مصر الكبرى

11:31 صباحًا EET

“البؤساء” في لندن و 25 عاماً من النجاح والتألق

مشاهد على المسرح تتطابق مع ثورة التحرير المصرية
ألحان وأنغام وحوار يتغنى بكلمات عن الحرية والعدالة والمساواة
كتبت – مروة فهمي
جلست داخل مسرح بلندن أتابع المسرحية الموسيقية الرائعة المأخوذة عن قصة كتبها الفرنسي فيكتور هوجو وتحولت من قبل إلى فيلم سينمائي وتم اقتباسها أكثر من مرة على شاشة السينما المصرية التي كانت مغرمة بالقصص العالمية وتمصيرها وتحويلها إلى أفلام تتابع وقائع الحياة في أحياء مصر وشوارعها وتُنقل نبض أيامها .

ليست تلك المرة الأولى التي أشاهد فيها فأنا مغرمة بهذا العمل الموسيقي والاستعراضي الذي يطور نفسه دائماً ويتجدد مع أن عمره على المسارح البريطانية تجاوز ربع قرن بالتمام والكمال .
والغريب أن المسرحية لا تزال تجذب المشاهدين فالحصول على بطاقة دخول ليست مهمة سهلة ، فعليك الاتصال بوكالات معينة والوقوف في طوابير للتمكن من الحجز وضمان لمقعد في الأيام العادية من الأسبوع ، أما عروض والأخرى في نهاية الاسبوع فالإقبال عليها كبير للغاية وأحياناً توجد صعوبة في ضمان الحصول على بطاقة لمشاهدة هذا العمل المثير والجميل .
مسرحية غنائية تُعرض منذ ربع قرن لا تزال تجد الاقبال الكبير عليها ، على الرغم إنها تعالج قضية مع أحداث حدثت في فرنسا في مراحل التوتر والصراع والاحتجاج الفرنسي طلباً للعدالة والمساواة وتطبيق شعارات الاخاء والثورة التي انفجرت هناك من أجل العدل والحرية .
لدى المتفرج البريطاني شغفه الخاص بقراءة داخل التاريخ الفرنسي ، يمكن لأن بلاده لم تشهد ثورة بهذا الحجم فقد اعتاد التاريخ البريطاني إصلاح نفسه بالطرق الهادئة ومن خلال البرلمان والاقناع والصبر أيضاً ، حتى تتحقق المطالب التي لم تصل أبداً إلى مرحلة الثورة العارمة كما حدث في فرنسا التي خرجت منها جماهير غاضبة تطيح بكل شئ ، لأن الظلم ضغط حتى حدث الانفجار .
العقل البريطاني أقرب إلى الحكمة الهادئة ويحقق أهدافه بإصرار ودأب حتى يتمكن في النهاية من الوصول إلى غايات يسعى إليها .
العرض المسرحي لا يكفي القول بأنه شيق ومثير . فقد تم تحويل رواية كاملة إلى عرض يلتزم قواعد الفن المسرحي من حوار ومناظر مع الموسيقى النعبيرية وقدرتها على تحويل الكلام إلى نبض متحرك يساعد عليه عبقرية الذي استخدم أكثر الأساليب تقنية على خشبة مسرح مفتوح تجري فوقه المعارك وتنطلق أصوات الرصاص وتتحرك الجماهير هنا وهناك في حالة غضب واحتجاج .
كأنك تعيش أيام الثورة الفرنسية بكل زخمها وروعتها وحكاياتها المتجددة . لقد احتفظ التاريخ الإنساني بوهج هذه الثورة . وعندما تتأمل المشاهد التي كانت تحدث في ميدان التحرير بمصر من غضب وهتافات وحركة المجاميع الثائرة ، ترى هذه المناظر بالضبط على خشبة مسرح في لندن لأن عمق الثورات واحد : شعوب يحركها الغضب تعبر عن احتجاج لغياب العدل والحرية ونشر الظلم العام الواقع على الافراد العاديين وعلى شرائح المجتمع كله ، إلا شريحة رقيقة للغاية قريبة من الحاكم وتستفيد منه وتسخر الاعلام لصالحه في تزييف الحقائق والارقام .
عندما كنت أشاهد على المسرح البريطاني بعد انفجار الثورة المصرية شعرت كأنني في ميدان التحرير بهذا الزخم من احتجاج وملصقات وعروض لفنون وتجمعات تشرح غضبها وتنسج في لافتات صيحات التمرد ، وتطالب بإسقاط الظلم الخانق للناس والتعامل معهم بإنسانية وإطلاق طاقات الحرية وفتح الابواب أمام الافكار وحركة الناس والترحيب بالمواهب والموسيقى والأشعار .
الاستبداد من مواصفاته خنق الشعوب . وقد يكون هذا الاستبداد يرتدي القناع السياسي وقد يتخفى أيضاً وراء التفاسير المضللة للأديان ، لأن الدين في جوهره ثورة على الظلم وغياب العدل وحكم الناس بحجج واهية . لقد جاءت الأديان رحمة للإنسان لدفعه نحو الخير والعدل والجمال .
