مصر الكبرى

07:32 صباحًا EET

من سيحكم مصر إذا فاز مرسي؟ وهل من الصواب أن تترك كل مراكز السلطة الإخوان؟

خطأ قاتل للإخوان ولمرشحهم للرئاسة يطرح بإلحاح السؤالين:
من سيحكم مصر إذا فاز مرسي؟ وهل من الصواب أن تترك كل مراكز السلطة الإخوان؟ 
أشرف راضي 
ارتكبت جماعة الإخوان المسلمين ومرشحهم للرئاسة، محمد مرسي، خطأ إستراتيجياً قاتلاً بدد سريعاً ما تبقى لديهم من رصيد سياسي آخذ في التآكل، وكشف زيف ما راحوا يقدمونه من وعود للقوى السياسية منذ إعلان نتائج الجولة الأولى للانتخابات. فبعد يوم واحد فقط من وصف المرشح المستقل أحمد شفيق في مؤتمره الصحفي، منافسه مرسي بأنه سيكون "رئيساً صورياً"، أكد مرسي، في اجتماعه المغلق مع المرشحين اللذين خسرا الجولة الأولى، حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح لبحث فكرة تشكيل مجلس رئاسي، ما قاله شفيق وكان جوابه على  مبادرتهما أنه لا يملك قراراً، وإنما القرار بيد آخرين.

