مصر الكبرى

09:32 مساءً EET

د. جهاد عوده يكتب : مداخل لبناء النظام السياسي المصري الجديد

تمهيد
على الرغم من الزخم الذي شهده الجدل العام حول قضية الدستور في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، والذي احتدم مع البدء في عملية صياغة دستور جديد، إلا أنه يلاحظ من خلال تحليل الخطاب العام الراهن حول الدستور، أن الأطراف المنخرطة في هذا الحوار تنشغل بقضايا تخرج العملية كلها عن الهدف المأمول منها، ولا يبدي اهتماماً بالقضية الأساسية التي يجب التصدي لها، وهي انتقال النظام السياسي في مصر إلى نظام سياسي المدنى ديمقراطي الحداثى، وعلى نحو يساعد على حل أزمة الحكم التي تعاني منها مصر.

وتهدف هذه الورقة إلى وضع المسألة الدستورية في مصر في سياقها الصحيح، أملاً في أن تساعد على دفع الحوار العام حول الدستور، بما يضعها في السياق العام لنطور النظام السياسي المصري، والسعي لتطويره. والغرض الرئيسي لهذه الورقة هو إبراز البعد الإنشائي (التأسيسي) للدساتير، على نحو يبين الدور الذي تلعبه الدساتير في بناء النظم السياسية وتطويرها؛ وإظهار إمكانية تحقيق ذلك في السياق المصري، من خلال العمل على وضع دستور يجري توليده من واقع الثقافة السياسية المصرية لكنه يعمل في الوقت نفسه على توليد قيم ومفاهيم تساعد على الارتقاء بالواقع وتطويره.
وتقتضي هذه العملية التعامل تعاملاً نقديا مع المناهج النظرية الحاكمة للفكر الدستوري السياسي الراهن، وفي مقدمتها المنهج الوظيفي البنائي، ليس في صياغته الكلاسيكية وحسب وإنما أيضاً في صياغاته الأحدث، والدفع بأدوات منهجية جديدة تساعد على إيجاد حلول نظرية وعملية للتعامل مع المشكلات التي تكتنف عملية وضع دستور جديد، وتساعد أيضاً على توليد قيم ومبادئ من التراث الفكري للبيئة التي نتعامل معها، وتوظيف هذا كله في توليد حلول عملية لمشكلات الانتقال الديمقراطي في مصر وما يقتضيه من آليات وترتيبات مؤسسية.        
وبقوم البحث على فرضيتين أساسيتين:
الفرضية الأولى في هذا البحث أن بناء النظام السياسي لابد وأن ينبع ويعبر من مخاض تفاعلات وصراعات الثقافة السياسية وتوافقاتها. الثقافة السياسية هي البناء التحتي للنظام السياسي. إن غياب هذا العامل الحاسم في بناء النظام السياسي يقلب النظام إلى هندسة تحديثية ضعيفة البنية من السهل اقتلاعها من الجذور فتدخل البلاد كما حدث مراراً في مرحلة وعي ضال وزائف وتصاب الأمة باغتراب.
هذا القول لا يعنى بأي معنى تبني مقولة العودة إلى الأصول الدينية والمذهبية باعتبارها ضالة المؤمن لأن هذا في اعتقادي يعكس أيضاً وعياً مفروضاً وسلطوياً. في هذا البحث نطرح مفهوم "العقلانية العملية". وهو مفهوم مختلف عن مفهوم "العقلانية التطبيقية" الذي طرحه المفكر والفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار. فما هو عقلي تطبيقي مختلف عن ما هو عقلي عملي. فما نحتاج إليه في ثقافتنا السياسية هو بناء نظام سياسي قادر على توليد مفاهيم وممارسات عملية تساعد على بناء التقدم والعلمانية والليبرالية. وفي اعتقادي أن ما هو عقلي عملي يسبق في النمو ما هو عقلي تطبيقي.
يعرف باشلار مفهوم "العقلانية التطبيقية" باعتبارها نتاج تفاعل أربعة مفاهيم معرفية: أولاً، أنه ليس هناك ثمة عقل ثابت يحكم جميع أنماط معرفتنا، حيث يمكن القول بأن العقل هو نتيجة من نتائج العلم؛ ثانياً، ليس ثمة منهج شامل، فالمنهج مثل العقل مبني لاحقاً من العمل الواقعي للعالم؛ ثالثاً، واقع العلم ينبع من القدرة على بناء نماذج بأشكالها المختلفة وعلى رأسها النماذج الرياضية؛ رابعاً وأخيراً، يأتي عنصر المعلومات من تفاعلات تطور الظاهرة في صراعها مع العالم المعاش اليومي.
هكذا يتضح لماذا نعتبر العقلانية العملية ضرورية في السبق. العقلانية العملية تأتى وفق المفاهيم العالمية في شكلين: أولهما، ما رسمه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو من حيث كونها هيكل للعلاقات التي تنمو في سياق وتاريخ من الحس المشترك. في هذا السياق ما هو عملي، هو معقول، وما هو معقول هو مشترك، وما هو مشترك نابع من سجايا معبرة من مبادئ مولدة لممارسات مميزة ومتميزة. وثانيهما، قادم من ميراث المعتزلة في علم الكلام والفقه حيث يعتبر العقل العملي هو القادر على التمييز العقلي بين الحسن والقبيح في البرهان والإدراك.
في بحثنا هذا نبنى بناءاً مفهومياً يعبر بنا إلى خلق ما هو عملي سياسياً أو خلق مجال للمكنات العملية من الناحية السياسية  في الدولة والمجتمع  على النحو التالي: أولاً، القدرة التي تتمثل في الأداة التي يحقق الإنسان بها إرادته واختياره سواء مارسها أو تركها؛ ثانياً، المسؤولية التي تعني مسؤولية الإنسان عن أفعاله والتي تجعل الإنسان عملياً حراً؛ بعبارة أخرى، أن يكون الفعل صادراً عن إرادته الحرة وقدرته الذاتية؛ ثالثاً، السببية والتي تشير إلى أن الأسباب واقعة دائماً لأسباب إنسانية، فالسبب دائما هو الموصل إلى المسبب عنه أو سبب متولد عن السبب، حيث أن الفعل المتولد أي المسبب المتولد يجب تعليقه بذات الفاعل لا بذات الناتج عنه. وهنا تمت التفرقة بين الاستدلال وهو يعرف بالأشياء المستدل عليها، والحس وهو الإدراك المحسوس حتى يعرف الشيء المحسوس، وبالتالي تكون المعرفة ناتج الاستدلال الموصل إليها والحس المسبب إليها؛ ورابعاً، الضرورة تعبر عن المفارقة بين الحرية والمسؤولية، فحرية الاختيار لا تعنى عدم إدراك ضرورة المسؤولية، وهنا نميز بين فكرة الضرورة والقهر حيث أن حالة القهر تعبر عن حالة استحالة للحرية والمسؤولية والضرورة في هذا السياق تأتى لتعبر عن عقلانية مقيدة.  
الفرضية الثانية في هذا البحث هي أن الثقافة الليبرالية قد تم قهرها سلطوياً ومذهبيا في عشرينات القرن الماضي حتى الآن. يسعى هذا البحث إلى بناء نطاق لإمكانية اجتماعية لليبرالية في سياق نظام سياسي. (راجع مخطوط كتاب: استئناف التنوير وثورة 25 يناير)  
ينقسم هذا البحث إلى ثلاثة أجزاء : أولها يطرح نقدا لفكرة الوظيفية السياسية على اعتبار أنها تعبر عن نظم تعكس علاقات في الثقافة السياسية استوت واستقرت على مذهب الحرية والاختيار لا تعكس جدليات وممكنات العلاقة بين الفرد والمصلحة والجماعة والنظام؛ ثانيا، بناء مداخل من داخل الثقافة السياسية المصرية لإفساح المجال أمام منطق الحرية والاختيار والمسؤلية وأخيراً نحو بناء دستور ليبرإلى.  
الجزء الاول:  من الوظيفية إلى إنشائية الثقافة السياسية   POLITICAL CONSTRACTIVE  CULTURE
اولا :  نقد الوظيفية البنائية
تحتل الوظيفية مكانا مرموقا داخل النظريات السوسيولوجية المعاصرة، ولا نكاد نجد باحثاً في علم الاجتماع والأنتروبولوجيا إلا وظهرت في أعماله وتفسيراته ومنهجه خصائص الوظيفية، بل إنها من أوسع الاتجاهات انتشارا في دراسة الظواهر الاجتماعية.
والوظيفية هي اتجاه فكري في علم الاجتماع يتألف من عنصرين مترابطين، يتمثلان في نموذج تصوري للمجتمع، وإطار منهجي لتحليل هذا المجتمع، ويعتبر مفهوم النسق هو الأساس الفكري للوظيفية، ولقد دخل هذا المفهوم إلى علم الاجتماع من مصدرين هما: المصدر الكلاسيكي كما يتمثل في الآراء الوظيفية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين والمصدر المعاصر ويتمثل في نظرية الأنساق.
وترجع الجذور التاريخية للوظيفية إلى النظرة العضوية للمجتمع، كما تبدت في فكر الرواد كونت وماركس وسبنسر، ثم تتابعت الحلقات الفكرية المؤدية إلى الوظيفية المعاصرة. والاتجاه الوظيفي أقدم  في البيولوجيا وعلم النفس والانتروبولوجيا منه في علم الاجتماع. فالبيولوجيا كعلم يدور حول فكرة أساسية وهي أن كل عضو وكل جزء من النسق (الكائن) يقوم بوظيفة أو عدة وظائف ضرورية لبقاء الكائن حياً، ولهذا تصورت البيولوجيا الكائن الحي على أنه نسق يتكون من مكونات مرتبطة وظيفيا. وعلى غرار علم البيولوجيا، جعلت النظرية الوظيفية من النسق الأساس الذي تنطلق منه في أي دراسة، بحيث اعتبرت أن المجتمع هو كل يتألف من عدد العناصر المترابطة والمتفاعلة بينها، ولها علاقة بالكل، وكل جزء داخل المجتمع يؤدي وظيفة محددة.
أي أن النسق الوظيفي يستند إلى فكرة الكل الذي يتألف من أجزاء يقوم كل جزء منها بأداء دوره، وهو معتمد في هذا الأداء على غيره من الأجزاء، ومن ثم يقوم التساند الوظيفي بين الأجزاء وبعضها أو بين الأجزاء والنسق ككل.  فالعمليات الاجتماعية وما يتولد عنها من علاقات اجتماعية إنما تمثل نماذج سلوكية وليدة شعور الأفراد باعتماد بعضهم على البعض الآخر، وحاجاتهم لتبادل المشاعر، وترابط الأفكار والنشاط، وهي تؤدي إلى ترابطات بنائية في العلاقات الوظيفية.
وكمثال على ذلك فعند دراستنا لطائفة معينة، فإننا سنقوم بالتركيز على ثلاثة أنواع من الوظائف:
    وظيفة زعيم الطائفة بالنسبة للمجتمع.
    وظيفة الأنساق الفرعية المترابطة داخل الطائفة.
    وظيفة زعيم الطائفة بالنسبة لأفرادها.
ومن خلال هذا المثال يبدو كيف أن التعرف على الظواهر الاجتماعية يتطلب الكشف عن ارتباط الجزء بجميع الأجزاء أو الظواهر الأخرى. وعلى ذلك، فإن ظهور الاتجاه الوظيفي جاء نتيجة لنظرة العلماء إلى المجتمع على أنه نسق واحد يتألف من عدد من العناصر المتفاعلة المتساندة التي يؤثر بعضها في بعض، ويعدل أحدهما الآخر.
الوظيفية الاجتماعية: تعنى الدور الذي يلعبه أو يؤديه النظام في البناء الاجتماعي، (شبكة العلاقات المتبادلة من النظم أو الوحدات)، والذي يفسره البعض بأنه محاولة التعرف على مدى التشابك والتفاعل القائمين بين النظم التي تؤلف حياة المجتمع ككل، ونصيب كل نظام منها في الحفاظ على تماسك هذا المجتمع واستمراريته ووحدته وكيانه، كما أنها تشير أيضا إلى الإسهام الذي يقدمه المجتمع الكبير للجماعات الصغيرة التي يضمها. ونظرا لتعقيد وتشابك العلاقات الاجتماعية فالتحليل الوظيفي كان ضرورة، وأداة تحليلية أساسية للباحثين من أجل دراسة الأشكال المختلفة للتفاعلات والترابطات الاجتماعية.
وإذا كان التصور الكلي للمجتمع شرطاً ضرورياً للوظيفية، غير أنه ليس كافيا لتحديد معالمها. ذلك أن الاستناد إلى فكرة النسق أو حتى إلى مفهوم الوظيفية لا يعد كافيا لتمييز الوظيفية عن غيرها من الاتجاهات الفكرية في علم الاجتماع والعلوم السياسية، ولهذا نرى أن ما يميز الوظيفية ويحدد معالمها النوعية هو ما يستخدم في هذا الاتجاه الفكري من طرق نوعية لتحليل الظواهر الاجتماعية  التي يضمها النسق، وتتمثل هذه الطرق في الافتراض بأن الظاهرة موضع الدراسة تؤدي وظيفة معينة في هذا النسق، بمعنى أنها تمارس أثراً ملحوظاً في تحقيق بقاء أو استمرار هذا النسق، والافتراض بأن تحديد الوظيفة التي تؤديها الظاهرة هي تفسير للظاهرة ذاتها. ويعني هذا أن التفسير الوظيفي للظواهر الاجتماعية يركز الاهتمام في دراسة النتائج والآثار المترتبة على وجود الظاهرة أكثر مما يهتم بالبحث عن أسبابها أو مصدر نشأتها .
