مصر الكبرى

08:54 صباحًا EET

حول حل لأزمة مصر واللغط المنتشر عن الفلسطينيين!

 
من البلطجية إلى الفلول وصولا إلى الثورة المضادة؛ كآخر ما أسبغته جماعة الإخوان وحزبها؛ حزب الحرية والعدالة على الحراك الثوري الراهن، وهذا طبيعي؛ ففي شهر العسل بينها وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ وصفا الثوار بالبلطجية، وشاركت الجماعة المجلس العسكري في كثير من تجاوزاته ضد الثورة، وبعد ذهابه، وجلوس د. مرسي على مقعد الرئاسة المهتز تغير الحال وانتقل الوصف من البلطجية إلى الفلول، وفي الأزمة الراهنة وضع القيادي الإخواني جمال حشمت الثوار في خانة الثورة المضادة، مع أن مفردات الثورة والثورة المضادة من محرمات الخطاب الشائع بين الإسلام السياسي، ومنه جماعة الإخوان المسلمين.

كانت الثورة وما زالت لديهم مرادفا للفتنة، وكان مصطلح ‘التغيير’ محذوفا من خطابهم وقاموسهم، وكان ‘الإصلاح’، خطا ثابتا بعدما تناقض مضمونه السياسي مع معناه اللغوي؛ بفعل سياسات الغرب، التي أضفت عليه مفهوما سلبيا ومهادنا. والحركات الإصلاحية ترفض التغيير الشامل حتى لو كان علاجا لمجتمع مأزوم ومعتل، وكثير منها يدعو للتدخل الأجنبي، ولأن ‘الإسلام السياسي’ في غالبيته العظمى تيار محافظ؛ تروق له دعاوى الإصلاح بما تسمح من جمود ومراوغة، وهذا ما حدث لثورة 25 يناير وأهدافها في ‘الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية’، فتعامل الإخوان مع الأهداف وكأنها عبارات إنشائية ومحسنات بديعية، لتغطية الموقف السلبي من التغيير؛ الضروري لبناء مجتمع جديد ودولة جديدة وشعب جديد، بما يترتب عليه من هدم للبنيان القديم المتهاوي والمتهالك، واستبداله بآخر أكثر سلامة ومَنَعَة على مستوى المجتمع والدولة والشعب. وهذا غير الترميم والترقيع لما هو مهلهل ومهترئ.والثورة تقلب الموازين وتبدل علاقات المجتمع، وتحرك قواه وفئاته وطبقاته في اتجاهها، وما يقوم منها على الاستغلال وهضم الحقوق ينتهي ويختفي وتنتفي مبرراته. وذلك سعيا إلى العدل لينعم المجتمع بالاستقرار، وأهم تطبيقات العدل تنعكس في بعده الاجتماعي، ويكون للمواطن نصيبه العادل الذي يستحقه من الثروة الوطنية، ومن الفرص والحقوق؛ بعيدا عن أمراض الاحتكار والاستغلال، فحقوق القادرين والأغنياء لا تكون على حساب المواطن، ومشروطة بتوفير حياة كريمة له، ولا يترك نهبا للحرمان بفعل تكوين الثروات ‘القارونية’ مجهولة المصدر والهوية، وهذا التزام يمثل ‘فرض عين’ على كل قادر.وكثير من قوى الإسلام السياسي لا تعي أن الفروق بين الفقر والغنى نتاج الاستغلال المتفشي وانحياز الدولة لأباطرة المال ضد مواطنيها الكادحين، واللجوء إلى غسل الضمائر بالصدقات والتبرعات ليس حلا لأزمة مستفحلة في مجتمع منهوب وفقير، ونشر ثقافة التسول لا تنقذه، دون تنمية مهارات المواطن وتعليمه وتدريبه ليكون مواطنا منتجا وصالحا؛ وثقافة التسول جعلت كل شيء معروضا للبيع؛ بدءا من فرص العمل إلى التعليم والعلاج والرعاية، وكلها سلع يشتريها القادرون وأصحاب المرتبات الفلكية. وهذا أبقي على نظام مبارك تحت رايات وحكم الإخوان، وبدلا من هيكلة الأجور ووضع مخطط للتنمية الشاملة يقيم أباطرة المال الإخواني سلاسل محلات ‘زاد’ للشاطر وشركاه، ولم يُقبل أي منهم على بناء مشروع للصناعات الثقيلة أو المتوسطة، ولولا أحكام القضاء ما عادت شركات مسروقة، والغريب أن الحكومة الإخوانية طعنت على الأحكام!.