أفضل المقالات في الصحف العربية

09:31 صباحًا EET

الثلاثون من حزيران وحساب أطول سنة في تاريخ مصر!

 
المعيار الزمني والعددي ليس الأساس في حساب الأيام، وتحسب أيام الإنسان وتاريخه بحصيلة التجربة والمعرفة والحضارة ومستوى التقدم والاستقرار. وحساب الأيام بعيدا عن الأرض مختلف، فاليوم بنهاره وليله على سطح القمر مثلا مُقدر بسبع ساعات، ومعياره ما زال محصورا في مجاله العددي والزمني، فالحياة عليه لم تبدأ بعد. واليوم على الأرض أكثر من ثلاثة أضعاف يوم كوكب القمر، بحسابات دورة الشمس حولها، وتستغرق ثلاثمئة وخمسة وستين يوما وأربعة وعشرين في الألف من اليوم، ولا تستمد أهميتها وقيمتها من توالي الليل والنهار وتتابع الساعات والدقائق فحسب، إنما بنوعية الحياة في جودتها أو بدائيتها، والحياة الجيدة أكثر يسرا، ونقيضها يُشعر المرء وكأنها الدهر، بسبب المعاناة والضنك والبؤس.

وبعد أيام قليلة يتم محمد مرسي سنة كاملة جالسا على عرش مصر، ومطلوب منه أن يتقدم بكشف حساب عنها، وكثيرا ما تسمع أن يوم حكم مرسي يعادل دهرا من حكم غيره. ومن الطبيعي أن ينشغل المواطن بما أنجز الحكم وما لم ينجز، ومن عادة شعب مصر أنه لا يتعنت مع حاكمه إلا بسبب ضعفه واستسلامه. ومرسي يقوم بدور ‘المحلل’ لعلاقة غير شرعية بين مكتب الإرشاد والحكم، وحول نفسه لواجهة وحائط صد عن مكتب الإرشاد، والشعب بفطرته يعرف أصحاب القرار.والمصريون لم يكونوا ضد مرسي وقد منحوه أغلبية أصوات ناخبيهم، ولبوا طلبه بمهلة المئة يوم لتوفير الرغيف واسطوانة الغاز المنزلي (البوتاغاز) وإنهاء النقص في الوقود والمحروقات (السولار والبنزين)، وإعادة الأمن ومعالجة ظاهرة ‘البلطجة’ ومنع فوضى المرور والحياة والتخلص من تلال القمامة!. كان هذا وعده وبرنامجه في المئة يوم، وخرج الناس بعد انتهاء المهلة التي حددها هو، وكان ‘صاحب الوعد’ ولم يكن غيره!.واستنكر ‘الأهل والعشيرة والجماعة’ سؤال الناس عن فشل ما وعد به، وقد صور نفسه رجلا خارقا (سوبرمان)، فوجدوه مخلوقا عاديا، وبدلا من اعتذار واجب من مكتب الإرشاد الحاكم؛ زود مرسي بأرقام لإنجازات وهمية، وأكد زيفها وهو يردد أسئلة من قبيل ماذا يمكن أن يحقق مرسي في مئة يوم أمام كم الأزمات الطاحنة والمشاكل المزمنة والأعباء الثقيلة، وهو بذلك يقول بالشيء ونفيه. وجاءت مذبحة القصر الجمهوري؛ المعروف بـ’الاتحادية’ وتعذيب المحتجين على أسواره وسقوط الثوار شهداء داخله، لتتلطخ يد مرسي بدم الشهداء. والحاكم الذي تتلطخ يداه بدماء شعبه لا ولاية له، ومن يومها كنا من بين من اعتبروا أن مقعد رئيس الجمهورية شاغر ينادي من يشغله، وأعتقد أن ذلك هو الذي حرك ‘حملة تمرد’.كان الفشل عنوانا لمهلة المئة يوم الأولى، وأذن ذلك بفيضان وطوفان من السخرية غير المحدود؛ من شعب ساخر بطبعه، ويشهد له العدو قبل الصديق بأنها سلاحه في المقاومة، ولها مفعول السحر ضد الحكام.