وإذا كانت النظرية الوظيفية مهمة في دراسة المجتمع إلا أن الأمر يبدو أكثر تعقيدا عند دراسة المجتمعات المعاصرة، والتي لا يمكن التعامل مع الأنساق داخلها كحقيقة قصوى، نظرا للتغير الشديد الذي تعرفه المجتمعات اليوم، وعلى العكس من ذلك فالمجتمعات البدائية يمكن دراستها على أنها مجتمعات مطلقة ثابتة لا تتغير إلا ببطء شديد. وهو ما كان محل انتقاد للنظرية الوظيفية وقدرتها على مواجهة قضايا التغيير ومتغيراته. وواجه الاتجاه الوظيفي اتهامات كثيرة مؤداها أنه اتجاه اهتم بقضايا التوازن والتكامل وأهمل قضية التغير والصراع .ولعل هذا ما أدى إلى بروز اتجاهات منهجية ترفض الوظيفية، كاتجاه سوسيولوجيا المعرفة الذي دعى له توماس كون، ومدرسة فرانكفورت وأيضا الاتجاه الماركسي. وقد حاول عدد من الوظيفيين في وقتنا الحاضر من أشهرهم نيل سملزر Neil Smelser  أن يطوروا مفهوما جديدا للوظيفية، بحيث تستوعب دراسة التغير، ومؤداه أن الوظائف التي يقوم بها نظام معين يأتي عليها وقت تنتشر بين نظم أخرى متباينة، وهكذا فإن شكلاً من التوازن الاجتماعي يحل محل شكل آخر أكثر تعقيدا، وإلى أن يتم هذا الحلول من المتوقع أن يمر النظام بمرحلة من التوتر والاضطراب.
ومع كل تلك الانتقادات يمكن القول أن الاتجاه الوظيفي ساد في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات العشرين بشكل غريب أصبحت معه الوظيفية منهجا لمعظم الاتجاهات النظرية في علم الاجتماع، وأصبحت لها سمة مميزة وهي اعتبارها للمجتمع نسق اجتماعي وظيفي، وعلى هذا الأساس تم تحليل المجتمع وفهم ظواهره. ومع أن رواد الوظيفية متعددون كدوركايم وباريتو وميرتون، إلا أنه لا يمكن الحديث عن الوظيفية دون الإشارة إلى كتابات بارسونز رائد الوظيفية المعاصرة.
ولقد كانت محاولة بارسونز في هذا الإطار تستهدف صوغ نظرية عامة في الوقت الذي سيطر فيه الاتجاه التجريبي على البحوث الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة عندما أصر على أن النظرية الشاملة هي أهم الدعامات التي يحتاج إليها علم الاجتماع.
ولقد حاول قراءة تاريخ الفكر في علم الاجتماع برؤية جديدة حتى يتمكن من إيجاد نظرية واحدة بدلا مما هو قائم من نظريات متعددة ومتناقضة. وحدد بارسونز خطة عامة تتألف من الخطوات التالية:
    وضع إطار مرجعي ،  
    وصف العالم الواقعي في ضوء هذا الإطار المرجعي،  
    تنسيق مجموعة من القضايا التي تلخص العلاقات القائمة بين الظواهر كما توجد هذه الظواهر في العالم الواقعي،
    ربط هذه القضايا ببعضها في إطار نسق نظري مغلق من الناحية المنطقية.
ووضع بارسونز إطاراً مرجعياً لنظرية الفعل الاجتماعي، واستخدم هذا الإطار المرجعي في وصف الصور الأساسية التي يتشكل فيها الفعل الاجتماعي في شكل أنساق: النسق الثقافي، النسق الاجتماعي، نسق الشخصية والنسق السلوكي، ثم حاول أن يفسر هذه الأنساق وبعضها أو تلك العلاقات التي تقوم بين العناصر التي يتألف منها كل نسق مؤكدا على ضرورة وأهمية تحقيق التوازن بين صور الإطار المرجعي، أو بين العناصر التي يتألف منها. وكل اختلال في أحد هذه العناصر سيؤدي إلى خلل في المجتمع ككل والذي سيفقد بالضرورة توازنه، وهو ما يعني انهيار المجتمع.  ولقد كان بارسونز يعتبر أن الوظيفية هي منهج لفهم وتفسير الظواهر الاجتماعية، تماما كما هو الشأن بالنسبة لعلوم الطبيعة.
ولهذا اعتبر أن الظواهر الواقعية لا تكتسب أهميتها بالنسبة لأي دراسة علمية إلا إذا أمكن صياغة هذه الظواهر في ضوء إطار مرجعي. وتتحدد وظيفة الإطار المرجعي في أنه يحدد نطاق الظواهر التي يحاول العلم تفسيرها، ويتم ذلك عن طريق انتقاء جوانب من الواقع تعد ذات أهمية بالنسبة لتخصص علم من العلوم.  تماما كما هو الشأن بالنسبة للعلوم الاجتماعية والتي يبقى دور النظرية الوظيفية داخلها هو الكشف عن طبيعتها والتعامل الواقعي معها. ومع أن النظرية الوظيفية تعرضت لانتقادات كثيرة، إلا أنه لا يمكن إهمالها أو تجاوزها بل إنها مازالت محل اهتمام من طرف العديد من مفكري العصر الحديث.
الطريقة البنائية الوظيفية: ويستمد هذا النهج الهيكلي وظيفية  من استخدامات الوظيفية ونماذج الأنظمة في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، وعلم الأحياء، والعلوم السياسية.Structural functionalism became popular around 1960 when it became clear that ways of studying US and European politics were not useful in studying newly independent countries, and that a new approach was needed. أصبحت الهيكلية الوظيفية منتشرة في جميع أنحاء عام 1960، عندما أصبح واضحاً أن وسائل لدراسة سياسة الولايات المتحدة وأوروبا لم تكن مفيدة في دراسة البلدان المستقلة حديثاً، وبأن هناك حاجة إلى نهج جديد.Structural-functionalism assumes that a bounded (nation-state) system exists, and studies structures in terms of their function(s) within the system. الهيكلية الوظيفية يفترض أن تحدها الدولة القومية في النظام سياسي اجتماعي شامل له هياكل واضحة داخل النظام. For structural functionalists the question to be answered is what does a structure (guerrilla movement, political party, election, etc.) do within the political system (of country x)?
الوظيفيون البنائيون يسعون إلى الاجابة على السؤال التالي: ما هي اللبنة الرئيسية داخل النظام السياسي؟The goal is to find out what something actually does in a political system, as opposed to what it is supposed to do. والهدف من ذلك هو معرفة ما في الواقع لا ما يفترض أن يفعله. Thus, structural functionalists would not waste time studying constitutions in Third World countries if they found that the constitutions [structures] had little impact on political realityوبالتالي، فإن الوظيفيين البنائيين لا يضيعون الوقت في دراسة الدساتير في دول العالم الثالث إذا وجدوا أنها دساتير [هياكل] ليس لها تأثير يذكر على الواقع السياسي.
Almond claimed that certain political functions existed in all political systems.هذا المنهج يفترض أن هناك وظائف سياسية معينة موجودة في كل الأنظمة السياسية.On the input side he listed these functions as: political socialization, political interest articulation, political interest aggregation, and political communication . وهذه الوظائف على النحو التالي: التنشئة السياسية، البحث عن الفوائد السياسية وتجميع المصالح، والاتصالات السياسية.Listed as outputs were rule-making, rule implementation, and rule adjudication . وهذه الوظائف تدخل في عملية الحكم وممارسته.Other basic functions of all political systems included the conversion process, basic pattern maintenance, and various capabilities (distributive, symbolic, etc.). وتشمل الوظائف الأساسية الأخرى التي من المفترض أنها موجودة في كل الأنظمة السياسية عملية التحويل التفاعلى الذي ينتج المخرجات، وعمليات أساسية لصيانة الأنماط، وقدرات مختلفة (توزيعية، ورمزية، الخ). Structural functionalists argued that all political systems, including Third World systems, could most fruitfully be studied and compared on the basis of how differing structures performed these functions in the various political system.وتواضع الوظيفيون البنائيون على نموذج تحليلي شامل للنظم السياسية. وانطلق علماء نظم الحكم  في دراسة أنظمة دول العالم الثالث، ومقارنتها على أساس كيف تؤدي الهياكل المختلفة هذه الوظائف في النظم السياسية المختلفة.
Structural functionalism is based on a systems model. وتستند الهيكلية الوظيفية على نموذج النظم.Conceptually, the political process can be depicted as follows: ونظرياً، يمكن تصور العملية السياسية على النحو التالي:*
For analytical purposes the political system is considered to be the nation-state, and the environment is composed of the interactions of economic, social, and political variables and events, both domestic and external. لأغراض التحليل يعتبر النظام السياسي دولة قومية، وتتكون البيئة من أشكال التفاعل بين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبين الأحداث، على الصعيدين الداخلي والخارجي. The idea is that there are a number of actors in the national political system (political parties, bureaucracies, the military, etc.) and that the actions of all these actors affect each other as well as the system. الفكرة هي أن هناك عدداً من الجهات الفاعلة في النظام السياسي الوطني (الأحزاب السياسية، والبيروقراطية، والعسكرية، الخ)،  بحيث تؤثر على بعضها البعض، فضلاً عن تأثرها بالنظام وتأثيرها عليه.The political analyst must determine the importance of these actors in a particular political system. يجب على المحلل السياسي تحديد أهمية هذه التوجهات الفاعلة في نظام سياسي معين.This is done by analyzing the functions performed by the various actors. يتم ذلك عن طريق تحليل الوظائف التي تؤديها مختلف الأطراف الفاعلة.Any changes in the system also affect all the actors. فضلاً عن أي تغييرات في نظام تؤثر أيضا على جميع الأطراف الفاعلة كما تم ذكره.The feedback mechanisms allow for constantly changing inputs, as actors react to outputs. أما آليات التغذية المرتدة فتسمح للمدخلات المتغيرة بالاستمرار في التدفق.
Structural functionalists, like systems analysts, have a bias toward systemic equilibrium, (ie toward stability). ويتمثل الوظيفيون البنائيون محللي النظم التكنولوجية المتقدمة، حيث نجد انحيازاً معرفياً لمنطق التوازن النظامي، أي الميل إلى نقاط استقرار النظام. هذا التحيز المعرفي يميل إلى جعل النهج محافظاً ويفضل الاستقرار ويكافح ضد التغير التطوري أو التغير الجذري، أو الثوري. A problem which arises with this system-based model is that the nation-state’s boundaries are often permeable in the real world, rather than being the neatly bounded nation-state conceptualized by structural functionalisوالمشكلة التي تنشأ مع نموذج النظام القائم هي مشكلة حدود الدولة القومية.In other words, in the real world it is usually difficult to state exactly what the boundaries are, leading to some conceptual difficulties. بعبارة أخرى، في العالم الحقيقي عادة ما يكون من الصعب القول بالضبط ما هي الحدود بين الأنظمة والدول، مما يؤدي إلى بعض الصعوبات المفاهيمية في التحليل. وفي قول ثالث، الوظيفية البنائية تولد تاريخياً STRUCTURAL-FUNCTIONALISM AND HISTORICAL SEQUENCES OF CRISEمتواليات من الأزمات الممتدة.
In response to criticisms, structural functionalists looked at history and concluded that political development takes place when an existing political system is unable to cope with problems or challenges confronting it without further structural differentiation or cultural secularization. واضح تماماً أن الواقع الذي نعيشه ليس هو الواقع الذي تعيشه النظم المتقدمة. ورغم ما حققه المنهج الوظيفي في صورته البنائية من انجازات تاريخية إلا أنه في العالم الثالث، وخاصة في العالم العربي، كان سبباً، من الناحية العملية، لتآكل النظام السياسي بشكل عام. ويرجع هذا الفشل إلى الانفصام التاريخي بين الوظائف والقيم الاجتماعية. وربما يرجع هذا للتصورات المنهجية لمفهوم الحداثة كما تم نقله إلى العالم الثالث والعالم العربي. فهمت الحداثة بانها السعي لإحداث هذا الانفصام . على أساس أن الحداثة تمثل انقطاعاً مع المفاهيم والهياكل التقليدية والممارسات القديمة. انقطع الماضي أو تم تشويهه بشكل أصبحنا لا نتعرف علية بالمعنى التاريخي. ومن ناحية أخرى، للأسف لم تنتج الحداثة العربية إلا تشويهاً للأدوار والقيم والعمليات السياسية. فورثنا الواقع المرير الحالي المتمثل في صور مختلفة من الدول والنظم الإدارية والنظامية الفاشلة، لأنه لابد من إنقاذ الواقع نظرياً وعملياً من خلال استخدام العقل والإرادة الفردية.
