مصر الكبرى
ما لا يطاق في الإعلام (والحال) العربي
(1) لست من هواة أفلام الرعب، ولهذا السبب لم أعد أطيق متابعة أخبار مصر منذ أن أصدر الرئيس محمد مرسي إعلانه الدستوري الذي حول فرحنا بالثورة المصرية إلى فجيعة في مصر. فقد أصبحت متابعة أخبار مصر هذه الأيام أشبه بمشاهدة فيلم رعب لا تدري أي عفريت سيخرج فيه من أي جحر مظلم، أو أي سكين ستمتد من أي يد آثمة لتصيب بريئاً غافلاً. الفرق بالطبع هو أن الرعب هنا ليس من صنع الخيال، وإنما هو واقع ماثل، والضحايا ليسوا ممثلين، وإنما هم أشخاص حقيقيون. وما نتوقاه هو أن ينضم بعض المشاهدين إلى الضحايا من سكتة قلبية من هول المشاهد.
(2)
لم أعد كذلك أطيق متابعة أخبار العراق منذ أن دخل أخونا نوري المالكي سباقاً يريد منه أن يخجل صدام وبوش الابن معاً، حتى يتفوق على الأول في قهر العراقيين وتقسيمهم شيعاً، وعلى الثاني في تدمير ما بقي من العراق وتمزيق ما بقي من نسيجه. فمتابعة شأن العراق لا تزيد أي حريص على خير الأمة إلا غماً على غم، وهو خطر كبير على الصحة.
(3)
لم تكن تونس حتى أمس الأول على خارطة الجهات التي تمتد يدي إلى جهاز التحكم لإغلاق التلفاز أو تغيير المحطة بمجرد ورود أخبارها، ولكنها الآن قفزت إلى مقدمة مشاهد الرعب التي يجب علينا تحاشيها حفاظاً على الصحة. وليس الداعي فقط لهذا التحاشي الجريمة البشعة التي راح ضحيتها السياسي المعارض البارز شكري بلعيد، بل الخطاب القبيح المسمم الذي سبق حادث الاغتيال وتصاعد بعده، وهو خطاب قاتل قتال أثره في تدمير البلاد قد يكون أكبر من حادث قتل واحد.
(4)
هناك سلسلة طويلة من المسؤولين العرب لا تطاق مجرد إطلالتهم على الشاشة، ناهيك عن سماع تصريحاتهم الفاجعة في قبحها وكذبها. وهناك تنافس قوي على شاشات التلفزة بين من هو أكثر إثارة للغم ومدعاة للتقزز والنفور: أهم المتحدثون باسم الحكومة الإسرائيلية، أم المتحدثون باسم حكومات مثل حكومات العراق والبحرين والسودان؟ ومن الصعب علينا تحديد الفائز في هذه المسابقة لأننا لا نطيق الاستماع للقوم لأكثر من الثواني التي تكفي لالتقاط جهاز التحكم.
(5)
منذ اندلاع الثورة السورية، انضم غالبية المتحدثين الإيرانيين إلى قائمة النكد عندي، فلم أعد أطيق سماع كلمة واحدة من حديثهم لما فيها من هراء يثير الغثيان، ومخادعة للنفس تثير الشفقة، واستهانة بدماء الأبرياء تخرج صاحبها عن دائرة الإنسانية، ناهيك عن مخالفتها لقيم الدين والخلق.(6)
منذ زمن طويل أصبحت لا أطيق كذلك متابعة أخبار فلسطين، لأن الخيار صعب بين مشاهدة منازل الفلسطينيين تهدم في القدس، وحتى حال مخيمات الشتات التي لم تعد آمنة، بينما قياداتهم تتجادل حول ترهات لا معنى لها. فكيف يشاهد إنسان سوي منظر أسر فلسطينية يهدم منزلها أمام أعين أفرادها الذين يلقى بهم في العراء، ثم يتأمل حال قادة السلطة الفلسطينية فلا تنتابه حالة من الكآبة الانتحارية؟
(7)
الاستثناء الوحيد عندي بين كذابي العرب هو شبيحة النظام السوري، لأن مداخلاتهم مدعاة للتسلية أكثر منها مدعاة للغم. فهي بحق مثيرة للضحك. وفي اعتقادي أن أكبر عقوبة لهؤلاء الشبيحة بعد نجاح الثورة القريب إن شاء الله هو أن يفرض عليهم ترداد أكاذيبهم على مشهد من الناس عدة مرات كل يوم. ويا حبذا لو صاحب ذلك عرض المشاهد الحية التي تثبت كذبهم.
(8)
هناك عدد من الشعراء و ‘المفكرين’ العرب لم أعد أطيق الاستماع أو القراءة لهم، نثراً أو شعراً، بل لم أعد أطيق حتى مجرد سماع ذكرهم. ولا أعتقد أنني الوحيد في هذا من بين القراء العرب.