كتاب 11
الإمارات وصناعة الغد!
خلال فعاليات القمة العالمية للحكومات التي تعقد في دبي بالإمارات العربية المتحدة، أطلق رئيس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد سلسلة من القرارات النوعية المميزة التي استحوذت على اهتمام العالم العربي، وذلك فيما أطلق عليه أكبر مجموعة من القرارات التطويرية في تاريخ الحكومة الإماراتية.
من أهم القرارات التي صدرت كان استحداث منصب وزير دولة للتسامح، وذلك لأجل ترسيخ التسامح كقيمة أساسية في المجتمع، وكذلك إنشاء مجلس لعلماء الإمارات يضم نخبة من الباحثين والأكاديميين بهدف تقديم المشورة العلمية والمعرفية للحكومة، وكذلك تكليف وزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل بملف ما بعد النفط، ومتابعة البرامج والسياسات المتعلقة بالاستعداد لهذه المرحلة المهمة.
كذلك تقرر إنشاء مجلس شباب الإمارات، ويضم نخبة من الشباب والشابات ليكونوا مستشارين للحكومة في قضايا الشباب والمجلس سترأسه وزيرة دولة للشباب لا يتجاوز عمرها 22 عامًا لأن الاعتقاد الراسخ هو أن طاقة الشباب هي التي ستحرك حكومات المستقبل. وكان الخبر الأكثر تداولاً هو إنشاء واستحداث وزارة السعادة ليكون عليها وزير مسؤول عن تحقيق السعادة بالمعنى التنموي والحقيقي لينعكس على جودة الحياة ونفسية من هو مقيم على أرض الإمارات.
الإمارات العربية المتحدة كانت دومًا سباقة في كثير من قراراتها الإدارية حتى سبقت الكثير من الدول الموجودة في المنطقة وتحولت مع الوقت إلى «كوكب» آخر وليس مجرد بلد مجاور. ولكن بعد إعلان الإمارات عن تأسيس وزارة للسعادة بات من المعتقد أن هذه الخطوة تجاوزت حدود الاستفزاز وأصبحت بمثابة إعلان حرب على الأمة كلها وطبعًا هذا من باب التندر والطرافة. الحالة الذهنية التي تفكر فيها الإمارات تستحق الدراسة، فمنذ سنوات طويلة كنت قد التقيت برئيس وزراء مصر عاطف عبيد وفي سياق الحوار تطرقت معه إلى مشكلة في مصر وقارنت بين المشكلة ذاتها وأسلوب معالجتها في دبي، فما كان منه إلا أنه أنهى الحوار وقال: معقول تقارن دبي بمصر! ومضى – رحمه الله – بعيدًا. وهناك المشهد الآخر مع مجموعة من رجال الأعمال اللبنانيين الذين انهمكوا في مديح بيروت وأهميتها وعراقتها ومزاياها، وعندما قلت لهم: ولكن دبي اليوم باتت أهم مركز للأعمال في المنطقة، فما كان من أحدهم إلا الضحك، وبسخرية شديدة أضاف قائلا: بس البلد بلا روح، ومع احترامي لكم لكن هناك فارقًا حضاريًا كبيرًا جدًا. وهناك المشهد الذي لا أنساه عندما كنت مع مجموعة من رجال الأعمال الخليجيين الذين وجدوا في دبي لحضور مؤتمر مهني متخصص وكان الحديث عن دبي وأهميتها المتصاعدة في المنطقة، فما كان من أحدهم إلا أن علق قائلاً إن دبي أصغر من المدينة التي أتيت منها، بل إنها بحجم بعض أحيائها، وتمعنت في ما قيل وأدركت أنها تعليقات ناس مغيبة خرجت من التاريخ، وبالتالي فقدت القدرة على التواصل مع الحاضر وبالتالي المستقبل.
هذه هي أساس المعضلة دون شك. هناك حالة ذهنية جديدة تصنع في الإمارات وأساسها هي صناعة الإنسان بعد سنوات من اتهام الإمارات أنها مهتمة بصناعة أبراج عملاقة ومراكز تسوق فقط.
صناعة الإنسان تكون دومًا بالقرارات غير التقليدية لكسر النمطية والخروج من عنق زجاجة التفكير وهذا ما يحصل في الإمارات اليوم.