الجدير بالملاحظة حقاً الحرص على إظهار مرسي على هذا النحو وفي هذه اللحظة الحرجة أمام شريكين سياسيين محتملين. ولا اعتقد أن الأمر يعود إلى قلة في الردود البديلة التي كان يمكن للجماعة أن تختار منها، إذ يفترض أن مرسي، أو بالأحرى الجماعة التي رشحته، على علم بما يحمله المرشحان الخاسران. فالأمين العام للجماعة، محمود حسين، أعلن في اليوم السابق على اللقاء المغلق، رفض الجماعة لفكرة تشكيل مجلس رئاسي مدني لاستحالة تطبيقها، مؤكداً أن الحل البديل يكمن في تضامن القوي السياسية وراء مرسي علي أن يشكل مرسي مجلس رئاسي بعد نجاحه.
فلماذا إذاً لم يبلغ مرسي بأي من الموقفين الرفض أو الحل البديل كأساس للتفاوض في لقائه المغلق؟ ولماذا كان رده أنه سيعود بالرد بعد العودة للجماعة؟ ولماذا لم يتحسب مديرو حملة مرسي الانتخابية تأثير موقف كهذا على فرصه الانتخابية كمرشح للرئاسة، لاسيما في ضوء السؤال المحوري فيما يتعلق بشخص مرشح الإخوان والذي طرحه شفيق في بداية كلمته في المؤتمر الصحفي؟
الإجابات على هذه الأسئلة متعددة. قد يكون منها الرغبة في إظهار ولاء الرئيس القادم للجماعة. وقد تجد في الجماعة، في هذا الموقف ميزة لا عيباً، خلافاً لشفيق وربما خلافاً لكثير من المصريين الذين ما زالوا يكنون لمنصب الرئيس قدراً من الاحترام والإجلال. فالولاء للجماعة والحفاظ على تماسكها التنظيمي يفوق عندهم أي مكسب.
ومن الإجابات المحتملة أيضا، رغبة الجماعة في توسيع هامش المناورة مع قوى سياسية تراها منافسة وخطراً على مشروعها للانفراد بالسلطة، أكثر مما تراها شريكاً. كذلك لا ترغب الجماعة أن تتفاوض مع شريك في وضع قوي، ومن ثم قدرت أنه يمكنها بهذا الرد شراء الوقت إلى أن تتآكل مصادر القوة التي تستند إليها هذه القوى والتي زادتها ردود الفعل الغاضبة على الأحكام الصادرة في محاكمة. وفي تقدير الإخوان فإن هذه الموجة مؤقتة وستنتهي سريعاً، أو سيعملون هم على إنهائها سريعاً. وربما في المؤشرات الأولية عن مليونية الثلاثاء ما يعزز هذه التقديرات.
وبغض النظر عن الإجابات المحتملة، وعن الرد النهائي الذي سيحمله الإخوان، والذي يتوقع كثير من المراقبين أنه سيكون الرفض، وربما جاء الرد في الهتاف الذي رددها أنصار الإخوان في التحرير يوم الثلاثاء "المرة دي بجد مش هنسيبها لحد"، سيظل هذا الموقف خطأ إستراتيجياً لن يكلف الجماعة ومرشحها منصب الرئيس وحسب ويقضي على أحلام محمد بديع وخيرت الشاطر في حكم مصر، وأحلام من يقفون متربصين في الخارج سقوط الثمرة في يد الإخوان، وإنما سيكلفهم الكثير مما تبقى لهم من رصيد سياسي.  
وهو خطأ يشير إلى خلل رئيسي في دعايتهم الانتخابية في جولة الإعادة واعتمادهم إستراتيجية تركز على استغلال مشاعر الكراهية لنظام مبارك وللمرشح المنافس أحمد شفيق، باعتباره أحد رموزه، ومحاولة حشد القوى الثورية المعادية للنظام القديم وراء مرشحهم أو عدم التصويت لشفيق من خلال المقاطعة وإبطال الصوت، وهي إستراتيجية مصيرها الفشل، مع الاقتراب من لحظة الحسم في الجولة الثانية للانتخابات.
فخلافاً لتوقعات الكثيرين، لم تكن الأحكام التي صدرت في محاكمة مبارك وما أثارته من ردود فعل غاضبة لدى قطاعات متباينة وعريضة من الشعب، والتي حاول الإخوان استغلالها في حملتهم ضد منافسهم، في صالح الإخوان وإنما في صالح شفيق إذا أحسن استغلالها، ومن المؤكد أنها في صالح القوى المدنية المستقلة والقوى الاجتماعية التي شكلت الركيزة الأساسية للثورة، بشرط أن تتغلب هذه القوى على انقساماتها وأن تحول دون وصول مرشح الإخوان للرئاسة، وأن تدرك أن الخطر الأكبر على الدولة المدنية، بل وعلى الثورة ذاتها أن يسمح للإخوان الانفراد بالسلطة، وأن تعيد النظر في حساباتها في الجولة الثانية، وأن يعرف كل ناخب النتائج التي ستترتب على اختياره لأي من المرشحين.
صحيح، أن أخطاء الإخوان، ومنذ الإطاحة بمبارك، كثيرة ومتكررة، وصحيح أن هذه الأخطاء كانت أهم أداة في انتهاء أسطورتهم كقوة سياسية لا تهزم، ولكن لا يجب التهوين من شأن المعركة القادمة في الجولة الثانية، ولا في قدرة الإخوان على حشد أنصارهم وتعبئة المتعاطفين معهم من جمهور الناخبين، خصوصا في تدني نسب المشاركة أو نسب الأصوات الصحيحة وهو ما تحققه لهم دعاوى المقاطعة وإبطال الصوت، وحتى في حالة فوز منافسهم، فإن ذلك سيتيح لهم تنظيم احتجاج منظم على فوزه يحد من قدرته على الحركة ويضعه في حالة حصار ودفاع مستمرين وغير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، أي يحولونه إلى رئيس مع وقف التنفيذ.   
