كتاب 11
الخيانة العظمى
لا يوجد أمريء لا يحب وطنه ولا يهب للدفاع عنه في أوقات الشدة والتصدي للأعداء ودحر الغزاة والطامعين والدفاع عن الأرض وشرف الآباء والأجداد، وتسجيل البطولات الخالدة والوقوف في وجه من يطمعون في خيرات الوطن وسرقة ثرواته قديماً وحديثاً، وكثيراً ما يضحي المرء بحياته وعمره في سبيل رفعة شأن وطنه وأمته ليغدو بطلاً شهيداً يكتب إسمه بأحرف من نور في صفحات التاريخ والخلود، تتذكره الأجيال جيلاً بعد جيل، ليغدو مثلهم الأعلى في التضحية ونكران الذات يقتدون به في حياتهم. وكثيراً ما يتمنى المرء أن يكون في مقدمة من يسطرون بدمائهم الزكية ملاحم خالدة في النضال في سبيل إعلاء شان الوطن واستقلاله دون أن يرضى بديلاً عن ذلك.
غير أن هناك في كل زمان ومكان من يرتضون لأنفسهم الإقدام على خيانة وطنهم وأمتهم وشعبهم وبيع ضمائرهم وتاريخهم الشخصي إن كان لهم تاريخ وشخصية، والتعاون مع أعداء الوطن ، لينالوا الخسران والعار ,و يبقوا منكسي الرؤوس..
تعريف الخيانة العظمي هو عدم الولاء، والعمل ضد مصالح الدولة التي ينتمي إليها الفرد.
وقد يجد الناس الذين ينتقدون سياسة الحاكم أو أعماله، في بعض الدول، أنفسهم متهمين بالخيانة العظمى. وتوجه هذه التهمة إلى من يتصل بدولة خارجية بهدف تقويض الأمن والاستقرار في بلاده. وتكون العقوبة العادية على هذه الخيانة هي الإعدام أو السجن المؤبد. ويُسمَّى الشخصُ المتهمُ بالخيانة العظمى في العادة خائنا.
ًوالخيانة، وفقًا لعلم التخابر، ليست قاصرة على الجواسيس، الذين يتم تجنيدهم أو زرعهم.. الخيانة تكمن أيضًا فى المسؤول، الذى يفرّط فى أسرار وأمن بلاده، من أجل منافع أو مكاسب شخصية.. أو حتى بحجة أنه كان ينفّذ الأوامر الصادرة إليه، على الرغم من علمه وإدراكه، بحكم منصبه، أن هذا «قد» يؤدّى إلى التفريط فى أسرار الوطن، وتعريض الأمن القومى للخطر..
والأسباب التى تدفع الشخص للخيانة، فى علم التخابر عديدة، ولكن أهمها وأكثرها شيوعًا خمسة: «المال» و «الجنس» و«العقيدة»، وهى سبب قوى للخيانة.. والمقصود هنا ليس الدين بالتحديد، ولكنه المعتنق، وكذلك "الكراهية" ..وآخر الأسباب الخمسة الأشهر للخيانة، هو «السقطة».. وهذا يعنى أن تكون للشخص سقطة، يمكن استغلالها للضغط عليه، ودفعه دفعًا نحو الخيانة، باعتبار أن تلك السقطة قد تدمّر حياته، والجهة التى تدفعه إلى الخيانة تؤكّد له أن أمره لن ينكشف، وأن خيانته لوطنه فى السر أهون من فضيحته فى العلن، ومن الطبيعى فى هذه الحالة، أن يختار، لخوفه من الفضيحة المؤكّدة، الحل البديل، ألا وهو الخيانة الخفيّة! .
والشخص الذى يخون وطنه، وفقًا للدافع الثانى «العقيدة»، أو الثالث «الكراهية»، لا يرى فى المعتاد أن ما يفعله خيانة عظمى، بل يرى نفسه فى صورة الشخص النبيل، والفارس العظيم، الذى يضحى بوطنه، فى سبيل معتقداته!.. وهو يري عندما يرتكب تلك الخيانة العظمى، أن هدفه سامى. ولذا فأنة لا يضع للوطن أى اعتبار، وأنه لا قيمة للوطن أمام ما يؤمن به، وأنه ليس خائنًا، بل هو بطل الأبطال، ورسول العدالة الإلهية، لتسييد المبدأ على كل الأوطان.. ولهذا فهو يؤدّى دوره فى حماس وقوة، ويقاتل باستماتة، فى سبيل تدمير وطنه، من منطلق أن هذا هو السبيل الوحيد لإعلاء المبدأ، الذى يؤمن به..
وإذا ما سقط ذلك النوع من الخونة، فهو لا يعترف أبدًا بأنه خائن، ويرى ما أصابه أشبه بملحمة بطولة، خسر فيها البطل فى النهاية، ليعلى من قوة ونشوة الملحمة!.
ومن ناحية اخري هناك نوع آخر، من أولئك الذين يرتكبون جريمة الخيانة العظمى، ألا وهم أولئك الذين يدركون أنه هناك مَن يعمل على تهديد الأمن القومى للبلاد، ثم يقفون صامتين ساكنين، يراقبون ما يحدث، دون التصدّى له، أو العمل على وقفه، أو الحيلولة بينه وبين بقاء الوطن وعزّته واستقلاله.. أولئك يطلق عليهم اسم الخائن الصامت، الذى لا يشارك فى الخيانة، ولكنه يكتفى بمتابعتها، ويتستّر عليها، ولا يحاول منعها..
عموما الخيانة هى الخيانة، والضرر هو الضرر، وإن اختلفت الأزمنة والمسميات.. ولكن لا الخائن، ولا مَن يخون من أجلهم، حتى إن كان وكانوا يتصوّرون أنهم غير قابلين للسقوط، لا بد لهم من الانهيار، إن عاجلًا أم آجلًا، فكل فكر مشابه ساد، ثم باد، فى كل الأزمنة وكل العصور، ولم ينتصر فى النهاية إلا مَن أقام العدل.
واخيرا فأن تهمة التخابر موجودة فى قانون العقوبات وتصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة وتصل العقوبة إلى الإعدام لو أن التخابر مع دولة معادية.
إن خيانة الوطن جريمة كبرى لا تغتفر ويجب إنزال أقسى العقوبات بصاحبها، خيانة الوطن لا تبرر،لأنه ليس هناك أسباب مشروعه للخيانة، ولما كانت كذلك،فليس هناك درجات لها،فأن كان للإخلاص درجات ،فالخيانة ليس لها درجات بل هي عمليه انحدار وانحطاط دون الخط الأدنى للإخلاص. والعقاب على من يخون الوطن قديم قدم البشرية في كل الشرائع السماوية والشرائع الوضعية القديمة والحديثة، فالخونة لا ينظر لهم بعين من الاحترام والتقدير بل ينظر إليهم بعين من الاستهجان والاستخفاف وبسوء الأخلاق وانحطاطها حتى من قبل الذين يعملون لصالحهم ويأتمرون بأوامرهم. فأين هؤلاء من قول الشاعر:
وطني إن شغلت بالخلد عنه ,,,,,,,,, نازعتني عنه بالخلد نفسي. !!
Rania_hefny@hotmail.com