مصر الكبرى

11:09 صباحًا EET

السادة الفقهاء

على استحياء بدأت بعض الأطراف الفاعلة على المسرح السياسي في مصر تقر بأخطاء وقعت فيها منذ لحظة التنحي وحتى الآن، بعدما كان كل طرف، طوال تلك الفترة، يلقي باللائمة أو يتهم دائماً الأطراف الأخرى، ولكن يبقى المشهد سوريالياً غير مفهوم بالنسبة للبسطاء، أو هؤلاء الذين لا تعنيهم السياسة في شيء، ولا يبحثون إلا عن حياة أفضل من تلك التي عاشها آباؤهم وأجدادهم في ظل نظم الحكم السابقة.

عموماً، ينتظر المصريون قرار المحكمة الدستورية الخميس المقبل في شأن مصير مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية، ومهما كان قرار الدستورية فإن المصريين أيضاً على موعد مع مزيد من اللغط والارتباك والآراء والمواقف التي تتجاوز مصلحة الوطن وتصب في مصلحة الشخص أو التنظيم أو الحزب أو الجماعة.
طبيعي أن تختلف رؤى السياسيين تجاه الأوضاع في مصر، ومنطقي جداً أن يحكم هذا السياسي أو ذاك على كل موقف أو قرار أو تطور من زاوية انتمائه السياسي أو قناعاته الفكرية. فيرى الإسلامي مثلاً أن أحمد شفيق جزء من النظام القديم، وأن انتخابه رئيساً للبلاد يمثل إعادة إنتاج لذلك النظام، وأن محمد مرسي معبر عن الثورة وليس «الإخوان» فقط، وأن جلوسه على المقعد الرئاسي يمثل انتصاراً للثورة المصرية. وفي المقابل، فإن أنصار شفيق لابد وأن ينفوا عنه تهمة الانتماء إلى نظام مبارك، وأن يروجوا لمواقف أو إجراءات اتخذها أثناء عمله وزيراً للطيران أو رئيسا للحكومة، تدعي أنه احتفظ بمسافة أبعدته عن الفاسدين أو المتورطين في الظلم والقهر. ومؤكد أن الفريقين حين يدلون بتصريحات لتفسير بعض المواقف أو القرارات ذات العلاقة بالشأن السياسي في البلاد فإن التفسيرات تكون عادة داعمة لشفيق أو مرسي، بحسب من يفسر ماذا!! كل هذا مقبول في السياسة بل وحتى إن بعض الحدة في النقد أو التصيد أو الترصد، أيضاً أمور تصاحب كل منافسة أو سباق في بطولة رياضية وتدخل في مجال الحرب النفسية «المشروعة» لكسب المباراة، فما بالنا بصراع على المقعد الرئاسي في أكبر دولة عربية؟ لكن هذا لا يعني أبداً أن تكون شهادة أحدهم في قضية تنظرها محكمة ما بما يخدم موقفه أو قناعاته السياسية، وليس بحسب الحق أو الحقيقة!! قد يطرح صاحبنا رأيه في إجراءات القضية أو ملابساتها أو حتى الحكم فيها، أو تأثيرها على الثورة أو المجتمع ومستقبل الحكم في البلاد في مقال أو برنامج تليفزيوني. لكن حين يصبح طرفاً فيها كشاهد فإنه لا يطرح أمام المحكمة وإنما يقر بالمعلومات «الحقيقية» التي في حوزته إحقاقاً للحق وإثباتاً للعدل. لا يختلف الأمر كثيراً عما يحدث حيث يخلط بعض الإعلاميين بين مهامهم وقناعاتهم السياسية ويتحولون إلى ناشطين سياسيين، ورغم أن ذلك خطأ مهني فادح، لكن يبقى الأمل في جمهور القراء أو المستمعين أو المشاهدين للتفريق بين رأي الإعلامي وموقفه السياسي وبين المعلومات التي يعرضها عليهم. لكن الأخطر هو سلوك من اصطلح على نعتهم بـ» فقهاء الدستور والقانون» الذين ملأوا الساحة صياحاً وضجيجاً لتفسير هذا الحكم أو ذاك القرار، فأشاعوا الارتباك بين الناس، وأثاروا الجدل حول أمور لا يفترض أن تكون كذلك، زبائن برامج «التوك شو» من هؤلاء كثيراً ما تكون آراؤهم «الفقهية القانونية الدستورية» على النقيض من بعضها البعض، رغم أن هدف الاستعانة بهم هو التوضيح والتفسير وإظهار ما هو خافٍ من صحيح القانون عن المشاهد العادي البسيط، ولأن الإعلام مهنة قائمة على المناقشة ولأن الصراع يزيد من التشويق، والتشويق يزيد من نسب المشاهدة، ما يعني زيادة الإعلانات، وبالتالي الموارد المالية، فإن «اللعبة» تحولت إلى عرض يومي في غالبية البرامج!! فما أن تحدث واقعة، أو تحال قضية على المحاكمة، أو يصدر حكم، أو يشرع البرلمان قانوناً، إلا وتكون السهرة مع الآراء المتناقضة لفقهاء الدستور والقانون، وينتهي النقاش إما بـ «خناقة» أو مزيد من الارتباك والجدل وغياب المصداقية، لتبقى اللعبة قائمة وتضيع عقول البسطاء وسط أتون صراع السادة الفقهاء.

التعليقات