مصر الكبرى
حمدي احمد طايع يكتب : التفليحة غلط
 
بما إنني ثورجي حتي النخاع وشاب ثائر لمض بطبيعتي الربانية ومثير للجدل والمشاكل منذ ان طردتني امي من بطنها قررت ان امارس دور توعي لاهل بلدتي واحاول ان انقل إليهم الثورة، وان اطلعهم علي صورة المشهد السياسي كما فهمتها نتيجة لانكبابي علي الفيسبوك ومتابعتي للصفحات الثورية وقراتي للمفكرين العظام والكتاب الكبار والمحللين السياسين البارعين، وكانت هذه النقطة بالذات هي غاية في حد ذاتها بنقل ثورة الشباب من العالم الافتراضي علي مواقع التواصل الاجتماعي الي دنيا الواقع حيث اهل القري والغيطان، فقادتني قدماي الي قريتي، وتمشيت باتجاه الشرق حيث نهر النيل وأراضي ضفافه الزراعية ووجدت هناك رجل عجوز، بياض بشرته يقاوم صدأ الشقي ونحاسة ماء النيل، كان يجلس في ظل ثلاث نخلات علي سرير من السعف يمسك ببراد الشاي المطلي بهباب مرقد الحطب ليملأ كوبه المصنوع من الحمأ المسنون والذي تظن انه تحفه فرعونية عليها توقيع من اخناتون نفسه.
بعد كلمات الترحيب والمحاباة وتقديم اصول الضيافة واسألة الاطمئنان علي الصحة والحال والنصائح القيمة عن وجوب الصبر علي بلاء الدنيا، امسكت منه طرف الحديث بصعوبة، موجهاً كلماتي عن الثورة وضرورة استكمالها، محاولاً إلزاق تهم أزمة البنزين والوقود بالحكومة الحالية ومحاولة تبرير الثورة من كل الأفعال، فقاطعني بابتسامة رقيقة توحي بالفهم وبالمعرفة، ثم نزل من علي سرير عرش غيطه وافترش الارض، ففعلت مثله، ثم قال بلهجته الصعيدية الصافية" لعبت سرقة قبل كدة " فاومأت بالايجاب، فمن منا لم يلعبها، فلعبة السيجة او "السرقة باللهجة الصعيدية" تبدا بان يتم رسم مربع كبير ثم تقسيم هذا المربع الي خمسة وعشرين مربع اصغر، وياخذ كل لاعب اثني عشر حجرا صغيرا (يسمي كل منها كلبا) مختلفة عن احجار منافسه، وتبدا اللعبة بعمل التفليحة ( اي توزيع الاحجار (الكلاب) علي المربعات الصغيرة، بان يقوم اللاعب الاول بان يختار مربعين ليضع فيهما حجرين ثم يأتي دور اللاعب الثاني وهكذا حتي ينتهيا من توزيع جميع الاحجار ولم يتبقي غير مربع وحيد خالي)، ومن يستطع ان يجعل حجر منافسه بين حجرين من احجاره يتم استبعاد هذا الحجر، ويربح فيها من يستطع اخراج كل احجار اللاعب الاخر أولا واحد تلو الاخر .
ولكن بمجرد بداية اللعب مع العجوز وجدته قد استأثر منفردا بتوزيع كل احجاره "كلابه" علي المربعات الحساسة ذات الاهمية بمواقعها الاستراتيجية التي تتيح له المكسب بسهولة ويسر، وعندما اعترضت قال لي انت شاب ذكي ويجب ان لا تخشي من اللعب، واستثار حماستي وغيظي فوافقت علي اللعب، ومن اول وهلة ومع تحريك اي من احجاري يتم اصطياده، فتوقفت عن اللعب، وقلت له لن استكمل، فرمقني بنظرة استهانة ووصفني بانني لااستطيع الصبر علي البلاء ولا مواجهة الصعاب، فوافقت علي الاستكمال برغبة في تحقيق معجزة لأقهر هذا العجوز، ولكن لم تكن جغرافيا وضع الاحجار ولا التاريخ الطويل لمنافسي المخضرم في صالحي ، فوقعت احجاري فريسة سهله لكلابه حتي انتهت اللعبة بهزيمتي هزيمة ساحقة ماحقة. فتعجبت من فعلته فهل رجل عجوز كهذا يقبل بان يغش في لعبة تسلية لا طائل من ورائها، ولكنه فاجائني بقوله يا ولدي لا تقبل بان تشارك في لعبة لا تتم وفق القواعد فحينها ستكون شركا لا لعبة، وستكون انت ضحية لا منافس، وارجو من الله ان تنقل هذا الدرس لزملائك في القاهرة ولعل الله يوفقكم في ثورتكم الطاهرة.
تركني العجوز ورحل، وظللت افكر في كلماته، كيف استثار المجلس العسكري حماسة الشباب وعنفوانهم لاجبارهم علي الدخول في لعبة مغشوشة القواعد، كيف سمحت بقية فصائل الشعب لانفسها بالتورط في مرحلة انتقالية بعد ان قام المجلس العسكري بتوزيع كلابه في المواقع الحساسة ذات الاهمية الاستراتيجية، فقد قام بعمل التفليحة منفردا: إستفتاء علي الدستور، اصدار بيان دستوري، السماح بتكوين احزاب علي أسس دينية، اجراء انتخابات برلمانية مشكوك في نزاهتها، كتابة الدستور، تشكيل اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة سيدة قرارها، وبمجرد مبادرة اي فصيل اخر بتحريك احجاره الا ويتم اصطيادها من قبل المجلس العسكري، فالحل يكمن في اعادة التفليحة.