ولكن الخطأ الذي ارتكبه مرسي دون قصد، فمهاراته السياسية لا تسمح له بإدراك اللعبة الإستراتيجية الأكبر التي تلعبها القيادات الفعلية للجماعة، هو خطأ في تقديري خطأ ناجم عن أزمة داخلية عميقة في، وهي أزمة قديمة تعود إلى الفترة السابقة على انتخابات مجلس الشعب عام 2005، والتي حصلت فيها الجماعة على 88 مقعداً في مجلس الشعب. وكانت هذه النتيجة مقدمة للثمن الذي سيحصلون عليه من نظام الرئيس المخلوع مقابل تحالفهم معه، والذي يمكن رصد ملامح بداياته في عام 2001، وتحديداً بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، على الولايات المتحدة.
وأوجدت هذه الهجمات والآثار المتوقع أن تنجم عنها تحالفاً موضوعياً بين الإخوان وبين نظام يتحسب لردود فعل أمريكية سيكون لها تأثير على الدول التي خرج منها منفذو هجمات 11 سبتمبر، ليس أقلها الضغوط من أجل الإصلاح السياسي والحريات وحقوق الإنسان والتطور الديمقراطي كشروط لتعاون اقتصادي يحقق معدلات للنمو تتيح لحكومات هذه الدول  معالجة الشروط المولدة لشباب محبط يشكل وقوداً مناسباً لتنظيم القاعدة والجهاد الإسلامي العالمي. كان يتعين على النظام أن يبني تحالفات داخلية تعينه على مواجهة الضغوط الخارجية.
قد يكوم من المفيد أن نعود بالقارئ، إلى هذه الفترة وربما إلى فترة تاريخية أبعد في محاولة لفهم السبب في رفض الإخوان في كل تطور مفصلي في النظام السياسي المصري، بالمعني الأوسع، أن يكونوا في صف القوى المطالبة بالديمقراطية ويقفوا مناصرين للاستبداد متآمرين على القوى المدنية الديمقراطية، ولماذا يتخذون هذا الموقف في هذه اللحظة الراهنة، رغم صراعهم باستماتة من أجل كسب أرض جديدة تعطي لهم رصيداً على خريطة النظام السياسي الآخذ في التشكل في مصر.
يدرك إستراتيجيو الجماعة أن مصيرهم مرتبط مصير بمصر النظام الذي لعبوا دوراً في التمهيد له في ثلاثينات القرن الماضي، وأعني النظام الذي تأسس إثر انقلاب الجيش. لم تكن حركة الجيش في 23 يوليو 1952، هي الانقلاب، وإنما كانت مرحلة في لحظة لحسم الصراع على مستقبل النظام السياسي في مصر، وهي لحظة امتدت حتى مارس 1954. ورغم التناقض الواضح بين العسكر والإخوان، والذي يتخذ أحياناً شكل الصراع العلني والمواجهة العنيفة والمفتوحة، إلا أن الطرفين يجدان في لحظات الحسم أن تناقضهما مع القوى المدنية الديمقراطية أشد وطأة، فتتغلب الدوافع للتنسيق وعقد الصفقات على حساب القوى الأخرى على دوافع الصراع والتنازع على السلطة.
ولعل السبب الرئيسي في هذه العلاقة الغريبة والمعقدة والمليئة بالتناقضات بين العسكر والإخوان يرجع إلى مونهما يتصارعان على المصادر ذاتها للشرعية (الدين) وعلى الموارد السياسية (التنظيم الصارم القائم على التراتبية الهرمية والتلقين العقائدي). إن الصلة بين المجموعة القيادية لتنظيم الضباط الأحرار وبين جماعة الإخوان المسلمين والتي ترجع إلى أوائل الأربعينات موثقة في عدد من الدراسات التاريخية والشهادات التي قدمها معاصرون لتلك الفترة، وكذلك الصفقات التي أبرمها الإخوان مع النظام، منذ الرئيس السادات في منتصف السبعينات ثم مع الرئيس المخلوع، حسني مبارك.
إن المعضلة الأساسية التي واجهها الإخوان في السنوات العشر الماضية، وما زالوا يواجهونها، مصدرها رغبتهم في استغلال قواعد اللعبة لتحقيق أهدافهم المرحلية، وهي رغبة أحدثت تمايزاً داخل الجماعة بين كتلة عقائدية متمسكة بتصوراتها وخطابها وبين قيادات سياسية وبرجماتية (عملية) أضافت للجماعة موارد ومساحة في المجال العام لم تعهدها من قبل، ومستعدة لتقديم تنازلات أكبر لتوسيع وجودها ونفوذها، ويضاف إلى هذا صراع جيلي بين شيوخ الإخوان والشباب الذي تكرر خروجه وانشقاقه على الجماعة.
إن هذه التناقضات الداخلية تنذر بنشوب صراع ضار داخل الجماعة على السلطة ومصادر النفوذ والموارد، وهو صراع سيكون من الخطر لو أنه تفجر بصدد صراع على السلطة على المستوى الأوسع، مستوى المجتمع، ولو وضعنا في الاعتبار قوى الإسلام السياسي الأخرى، غير الإخوان من جماعات سلفية حديثة وجماعات إسلامية كونت إبان صدامها العنيف مع الدولة آراء سلبية في الإخوان الذين تنعتهم هذه الجماعات بالانتهازية والجبن.         
والخطأ الذي ارتكبته الجماعة في اجتماع مرسي المغلق مع حمدين وأبو الفتوح يكشف عن جانب من المأزق والأزمة السياسية المزمنة والممتدة في مصر، نتيجة لتحكم ثنائي الإخوان والعسكر أو الإخوان والدولة أو الإخوان والفلول، والتي يتعين التفكير في مخارج وحلول لها لتذليل الانتقال الديمقراطي والمدني المنشود في مصر.   

التعليقات