وتبعا لذلك انقسمت مصر اجتماعيا إلى فسطاطين؛ فسطاط ‘المترفين المؤمنين’ وفسطاط ‘المعدمين الكَفَرة’؛ والفسطاط الأول نصيبه من الثروة الوطنية يقارب 30’ في مجالات المواد الغذائية والملابس والألبان ولعب الأطفال وشرائح البطاطس وعبوات الحلوى والمعجنات، وكل ما هو سريع واستهلاكي ومربح، وهي توكيلات لاحتكارات غربية، ومنها ما هو صهيوني؛ وذلك على أنقاض صناعات وطنية كبرى صفيت وتحولت أراضيها إلى أبراج ومنتجعات ومدن سياحية، وطال هذا أراضي المشروع النووي في ‘الضبعة’ بالصحراء الغربية.ومن المتوقع استئناف البيع مع تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، وبدأت باشتعال الأسعار وخفض قيمة الجنيه؛ لتتسع الهوة بين قلة مترفة، وكثرة محرومة ومهمشة؛ تمثل عبيد القرن الواحد والعشرين، وهم ساخطون، متوترون، غير آمنين، محاصرون بالبطالة والجريمة والمخدرات والعنف. ومن يحرص على بقاء الأوضاع بهذا الشكل بعد ثورة 25 يناير يُحسب على الثورة المضادة، التي تخفت خلف قناع الثورة، وحالت دون تحقيق أهدافها، ومارست في سبيل ذلك عملية خداع واسعة، تزيَّت فيها بزي الثوار ولبست رداءهم وتولت تصفيتهم جسديا.أما عن الدولة فيجب أن تكون دولة الثورة والثوار، وتؤدي دورها الاجتماعي والرعوي، وتخدم الشعب، بفقرائه ومستضعفيه ومتوسطي الحال فيه، والمنتجين والعمال والفلاحين والطلاب والشباب والأكاديميين والخبراء والعلماء وأرباب المهن والحرف، وقد كانوا وقود الثورة ومحركها، ومنهم من فقد حياتهم، ومنهم من أصيب إصابات بالغة، ويعاني من إعاقات دائمة وعاهات عديدة.وآن الأوان لإسقاط الدولة المتسولة؛ التي تمد يدها لكل من هب ودب، بلا حياء، وإقامة دولة والعدل والكفاية والقانون؛ دولة راعية وقادرة على تنمية مهارات أبنائها ونابغيها، وتستدعي العدل الغائب وتحقق الكفاية المفتقدة، والعدل حصن الدولة ومصدر قوتها، والدولة الظالمة غير جديرة بالاحترام أو الاستمرار.وعن الشعب فقد ثار من أقصى مصر إلى أقصاها، وما زال الحاكم لا ينصت لمطالبه ولا يأتمر بأمره، ولا يصلح مع هذا الشعب تحصين الباطل بفتاوى طائفية ومذهبية. ولا حماية للفساد بنفس الطريقة. والاستبداد المدعم بفتاوى تبرره لا ينقلب إلى حرية. هل في مقدور فقهاء الأطلسي (الناتو) جعل التبعية استقلالا والغزو عونا؟، الحاكم إن لم يتعلم من الشعب ويُقدر تضحياته فلا خير فيه ولا جدوى من بقائه واستمراره، وهذا ‘الشعب القائد والمعلم’ يحتاج إلى حاكم يرتقي إلى مستواه، وإلى مستوى طموحه وتضحياته.هذا الفهم هو مدخلنا في البحث عن حل، وقبله أضع جملة اعتراضية أتمنى ألا تقطع السياق؛ تقول ليست هناك مشكلة بلا حل، ولا أزمة دون فرج، ولا معضلة دون حلحلة، وعلمتنا الأيام أن إعمال العقل وليس تعطيله هو مفتاح الحلول؛ إذا ما أتيحت الفرصة، وإذا ما تخلص الإنسان من قيد المصالح الذاتية، وبعيدا عن ترديد الأكاذيب والسفسطة وتجارة الكلام. ومع كل تجاوزات الإخوان المسلمين فمن الممكن أن يكونوا جزءا من الحل وليسوا جزءا من المشكلة إذا أعادوا تقييم أدائهم، وأداء مكتب الإرشاد العقيم، ومحاسبته عن مسؤوليته في إراقة الدماء، وتغيير الخطاب السياسي والإعلامي العدواني والجارح، الذي أوصلهم اخيرا إلى اعتبار الحراك الثوري من أعمال الثورة المضادة!. ولن نتوقف كثيرا أمام خطاب محمد مرسي الأحد الماضي، وتهديده ووعيده دون اقتراب مما يجري، أو اقتراح حلول ودوره في تنفيذها، وانتهج سبيل سلفه بالحل الأمني، وإعلان حالة الطوارئ وحظر التجول في مدن القناة، وقوبل ذلك بعصيان وتمرد واضح من مدن القناة الثلاث، فازدادت صورته اهتزازا.