وإذا كان مرسي واجهة منفرة لمكتب الإرشاد ‘القطبي’، الذي يتخذ العنف سلاحا، وهذا جعله مُنجِزا في جولات الانتقام و’التمكين’، ومن خلال ‘الأهل والعشيرة والجماعة’، وأُعلِنت الحرب ضد الشعب وكل سلطات الدولة ومؤسساتها، وإنجازات الانتقام والتمكين حسبت في ميزان ‘الحسنات القطبية’، وبها تمكن مكتب الإرشاد من السلطة التنفيذية، وهيمن على التشريع فمنح مجلس الشورى صلاحيات لم تكن له منذ قرار إنشائه الذي أصدره السادات في 1980، وقطع مكتب الإرشاد شوطا طويلا على طريق شق السلطة القضائية، ويدير معركة حياة أو موت مع الإعلام والصحافة، وإذا كان مرسي واجهة إدارة معارك الانتقام و’التمكين’، وحصيلة الانجازات والنجاحات (بالمعنى السلبي) تشهد بأن مكتب الإرشاد لا يستطيع العمل بغير الاعتماد على نظرية المؤامرة، وبها تم تجريم العمل الثوري، فالثورة لديهم مرادف للبلطجة والثوار صناع للخراب!.وكشف الحساب الذي يقدمه مكتب الإرشاد عن عام من عمر حكمه سيقول أنه ناجح، وهذا صحيح من وجهة نظر مكتب الإرشاد. وتقويض أركان الدولة أهم الإنجازات، ومعارك كسر العظام ضد الإعلام والقوات المسلحة والأمن، وتمكين وزير داخلية إخواني أعاد الدولة البوليسية إلى أسوأ مما كانت عليه، وفي الاقتصاد تمكن من السيطرة على مجمل النشاط الاستهلاكي والريعي وتجارة العملة والسياحة الدينية، وتوظيف الأموال بديلا للمصارف والقنوات الشرعية، وتحول إلى نشاط طائفي ومذهبي وعشائري، وبين كر مرسي وفَره كسب مكتب الإرشاد بالنقط، حين يلتقي مرسي بالهيئات القضائية مثلا، ويترك لمكتب الإرشاد مهمة تحريك المليشيات والأنصار الاعتداء على مرافق القضاء وحصارها وحرقها، وهذا يحسبه البعض تناقضا وهو في حقيقته عقيدة ونهج عمل يعتمد الإزدواجية والتقية معا.وبنفس العقيدة والنهج أعلنت الحرب على كل الجبهات، بما فيها التفريط الكامل في الحقوق المائية. بشكل أضر بمصر ودورها ووزنها. ترك سيناء عن رضا فريسة لجماعات جهادية، ومن تكفيريين استحلوا دماء وأرواح الجنود البواسل، في الوقت الذي يفرج فيه عن رموز الإرهاب والعنف الدموي يضع الثوار والأبطال في السجون والزنازين!، ولم يكتف مكتب الإرشاد بذلك العار، فمنح قناة السويس، التي استشهد في حفر مجراها والدفاع عنه عشرات الالاف من المواطنين، ويعمل على تسليمها لوسطاء وسماسرة عرب.التفاصيل عن الإنجازات السلبية لمكتب الإرشاد أكبر من أن تحصى والجريمة الأكبر ارتكبها مكتب الإرشاد في حق الدين ذاته، وبسببه تشوه بتأثير الصور المسيئة التي ألقت بظلالها على سلوك الأفراد، كرد فعل على التمييز والاستعلاء والعنف والاغتيالات المادية والمعنوية، فظهر بين المصريين من يعلن إلحاده ويجاهر به في سابقة هي الأولى في تاريخ مصر، وموقفها الإيجابي من الدين عميق وتاريخي، وسابق للأنبياء والرسل. وهذا شد غزاة وأباطرة وتأثروا به، وتغيرت هذه الصورة، وأمامنا مثلان أحدهما تاريخي وإنساني يمثله الإسكندر الأكبر، وتقربه إلى المصريين عن طريق الدين، والنموذج الآخر لمواطن مصري يعتدى عليه بسبب الدين لكونه ملتحيا، وذلك نفورا من ‘حكم المرشد’.والإسكندر الأكبر كان ملكا مقدونيا وأشهر قائد سياسي وعسكري في التاريخ؛ وُلد سنة 356 ق.