مصر الكبرى

08:21 صباحًا EET

لم تكن أبداً بلد الأمان

لكل من شعر بالاستفزاز والغضب من مشهد المواطن المصري الذي سُحل وعري في قارعة الطريق من قبل رجال الأمن، أقول له: هو انت لسه واخد بالك دلوقت؟! طول عمر مصر كدة، أو على الأقل من أول ما وعيت عليها. طول عمرنا بنخاف نعدي أمام قسم شرطة.

ألم تسمع عن حفلات التعذيب في الأقسام والسجون؟ ولا سيادتك علشان عمرها ما كانت حفلة عليك يبقى ليس لها وجود؟ ألا تعلم أنه لو استوقفك ضابط في الشارع وقرر يهينك فيجب أن تتحمل إهاناته في صمت كي لا يقوم بتلفيق أي تهمة لك؟ ألم تسمع عن أستاذ الجامعة الذي كان يريد ضابط شرطة أن يلفق له تهمة حيازة مخدرات لمجرد إنه رفض إهانته ورد عليه ولولا إنه كان معه أحد مستشاري رئيس الجمهورية على التليفون كان زمانه مقبوض عليه في قضية مخدرات؟
ألم يقل لك شخص أبداً أنك لو اضطررت لتقديم بلاغ في قسم فلا يجب أن تدخل القسم مع زوجتك أو أختك أو أمك، ولو دخلت القسم مع إحداهن وقرر ضابط أو أمين شرطة معاكستها فيجب أن تتحمل ذلك في صمت وتقول في سرك: يارب تقف عند كدة ونخرج سالمين.
ألا يوجد في عائلتك أو بين جيرانك شباب صغار؟ اسألهم كم مرة استوقفهم ضابط شرطة وأهانهم في الشارع.
البلطجية الذين يقومون بإرهاب الفتيات في ميدان التحرير، يسبونهن ويجردونهن من ملابسهن ويعتدون عليهن بالصاعق والسكين، انت بجد فاكر إن ده تحرش جنسي؟ لا، يا سيدي، من يقوم بذلك ليس في مخه الجنس أصلاً. لو المسألة جنس، لماذا لا يذهبون لأماكن أخرى عدا التحرير، ده اسمه ترهيب الهدف منه إذلال المرأة وتخويفها هي وعائلتها ومحيطها كي يكفوا عن النزول اعتراضاٌ عن النظام. السؤال هو: ما الذي يجعل هؤلاء البلطجية يشعرون بأمان ويعتدون بلا خوف ويواجهون الناس دون خشية أن يتم القبض عليهم؟
تجاوزات الداخلية متوغلة في حياتنا، في كل منحى فيها، لو ضابط مرورتضايق منك في مدينة نصر، ممكن يضع لك مخالفات على سيارتك في أسوان دون أن تكون سافرت بها أو تحركت بها خارج القاهرة. الكلام ده بجد، ولسه حاصل من شهرين.
سيادتك وأنت مسافر خارج مصر، عمرك ما قابلت ضابط في المطار واقف في مكان مفيش فيه تفتيش وبيطلب إنه يرى الباسبور بتاعك، تقدر تقوله: يا افندم، انا الجوازات تحققت من أوراقي. ثم تذهب إلى مطار البلد الآخر وتسأل نفسك: طب هم ليه هنا بيتحققوا من جواز السفر فقط عند بوابة الجوازات ومفيش ضابط بيستوقفني تاني؟
الداخلية وكل مؤسسات الدولة عبارة عن هيكل هرمي كل طبقة فيه تدوس على الطبقة أدناها حتى نصل إلى الشعب، قاعدة هذا الهرم، الذي يهينه ويمتهنه الجميع.
ستعتذر الداخلية عن إهانة المواطن وتعتبر الحادث حادثة فردية وستعد بالتحقيق دون أن تنسى الإشارة إلى شهداء الشرطة في الأحداث الأخيرة وصعوبة ضبط النفس في هذه الأجواء. هل تريد أن تقنع نفسك أنها حادثة فردية وليس أسلوب عمل وأن الاستثناء لا القاعدة هو الضابط الملتزم؟
لكن أنا بالنسبة لي، بلد الأمان هي البلد الذي يحمي ضعيفه، لا البلد الذي ينحني أمام القوي وهو يدهس تحت قدميه الأضعف منه، وده عمره ما كان وضع مصر إللي اتولدت وعايشة فيها. وكلما رأيت شعار: ادخلوها آمنين، رغبته في تمزيقه وأن أضع مكانه يافطة مكتوبٌ عليها:
مرحباً بك في مجتمع عنصري، البقاء فيه لمن يملك المال والسلطة،
مرحباً بك في بلد ينتهك كرامة وإنسانية شعبه ثم ينحني إجلالاٌ وتقديراً للغرباء،