وأي حل لا يقوم على تمكين الثورة لا يجدي، ويبقي على التوتر والعنف والفوضى. وهذا يجب أن يستوعبه الثوار؛ الذين هم في حاجة إلى تغيير كامل في نهج عملهم بعد رهانهم على غيرهم، مع أنهم أصحاب الحق في إدارة شؤون البلاد، وهذا يقتضي البدء فورا في تشكيل حكومة مؤقتة، وليعلموا أن الحكومات المؤقتة ليست بدعة، وتنشأ تحت الاحتلال الأجنبي. والاحتلال الداخلي الذي ترزح تحته مصر يحتاج تجاوز التفكير التقليدي، ووقف الرهان على غير قوى الثورة.وتعد الحكومة المؤقتة برنامجا يحدد المهام العاجلة والمتوسطة والأخرى طويلة المدى، وتختار آليات عملها والواجبات التنفيذية وبرنامجها الزمني، وينجح البرنامج إذا ما اعتمد على تعبئة الشعب بكل فئاته وطبقاته. وإخراج مصر من عنق الزجاجة لا يتم إلا بتحويل مصر على اتساعها إلى ورشة كبرى؛ للزراعة والصناعة والإنتاج؛ تقوم على سواعد الشباب والفتيات والرجال والنساء.وتراث مصر الثوري لأكثر من مئتي عام يسمح بهذا، فالجدود والآباء هم من أرسلوا البعثات للتزود بالعلوم الحديثة، وتمكنوا من بناء الصروح الانتاجية والخدمية والتعليمية والأكاديمية والثقافية والعسكرية والقناطر ونظم الري، ذلك كان في القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين اعتمدوا على أنفسهم، ورفعوا القدرات وارتقوا بالمهارات بنشر التعليم المجاني ومراكز التأهيل المهني والتطبيقي، وهيئات البحث العلمي، واستصلحوا الأراضي وأقاموا السدود والمشروعات العملاقة، فمصر غنية بمهارات وخبرات غير مستغلة، وحان وقت الاستعانة بها.ويجب أن يكون للحكومة المؤقتة كامل الصلاحيات التشريعية والدستورية، التي تساعدها على إعادة بناء الدولة الحديثة، والبداية من هذه المهمة يترتب عليها حركة ذاتية تمكنها من التغلب على المشاكل التي تصادفها أثناء العمل والتنفيذ.لقد كشف حكم الإخوان المسلمين فقرهم الشديد في الكفاءات السياسية والإدارية والإعلامية والمهنية والعلمية، على الرغم من الدرجات العلمية التي يحملونها ولا يبدو لها أثرا. وقد يرجع السبب إلى غرور قيادتها، وسطوتها وقدرتها الفائقة على الإقصاء، والأمثلة كثيرة قديما وحديثا، وأسألوا المبعدين من أمثال محمد حبيب نائب المرشد السابق، وكمال الهلباوي الناطق السابق باسم الإخوان في الغرب، ومختار نوح رجل القانون. البارز، وثروت الخرباوي المحامي المعروف، وعبد المنعم أبو الفتوح، الطبيب المرشح السابق للرئاسة، وذهب أمثال هؤلاء وبقي أباطرة المال؛ بتأثير المصلحة وبقوة السمع والطاعة، واعتمادا على العنف والترغيب والترهيب. وقد يأتي وقت لكشف بعض ما أعرف بعدما شاركت المرحوم سالم عزام الأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي والصديق كمال الهلباوي في وضع عناصر لمشروع وطني جامع، وشهد منزله في ومكتب الهلباوي في لندن جلسات أخرجت هذا الجهد للنور، وسوف أبحث في أرشيفي عن هذه الوثيقة لنشرها إن شاء الله.ومن الصعب أن أكتب في وقت بدأت فيه عملية تشويه متعمدة للفلسطينيين وأتجاهل ذلك، فالادعاء بدخول سبعة آلاف مقاتل إلى مصر كذبة كبيرة، فليس لدى الفلسطينيين فائض من المقاتلين لتصديره لمصر، ولا يعاني الإخوان المسلمون نقصا ليكونوا في حاجة إلى مدد فلسطيني. إنها فتنة لشغل المصريين عن استكمال الثورة، وقد هيأ د. مرسي لهذا اللغط بسرية اتفاقه مع الدولة الصهيونية وحكومة حماس لوقف العدوان الأخير على غزة، والنشر يرد على ما يشاع ويقال. وأنا ممن يستبعدون تورط الفلسطينيين؛ لمعرفتي بطريقة تفكيرهم، ومنهم عدد من قادة ‘حماس’؛ وحرصهم على البعد عن الصراع الداخلي في مصر، ومعركتهم على أرضهم، وعلينا إما أن نمد لهم يد العون أو نصمت، ولا نعمل على استمرار حصارهم؛ في ظروف يواجهون فيها دعوة مغرضة لسلام مغشوش تُسَوق له واشنطن بعد الانتخابات الصهيونية الأخيرة. وإلى من يبثون هذا اللغط.. لا تشوهوا مصر ولا تظلموا الفلسطينيين.
 

التعليقات