م، وتتلمذ على أرسطو حتى بلغ السادسة عشرة، وحين وصل الثلاثين من العمر كان قد شيد أكبر إمبراطورية عرفها العالم القديم، ولم يتعرض للهزيمة في أي معركة خاضها مطلقا. ولما فتح مصر قام بزيارة معبد آمون بواحة سيوة بالصحراء الغربية، وآمون هو المقابل لإله الإغريق زيوس، وقوبل من الكهنة بحفاوة وتولوا تنصيبه فرعونا وتعميده ابنًا لآمون أكبر الآلهة، ولبس تاجه، وهوعلى هيئة رأس كبش ذي قرنين، وكان علامة الخلود. ولم يكتف بعبادة الإله المصري إنما حرص على إبقاء نظم الإدارة المصرية، ووزع الحكم بين المصريين والإغريق؛ للإغريق السلطة العسكرية والمالية، وللمصريين سلطة الإدارة والسياسة، وقسم السلطات بالتساوي، ولم يعين حاكمًا مقدونيًا أعلى، ومن باب الدين كسب قلوب المصريين وتأييدهم، وأبقى الإسكندر على ‘منف’ عاصمةً لمصر، لذا كان حكمه نقطة تحول في تاريخها. إذ دخلت طورًا جديدًا من أطوار حضارتها المتنوعة. واستعرض قواته وهو يترك مصر؛ وسط مهرجانً رياضي وثقافي وفني رمز فيه لتزاوج الحضارتين العريقتين، وهذا أفرز جالية يونانية ممصرة والتي تسمى باسمها ‘الأقباط’؛ استوطنت مصر وشكلت الغالبية العظمى من المسيحيين الأرثوذكس، ومنهم من تمصر، وبعضهم تمصر وتعرب، وغيرهم تمصر وتعرب وأسلم، وأوصى الإسكندر رجاله بالعمل على إصلاح المعابد وخاصة معبد الكرنك، الذي أمر بتجديده. وتعيش مصر صورة هي على العكس تماما، فتداعيات ‘حكم المرشد’ أدت إلى الاعتداء على مواطن ملتح بتراكم الصور السلبية عن الذين يحكمون باسم الدين، هذا بالإضافة إلى قيام كثير من المصريين بإنزال خطباء الإخوان من على منابر الجمعة. ولنترك شكوى المواطن تنبئنا عما جرى له أمام بيت مرسي وتعرضه للضرب بالشوم (العصى الغليظة) اعتقادا من الناس انه إخواني. وهذا المواطن اسمه طاهر موسى روى حكايته لصحيفة ‘اليوم السابع′ السبت الماضي بقوله: أنه ليس منتمياً لجماعة الإخوان المسلمين أو أي جماعة دينية ومن أشد المعارضين، لكن الكثيرين لا يفهمون ذلك لأنه ملتح؟ وتعرض للعدوان عندما رأى شخصين يتشاجران فنزل من سيارته محاولا فض الاشتباك وتحول فض اشتباكهما الى اعتداء عليه بالشوم من رجل كان يردد: ‘ارحمونا بقى أنا كرهت كل اللي بدقون (ذوي اللحى) بسبب اللي إحنا فيه’.جاء على لسان الضحية أنه تعرض لضرب مبرح ليس لشيئ سوى انه ملتح، وحرر محضرا لدى الشرطة بالإصابات التي لحقت به، وكانت كسرا في اليد اليمنى، ولما لم يلق اهتماما من الشرطة ذهب الى بيت مرسي بالتجمع الخامس الفخم، وكانت حالته سيئة، وصرخ بأعلى صوته، أرحل لقد شوهت صورة الإسلام وأصبح كل ملتح مدانا بعد أن أصبحت رئيساً للجمهورية ففوجئ بالحرس الجمهوري والحراس المدنيين يجرون نحوه وكأنه أخطر رجل في العالم؛ على حد قوله. وجاءه ضباط وقيادات من كل مكان وأمسكوا به وجروه وسحلوه على الأرض، وسأل: هل مجرد كونه ملتحياً يدفع الجميع للتعامل معه بهذا الشكل؟. وكان ذلك هو الفرق بين فاتح وغاز دخل إلى قلوب المصريين من باب الدين، وحكام من أهل البلاد ينفرونهم من الذين يحكمون باسم الدين، ليصل الأمر إلى الاعتداء على من يتشبه بهيئتهم كملتحين.هذا بعض ما يمكن أن يحدد الموقف من مرسي في الثلاثين من هذا الشهر، فماذا سيفعل مكتب الإرشاد في واجهته هل يتغير النهج والسلوك، أم يلقي بمرسي جانبا؟، وهذا مرجح، وهل يضع مكتب الإرشاد المصلحة العامة فوق اعتبارات التمييز الطائفي والمذهبي والعشائري؟ أشك في هذا إلى حد كبير!.
 

التعليقات