مصر الكبرى

09:22 صباحًا EET

هل كانت ثورة؟

25 يناير 2011…
تجمعات بشرية هائلة تهتف قائلة: "الشعب يريد اسقاط النظام"، "عيش، حرية، كرامة إنسانية".

هل نجحت في تحقيق هدفها وتغيير نظام الدولة وتحقيق العدل والحرية للشعب؟ أم نجح النظام أن يظل متمسكاً بأوصال الدولة مفرزاً الفصيل تلو الآخر ؟ تغيرت الأوجه وظل النظام.
لم تكن ثورة.
هي كانت ولا تزال موجة غضب هائلة تنحسر أياماً وشهوراً ثم تعود لتهدر بقوة ثم تنحسر ثانية.
وسيستمر الوضع هكذا بين نظام متلون ينجح بفضل شبكة علاقاته المتشابكة في الاستمرار في الحكم بعد تغيير وجهه وبين موجات من السخط، تارةٌ هادرةٌ وتارةٌ فاترةٌ. سيظل الأمر هكذا؛ حتى تستقل الفئات المستهدفة من الشعب قطار الثورة. هؤلاء الذين هب الشباب لأجلهم.
الهتافات كانت ولا تزال تعلو من أجل الفقراء المستضعفين الممتهنين في مسكنهم وعملهم وصحتهم وأسرهم. من أجل هؤلاء الذين لا وسيلة أمامهم للفرار من جحيم وطن يمتهن إنسانيتهم حتى نسوها. نسوا أن لهم كرامة وإنهم بشر ينبغي عليهم الغضب حينما تمتهن. كرامتهم وإنسانيتهم. طالما لم يلحق هؤلاء بركب الثورة، فستظل مجرد هبات غضب من شباب حالم بوطن أفضل.
لكل من يرغب أن يمنع قيام دولة فاشية في مصر ستستمر لسنوات حتى ينقسم معها الوطن للأبد، أقول لكم: مصر مش ميدان التحرير، ونحن لا نمثل الشعب المصري، نحن مجرد بقايا طبقة وسطى شبه مندثرة. كم شخصاً تظاهر اليوم؟ خمسة ملايين؟ كم منهم تظاهر ضد الإخوان؟ وكم منهم تظاهر ضد النظام كله، بإخوانه وبعسكره وبحكومته وبمركزيته؟
كيف تتوقعون أن تنجحوا في القضاء على نظام مركزي سلطوي الحكم فيه للفرد وأنتم تتمركزون في الميادين؟ تحاربون المركزية بالمركزية!!
المظاهرات والاعتصامات وإن كانت ديناميكية هامة تضغط وتيرة الزمن وتسرع الأحداث، غير إنها لا تكفي كي تصل بنا إلى الثورة التي التي نحلم بها في مصر؟ فلن تكون هناك ثورة إلا عندما يهب الغلابة في مصر (لأنهم يمثلون حالياً القطاع الأكبر من المجتمع)، لا لكي يعبروا عن سخطهم ولكن كي يخلصوا وطنهم من حكم المرتزقة. ولن يحدث ذلك إلا عندما يتجمع الغيورون على مصر ممن حظوا بتعليم سليم ويعملوا على القضاء على أخطر أنواع العبودية، الا وهي التبعية الفكرية. فالتبعية الفكرية هي أخطر أنواع العبودية لأنها تجعل الإنسان لا يدرك حتى عُمق الظلم الذي يتعرض له. التبعية الفكرية لا تخلق سوى فرد خانع ومجتمع متفرق لجماعات، عاجزٌ على فرز قيادات واعية. وبالتالي عندما يثور قطاع من المجتمع ويهدم الصنم الأكبر، تعمل كل جماعة على رفع صنمها كي يحل محله.
القضاء على التبعية الفكرية يعني دعم قدرة الفرد على التفكير باستقلالية، على إعمال العقل والمنطق ورصد المغالطات. القضاء على التبعية الفكرية لا يعني جذب الفرد لجماعتي بتفنيد حجج الجماعات الأخرى، ولكن دعمه بأدوات التفكير التي تسمح له بتقييم الحجج بنفسه.
هل يمكن القضاء على التبعية الاقتصادية دون العمل على القضاء على التبعية الفكرية؟ بمعنى، هل يكفي إيجاد عمل للأفراد بهدف تحقيق الاستقلال المالي، كي أحقق الاستقلال الفكري؟ لا أعتقد.
إن كنا لا نملك حالياً وضع يدنا على ثروات مصر الطبيعية فإننا نستطيع التصرف في ثرواتها البشرية. من أراد أن يبني نظاماً يضمن للمواطن الحق في العيش والحرية والكرامة الإنسانية فعليه أن يقوم بأمرين.
أولاً، يطفي التليفزيون.
ثانياً، يعمل مع مجموعة ويفكروا سوياً عن ماهية التبعية وسبل القضاء عليها وليتوجهوا لقاطني الأحياء البسيطة كي يمنحوهم بالإضافة للتموين والملابس، بعض الوجبات الفكرية.
مش بس هتفيد وتستفيد، ولكن ستجني الثمار ثورةً ستطيح بالنظام دون أن تأكل الأخضر واليابس في طريقها.

التعليقات