كتاب 11

09:29 صباحًا EET

السجون في أوروبا تتجه للتعلم الإلكتروني للحد من العودة إلى الجريمة

كان هذا هو عنوان خبر كنت قد قرأته منذ فترة، حيث أظهرت الدراسات أن العمل والسكن والأسرة، بالإضافة إلى الأصدقاء وتأثيرهم والأزمات الحياتية والإقصاء عن العالم الخارجي تمثل العوائق الرئيسية التي تحول دون إعادة إندماج المجرمين السابقين في المجتمع. لذا قام ثلاثون سجناً أوروبياً – في المملكة المتحدة والنرويج وفرنسا ورومانيا وإيطاليا – باستخدام التعلم الإلكتروني لمساعدة السجناء على التغلب على هذه العقبات، على اعتبار أن التعليم من شأنه الحد من النشاط الإجرامي حيث يمكن للإنسان الذي يمتلك الأدوات اللازمة، من كمبيوتر وانترنت، أن يحقق لنفسه مستوى معيشة لائق، أوعلى الأقل سيعزز التعليم من المعايير الاجتماعية التي تُبعد الإنسان عن السلوك الإجرامي الذي غالباً ما يودي به إلى السجن. وقد أظهرت دراسة أجريت في سجون المملكة المتحدة أن غالبية السجناء يعانون من نقص المهارات، حيث ينقص50٪ من السجناء 96٪ من المهارات اللازمة للعمل، بينما يصل مستوى القراءة لدى 43٪ منهم إلى نفس المستوى المتوقع من طفل في الحادية عشر من عمره أو أقل. كذلك، لا يعرف سوى 20٪ فقط من السجناء كيفية القيام بملء استمارة التقدم بطلب للحصول على وظيفة.

ويرى الخبراء أن توعية السجناء وتمكينهم من تطوير مهاراتهم يقوي من فرص حصولهم على وظيفة بعد انتهاء فترة عقوبتهم. حتى في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، يُنظر إلى التعلم الإلكتروني باعتباره أسلوباً مبتكراً مرناً بصورة تتيح للسجناء فرصة تغيير أنفسهم حتى يصبحوا مواطنون صالحون أكثر قدرة على الارتقاء بحياتهم ويجنبهم خرق القانون. كما أن التعلم الإلكتروني يتيح للسجناء فرصة الاستفادة من وقت فراغهم لمتابعة مجموعة كبيرة ومتنوعة من دورات تطوير الذات وثقل المهارات المتنوعة، وبالتالي لا يحدث إخلال بالأنشطة الأخرى المنوطين بها. ويؤكد الخبر أن السجناء الذين مارسوا التعلم الالكتروني أوضحوا أن كثير منهم بعدما بدأ هذه التجربة المبتكرة زادت رغبته في الاستمرار في طريق التعليم حتى بعد أداء عقوبته .
بيد أن فوائد التعلم الإلكتروني تتجاوز فكرة التعليم وتنمية المهارات المهنية. فالتقنيات الحديثة أصبحت جزءاً أصيلاً من عالمنا الحالي، سواء في العمل أو في المنزل. فالتعلم الإلكتروني يتيح الفرصة لاكتساب المهارات الرقمية التي أصبحت ضرورة حتمية لمواطن القرن الواحد والعشرين. وبالتالي فإن السجناء بتمكنهم من استخدام الأدوات التكنولوجية التي أتاحتها الحكومات الأوروبية للمواطنين الذين خرقوا القانون، تزيد ثقتهم بأنفسهم. فعلى سبيل المثال، تقوم المملكة المتحدة حالياً بتقييم الفوائد التي سيحققها السجناء حيث سيصبح قريباً بامكانهم عبر الانترنت التعرف على سبل الدعم المالي وفرص العمل المختلفة والخدمات العقارية. ولذلك، فإن عدم حصول السجناء على مهارات الكمبيوتر اللازمة سيحرمهم من فرص العمل التي تتيحها محركات البحث الألكتروني. وبالإضافة إلى ذلك، فإن شبكات التواصل الاجتماعي يُنظر إليها كوسيلة يُمكن اللجوء إليها لإعادة إدماج السجناء السابقين في المجتمع ومساعدتهم على مكافحة الشعور بالوحدة وصعوبات الاندماج في المجتمع.
قد يكون الوقت مبكراً للغاية للحديث عن فعالية التعلم الالكتروني كأداة لإعادة تأهيل السجناء على الرغم من أنه منطقياً ستثبت هذه الوسيلة فعاليتها للحد من السلوك الاجرامي بعد إنهاء العقوبة. قد يثير استهجان البعض اهتمامي بخبر محو الأمية الرقمية لدى السجناء في بلد كمصر يعاني أكثر من 40% من المواطنين الصالحين بها من أمية القراءة والكتابة. ولكن هناك الكثير من الأمور التي أثارت أشجاني عندما قرأت هذا الخبر فيما يتعلق بالوضع في مصر.
في الدول التي تعني بتطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان، المواطن له حقوق حتى وإن أذنب والدولة مسئولة عن تأهيل المواطن ورعايته حتى وإن كان سجيناً إلى حد الاهتمام بألا يشعر السجين بالوحدة أو يصاب بالاكتئاب أثناء سجنه بينما في مصر الناس يموتون في المظاهرات، ولا يزال التعذيب والإهانة منهجاً في سجون ومحابس غير آدمية. لا اطالب بإدخال الانترنت في السجون ولكن هل من الممكن أن يحصل المواطنون الصالحون في المناطق النائية على نفس معاملة مساجين أوروبا. لنعتبرهم سجناء قراهم ومدنهم النائية ونجعل منهم مواطنون للقرن الحادي والعشرين، لنساعدهم على القضاء على أميتهم، أمية القراءة والكتابة والأمية الرقمية، من خلال استخدام الانترنت. لنضمن لهم وسيلة البحث عن عمل، بل لنساعدهم على خلق فرص عملهم كما يفعل العالم حالياً.
إن الأمر ليس بالصعب المكلف، بل على العكس فإن الاستعانة بالوسائل التكنولوجية هي وسيلة فعالة لتوفير الموارد المالية وضمان استمرارية أي مشروع. الناس في مصر تحتاج أن تدرك أن التعليم المستمر أصبح جزء من حياتنا العصرية. الناس تحتاج أن تكتسب ثقافة الانتاج وتعتمد على نفسها في تحسين أوضاعها المعيشيه. فهل من الممكن أن يكون ذلك جزء من مشروع نهضة حقيقي: خطة عملية لاستغلال السبل التكنولوجية لتحسين مهارات الفرد والقضاء على تبعيته الاقتصادية، والفكرية أيضا. ولكن لذلك حديث آخر.

التعليقات