ثانياً: منهجية التفاعلات الإنشائية كثقافة سياسية
تفترض أنّ الأصل في فهم المجتمع هو فهم وجهات نظر الأفراد الذين يتفاعلون فيما بينهم. فنظرية «التفاعل الاجتماعي» تهتمّ بالطريق الذي يتفاعل فيه الأفراد فيما بينهم، ويستجيبون لبعضهم البعض، ويؤثر أحدهم على الآخر. وهذه النظرية تضع الكثير من مفاهيم «علم النفس» في ثنايا علم الاجتماع. فهي لا تهتمّ بالتركيبة الاجتماعية، أو النظام الاقتصادي، أو الطبقات الاجتماعية، أو الصراع بين أصحاب المصالح، بل إنها تصّب جهدها العلمي على دراسة التفاعل الاجتماعي اليومي بين الأفراد. فالأفراد هم أصل ومحور النظرية الاجتماعية، وليس الدولة أو النظام الاقتصادي أو المؤسسات الاجتماعية. فعن طريق السلوك الاجتماعي للأفراد يحيا المجتمع وتنتظم شؤونه الحياتية. فالمجتمع إنما اُنشىء وثُبِّتَ أو غُيِّرَ من أجل الأفراد، لا من أجل المجتمع ذاته.
في هذا السياق عرض العالِم الاجتماعي «ارفينك كوفمان» الحياة الاجتماعية على أنها مسرح يلعب فيه الأفراد أدوارهم التمثيلية المختلفة. بينما طرح «جورج هومانز» فكرة تبادل المكافأة أو العقوبة على أنها نتيجة من نتائج تأثير الأفراد بعضهم على البعض الآخر. فالمكافأة تمثل القبول، والعقوبة تمثل الرفض. وتبنى «هارولد كارفينكل» فكرة البحث عن جذور السلوك الاجتماعي، بمعنى أننا ـ ومن أجل فهم التفاعل الاجتماعي للأفراد  ـ لابد من النزول تحت سطح الأرض الاجتماعية لنفهم كيف يبني الأفراد توجهاتهم، وكيف يبررون أعمالهم الاجتماعية. أما «جورج ميد»  فقد أصر على الإيمان بـ  «التفاعل الرمزي». فالرموز تمثل أشياءَ أخرى لها معانٍ نفهمها. فالألفاظ رموز تدلّ على معانٍ معينة نستطيع إدراكها؛ وكذلك الإشارات، وتعابير الوجه، والقوانين، والأحكام فهي أشياء رمزية يُراد بها معانٍ أخرى. والتفاعل الاجتماعي لا يحصل بين الأفراد إلاّ عن طريق الرموز كاللغة، والكتابة، وإشارات المرور. فالأفراد لا يفهمون العالم مباشرة إلاّ من خلال طريق ثالث له معنى. وإلى ذلك المعنى تتم الإستجابات والتأثيرات بين الأفراد. فالألفاظ، والحروف المكتوبة، وإشارات المرور ليست لها معانٍ بذاتها ولكنها رموز تمثّل معاني أخرى يفهمها الأفراد. فعالمنا الذي نعيش فيه عالم رمزي، وحياتنا الاجتماعية تحتاج إلى تفسيرات لا نفهمها إلاّ من خلال الرموز.
ولكن كل هذه الإسهامات لم تستطع حل مشكلة الانتقال من المستوى الفردى للتفاعل إلى خلق مستوى جماعى بأي شكل من الأشكال للتفاعل. في هذا السياق، نشأت الإنشائية كحل لهذه المشكلة. الافتراض الأساسي والمدخل الرئيسي هو الاعتراف باجتماعية العلاقات الإنسانية كأساس للتكوينات الاجتماعية من المنظور التاريخي. هذا الاعتراف يفتح الباب إلى منهجيات مختلفة لتاريخية الحداثة. فالعالم الذى نعيش فيه نسبى من زاوية حيوية العلاقات بين الأفراد والجماعات. أي أن العلاقات هي من صنع أيدينا. نشأ هذا المصطلح في عام 1989. وينصرف في آليات إنشاء المصالح وتطورها من المستوى الفردى إلى المستوى الجماعى. هنا ظهر الفرد كصانع مستقبله كمسألة وجودية (أنطولوجية) ذات أبعاد إمبريقية بسبب الثورة غير المسبوقة في المجال التكنولوجى والاتصالات. فالفرد هو صاحب الإرادة الحرة والتفاعل بين الأفراد يتم دائم من خلال انشاء مبادئ وقواعد اجتماعية وهى قواد تتغير من تلقاء نفسها. من القواعد الاجتماعية تنشأ العلاقات الاجتماعية التي هي دائما متحولة بسبب التكنولوجيا وبسبب الاختفاء المعرفي لمنطق الثوابت المصلحية الأولية. في هذا السياق، لا يجب أن تفهم المواد باعتبارها مسألة مادية في الأساس ولكن تسبقها تصورات ورؤى وإدراك معرفي فردي أو جماعي.
الإنشائية: ينظر الإنشائي إلى السلوك الإنساني والهيكل الاجتماعي باعتبارهما متلازمين تلازماً ضرورياً. في هذا السياق، تصير صياغة المبادئ والكلمات واالقواعد الحاكمة والتطبيقات العملية والعمليات الإرشادية والتعددية مدخل لصناعة التركيبات الاجتماعية. كذالك الأمر بالنسبة للأيديولوجيات في تحليل أسباب وجودها وليس أسباب ظهورها. فالإنشائية لا تهتم بتحليل المصالح والمواقف ولكن تعمل على شرح أصول نشأة العالم.
والمنطق الحاكم كمنهج في النظرية هو رؤية العنصر البشري وكلاء اجتماعيين يقومون من خلال تفاعلهم  بعملية اختيار اجتماعي وخلق ترتيبات من أجل الصراع. فالدياليكتيكية الإنشائية تعترف بإمكانية السير في اتجاهين متعارضين في نفس اللحظة، الأمر الذي يولد دينامكية إنشائية توطن التغيير داخل الهيكل تدريجياً. بعبارة أخرى، فالأفراد ينظمون العلاقات والعلاقات تسمح الأفراد بالتغيير والتغيير يصير متعدد.
في الجزء الثانى سنرى كيف صاغ الوكلاء الاجتماعيون الليبراليون منظوراً للمصالح الفردية والجماعية وبالتالي تم بعث منظر التغيير المتعدد. each other.
This is a continuous, two-way process.
الجزء الثانى: مداخل  لانشاء ثقافة سياسية ليبرالية
اولا: أحمد لطفي السيد : في أصل أزمة الثقافة الليبرالية السياسية
تمثل المبدأ الوجودي الأول عند أحمد لطفي السيد في ضرورة وحتمية توفير مناخ يسمح ببزوغ منطق للعقد الاجتماعي، حسبما أقره مفكرو التنوير. يقول: "إن الناس المتعاقدين يتراضون فيما بينهم، فرادى أو مجتمعين، علي ميثاق اجتماعي، صريح أو ضمني، علني أو صامت، يتعهدون فيه بالتنازل عن حقوقهم (كلها أو بعضها) لصالح هيئة اجتماعية عامة، ذات إرادة كلية، تملك سيادة تامة علي الجميع، يعبر عنها مجموعة الأعراف والقواعد والقوانين التي تضعها أو تسنها بنفسها، والتي توزع الحقوق والواجبات علي أعضائها . ويرى مفكرو التنوير هؤلاء، أن العقد الاجتماعي هو ثمرة التفكر العقلاني، والرغبة في السلام، والتعاون علي مواجهة الأخطار في الحال الطبيعية، وأنه ينقل الإنسان من الحال الطبيعية إلى الحال الاصطناعية؛ أي حال المجتمع المدني ذي الكيان السياسي، الذي تحلّ فيه الحقوق الاجتماعية محل الحقوق الطبيعية، وتحل «الملكية بالحق» التي تحظى باعتراف المجتمع وحمايته القانونية، محل الملكية «بوضع اليد» القائمة علي الأمر الواقع، التي هي موضع نزاع وصراع، ولما كان العقد الاجتماعي طرفاه الحاكم والمحكوم فان اتزان واستقرار أي مجتمع يعود في الأساس إلى اتزان العلاقة بين طرفي المعادلة."
يرى أحمد لطفي السيد، في إطار رؤية نقدية، هذه العلاقة التي أصبح أساسها عدم الثقة بين طرفي العقد "الحاكم والمحكوم" فيقول في كتابه "مبادئ في السياسة والأدب والاجتماع": " كانت قاعدة حكومة مصر هي الاستبداد من تلك العصور الخالية إلى الآن.. فكان ما يشرعه الحاكم من القوانين وما يأتيه من الأعمال ملحوظا فيه مصلحة الحكم بالذات، وقد يكون منطبقاً علي مصلحة الأمة بالعرض، أو من غير قصد". ويعلل لطفي السيد هذا الاتجاه من جانب أرباب الحكم:  " كانت الحكومة دائما أجنبية تخالف الأمة في الجنس أو في الدين واللغة والعادات والأخلاق أو فيها جميعا.. كانت الأمة بذلك في غاية التحفظ والاحتراس من أن تخلص لحكومتها إخلاصا حقيقياً، كما كانت الحكومة أبعد من أن تستحق ذلك الإخلاص… بقيت هذه الحساسات وهى ….في الأمة أزماناً طوالاً متوارثة من الآباء، أفسدت كثيراً من الأنفس وأضاعت الحرية العقلية، والشجاعة الأدبية التي هي طبيعة في النفوس، وولدت تلك الأسباب جميعاً سوء الظن بين الحاكم والمحكوم."
ويستطرد مفكرنا ليؤكد أن أهم حصن من حصون العقد الاجتماعي، وهو جسر الثقة وذلك مع ذكر أسباب ذلك في إطار رؤيته التحليلية الدقيقة من خلال رصد الأنماط السلوكية للمجتمع حيث يقول: "لا يعجب أحدكم أن يرى أكثر الناس في القرى يجتهدون في أن يحولوا بين متهم في جريمة وبين إثبات التهمة عليه. وليس كل السبب لهذا القيام ما تمليه المصيبة القريبة أو تفضيل الظلم علي إقامة العدل، بل هو اعتبار أن الحكومة وأعوانها لا يسعون لمصلحة الأمة فيقف الناس خفية في طريق أحكامها، وتبين لهم أن ما فيه العدل."
إننا إذا سلمنا أن عملية التنظيم الاجتماعي حساسة بشكل كبير لعلاقات القوة، وإذا تصورنا مجتمعا قد خضع للاستعمار من جانب مجتمع آخر أكثر قوة، فمن غير المعقول أن نتوقع أن عملية التنظيم الاجتماعي ومنتجاتها من معايير وقيم اجتماعية ستستهدف فقط إشباع حاجات السكان الوطنيين، بل إن الأقرب إلى المنطق القول بأن عملية التنظيم الاجتماعي سيتم التحكم فيها بالقوة لتحقيق مصالح المستعمِر، وبذلك فإن القيم التي تنشأ في هذه الظروف ستكون قيما محرّفة ملتوية تركز علي إشباع الحاجات القريبة المدى علي المستوى الفردي (بهدف المحافظة علي بقاء الأفراد أحياء علي الأقل) ولكنها تتجاهل إشباع الحاجات بعيدة المدى علي مستوى المجتمع ككل (أي المحافظة علي بقاء المجتمع ونظمه ومؤسساته الموجهة لخدمة حاجات سكانه…ونسوق في هذا الصدد ما تناوله لطفي السيد من رصد وتحليل لقيم المجتمع المصري وسلوكياته في إطار هذه الرؤية والتي تعتبر إفرازا ونتيجة من نتائج الجفاء الحادث بين الأمة والحكومة علي حد تعبير لطفي السيد نفسه.
وفي الحادي والعشرون من ديسمبر 1907 أعد احمد لطفي السيد الدستور المصري وفق رؤية حزب الأمة مطالباً باستقلال مصر عن الاحتلال، وسافر ضمن الوفد المصري في مطلب استقلالي إلى مؤتمر السلام في فرساي 1919. كانت رؤيته هي أن «مصر للمصريين».  كان لطفي السيد متطوراً ومتقدماً في تفكيره فهو الذي أصر أيما إصرار علي تعريف المصرية باعتبارها قومية خاصة تعود لعهد سحيق منذ أيام الفراعنة منفصلا عن التبعية للخلافة الإسلامية التي كانت تعد لدى كثير من معاصريه أصل من أصول الإسلام وهدمها يعد هدماً للإسلام الأمر الذي كان سبباً في معاناته مع المؤسسات الدينية سواء الرسمية وغير الرسمية فإن مثل هذه القضايا كانت تعتبر من المحرمات التي يحترق كل من اقترب منها، ولكنه كان يمتلك الجرأة لأن يخوض مثل هذه المعارك .
كان رفض لطفي السيد للجامعة الإسلامية بسبب ما سماه بـ"الفوضى القومية" قاطعا. كما رفض مفهوم "الأمة الإسلامية" الذي قامت عليه سلطة الأتراك العثمانيين وبموجبه يتحكمون في مصر ويحكمون الوطن العربي وبالتالي اعتبر مبدأ «الوحدة العربية» امتداداً موضوعياً لمفهوم الأمة لدى الأتراك. فنراه يهتم بالتعليم كهدف أسمى من الاستقلال نفسه، ويتفق كثير من الباحثين علي أن  لطفي السيد بما كتبه من مقالات وما ردده من آراء مجاهرة يرى في الدين شأناً خاصا وفق مقولات النهضة الأوربية، وأن  الدين لله والوطن للجميع فلا فرق بين مصري مسلم ومصري قبطي فكلهم مصريون ينالون ذات الحقوق ولا مجال للفظة ذمي أو مواطن من الدرجة الثانية. إن المصري هو : "من لا يعرف وطناً له غير مصر"، ورأيه في الدين "أن المجتمع الإسلامي ليس أفضل من المجتمع اللا إسلامي."
