيقلل  جذب بريطانيا للمهاجرين، بينما  جوهر القضية هو اعادة السيادة التي فقدها برلمان وستنمتسر   لمفوضية بروكسيل غير المنتخبة . والمطلوب تعديل معهدتي مستريخت ولشبونة بحيث تعيد السادة للبرلمان البريطاني، وبدون تعديل المعاهدة بفان اي وعود او ” اصلاحات” تعد بها اوروبا لاتساوي قيمة الورق المكتوبة عليخ مثلما تقول النائبة العمالية جيزيلا ستيورات، الالمانية الاصل والتي تقود تيارا في حزب العمال يريد الخرةج من اوروبا  الاتحادية.  النصل الحاد الاخرممارسات  كاميرون التي تفقده مصداقيته مع الناخب خاصة وان الاتحاجلت العمالية التي كان كاميرون يراهن عليها لدعم اروبا ارسلت تحذيرا بان المهاجربن من اوروبا يهددون العمال البريطكانيين في ارزاقهم.

في اجتماعات مجلس الوزراء  طوال الاسابيع الستة الماضية ذكرهم كاميرون  ”  بالمسؤولية الجماعية المشتركة ”  collective responsibility اي  الالتزام بخط الحكومة. ولان ثلث عدد الوزراء يدعمون تيار الانفصال عن اوروبا في حال عدم حصول لندن من المجلس الاوروبي ( المكون من زعماء الدول ال 28) على تعهد قانوني بعدم المضي في مشروع الوحدة الفيدرالية، اي بتعديل المعهدة الاوروبية، وهو ما يتجنب كاميرون ذكره.  كما يخفي وزراء اخرون رغبتهم في الخروج من الوحدة الاوروبية. اتخذ المجلس قرارا بعدم مشاركة الوزراء في حملة الدعاية( مع  او ضد) الا بعد القمة الاوروبية التي ستبدا يوم الجمعة في بروكسيل.

لكن كاميرون ناقض التعليمات التي اصدرها للوزراء حيث استغل اربعة لقاءات اذاعية وخمس خطب في مناسبات عامة بالترويج للبقاء في الاتحاد الاوروبي . طرق غير نظيفة  وشريفة في الدعاية ادت الى ارتفاع نسبة الراغبين في الخروج من الاتحاد الاوروبي بخمسة نقاط في المئة، وخسر معسكر البقاء في الوحدة الاوروبية ثلاث نقط اخرى بعد خطوة مناقضة للديموقراطية: وجه كاميرون نواب  حزب المحافظين في البرلمان الى  ” تجاهل” رغبة الناخبين في الدائرة رغم ان اغلبيتهم يعارضون فكرة الفيدرالية الاوروبية مما جعل قواعد الحزب الجماهيرية تستشيط غضبا.

تعود الناخب )في اي مكان )  على تحربأ ( او حربئة) رجل السياسة ليظهر بلون البيئة السياسية والاجتماعية التي يقف وسطها؛ لكن  التراجع  عن  الوعود الانتخابية في حال الاتحاد الاوروبي بالذات له بالغ السلبية في ذاكرة البريطانيين لتكرر خداع المؤسسة الحاكمة للشعب.

في عام 2002 سألت رئيس الوزراء وكان وقتها توني بلير  ( سبعة اعوام قبل ان ينكث وعده باجراء استفتاء على ” الدستور الاوروبي الموحد” نحو وحدة اندماجية اوروبية)  عن موقفه اذا صوت الشعب بالرفض ؟ فاجاب ضاحكا ” … سنظل نعيد الاستفتاء ونعيده.. ونعيده … حتى يجيب الشعب بنعم!”

بعدها باربع سنوات صوت الايرلنديون برفضه  وكشفت الاستطلاعات رايا عاما مشابها في فرنسا وهولندا، لجا الساسة للخديعة . بعد بضعة اشهر اعادوا الاستفتاء في ايرلندا ولجا اساسة الي سياسة التخويف، اي تهديد الايرلندين بايقاف الدعم المادي وايضا حرمانهم من السفر للعمل في بلدان غنية كالمانيا ، وفي الوقت نفسه اغرقوا ايرلندا بالدعم فصون الايرلنديون بالبقاء بنسبة اكث امثر من النصف بقليل.

تشاور بلير  وقتها (  ” تامر” في وصف البعض وقتها) طوال عام 2008  مع زعماء اروبيين فغيروا  معاهدة ” الدستور الموحد” اسما لا مضمونا الى ” معاهدة لشبونة”  التي وقعها بلير في ديسمبر 2009  متهربا من الاستفتاء. ولمتخيل ان  حسن ارتكب مخالفة، فغير اسمه بعد اداء الحج الى ” الحاج حسن” ليتهرب من مواجهة القانون !

قبل مناورات الحاج كاميرون  وسابقه الحاج بلير سبقهم الحاج جون ميجور رئيس الوزراء الاسبق.