مرحباً بك في بلدك الثاني مصر، بس إوعى تكون مصري!
إقالة الحكومة واجبة. إقالة وزير الداخلية والتحقيق معه واجب. ولكن…
ذلك لن يحل مشكلة، فلابد من إعادة هيكلة الداخلية و"كافة" مؤسسات الدولة. ولكن…
وفي ظل أخونة الدولة، كيف يمكن القيام بذلك دون أن يتم إحلال الداخلية الحالية بداخلية إخوان؟ ما الضامن أن ذلك ليس الهدف مما يحدث الآن؟
الفساد نخر في مفاصل الدولة كلها، بـ"كافة" مؤسساتها. بلا استثناء. بلا استثناء كما تشهد أحداث بورسعيد الأخيرة والتحقيقات والأحكام التي سبقتها على مدار عام. كل مؤسسات الدولة فاسدة وبصورة يصعب معها أن تقوم كل مؤسسة بتطهير نفسها بنفسها.
هذا من ناحية الدولة.
ومن ناحية أخرى، وبعد كل هذا الدم والعنف الذي تخطى ما قام به مبارك في أحداث يناير 2011، فإن أي محاولة تواصل مع الإخوان هي مضيعة لوقتٍ نحن بأمس الحاجة إليه كي نستطيع أن ننقذ مدن القنال التي بدأت طريق الإنفصال عن الدولة المصرية،  هذا الإنفصال الذي بدأ بهدوء منذ عام أُهين فيه أهل القنال ثم تصاعد مع إحساسهم بأنهم لم يعودوا آمنين على أرواحهم وأنه لا عدل ولا رزق لهم تحت إدارة الدولة المصرية. لقد بدأ الإنفصال النفسي لمدن القنال عندما أعلن أهلها عصيانهم لقرار حظر التجول وإعلانهم بالفعل قبل القول رفضهم لمرسي كرئيساً للجمهورية.
التواصل مع الإخوان مضيعة للوقت، فخطرهم على مصر كبير. من قال أن الإخوان يرغبون في حكم مصر كلها؟ طظ في مصر. قالها مرشدهم السابق وهاهم ينفذونها الآن.هل هدف الإخوان هو حكم مصر أم إقامة إمارة إسلامية على "جزء" من أرض مصر؟ ولربما هنا يكمن سبب التأييد الأمريكي لمرسي، فالهدف واحد. ستقضي الفاشية الإسلامية نهائياً على مصر التي نعرفها، ستعود بنا إلى الوراء لآلاف من السنين، إلى زمن سنوهي، عندما فر من "مصر" إلى سيناء بينما كان فرعون "مصر" يحارب في النوبة.
تقسيم مصر عرقياً وطائفياً يعني تدشين دولة اسرائيل الكبرى يا من كنتم تصرخون: "على القدس رايحين شهداء بالملايين". لعنة الله عليكم يا تجار الدم والدين والعرض!
استمعوا لخطاب مرسي وحددوا أوجه الفرق بين خطابه للمصريين بشأن الحوار الوطني وخطاب نتنياهو للفلسطيين بشأن عملية السلام.
التواصل مع تنظيم حسن البنا (فهكذا يجب تسميته لأنهم أخويتهم بعيدة كل البعد عن تعاليم الاسلام) هي مضيعة للوقت، فهم يدركون أنها معركة بقاء وأن انتصار الثورة يعني سيادة القانون "بجد" والتحقيق معهم على جرائمهم والتحقق من مصادر أموالهم، وبالتالي القضاء نهائياً على جماعتهم.
الوضع حالياً هو الأخطر، والبداية واضحة، فهل تقوم بها جبهة الإنقاذ وتتحمل جديةً مسئولية الوطن؟
البداية الصحيحة في وقت الفوضى هو الثبات على المبدأ. والمبدأ هو أن الدول تقوم على سيادة القانون. لا يوجد شخص فوق القانون. وإن كانت هناك تحفظات على أداء القضاء فيجب إيجاد حل سريع لذلك، أو البحث عن البدائل الممكنة والسليمة.
الثورة قامت تقول لا يوجد شخص فوق القانون وحاكمت مبارك. فهل ما قام به رئيس الجمهورية الحالي وعلى مدار ستة أشهر لا يعرضه للمساءلة؟ خطابه الأخير بشأن توجيهاته للشرطة فيما يتعلق بأحداث بورسعيد الأخيرة؟ الإعلان الدستوري؟ وأمور كثيرة أخرى. هل حنث باليمين؟ هل قام بالتربح هو وأهله؟ هل خان الأمانة ؟ افتونا يا أساتذة القانون الدولي!
لن يرحل مرسي طوعاً فمبارك أمامه عبرة. ولن تقوم لمصر قائمة دون إعمال سيادة القانون وتحقيق العدل.

التعليقات