وحين تولى رئاسة الجامعة قال: "لست من دعاة تعليم دين بعينه أو قاعدة أخلاقية معينة فالتعليم العام يقوم علي مبدأ الخير والشر." وزاد بالقول: "فالدين يحال إلى ضمير الفرد وليس إلى مؤسسة، وهنا فالأمة لا تتحدد علي أساس اللغة أو الدين بل علي أساس الأرض، والدول لا تربطها ببعضها وحدة قائمة علي المعتقد بل قائمة علي المنفعة." ويبدو أن أسباب عقلانية لطفي السيد ترجع إلى أنه قد تتلمذ علي يد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذان أورثاه مبدأ تقديس العقل مقابل النقل.
آمن أحمد لطفي السيد بأن فقدان الحرية على راس أسباب التخلف، كما أن الاستبداد أصل الرذائل، معيداً جميع ما تعانيه مصر من "سوء الحال" إلى "نقص الحرية". وأكد ذلك بقوله" فنحن المصريين أحوج ما نكون لتوسيع ميدان العمل لحرية الفرد، حتى يسترجع ما فقد من الصفات الضرورية للرقي المدني.”  
وتعد الخصائص الأيديولوجية الرئيسية للحداثة، والتي تمثل بدورها خصائص التنوير عند لطفي السيد على الشكل التالي: 1- الاتكاء على قدرات العلم والعقل الإنساني بهدف معالجة الأمراض الاجتماعية، 2-  العلمانية الوليد الأبرز للحداثة، 3- الوضعية منهجُ الحداثة، 4- التأكيد على مفاهيم المواطنة للمصريين ورفع شعار مصر للمصريين ونبذ مفهوم الأمة، 5- الدعوة إلى العامية وترك العمل بالفصحى، 6- في المجال السياسي، كان هناك الدفاع عن الحقوق الطبيعية الإنسانية بواسطة حكومة القانون، ونظام الحيلولة دون سوء الاستفادة من السلطة وعما ذلك كله هو الدعوة للحرية بجميع أشكالها .
كان مفهوم الحرية لطفي السيد الركيزة الأساسية لبناء مجتمع حداثي متقدم يقترب به نحو الدول الغربية المتمدنة لمحاولة اللحاق بركب الحضارة والرقي ومفهوم الحرية عنده متعدد الأوجه حيث (الحرية بموجب الحق الطبيعي – الحرية السياسية – حرية الرأي…).
خصائص الحرية في فكر لطفي السيد الحداثي:
    في معنى الحرية الطبيعية:
في ذلك يقول: "الإنسان حر بطبعه ميال إلى الحرية ميال إلى الرقي فيها إلى المثل الأعلى وفي سهولة الوسائل الموصلة إليه". وقوله "الحرية طبيعية، وميل الناس إلى تحصيلها طبيعي بالضرورة، يشتد ويظهر مع القوة الحيوية، ويضعف وتخمد آثاره مع الضعف.. فكما أن القوى لا يموت جوعاً، كذلك لا يصبر على الحياة البعيدة عن المثل الأعلى للحرية". وقوله ثالثاً: "إننا إذا طلبنا الحرية لا نطلب بها شيئاً كثيراً، إنما نطلب الغذاء الضروري لحياتنا.. نطلب ألا نموت، ولا يوجد مخلوق أقنع من الذي لا يطلب إلا الحياة ووسائل الحياة.. كما أنه لا أحد أقل كرما من ذلك الذي يضن على الموجود الحي بأن يستوفي قسطه من الحياة." وقوله رابعاً: "غير أن هذه الحرية الطبيعية لا فائدة منها إذا تعطلت من أثارها، فالذي سجن، والذي منع الكلام، والذي منع الكتابة.. كل أولئك يحفظون حريتهم في نفوسهم، ولكنهم فقدوا الانتفاع بها أي فقدوا بذلك الحرية المدنية." ولا يرى لطفي السيد معنى للحرية أذا تعطلت آثارها ولم تؤت ثمارها فهي حرية معطلة ودرب من الدجل.
    في معنى الحرية السياسية:
تعريفها عند لطفي السيد: أن يشترك كل فرد في حكومة بلاده اشتراكا تاما كاملا، وهذا معنى ما نسميه بسلطة الأمة. ويقول "حريتنا السياسية هي كفيلة الحرية الشخصية، أي كفيلة لنا في ظهور آثار حريتنا الطبيعية، فمن الحرص على تمتعنا بآثار تلك الحرية حرية القول والعمل، أننا نتشبث بالسعي لنيل حريتنا السياسية التي هي الكل في الكل، مادامت هي الكفالة الوحيدة التي لنا في المجتمع بفضل الله علينا ونعمة وجودنا وأعز هبة على أنفسنا، إذا كانت حريتنا وجودنا ولا معنى للوجود إلا بها، أليس من المفهوم بسهولة عنايتنا بكفيل هذه الحرية أى بالحرية السياسية، أي الاشتراك في إدارة بلادنا وتحقيق سلطة الأمة.. إننا لو بذلنا كل جهدنا ووقفنا كل وقتنا على نيل هذا الكفيل ، لكنا في ذلك معذورين."
    في معنى حرية الرأي:
ويقول: "لست نصيرا للحكومة في التضييق على حرية الصحافة، لكنى اعترف من جهة أخرى بأن كثيرا من غير الصحفيين يسبقون الحكومة إلى التضييق على أنفسهم، ويعملون كما لو كانت القوانين الصحفية وضعت لهم، وتناولت الحظر على إبداء آرائهم بحرية متى طلب منهم ذلك هذا هو الذي نلفت أذهان الناس إليه.. إنهم لا يزالون بحكم القوانين أحراراً في إبداء جميع آرائهم في المجالس الرسمية، وغير الرسمية، وحين يطلب ذلك في أي مقام من مقامات الحكم. إن حرية الرأي محمية بالقوانين العامة فهي لا تكلف صاحبها ثمنا غاليا بل لا تكلفه ثمنا أصلا، نسوق الكلام إلى الذين تجعلهم منزلتهم منا موضوعاً لسؤال الحكام إياهم عن الأحوال في مصر، ودرجة الأمة من الرضا بالحال الحاضر، نسوق إليهم الكلام ونؤكد لهم أن ولاية الأمور أعدل من أن يمتعضوا من آثار حرية الرأي وأن قوانين البلاد تحمى حرية الرأي، وأن المرء يجب عليه لذاته ألا يداجي في رأيه بل يبديه بحرية وصراحة ولو كلفه ذلك ما كلفه، فكيف به إذا كانت حرية الرأي لا تكلفه شيئا مذكورا."
في الخاتمة فشل احمد لطفي السيد في القيام بدوره بالكامل كوكيل اجتماعي ولكنه نجح فقط بعض الشئ في مجال التعليم حيث استطاع من خلال رئاسته لجامعة القاهرة باعتباره الرئيس المؤسس يؤسس بعض التقاليد الجامعية الليبرالية. ربما يرجع ذالك إلى أن الديالكتيك الإنشائي لم يعمل لصالحه بسبب أن الوكلاء الاجتماعيين ذوي الثقافة السياسية المحافظة كانوا أقوى سياسياً بسبب انحراف القضية الوطنية إلى المسار الشعبوى. في هذة اللحظه تم الفصل بين القوة السياسية  كحاملة للقيم الشعبوية السلطوية والقوة الاجتماعية كحاملة لقيم الطبقات العليا والوسطى الليبرالية فسارا في مساريين منفصلين لا يدعم أحدهما الآخر. حتى جاء انقلاب 1952 ليتوحد المساران ويتم بناء الكامل للدولة السطوية الشعبوية الاستبدادية.
ثانيا:  حسين فوزي: التمهيد الليبرالي لجاهلية سيد قطب
تتبلور اشكالية حسين فوزي كليبرالي في عجزه عن رؤية مقومات الحضارة الغربية ككل موحد من خلال الديالكتيك الإنشائي. فنرى له موقفاً واضحاً، من حيث إيمانه بالمسعى الإنساني للرقى العالمي، والإعجاب بالإنجاز الحضاري الغربي.  لكنه في مراحله الستينيات  من القرن الماضى يتخذ  من الغرب موقفا نقديا حادا عندما يتعارض مع الحس القومي، أو يصطدم بالشعور الديني. ففي كتابه  (سندباد مصري) الذي حرره في الخمسينيات على مدار أعوام عدة، يحدد حسين فوزي رؤيته المتكاملة للبنيان الحضاري المصرى، ناقداً مسيرة الثقافة المصرية في أخذها بجوانب الحضارة المادية، من عمران وصناعة، منذ عهد محمد على أوائل القرن التاسع عشر، معتبرا رفاعة الطهطاوي أول مبعوث يدرك أهمية البناء المعنوي للشعوب. فيقول: "ولكننا بالرغم من ذلك ألبسنا الحضارة الغربية كما يلبس قميص المجانين، أقحمت علينا من علل في شكلها المادي، وفي جبروت أهلها وشهوة أطماعهم البشعة. وبذلك اختلطت علينا سبل الإصلاح الروحي، وتاهت منا المقومات الحقيقية للنهضة. كنا إذا آمنا بحضارة الغرب الفكرية والفنية والعلمية – كمجموع متكامل لا ينفصل عن حضارته المادية – قام الرجعيون في وجوهنا، يتهموننا بممالأة الغاصبين والمستعمرين فلا نحن مستطيعون أن نخطو خطوات التطور الطبيعي الكامل بتلك الحضارة، ولا الرجعيون قادرون على الاستغناء عن أدواها وأجهزتها المادية، فإذا طالبنا بالاستفادة من فنون الغرب الرفيعة، وعلومه المتقدمة، وفكره وفلسفته، اتهمنا بالتفرنج والتقليد الأعمى والاعتداء على الأصالة والقومية. هذا الصراع المحبط في بنية الثقافة العربية مازال ضارياً حتى اليوم. فإن ما تشهد به أحداث التاريخ أننا نتورط أكثر في نسخ الجوانب المادية للحضارة ومسخها دون أن نقوى على إنتاج نظائرها، لسبب بسيط هو أننا لم نأخذ بجدية حتى الآن قضية المشاركة العلمية في أعمق مستوياتها النظرية والفكرية، ولم تقم لدينا نماذج (المجتمعات العلمية) التي تظفر بالتمويل اللازم والحرية الضرورية."
وها هو حسين فوزي يقرن بين الإبداع العلمي والفني في رصده لتحولات الاستراتيجية المعرفية عندنا قائلا في سياق رحلة حياته:  "ذهبت إلى فرنسا مبعوثا معبأ بمعنى الحضارة الأوربية في أصولها الفكرية والفنية، مؤمنا بأن مستقبل الوطن رهين بالتمكن من مقوماتها الحقة، في الفكر، والعلم، والفن، والأدب. لا في مجرد نقل التطبيقات العلمية، والخبرة التكنولوجية، فأساس التكنولوجيا هو العلم البحت، وأساس العلم البحت هو الفكر المجرد، ينطلق بحثا عن حقائق الأشياء في مجال حر. وقد خرجت بلادنا بفكرة عجيبة هي قلة جدوى الدراسات النظرية والبحوث الخالصة لوجه العلم، وهل من داع لوجود كليات آداب في كل جامعة مثلا؟!!! معنى ذلك هو إقامة حياتنا القومية على مجرد النقل، لا على تقييم العقل والوجدان، وإعدادهما للإبداع والابتكار، والابتكار في العلوم يشبه من بعض الوجوه الإبداع في الفنون والآداب، فإنك في الناحيتين إما أن تكون مجرد ناقل ناسخ، ولا قيمة كبيرة لما تنجزه، وإما أن تكون مفكرا أو عالما أو فنانا أصيلا، فتساهم في بناء حضارة وطنية، قوامها الفكر والإحساس، وأساسها العلم والمعرفة".         
ويتبنى حسين فوزي نبرة مصرية تصادر على رحابة الديالكتيك الإنشائي، إذ يقول في كتابه (سندباد إلى الغرب): "نحن المصريين أحق الناس بدراسة الحضارات، لأننا أثبتهم حقا في تراث الإنسانية العظيم الذي تواضع الناس على تسميته (الحضارة الغربية)، لا لأنها حضارة احتفي بها الغرب، أو ورثها عن أبيه، بل لأنها في التسلسل التاريخي نمت وترعرعت أخيرا في غرب أوربا، بعد أن تشرّبت وتمثّلت تيارات الحضارة من طيبة وممفيس، وصور وصيدا وبابل، وأثينا والاسكندرية، وروما وبيزنطة، وبغداد ودمشق والقاهرة. حضارة اليوم هي حقي وملكي، بقدر ما هي حق لبعض الأوربيين، لأنني من كبار بنّائيها، فكيف أنكر نفسي وتاريخي، وجهاد فلاسفتي وعلمائي والمفكرين من أجدادي وضيوفهم على مدى آلاف السنين، لأقف من حضارة اليوم هذا الموقف السلبي، وهي من غرس يدي وفكري ومشاعري بأكثر مما هي من غرس الصقلي أو الإسكندنافي".