جلست داخل المسرح البريطاني أتأمل العرض الجذاب والمثير والذي يحول المشاهد واللقطات إلى جزء من الحكاية الدرامية الموسيقية التي تتحدث عن ثورة وغضب وأناشيد تعزف وتغني للحرية .
وقد تم نسج هذه الدراما الرائعة من خلال قصة بسيطة تعرض لمطاردة رجل فقير وحصاره بالظلم وغياب العدالة . وعندما يكون الفرد مسجوناً في يد الاستبداد الطاغي ، فتلك علامة واضحة بأن المجتمع كله في الاغلال والنوافذ مغلقة والهواء محاصر وإن الحل الوحيد للخروج من كهف الظلم هو الانفجار .
لقد خرج الباريسيون الفقراء والمعدمين لهدم السجون والحصون ويعلنون ثورة على الاستبداد والجوع والقمع بكل أشكاله . وقد خرج القاهريون أيضاً يدشنون أيام الثورة الأولى بهذا الاصرار للتصدي لجهاز الامن المركزي وأمن الدولة وجميع أجهزة البطش التي أهانت المصريين لأحقاب طويلة .
غير أن ثورة مصر كانت سلمية وإن كان المتظاهرون أنفسهم تعرضوا للعنف والقتل وإطلاق الرصاص من نظام لا يرحم ويرى أن سلامته أولاً ولديه الاستعداد وقد أطلق النار بالفعل على صدور مواطنيه حتى يرقى في السلطة يمارس النهب طالما كان في القلب نبض وفي الروح نفس .
مسرحية تستحق البقاء لربع قرن ، وتمارس هذا النجاح واستثماره لسنوات مقبلة أخرى ، لأن موضوع المسرحية يجذب الجميع من يبحث عن عدالة في أوراق التاريخ ، أو من ينقب عن أسرار وصفحات ضائعة . أما محبو الفن والموسيقى فالعرض يقدم لوحات غاية في التألق والإبهار .
وعندما كنت أشاهد كانت الاسئلة تدور في رأسي عن المسرح المصري الموسيقي والاستعراضي والاسباب التي أدت إلى انحساره واختفاء عروضه بالكامل . لقد كانت هناك فنون مسرحية مبكرة في منطقة رود الفرج ووجود مسرح غنائي حقيقي تحدثنا عنه الكتب والمراجع .
هذا المسرح شيده مجموعة من العباقرة المصريين أساتذة الفن الموسيقي مثل سيد درويش ومن قبله سلامة حجازي وجاء زكريا أحمد وبديع خيري ومجموعة كبيرة من الموسيقيين أثروا خشبة المسرح المصري بأعمال غنائية راقصة تنبض بالموسيقى والغناء والحوار والأشعار .
وكانت هناك أصوات رائعة تتألق على هذا المسرح الغنائي مثل منيرة المهدية والمطربة ملك والعشرات مما يعبرون عن حلم مصر الرائع في الدخول إلى العصر بالفن والموسيقى ، لكن للأسف هذا التراث تراجع وتوارى أيضاً .
وقد حاول في العصر الحديث زكريا الحجاوي إحياء هذا المسرح اعتماداً على الفنون الشعبية وحكايات ومووايل قادمة من التراث المصري الرائع والثري . ولدى الكاتب والفنان الراحل عبد الرحمن الخميسي محاولات لإحياء المسرح الغنائي في عمل يحمل إسم . وقدم بليغ حمدي عدة محاولات أهمها مسرحية إذ كانت هناك رغبة لعودة هذا اللون المسرحي الغنائي الراقص على خشبة المسرح المصري مرة أخرى .
غير أن هذه الجهود إنتهت إلى الصمت لأن الظروف الاجتماعية تعثرت في حروب مع زيادة نمو التيارات الدينية ونظرتها السلبية للموسيقى والتمثيل والعروض المسرحية .
مسرحية من الاعمال الناجحة على خشبة المسرح الاستعراضي والغنائي والموسيقي . وهي تترجم هيمنة التيار الجديد الذي يقود هذه الموجة وعلى رأسه الموسيقي أندرو لويد ويبر مع مجموعة من ملحنين وشعراء وموسيقيين يقودون تلك المرحلة على خشبة المسرح البريطاني والتي تحقق مليارات وتجذب السياح لمشاهدة الاعمال الرائعة والمستمرة بفن شيق وجذاب يجدد نفسه ويواصل عملية البحث عن أشكال مختلفة لامتاع المشاهدين بعشرات الاساليب من موسيقى ودراما وألحان وكلمات تترجم القصص والحكايات ، سواء تلك الخيالية أو الاخرى التي تستند إلى أدب عالمي وتاريخ حدث كما هو الشأن في مسرحية .

التعليقات