مصر الكبرى
نريد دستوراً يمثل مصر لا جماعة الإخوان
 
 
الآن بعد صدور قرار محكمة القضاء الإداري ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور التي فرضها علينا برلمان الإخوان, وموافقة المجلس العسكري على ضرورة اختيار لجنة جديدة من خارج هذا البرلمان, يجب أن يصر المصريون جميعا على عدم السماح للإخوان باغتصاب ثورة 25 يناير مرة أخرى لكتابة دستور إخواني لا يمثل ثورة شعب مصر.
   فعندما بدأت مظاهرات يوم الغضب في ميدان التحرير في 25 يناير 2011, كانت تعبر عن احتجاج الجماهير المصرية بكافة أطيافها, مطالبة بحل مجلس الشعب الذي سيطر عليه الحزب الواحد, وتعديل الدستور حتى لا يسمح بإعادة انتخاب الرئيس مدى الحياة. وأمام إصرار الجماهير اضطر الرئيس حسني مبارك إلى التنحي عن السلطة في 11 فبراير وتسليم اختصاصاته إلى المجلس العسكري لحين إنتخاب رئيس جديد. بعد ذلك قرر المجلس العسكري حل البرلمان المشكوك في أمره وتشكيل لجنة لتعديل الدستور, ثم قام بإلغاء دستور سنة 71 نفسه وإصدار إعلان دستوري يجري العمل به حتى يتم وضع دستور جديد للبلاد, نصت المادة 60 منه على أن يقوم البرلمان الجديد باختيار اللجنة التأسيسة له.
  ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين لم تشارك في المرحلة الأولى لثورة ميدان التحرير, إلا أنها سرعان ما أدركت وجود فراغ في السلطة بعد سقوط نظام انقلاب يوليو يسمح لها بالسيطرة على السلطة. عندئذ قرر الإخوان النزول إلى الشارع والإنضمام إلى ثورة الشباب, حتى يتمكنوا من فرض سيطرتهم على تطور الأحداث في مصر واستغلال ثورة الشباب لتحقيق أهدافهم الخاصة. وسرعان ما تبينت نوايا الإخوان بوضوح, عندما حضر الشيخ القرضاوي من الدوحة ليخطب في ميدان التحرير بعد سقوط مبارك, ومنع حراسه وائل غنيم – أحد زعماء ثورة الشباب – من اعتلاء المنصة.
    ولما كان الدستور هو النتاج الرئيسي لأية ثورة في العالم, فقد رفض الإخوان كل المحاولة لوضع دستور يشارك فيه جميع المواطنين, وأصروا عن أن ينفردوا هم بوضعه, عن طريق البرلمان الذي يسيطرون عليه. فبعد ثورة 1919 تشكلت لجنة  لوضع دستور سنة 1923 على أساس نظام الملكية البرلماية, تكونت هذه اللجنة من المفكرين ورجال القانون ورجال الدين والأعيان ورجال الأعمال. فلم يحدث في تاريخ النظم الديموقراطية أن يتولى البرلمان اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور, بل وأن يشارك أعضاؤه كذلك في هذه اللجنة. فالبرلمان يعبر عن مرحلة سياسية مؤقتة, ويمكن أن يتغير اتجاهه في الإنتخابات التالية, أما الدستور فيتضمن مبادئ ثابته تحفظ مصالح الأمة بجميع طوائفها واتجاهاتها, وليس لمصلحة حزب الأغلبية.  
    فالثورة عمل جماهيري تشارك فيه الغالبية العظمى من أبناء الشعب  وطوائف المجتمع, بهف تفيير النظام الذي يتم عن طريق كتابة دستور جديد يلغي النظام السابق ويمثل أهدافها. وإذا ما تمكن الإخوان من وضع دستور للبلاد يمثل أهداف الجماعة – وليس أهداف الوطن – فإن ذلك يعني إنقلاب برلمان الإخوان على ثورة جماهير الشعب المصري, وإنشاء نظام يتعارض مع أهداف هذه الثورة. وبينما يصر برلمان الإخوان على أن تكون له السيطرة الكاملة على لجنة الدستور, فهم لا يخفون رغباتهم في إلغاء الدولة المدنية وإنشاء دولة دينية, تلغي فرصة التيارات المعارضة من المشاركة في الصراع السياسي في المستقبل, وتعيد النظام الشمولي للحزب الواحد الذي قامت الثورة للتخلص منه.
   وعلى الجانب الآخر, فرغم حصول الإخوان على الأغلبية  في الإنتخابات البرلمانية, إلا أنهم يتخوفون من إجراء انتخابات حرة لرئاسة الجمهورية. فهم يعلمون جديدا أن الغالبية التي أعطت أصواتها لهم في البرلمان لا تنتمي إلي فكرهم ولا تعرف شيئا عن برنامجهم السياسي. فغالبية الذين صوتوا للإخوان كانوا يصوتون ضد النظام السابق. كما لعبت الهدايا التي وزعها الإخوان على ملايين الفقراء من لحم وسكر وزيت وبطاطين, دورا هاما في حصولهم على أصوات فاقت كل توقعاتهم. أما الإنتخابات الرئاسية فهي شأن آخر, ولو رشح الدكتور محمد بديع – مرشد الإخوان -  نفسه للرئاسة, فلن ينال أكثر من 10% من الأصوات. ذلك أن المصريين لن يختاروا رئيسا لهم إلا بناء على برنامجه السياسي وشخصيته الإجتماعية.