ويستمر في القول: "كان يقول " أن أوروبا مثلنا الأعلى في كل ما نريده لبلادنا من خير ورفعة، أوروبا التي دافعت وأدافع عن حضارتها برغم الحركات الرجعية التي تريدنا أن ننظر إلى الشمس في مطالعها، والموكب يسير غربا".  ويستمر في المصادرة فيقول: "لا أعلم ان كانت تلك المنظمات قد عرفت التخلف تعريفا علميا، وما أظن هذا إلا أن الملاحظ، حتى في الدول الكبيرة أنها قد تتخلف في ناحية من النواحى، أو في بعض أقاليمها، كما يمكن القول بأن البلاد المتخلفة قد لاتخلو من مظاهر التقدم في أكثر من ناحية، وعلى الأقل في إقليم، أو مدينة من مدنها. […]، والبلاد المتخلفة إذن هى إما بلاد لم تدخلها الحضارة أصلا- وهذه قليلة نسبيا في عالمنا المتصل- أو بلاد ألبسها الاستعمار الثوب الحضارى كأنه قميص المجانين، وجعل من أهلها مطية إلى ازدهار زراعة المستعمر وصناعته وتجارته."
ويضيف "فالفارق بين التخلف والتقدم هو "القلق الذهنى" الذى ينتهى دائما إلى الخلق والابتكار وهو المحرك الأكبر لكل حضارة، فالبلاد المتخلفة حتى وإن أضفي عليها رداء حضارى، تعيش طفيليات على الحضارة، لأنها تنقلها نقلا، أو تنقل أدواتها في سلبية عجيبة، دون أن تحاول من جانبها خلق شئ، أو تطوير شئ، والسلبية في النقل هامة جداً في هذا الصدد، لأن النقل في ذاته ليس عيبا، ولا يمكن أن يكون عيبا إذا صاحبته إيجابية الخلق والابتكار، فالدول الأوربية كلها، حتى أعظمها […] تنقل من بعضها كل شئ وكل فكرة وكل أداة حضارية، بل هى تنقل أشخاص العلماء والمفكرين والفلاسفة والفنانين نقلاً، وتغريهم بكل ما في طاقتها من مغريات السياسة والاجتماع والمال، ومع هذا لا يمكن أن يحكم عليها بالتخلف، لانها لا تقف من النقل موقفا سلبيا ولكنها تبتكر كل يوم جديدا في كل المجالات إذا البلاد المتقدمة لا تقف ببابها تنتظر غريبا اجنبيا، لاستصلاح أرضها واستغلال مواردها، فهى الباحثة الممولة المنظمة لاحوالها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية حتى وان اقتضاها الامر الاستعانة اداريا بخبراء من غير أهلها."
كان حسين فوزي من أنصار مفهومي الانحدار الحضاري والصعود الحضاري فيقول: "فلو نظرنا إلى أي حضارة حين تنهار نجد اقتناع الناس أنه ليس في الإمكان إبداع أكثر مما كان ويتوقف الابتكار والاختراع ويكتفي بتقليد الماضى وتقديسه ومحاكاة السلف في الأدب والفن وكل شئ وهذا يعنى توقف العقل وهو يساوى توقف الحضارة وبالتالي تبدأ عصور الظلام، على عكس ذلك تحرك العقل يعنى صعود الحضارة والتجديد والابداع والاضافة وايجاد حلول جديده لكل المسائل وتتقدم حياة الناس وتزدهر." ويتبنى حسين فوزي مفهوم مجدي وهبة القائل إن القطيعة مع التنوير لم تحدث بعد عام 1952 عندما تعلقت أنظار العالم الثالث بثورة مصر، ولكن حدثت في عام 1956 عندما انهت حرب السويس وهم الانبهار بأوروبا الغربية حليفة إسرائيل والغازية لبلادنا.    
كان حسين فوزي شديد الإعجاب بمكيافيلى وخاصة كتابه الأمير فاستشهد برأيه في أن الحاكم لابد أن يكون مرهوب الجانب لا محبوبا كلما توقف امام الاختيار، ويعتبر الناس في الأغلب لا عرفان لهم بالجميل ولا ثبات رأى، وهم مخادعون يتحاشون الاخطار ويتعطشون للكسب، فإذا خدعتهم أصبحوا معك ويعطونك كل شئ حتى أطفالهم، وعندما تلتمس المعونة يخلون بك فالأفضل أن لا تصدق حبهم الخادع، كما يحذر من إساءة الحاكم لرعيته في شرفهم أو ممتلكاتهم والأخيرة أهم من الأولى لان الناس ينسون مقتل آبنائهم بأسرع مما ينسون خسارة، ووضح ميكافيلي ذلك في أنه إذا كانت أغلبية الناس أهل سوء يجب على الأمير – دفاعا عن ذاته – أن يتعلم كيف يكون رجل سوء، ويجب أن يعمل بهذا المبدأ كلما وضحت ضرورته مع الاجتهاد في كل الظروف أن يظهر طبيعته. وفي الفصل الخاص "بكيف يحافظ الحكام على كلمتهم أو يوفون بوعودهم" بدأ مكيافيلي التأكيد على أن صراع الحياة في حدود القانون، وأن الاتكاء على القوة عمل وحشى، ولا يتم اللجوء  للأخير عندما لا يصلح الأول . ويجب أن يجمع الحاكم في شخصيته بين الإنسان والحيوان. والحاكم الواعي الحريص يجب أن يتجنب المحافظة على وعده إذا كان في الوفاء به ضرر أو عندما تفوت الفرصة التي وعد فيها، ولن يصعب عليه أبدا أن يجد في الوقت المناسب عذراً بعدم الوفاء بوعده وهو إذا تدرب على التظاهر فإنه من اليسير عليه أن يخدع الناس.
عند عودته إلى مصر في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، أصبح حسين فوزي مهتماً بالمناقشات التي كانت سائدة في ذلك الوقت؛ مثل التغريب، والشرق والغرب، والمصرية والعروبة، ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن مساهمته ذهبت إلى المجلة الجديدة التي كان بصدرها سلامة موسى التي قاطعها الأدباء وهذا أمر كشف عن حقيقته كما أنه يتفق مع رؤى فوزي في رفضه للشرق واعتباره الحضارة الغربية أعلى مرحلة في تطور العقل البشرى بل هو انسانى وعقلانى والروحية متفوقة على كل ما كان قد ذهب من قبل فيقول:
"إنها حضارة شكلت الروح والمادية على حد سواء بل تدعو إلى حرية العقل البشرى من السلاسل وأنها تساعد الفرد وتشجعه أن يفكر بحرية ويشجع بالتالي على دراسة الطبيعة والفلسفة وهو يسعى إلى ترسيخ مبدأ المساواه الاجتماعية ويساعد الفرد على تحقيق المعرفة لكى يصبح مشاركا نشطا في تطوير العالم. ويدين أيضاً الأسس الروحانية للشرق والتي تقود إلى كل من السلبية والرجعية، ويعتبر فوزي القيم الروحانية أمر ضرورى لتحقيق التقدم".  
عندما تحدث عن مؤتمر الأدباء العرب الذى عقد في القاهرة سنة 1957 وصف الحضور بأنهم "عروبة هؤلاء الناس صادقة، لأنهم لا يتلمسونها في مذهب ولا ملة ولا جنس[…] عندما عكفت شطراً من عمري على دراسة ناحية واحدة من الحضارة العربية في عصرها الزاهر، كانت الوحدة العربية تبدو لي حية، مكتملة الحياة، لأنني على طوال الحقبة التي كنت أعيشها آن ذالك- من القرن الثامن الميلادي حتى القرن الرابع عشر- وعلى تعدد مصادر الكتب التي وقعت لي- فقد جاء أصحابها من بين النهرين شرقا حتى الأندلس غربا- كنت أشعر بالمعامل الواحد والمؤثرات التي تفاعلت في صميم الحضارة العربية".
يقول حسين فوزي: "الوحدة العربية أقرب لأن تكون وحدة إسلامية، لأن أغلبية العرب مسلمون، ولا يقلل هذا من الدور العظيم الذى قامت به الأقليات غير المسلمة في إقامة صرح التراث الإسلامي، فلا يمكن ان نفرق مجموع الناس الذين يتكلمون العربية في المشرق والمغرب، فقد كان الاستعمار الأوروبى يمنع الاتصال بين العرب ويفرق بينهم بقدر ما يستطيع ولكن ما إن حصلت الدول العربية على استقلالها حتى بدأنا نتقارب سياسيا وثقافيا واقتصاديا وتجسد هذا من خلال جامعة الدول العربية والتنظيمات المختلفة التابعة لها، كل هذا نؤمن به ونباركه بكل ارتياح، أما ما نعارضه فهو ما يسمى بوحدة العالم العربى وفق الشعارات التي رفعتها الزعامة المصرية خلال السنوات الماضية. فالتجربة التي مرت بها مصر في هذا الاتجاه – وهى الوحدة بين مصر وسوريا- ساء فألها منذ أول خطوة فقد جاء شكرى القوتلى رئيس جمهورية سوريا سنة 1957 (وكان من كبار الاقطاعيين) إلى جمال عبد الناصر وهو في أوج مجده بعد انسحاب دول العدوان الثلاثى، يستغيث به من ضغط القوى اليسارية عليه؛ فتمت الوحدة في 24 ساعة دون دراسة أو تخطيط، فجرت علينا لا المتاعب فقط، بل المصائب أيضا. فقد كانت مصر على طول تاريخها مصدر عون ونجدة للعالم العربى كله يفد اليها التجار والطلاب والمثقفون العرب من كل الاقطار العربية، فيجدون كل عون وترحيب من شعبها المضياف، وإذا حدثت كارثة أو مجاعة في أى قطر عربى كانت مصر هى السباقة إلى الغوث والنجدة".  
كان يؤمن بالوحدة العربية الفاتحة فعلا بفعل الاسلام واللغة العربية، ولكنه رفض الوحدة السياسية لانها تتحول إلى مطايا أنظمة الحكم –في نظره- زائلة ولن تبقى إلا الشغوب تجسد رمز الوحدة العربية .. وعلى هذا –في نظره أيضا- لا يوجد شئ اسمه تكامل مصرى سودانى لأن مصر والسودان دائما قلب واحد وشريان حياه واحد .. وهو يرى دائما أن تتكتل جهود الشعوب العربية لاستثمار امكانياتهم المادية والبشرية لخيرهم وخير أجيالهم القادمة. وهو يرى: " أن كل محاولة للتجميع بين الدول العربية على أساس الوحدة السياسية محكوم عليها بالفشل، لان العنصر الشخصى مهم جدا فأبناء كل قطر أقدر على النهوض ببلدهم وتحديد خطه السياسي والثقافي والفكرى والعملي، لأنهم أدرى بممكناته وتقاليده وطبيعة أهله، فلتكن مباراة بين دول العالم العربى في التقدم الحضارى، فيبذل كل منا أقصى جهده في سبيل وطنه الصغير، ولابد أن يفيد هذا في النهاية وطننا العربى الكبير."
يقول حسين فوزي بشأن تفسيره للدين: "أنه لفهم الشخصية المصرية لا معدى لمن يعالج تاريخ مصر أن يدرس العقائد الدينية عن كثب، فقد كانت "قطب الرحى" في كل الحركات القومية، حتى قبل سنة 1919. وهذه الدراسة غير ميسرة دائما، لأن المؤرخين اختلفوا في كل مرة يتحول المصريون من ديانة إلى اخرى: قال أميلينو العالم في القبطيات، وقال معه ليوبولد بأن وثنية المصريين أنهارت عاجلا أمام المسيحية على حين يحاول الشاب جان ماسبيرو أن يبين طول روح الوثنية في مصر، مستندا إلى ثبات بعض المعابد الوثنية هنا وهناك بعد دخول المسيحية إلى مصر حتى القرن السادس. ولا ينكر أميلينو هذا،إنما هو يركن إلى النصوص القبطية الدالة على سرعة انتشار المسيحية في القرن الثالث . وقد تحصنت الوثنية هنا وهناك وكان أكثر أتباعها من اليونان والرومان ومن لاذ بهم من المصريين النفعيين أما الشعب المصرى فقد اعتنق ديانة المغلوبين على أمرهم فكانت لمقاومته عصبا وللمحافظة على كيانه الروحى بؤرة تجميع".  
يؤكد حسين فوزي ان الدين وحده لا يكفي لإحياء الحضارة واستحضارها ولكن يحتاج أيضا إلى المال الكثير مستشهدا في ذلك الامر بالنموذج الايطإلى على تحقيق الرخاء، فالمسيحيون كانوا يغدقون المال على كنيستهم الأم فامتلئت خزائن الفاتيكان، وكانت هذه الثروة تسمح لفائضها أن يجرى على الشعب الإيطإلى.  ويرى ان هذا ما حدث في العصور الاسلامية حيث كانت هناك  مشاركة بفاعلية في الحضارة العربية وهى الاساس في العودة لإحياء نهضتنا بشرط واحد أن تتواءم هذه النهضة مع الحضارة الحديثة بكافة وسائلها الفنية والعلمية والاجتماعية.