فحتى اجبارها على الاستقالة في نوفمبر 1990 كانت رئيسة الوزراء  الحديدية مارغريت ثاتشر(و كانت متحمسة لمشروع السوق  الاوروبي  وليس الفيدرالية الاوروبية) مصرة بعناد فولاذي على ابقاء مسافة سياسية ومالية/اقتصادية بين بريطانيا وبين مسار قطار الوحدة الاوربية ( بسائق الماني و”عطشجي” فرنسي).  وكانت اجابتها الدائمة ” لا ..لا .. لا ياسادة”  في مفاوضاتها مع زعماء اقوياء دهاة كجاك كشيراك والمستشار الالماني هليموت كول  واصرت على استعادة ثلث ما تدفعه بريطانيا لميزانية المجلس الاوروبي ((rebate   ، حتى تنازل بلير عن نصف  ما استعادته السية الحديدية ( وارتفعت مساهمة بريطانيا اليومية  الى 55 مليون جنيه استرليني  قرابة 80 مليون دولار – وفوقها دفعت بريطانيا في نهاية 2014  مايسااي 800 مليون جنيه اضافية لان اقتصادها تحسن بنسبة كبيرة  وهي احدى البنود في معاهدة لشبونة التي اخفوها عن الشعوب، اي زيادة مساهمة البلد ماليا في حال تحسن الاقتصاد).

موقف ثاتشر المتشدد في الثمانينات والتسعينات كان فرامل تبطيء اندفاع قطار المفوضية. معاهدة ماستريخت وقعها  الحاج ميجور  بعد استقالة ثاتشر  باكثر من عامين، وخدعت حكومته  الشعب باخفاء السلبيات كفقدان برلمان وستمنستر سيادته على تعديل القوانين لصالح مفوضية بروكسيل وراء فاترينة وعود بايجابيات كتحسين حقوق الانسان  .

في 1975 صوت البريطانيون ( في اول واخر استفتاء ) بالموافقة على الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة European economic community  ( ادى القبول الى الاندماج الاول فتعيير الاسم الى المجتمع الأوربي  European community ….)

 

وصف نابليون بونابرت  بريطانيا بامة من اصحاب المتاجر الصغيرة.

اسس البريطانيون امبراطورية لاتغرب عنها الشمس بالتجارة قبل الفتوحات العسكرية، فقبلوا سوقا مشتركة تروج تجارتهم ، لكن اخفى الساسة الهدف الحقيقي من المشروع الاوربي الذي يتفاوت مفهومه من بلد لأاخر .

البلدان النواة المكونة  للسوق الاوروبية المشتركة ( قبل انضمام بريطانيا في 1973) فرنسا وايطاليا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورج والمانيا ( الغربية وقتها)  عانت كلها بلا استثناء  من  احتلال عسكري نتيجة حروب او حكم نازي/ فاشي؛ ومن ثم فالتحول الى دولة فيدرالية كبرى يعتبر مفهوما ايجابيا لشعوبها  اذ يقلل من كل من : فرصة الحرب و فرص  نمو تيارات قومية متطرفة كالفاشية والنازية ( ويشاركها في ذلك شعوب عانت من الحكم الشمولي كالبلدان التي انضمت حديثا وكانت ضمن  حلف وارسو او كانت  جمهوريات سوفيتية).

الوحدة الاوروبية مفهوم سلبي في  بريطانيا التي عرقل شارل ديجول دخولها الى السوق المشتركة لسنوات لوعيه بالطبيعة البريطانيية الفردية والتجارية المختلفة عن العقليات الاوروبية ، وايضا اعتبر ديجول  بريطانيا حصان طرواده  للسياسة الامريكية يتسلل الى حصن يحرس هو مدخليه الغربي والجنوبي والمانيا تحرس مدخليه الشرقي والشمالي.

وبينما يعتبر الشعب الالماني الفيدرالية حماية من تكرار تجربة النازية فزعمائها يخفون اهدافهم بعيدة المدى الاستراتيجي عن الشعب.. المستشارة انغيلا ميركيل تحاول تحقيق ( بالاقتصاد والمراوغة والفيدرالية)  ماعجزت المانيا عن انجازه بحربين عالميتين. اي تحقيق  حلم بسمارك اي اوروبا موحدة ( من الاطلنطي غربا حتى البحر الاسود شرقا ومن المتوسط جنوبا حتى بحر البلطيق شمالا)  تحت النفوذ الالماني. وما دعوة مليون مهاجر يتكاثرون بنسب تبلغ اربعة اضعاف الاوربيين الا خلق شرائح ديموغرافية تدين ( واولادهم) لسنوات قادمة لها ولالمانيا بالولاء.

ألأامر الاخر هو اصرار ادارة اوباما ( والمؤسسة الساسية الامريكية على بقاء بريطاني في الاتحاد الاوروبي )؛ فاورلاوبا فيدرالية تعتي جيش اوروبي موحد او على الاقل مؤسسة عسكرية اوروبية تتولى المواجه مع روسيا وتتحكل ميزانيات البلدان الاوروبية مصاريف الدفاع والتي يتحملها حاليا حلف شمال الاطلنطي ومعظم ميزانيته يتحكلها دافع الضرائب الامريكي .

وكل من مفهومي السيطرة الالمانية وجيش اوروبي موحد  يزيدان من سلبية قبول الاتحاد الاوروبي لدى البريطانيين التي تشكل الحرب العالمية الثانية قاعدة مهمة في وعيهم الجماعي..  واذا خيبت قمة بروكسيل الجمعة القادم  امال كاميرون فليبد في تحضير مراسم  جنازته الساسية.

التعليقات