في الخاتمة، إذا كانت الجدلية الإنشائية عند أحمد لطفي السيد عانت من الانفصام بين ما هو سياسي وما هو اجتماعي فالجدلية الإنشائية عند حسين فوزي عانت من الانحراف الليبرالي بحيث صارت لا ترى منطق للاخلاق الليبرالية الفردية فتات مع الاعجاب بالتسلط وصارت ذات بعد واحد فنزعت عنها منطق الجدلية الإنشائية. وأسلمت نفسها فعلياً لأوهام التجديد الحضاري الإسلامي. كان ظهور سيد قطب طبيعياً لان الوكيل الاجتماعي الليبرالي آمن بالقوة فوق الحرية والاختيار  كاساس للوجود الاجتماعي.
ثالثا: سلامة موسى:  التطور كعولمة ليبرالية إنسانية:
يعد سلامة موسى (1887-1958) من أوائل المثقفين المصريين الذين دعوا إلى جملة مفاهيم وأفكار أبرزت ضرورة الانفتاح غير المشروط على الحضارة الغربية. فهو في الصف المتطرف من دعاة الانفتاح بين الجيل الثاني من المثقفين المصريين الذين تلقوا الفكر الأوروبي، جيل طه حسين ومحمد حسين هيكل وغيرهم ممن تبنوا رؤية انفتاحية تجاه العلاقة الحضارية العربية الأوروبية على ما بينهم من اختلاف في التفاصيل. وكان موسى من المتطرفين بين أولئك، شأنه شأن لطفي السيد، فقد دعا موسى إلى العامية والفرعونية والتخلي عن كل ما يمكن أن يعوق الاندماج بأوروبا. ما أشار إليه موسى يسير في نفس الاتجاه، فهو يسعى إلى نقض ما يقوله كبلنغ، حسب الفهم السائد، من أن الشرق والغرب مختلفان إلى درجة استحالة اللقاء، بوصف موسى تلك الفكرة بانها استعمارية قصد بها تثبيت الاختلاف بين حضارتين أو ثقافتين. وكانت الفكرة تشبه فكرة صدام الحضارات التي حظيت بقدر غير واسع من الهجوم والتفنيد. لكن النقض الذي تبناه سلامة موسى ليس معناه عدم الاعتراف بأي اختلافات بين الاثنين، بل إن المفكر المصري يرى أهمية الانطلاق من ذلك الاختلاف، فالشرق زراعي والغرب صناعي حسب تصنيفه.
ومن هنا سيبدو ذلك الاختلاف مهنياً وقابلاً للتغيير بدلاً من أن يكون جوهرياً يتصل بالثقافة أو العقيدة مما يصعب تغييره: «إننا إذا بحثنا عن المميز الحقيقي لكل من الشرق والغرب لما وجدناه في السلالة أو اللغة أو الدين وإنما نجده في شيء واحد وهو أن الشرق يعيش بالزراعة اليدوية والغرب يعيش بالصناعة الآلية وإذا مارس الزراعة فإنه يمارسها إلى مدى بعيد بالآلات». لكن موسى لا يلبث بعد ذلك أن يقوض الاختلاف بين الشرق والغرب بالإشارة إلى أن "في اليابانيين الآن سمات الغربيين من ديمقراطية ومساواة وحرية دستور لأنهم يمارسون الصناعة بينما الأسبانيين هم الآن أمة شرقية على الرغم من موقعهم الجغرافي وأصلهم وديانتهم لأنهم يمارسون الزراعة…فليس هناك حضارة شرقية وحضارة غربية وإنما هناك حضارة واحدة في العالم هي الآن في طورها الزراعي فيما نسميه بالأقطار الشرقية وهي في طورها الصناعي فيما نسميه الاقطار الغربية."  
يطرح سلامة موسى مقولة أساسية جوهرية وهي: "الإنسان واحد والعقل واحد والحضارة واحدة. صحيح أن في العالم الآن حضارة واحدة، لكن هذا لا يعني أن الجميع ينتمي إليها بنفس القوة أو يسهم فيها بنفس المقدار أو، وهذا هو المهم، يأتي إسهامه غير مختلف عن إسهامات غيره. فإذا أقررنا اختلاف الإسهام الصيني عن العربي عن الألماني وجب أن نقر بأنه اختلاف ينبغ من فوارق الثقافة (اللغة، الدين، العادات، إلخ). واختلاف الثقافة هو اختلاف حضاري كامن لا يلغي جسور التواصل الإنساني لكنه يؤكد التنوع البشري وتعددية الإسهامات" . "إن التغرب هو القنطرة التي عبرت عليها العلمانية إلى الشرق ، وهذا التغرب لم يكن لحظة انبهار ، لأن الانبهار كما أشرنا يزول سريعاً فتبدو الأشياء على حقيقتها، وإنما كان لحظة عمى وعمهٍ حضاري ". في هذه الفترة وفي نوفمبر سنة 1925 م تحديداً كان أتاتورك يفرض على الشعب التركي القبعة غطاءً للرأس ويمنع الطربوش ويتحدث بلغة سلامة موسى نفسها "يجب علينا أن نلبس ملابس الشعوب المتحضرة الراقية ، وعلينا أن نبرهن للعالم أننا أمة كبيرة راقية ".
قام سلامة موسى بإشاعة فكرة التطور وتنشط بها أكثر من استاذه شبلي شميل " وأسقط عن الإنسان إنسانيته الاولى ليثبت حيوانيته وقذارة منظره ودمامه وجهه القبيح الذي كانت تغطيه سفالة غرائزه وبلادة وبلاهة عقله ثم ارتقى بعد ذلك ليصبح إنساناً، وهنالك أمل في أن يرتقي هذا الإنسان مرةً أخرى ويصبح اكثر انسانية حيث من الممكن ايضاً ان يكون الإنسان سوبر مان.   وكان لأثر التطور البيولوجي على الإنسان آثاراً أخرى غير البيولوجية إذ ظهرت آثار اجتماعية وأخلاقية ميزت الإنسان وأثبتت تطوره عن الحيوانات، ففي مجتمع غير الإنسان مثل الغزال الاعرج يموت في الغابة لأنه لا يجد مساعدة وحماية من ابناء جنسه وكذلك الاسد البطيء يموت وبهلك في الغالبة من شدة الجوع، وكان الإنسان كذلك يوم كانت شريعة الغاب تتحكم بتصرفاته، ولكنه حين إرتقى إلى مستوى الإنسان، أصبح الأعرج يعيش بفضل تطور الإنسان أخلاقياً وإجتماعياً لما ظهرت الاديان السماوية وحثت المجتمع والناس على نشر الصدقات وإطعام الفقراء والعاجزين عن كسب قوتهم اليومي، وكان الإنسان قديماً يعيش بكده وتعب يديه أما اليوم فإنه يعيش بفضل مخترعاته وإكتشافاته".
لقد عاش سلامة موسى، حياته وهو يدافع عن ما كتبه عن التطور في سنينه الاولى منذ كتاب السوبرمان إلى كتاب الادب للشعب، وكانت آخر إنتقاداته لعميد الادب العربي الكبير طه حسين حين قال طه حسين إن الادب هذه الايام رخيص والادباء يخاطبون الكثرة غير المثقفة، ويجب على الادباء أن يعودوا إلى الادب العالي والغالي.  وكان رد سلامة موسى رداً تطورياً إذ قال: إن المشكلة هنا ليست بالسهولة أو الصعوبة في نمط الكتابة ولكنها تكمن في الادب الملوكي أي ادب الملك فاروق وأدب الشعب وحياة الناس، وبهذا عاش سلامة موسى حياته كما ارتضاها لنفسه جان جاك روسو و مكسيم غوركي كي يبقى متصلاً بالشعب والحياة العامة.
آمن سلامة موسى  بحقوق الإنسان حيث قال ان مسألة حقوق الإنسان ليست، في أي مجتمع من المجتمعات، وفي أي  زمان من الأزمنة، مسألة بديهية، مع أنها تبدو لنا اليوم كذلك، بل هي مسألة مرتبطة بنمو الروح الإنساني وانبساطه في التاريخ وفي العالم، مسألة مرتبطة بنمو الوعي والوجدان والفكر والدين والأدب والفن… وأشكال التنظيم الاجتماعي – السياسي التي تعيّنها، في كل مكان وزمان، عملية ( سيرورة ) الإنتاج الاجتماعي، إنتاج البشر لوجودهم الاجتماعي وشروط معاشهم وعلاقاتهم الاجتماعية وثروتهم المادية و الروحية. وعملية الإنتاج الاجتماعي تحمل في تعينها الفردي، بعداً طبقياً أولاً ومجتمعياً ( قومياً ) ثانياُ وإنسانياُ عاماً وكلياُ ثالثاً. وهي أبعاد تحددها العلاقة بين ماهية الإنسان الجوهرية وكينونته الاجتماعية وخصائصه الفردية، الجسدية والنفسية والذهنية. وإذا كان التاريخ تنويعة على الأشكال، فإن تاريخ " حقوق الإنسان " تنويعة على أشكال الوعي الاجتماعي، وسمفونية متموجة على لحن الحرية.  
وليست حقوق الإنسان، كذلك، مسألة خاصة بهذه الأمة أو تلك أو بهذا الشعب أو ذاك، إلا بقدر ما يكون الخاص تعبيراُ عيانياً عن العام والكلي، وإلا كنا إزاء أيديولوجيا عرقية عنصرية، ونزعة تمركز على الذات ترى في المحرز الإنساني العام صفة أنثروبولوجية ل" شعب الله المختار". كلية هذه المسألة تعبير عن كلية الإنسان، الكائن الذي ينتج نفسه في التاريخ وفي العالم، ليصبح التاريخ تاريخه والعالم عالمه. فليس من معنى للحديث عن حقوق الإنسان الأوروبي، أو حقوق الإنسان الأمريكي أو حقوق الإنسان العربي أو حقوق الإنسان في العالم الإسلامي إلا في إطار الضمانات الدستورية والقانونية التي توفرها كلياً أو جزئياً أو لا توفرها الدولة الوطنية ( القومية ) والنظم الإقليمية والمنظمات العالمية.  
وفي هذا المستوى تغدو المسألة مسألة سياسية تتعلق بالفلسفة السياسية وشكل الحكم ونمط التنظيم الاجتماعي في كل دولة أو تجمع إقليمي. وهذا يدعونا إلى أن نفصل بين /أو نميز ثلاثة مستويات في المسألة نفسها، وكل فصل هو وصل، أول هذه المستويات  هو المستوى الفكري / الفلسفي  وهو مستوى عام على اختلاف صيغه وتعبيراته، وعموميته هذه مؤكدة في كونية العقل ، وكلية الروح الإنساني، وفي دين الإله الواحد. وثانيهما هو المستوى السياسي المحدد بالثقافة القومية الخاصة بهذه الأمة أو تلك، والمتعلق بنظام الحكم وعلاقة الدولة بالمجتمع والسلطة بالشعب في كل دولة على حدة. وثالثها هو المستوى الحقوقي الذي يحيل إجرائياً على نمط السلوك السياسي العملي للأفراد والجماعات و(التضامنية) والمؤسسات الأيديولوجية والسلطات السياسية.
لوضع مسألة حقوق الإنسان في سياق منطقي / تاريخي، في سياق واقعي ، ينبغي وضعها تحت مقولة التقدم، وهذه أي مقولة التقدم تحيل على مقولة النمو، نمو العمل البشري، منذ خروج الإنسان من الحالة الطبيعية إلى الحالة الاجتماعية، أي منذ أخذ العمل البشري يفصح عن طابعه الاجتماعي الجزئي ثم الإنساني الكلي، لأن الفرد الجزئي المعين هو التعبير المباشر عن الإنسان الكلي، ونمو التقنية التي قوامها دمج العلم بالعمل ومبدؤها، لكي تطيعنا الطبيعة يجب أن نطيعها، وصولاً إلى الثورة العلمية التقنية المعاصرة، ونمو القانون والمجتمع المدني. ويوجز ( سلامة موسى) هذه المسألة قائلاً " الحضارة الآن هي الصناعة وثقافة هذه الحضارة هي العلم، بينما ثقافة الزراعة هي الأدب و الدين و الفلسفة ".
في الخاتمة، ربما سلامة موسى هو الوكيل الاجتماعي الأولي لليبرالية من المنظور العالمي. وكالته الاجتماعية كانت عقلانية متمردة من أجل التطور ربما ساعده على ذلك أنه كان متمرداً على المفاهيم التقليدية والعتيقة الكنسية في ذلك الوقت. فرفضه للاستبداد كان أصيلا حيث اتسع مجال الاستبداد المطلق، وزاد انفصال الحاكم عن المحكوم، بل زاد من عمق الشعور بالاستلاب السياسي وحدته، وباتت الحرية مصيره الوحيد. ورفض ارتباط الحرية بقدرات الدولة ورأى أن الارتباط غير ضرورى من الناحية التطورية وأن أي تطابق هو استبداد. المقولة الرئيسية لحياة سلامة موسى هى ان الديمقراطية نظام مدنى.
رابعاً: الشيخ مصطفي عبد الرازق وبناء القيم العقلية العملية
بالمدخل التأسيسي الأول عند الشيخ مصطفي عبد الرازق هو اعتبار أن معنى الإسلام ليس مشتقاً من فعل الانقياد والإتباع. يري الشيخ عبد الرازق أن هذه الآراء لا تقوم علي أساس، لأن ما ذكر في القرآن من لفظ "إسلام" وما اشتق منه مقابلا للإيمان ومخالفاً له- لا يعدو ثلاث آيات أو أربع آيات، أما إجماع المفسرين علي استعمال الإسلام في معنى آلي فير صحيح لكل مطلع علي التفاسير المختلفة للقرآن. ويخلص الشيخ مصطفي إلي الرأي الراجح في نظره، بأن المعاني اللغوية من مادة "سلم" علي اختلاف ألفاظها وصيغها والمعاني الحقيقية المتولدة عنها تعني الخلوص من الشوائب الظاهرة والباطنة وتعني الصلح والأمانة.  
والمدخل التأسيسي الثاني أن الفرق الإسلامية اختلفت في معني الإيمان والإسلام، فمنهم من رأى أنهما مختلفان في المعنى، بينما رأى غيرهم أنهما متفقان في المعنى والاسم وأنهما واحد، ويعلق الشيخ مصطفي عبد الرازق علي هذا الخلاف بقوله "فالخلاف علي هذه المسألة إنما هو في الحقيقة من تجليات الفرق والتماسها دقائق البحث اندفاعا وراء جموع النظر، فهو مصطنع اصطناعا."
والمدخل التأسيسي الثالث يري أن كثيراً من المفسرين أخطئوا عندما أرادوا أن يلتمسوا أدلة من القرآن علي آرائهم، فانتهوا إلي أن جعلوا للإسلام معاني مختلفة عن الإيمان، حيث يرى الشيخ  يري أنهما متفقان ودلل علي صحة قوله بحجج أولها (أن القرآن يقرر أن الدين واحد علي لسان جميع الأنبياء وهو الإيمان بما يجب الإيمان به، ومختلف الشرائع أي الأحكام العملية)؛ وثانيها هو تفسير الآيات التي وردت فيها صيغة إسلام، وقد استعرض آراء المفسرين في هذه الآيات (وأن الإسلام فيها هو التوحيد وإسلام الوجه لله، وذلك يقتضي أن لفظ إسلام لم يرد في القرآن إلا مستعملا في معناه الشرعي مرادفا للإيمان)؛ وثالثها أن القرآن سمي أتباع دين محمد (الذين آمنوا) وفي ذلك إشعار بأن معني الإيمان والإسلام متفق غير مختلف. ويرجع رأي الشيخ مصطفي في اتفاق الإيمان والإسلام إلي رأي الكثير من أهل السنة، وخاصة أبي منصور الماتريدي.
المدخل التأسيسي الرابع هو التعامل مع إشكالية كيف يستطيع الإنسان التوفيق بين معتقده وبين عقله وكيفية المواءمة بينهما، وإذا كان الدين يقوم علي الإيمان الذي هو التصديق، فهل يتعارض مع العقل الذي يقوم علي الإقناع؟ ولقد عرض الشيخ مصطفي لبيان هذه العلاقة عند المسلمين، فعرض لمحاولة الكندي في التوفيق بين الفلسفة والدين. ذكر رأي الفارابي وابن رشد ولخص رأي الفلاسفة في التوفيق بقوله "والدين والحكمة عن هؤلاء الفلاسفة يفيض كلاهما عن واجب الوجود علي عقول البشر بواسطة العقل الفعال، فلا فرق إذن بين الحكمة والدين من وجهة غايتهما ولا من جهة موضوعاتهما ولا من جهة مصدرهما وطريق وصولهما إلي الإنسان، والفرق بين الفلسفة والدين عند الفارابي هو من وجه أن طرق الفلسفة يقينية، أما طريق الدين فاقناعي .. ويري ابن سينا: أن بين الدين والفلسفة فرقا آخر هو أن وجهة الدين عملية أصالة، وجهة الفلسفة بالأصالة نظرية".  يفرق الشيخ مصطفي بين طبيعة كل من الدين والفلسفة، فطبيعة الدين تقوم علي الإيمان والتصديق ومصدره القلب، وطبيعة الفلسفة تقوم علي النظر والفكر ومصدرها العقل، لذا فهو يرفض أن تكون الفلسفة خادمة للدين وأن تتخذ وسيلة لتأييده، لأن ذلك يضر بالفلسفة والدين علي حد سواء أما ضرره بالدين فلأنه يعرض عقائده وهو عواطف قدسية تتأثر بها النفس كما تتأثر بلهجة الجمال لمناقشات العقل ومناقضاته. فحقائق الدين كما يراها الشيخ مصطفي عاطفة قلبية ، وتملا نفوس معتنقيها وتدفعهم إلي التضحية والفناء من أجلها، أما محاولة البرهنة والإثبات العقلي، فإنه يوقع هذه الحقائق في دائرة الجدل والمتناقضات العقلية، مما يفسد جمالها وجلالها، وأما ضرره بالفلسفة فلأنه يحدد لمقدماتها نتائج تقليدية ويجعل بحثها عن الحقائق موجها إلي غاية هي تأييد الدين فتأخذ هي أيضا شكلا دينيا مقدسا لا يتناسب مع حرية البحث والنقد. ويتعاونان علي تحقيقها، ولكن للدين طريقته ودعامتها القلب، وللفلسفة طريقها ودعامتها العقل. وبهذا لا يكن هناك تعارض بين الدين والعقل، طالما أنهما يتعاونان علي تحقيق غاية واحدة، هي إسعاد الإنسان، وإذا لم يكن هناك تعارض بينهما، فإن للعقل دورا ومكانا في الدين.
المدخل التأسيسي الخامس يتمثل في رؤية الشيخ ان هناك دورا للعقل في الدين.  يري الشيخ مصطفي أن الدين له جانبان، الأصول التي لا تتبدل والشرائع العملية التي تتفاوت بين الأنبياء، وهي هدي ما لم تنسخ " والإسلام جمع بين الدين والشريعة، أما الدين فقد استوفاه الله كله في كتابه الكريم، ولم يكل الناس إلي عقولهم في شيء منه، وأما الشريعة فقد استوفي أصولها ثم ترك للنظر الاجتهادي تفاصيلها". قد ذكر  القرآن الحكمة وأثني عليها وشجع علي نموها، ويشرح الشيخ مصطفي المقصود من الحكمة التي شجع عليها القرآن فيقول : " هي الحكمة بمعناها اللغوي، أي العلم النافع والفقه في شئون الحياة بتعرف الحق وإمضائه…. والنظر فيما ورد في القرآن والسنة من استعمال كلمة (الحكمة) يدل علي أن المراد بها العلم الذي يتصل بالعدل". وأكد الدين دور العقل في المسائل الشرعية العملية، ودعي إليه " وقد ورد في الكتاب والسنة والثناء علي الحكمة والحكم والتنويه بفضلهما، فمهد بذلك لانتعاش النظر العقلي في الشئون العملية". ويؤكد الشيخ مصطفي رأي الدين وإقراره بحرية الفكر ومكانة العقل، ويؤكد هذا المعني بقوله : " قد تنبهت العقول وزالت غشاوة الغفلة عن بصائر الناس ففهموا أن الدين ليس غلا للقلوب ولا قيد للأفكار، ولكن الدين كما يقول الشيخ محمد عبده، قد كفل للإنسان أمرين عظميين طالما حرم منهما، وهما استقلال الإرادة واستقلال الرأي والفكر وبهما كملت إنسانيته واستعد أن يبلغ من السعادة ما هيأه الله له بحكم الفطرة التي فطر عليه".
المدخل التأسيسي السادس، لقد آمن الشيخ مصطفي بأن العقل المستنير والدين المليء بالأساطير لا يجتمعان في دماغ واحد ولقد أحدث ثورة علي الجمود الفكري وجعا إلي تطهير المعتقدات الخاطئة، حتى يتوفر للإنسان صحة الاعتقاد واستقامة السلوك، ويعود المسلم إلي بساطة الدين في اعتقاده دون مغالاة، وإلي سلوك المسلمين في عهدهم الأول، فعارض الغلو في كرامات الأولياء واتخاذهم وسيلة إلي الله لقضاء حوائجهم، وهذا الاعتقاد فاسد، لأن الإسلام لا يقر واسطة بين العبد والرب، ويقر بأن الصلة مباشرة بين الإنسان وخالقه .     كما عارض ما يضفيه الناس علي بعض الأماكن من قدسية ومعان ومعتقدات دينية، فيعلق علي الأخبار التي يرويها الرواه من أحاديث وآثار عن نهر النيل باعتباره نهرا من أنهار الجنة فيقول "تلك معان من العواطف والعقائد كانت تتناسب مع حال الإنسانية في غرارتها وطفولتها وقد ارتقت عواطف الناس إلي درجة أكمل من هذه فأصبحوا يجدون في الجبال الأنهار ونحوها وما يتصل بربوعهم ومنازل أقوامهم معاني وطنية شريفة". وعرض الشيخ مصطفي لبعض العادات الاجتماعية التي تشيع في المجتمع، وتأخذ صبغة دينية، حتى وقع في ظن البعض أنها من الدين، وذلك بالرغم من خطئها، ومن تلك العادات الفاسدة- تقبيل الأيدي كمظهر لاحترام رجال الدين، ويقول معلقا علي هذه الصورة السيئة : " وأن أولئك الذين يمدون أيديهم طويلة إلي الأفواه لينشروا جراثيم المرض ويبذرون معها بذور الذلة في أنفس طيبة ساذجة".
بناء على هذه المبادئ التأسيسي الستة  يقيم الشيخ مصطفي عبد الرازق بنيانا نهضويا قائم على العقل  على النحو التالي:
    الدين ينظم علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بأخوانه من أفراد الإنسانية لذا فهو وثيق الصلة بالحياة، والدين يواكب الإنسان في حياته ويهديه ويرشده،  فالدين ملازم للحياة من حيث أنه يضع دستوريها، والإنسان يجد فيه الزاد في حياته والنور الذي يهديه إلي الطريق المستقيم، وهو بالجملة كما يقول الشيخ لا يريد بحرية الناس وسعادتهم في بيوتهم إلا خيرا.     والدين له دوره في حياة المجتمعات وليس بمعزل عن الحياة، بل هي وثيق الصلة بها، وله رسالته في تنظيم حياة الجماعة ومسايرة تقدمها وتطورها، وبذا يبعد عن الجمود والتخلف، وقد ترك الدين للناس أمر تنظيم حياتهم وفقا لتعاليمه الأساسية، وأن باب الاجتهاد مفتوح أمام أصحاب النظر والرأي وأن ضيق النظر وسوء الفهم للدين، يجعل الناس يتمسكون بمظاهر ليست من الدين، وينأي بهم موقفهم هذا عن التقدم، وذلك لفصلهم الدين عن الحياة، في حين أن ألفهم الصحيح للدين لا يعارض التقدم في تلك المظاهر الاجتماعية، من حضارة وعمران، ويقول الشيخ مصطفي موضحا ذلك (يظهر أن كل ما يتصل بالدين من الشئون الاجتماعية يكون بطيئا عن متابعة الحركة السارية في أجزاء العمران، ذلك بأن هذه الشئون وإن لم تكن بميزاتها دينا فإن اتصالها بالدين علي أي وجه يكاد يجعلها مقدسة لا تقبل تغييرا إلا بوحي منزل من السماء" .
    ويؤكد في موضع آخر عدم معارضة الدين للتقدم الاجتماعي، شارحا أسباب التخلف الاجتماعي، بسبب سوء الفهم للدين وضيق النظر فيقول " كأننا نشأنا نشعر في هذه البلاد بأن المصالح المنتسبة إلي الدين في حياتنا الاجتماعية تخلفت تخلفا عظيما عن خطواتنا في سبيل الرقي، وإن كانت خطواتنا في هذا السبيل عرجاء".
        فليس ثمة تعارض بين الدين والأخذ بمظاهر الحضارة والتقدم الاجتماعي، ومعارضة الجديد باسم الدين لا تقوم علي أساس من الفهم الصحيح للدين، وفي هذا يحاول الشيخ مصطفي أن يوفق بين القديم والحديث الذي لا يتعارض مع أساس الدين ولا يجافي مقاصده ولقد كانت رسالته الإصلاحية تقوم علي التوفيق بين القديم والحديث (ولقد أعد لها إعدادا قل أن يعد مثله رجل آخر واستطاع أن يتخير من بين تلك الصورة المتنافرة أكثرها انسجاما وأقربها إلي التوافق وبذوقه الممتاز أمكنه أن يبين من صور القديم والجديد ما يكون لوحة أنسب ما تكون لمطالبنا وحاجاتنا، وبتسامحه استطاع التوفيق بين ما تنافر من ألوان القديم والجديد.
    فالدين كما يراه الشيخ مصطفي لا يعارض مظاهر الحضارة من علم وفن وتاريخ لأهمية ذلك في حياة الإنسان، ونراه يعارض آراء هيئة كبار العلماء وآراء المذهب الوهبي حول تلك الموضوعات، فيقول معارضا ذلك الجمود وضيق النظر . " ولقد نبرم بدين هيئة كبار العلماء الذي يدفع بالكفر كل نزوع إلي العلم الفهم والذوق، فلما جاءنا دين أهل نجد يهدم علي من فيها قبابا قد تكون آثارا فنية وتاريخية، يعرف خطرها أهل الفن والتاريخ، ويقذف الجند بالحجر وبالرصاص إذ يتداعون بالبوري، رضينا بدين هيئة كبار العلماء الذي إن جمد مرة استرخي مرارا، ثم هو لم يبلغ بعد أن يقذف رصاصا ويرمي أحجارا".     والدين برئ من مثل تلك الدعاوي :  " إنما يشوه الدين أولئك الذين يريدون كيدا وتضليلا وقيدا للعقول والقلوب ثقيلا".   
        ولقد أوضح الشيخ مصطفي رأي الدين في وحدة الجنس البشري والمساواة بين الناس جميعا، فلا تقوم تفرقة بين البشر علي أساس من الجنس أو الدين، وبذا يتحقق مبدأ المساواة اللازم لقيام التعاون المشترك بين الجميع، ويقل التنافس والتشاحن بين أفراد المجتمع الإنساني وتنعدم الحروب والمنازعات بين الدول، ويسود مبدأ المحبة والاحترام لكل الشعوب، فوحدة الجنس البشري تقوم علي المساواة بين الناس وأن يكون التمايز قائما علي الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، وبين رأي الدين في ذلك فيقول  "إن الله لا ينظر إلي شعوبكم وأصولكم، وإنما ينظر إلي أخلاقكم الفاضلة وأعمالكم الصالحة فهي التي تقربكم إلي الله زلفي، وإذا كان في الناس من لا يزال إلي اليوم يقضي بينهم علي أساس من اللون والدم فإن دين الإسلام لا وزن عنده للون والدم، إنما هي الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة والتعارف والتآلف بين الأمم"،  وإذا تحقق مبدأ المساواة كان البعد عن كل صور التعصب الديني.
    يري الشيخ مصطفي أن الدين واحد لا يختلف ي أصوله، وأن ما جاء به الرسل علي اختلافهم هو واحد في أصوله، وإن تعددت الشرائع العملية، والأصول لا تتبدل بالنسخ ولا يختلف فيها الرسل، أما الشرائع العملية فهي متفاوتة بين الأنبياء، وهي هدي ما لم تنسخ، فإذا نسخت لم تبق هدي، ويؤكد أن الإسلام ينبذ الفرقة في الدين، ويدعو إلي الوحدة والتآلف فيه فيقول "وقد بعث محمد بدين الإسلام داعيا إلي الوحدة في الدين وإلي التآلف، ناهيا عن الفرقة، كما في آيات كثيرة من القرآن منها "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".     وتلك دعوة صريحة إلي وحدة العقيدة، ودعوة الناس جميعا إلي عبادة الله، وأن لا تفرق بهم السبل، وألا يكون الدين سببا للتناحر والتباغض والفرقة بين الناس، ولقد أدرك الشيخ مصطفي مغبة الأمر الذي يحدث نتيجة للتعصب وما يحدثه من فرقة وانقسام وأن سبب ذلك التعصب هو الجهل بحقيقة الأديان وأن العلم يبدد تلك الظلمة، وهو وإن كان يؤمن بوحدة الدين إلا أنه يري من المتعسر أن يجتمع النسا علي دين واحد ولكنه يدعو إلي أن تتعارف تلك الأديان وأن تتعاون علي خير البشرية، ويعلن رأيه بوضوح فيقول "فإن اختلاف أديان كثيرا ما فرق الجماعات في الشرق، وأورث العداوات وحال دون التفاهم والتآلف، وعاق عوامل النهوض، ذلك بأن كل فريق يجهل أديان الآخرين فهو ينظر إليها في وحشة الجهل نظرا منكرا، ومتي بدد العلم ما بين هذه المذاهب من ظلمات، حل الأنس محل الوحشة وكان في ذلك خير وبركة ولقد ظن بعض المصلحين الدينين أنه يستطيع بمثل هذه الوسيلة أن يوجد الأديان، أما نحن فلا نسرف في الأمل، وحسبنا أن تتعارف الأديان فلا تتناكر، وأن تتعاون علي الأخذ بيد البشر إلي الخير الأعلى".
    لقد أخذت الحرية معني كثيرة وصورا عديدة كالحرية النفسية والحرية الدينية والحرية الأخلاقية، ويري الشيخ مصطفي "أن المعني الحقيقي للحرية هو تصرف الإرادة تصرفاً غير مغلوب"وهذا التعريف هو ما اصطلح عليه التقليد الفلسفي. ولقد لاحظ الشيخ مصطفي صعوبة مشكلة الاختيار الإنساني من الوجهة الفلسفية والدينية علي السواء، وعبر كل زمان فقال "نظرية الاختيار الإنساني نظرية معضلة في الفلسفة الحرة وفي علم التوحيد وقد وجد في كل جيل أنصار للاختيار وأنصار للجبر ولكل من الفريقين أدلة علي تأييد مذهبه يضل العقل بينهما". ويؤكد الشيخ مصطفي صعوبة المشكلة من الناحية الميتافيزيقية، وأثر بحثها من الناحية الأخلاقية والعملية، ويقول بالحرية كمطلب عملي، وضرورة من ضروريات العمل فيقول "وعلي أننا نحب لخير الإنسانية أن يشيع في الناس الشعور بحريتهم واختيارهم لأن هذا الشعور ينعش النشاط الإنساني ويدفعه في سبيل العمل وهو يكبر في المرء الثقة بنفسه ويجعل آماله عالية .. إنني أدعو مع صاحب كتاب الواجب إلي الإيمان بالحرية مقتنعا بأن هذا الإيمان خير كله ولو أثبتت جميع البراهين الفلسفية ن نظرية الاختيار الإنساني غير صحيحة".  وهذه الوجهة العملية للحرية لا تجعلها مطلقة ولا تجعلها سلبية، وتخلصها من النظريات الإطلاقية، وتجعلها إيجابية فهي ضرورة للعمل ودافع قوي إليه.
    أدرك الشيخ مصطفي أهمية التعليم في بناء الفرد بناء سليما، وإعداده إعدادا صالحا، لذا كان شديد الاهتمام بالتعليم ونشره، وإقامته علي قواعد صحيحة تربي الذوق والفكر وتنمي الموهبة والاستعداد، وتنير العقل وتزوده بنور المعرفة، ولقد دعا إلي ضرورة العناية بالتعليم الديني الذي اتسم بالجمود وعدم التطور والتجديد، فوجه نقده إلي تلك المناهج الدراسية التي كانت تدرس في الأزهر وطريقة تدريسها وما حاوله أستاذه الإمام محمد عبده من تطويرها ونكوصها من بعده فقال "ننظر فيما يضع شيوخ العصر من الشروح والحواشي وما وضع الشيخ العطار والشيخ الأمير وأضوابهما، عليهم جميعا رحمة الله، فيخيل إلينا أننا نتلو نسخا من كتاب واحد ولقد حاول الشيخ محمد عبده أن ينعش العلم القديم ويدفعه إلي الحركة والحياة فزحزح القوم عن بعض كتبهم القديمة وأساليبهم في الدرس والتاليف ….. ولكن سعي المصلح الديني الشهير ذهب كله إلا ما كان من أثر لم ينضح بعد في نفوس طائفة من تلاميذه".
    والدين لا يعارض العلم، بل يدعو إليه، ويشجع عليه، والشيخ مصطفي يري أن الدين صديق للعقل والعلم معا، ويري أن تقوم مناهج التعليم علي أساس العناية بتربية الروح العلمية وغرس روح البحث، وتنمية المواهب والاستعداد، وترقية المستوي العقلي وتنمية القدرة علي الابتكار، ولقد شهد بذلك كله منهجه التعليمي إبان أستاذيته للفلسفة بالجامعة المصرية، وخلق جيل من الباحثين والعلماء، وكان ذلك أيضا منهجه في الكتابة والتاليف في سائر المؤلفات والبحوث التي كتبها، كذلك كان معنيا بإقامة التعليم الديني علي أسس علمية متطورة، وفي إبان مشيخته للأزهر حقق بعض ما يريد من ذلك الإصلاح ولم يمهله القدر لإتمام ما يريد ولكنه أدخل اللغات الأجنبية في الأزهر وأرسل البعثات الأزهرية إلي الخارج، وكانت أعماله تحقيقا لرسالة أستاذه الإمام محمد عبده.
في الخاتمة، للأسف لم تثمر لهذه المحاولة الإنشائية، ومرة أخرى لضعف الوكيل الاجتماعي. فالشيخ مصطفي عبد الرازق قادم من بيت علم وذا نسب وذا جلال في الفقه الإسلامي ولكن المشكلة كانت في الأزهر كوكيل اجتماعي مؤسسي. فالمعضلة كانت في بناء المؤسسات كوكيل اجتماعي وهذا ما حرصت الثقافة السلطوية قبل 1952 على التخلص من احتمال تحققه في ذات يوم، فعملت المؤسسة الأزهرية على ربط الثقافة السياسية الأزهرية بثقافة ولي الأمر والاستقرار والطاعة والتبرير المذهبى. واستر هذا بعد 1952 بشكل أكثر سلطوية فصار الوكيل الاجتماعي الأزهري ليس فقط محافظا ولن ايضا سلفيا ومعادى للعقل.
خامسا: الشيخ أمين الخولي ومفهوم التجديد التطوري أو في قول آخر قواعد التأويل السني
الإشكالية الأساسية في فكر الشيخ أمين الخولي هو كيف يحدث الدينى والتطور؟ يقول أمين الخولي "ولعل فكرة التجديد هذه، التي أشاد بها القدماء تلك الإشادة وأفردوا لها المؤلفات لم ترج في العصر الحديث، رواجها في القديم. وما أحسب أنها اشتهرت أو كثر الحديث عنها من أصحاب الإصلاح الديني، الذي يمكن القول بأن بوارده قد بدت منذ بدء التاريخ الحديث، في تقسيم المؤرخين، وكانت طلائعها في المشرق، من محاولة الوهابية في الجزيرة العربية. وفيما اتجه إليه مسلمو الهند. وقويت حركة الإصلاح الديني في مصر، على يد جمال الدين الأفغاني، ومدرسته التي أصلها ورأسها الأستاذ الإمام، وسرت مبادئها من مصر إلى غيرها من أقطار الإسلام الأخرى، شرقاً وغرباً". مغزى ما يقول الشيخ الميم ان ان التجديد لا يتبع مسارات معينة وهو مرتبط بعوامل وظروف سياقيه ، فالتجديد الدينى فى مصر له طبيعة مختلفة عن التجديد الدينى فى العربية السعودية ، على سبيل المثال.
يقول الشيخ أمين الخولي "هكذا نشارف من فهم الأقدمين وقولهم المعنى الواضح الصريح للتصور، وأنه تغير وانتقال من حال إلى حال، تأثراً بعوامل مادية ومعنوية، تتعرض لها الأحياء، والكائنات المعنوية، بفعل ناموس، صار في حساب العلم اليوم ثابتاً، في جملته ومفهومه العام، واصله الكلي، مهما يجر الاختلاف على تفاصيل هذا التطور وخطواته، أو فلسفته، وتفسيره، وتعليله. على أنا حين نشارف هذا المعنى التطوري من فهم الأقدمين نذكر مثلاً يتكرر ذكره، في ميدان الإصلاح الديني العصري، وغيره من الإصلاح أحياناً.
وذلك المثل هو قولهم:"إن هذه القوى الحيوية تشبه نبعاً عذباً سائغاً، ثم مضى يجري في وادي الحياة، فعلق به في مجراه ما يعلق عادة، من أعشاب وطحالب ومواد ذائبة من أرض المجرى، بل قد يتكدس من هذه الاشياء جملة ما يضيق به المجرى، ويبطئ سير التيار الحيوي، فتتوقف مياهه، حتى تركد وتأسن، في وقت ما، وعند مكان ما: فيحسب من رأى هذا الماء، في زمانه ومكانه المتغيرين أنه كذلك كانت طبيعته دائماً مع أنه هو الذي كان في الواقع نميراً سائغاً حينما فاض من عينه الأولى، فإذا ما تابع النظر هذا المجرى الذي فيه الماء الآسن أخيراً، وتتبع مجراه حتى وصل إلى منبعه الأول فيستكشف له ما في هذا الماء من عذوبة وحلاوة وصلاحية لإنبات الزرع وإحياء الأحياء. فالتجديد أو الاصلاح عندهم شبيه بهذا العمل في الرجوع إلى المعين الأول للاستقاء منه، ورد الناس إليه ليعرفوا أن هذه الرواسب والعوائق ليست إلا طارئة عليه، فإذا ما نحوها عنه عاد عذباً فراتاً".
ويستمر فى توضيح مفهومه "الإصلاح التطوري" بقوله: "نقول لأصحاب هذا التشبيه أنه: في جملته صالح لإيضاح المعنى الإصلاحي أو التجديد، لكن لا على أساس أن يرتحل الناس ليقيموا عند المنبع الأول، موضع الانبثاق، الذي يصيبون فيه الماء النمير، ويكون كل عملهم هو هذا الرجوع إلى المنبع، وترك طريق الفيض لهذا الماء على حالة، وبما فيه من رواسب وشوائب!! بل إنما العمل هو أن ينحوا هذه العوائق كلها بجد، ويطهروا المجرى، في كل موضع منه ويصلحوا من تقوية الجسور، وصيانة المجرى تقوية وإصلاحاً يقي من تكرار هذه الحالة المعوقة مرة أخرى، بل يزيدون من مجال الانتفاع بهذا الماء العذب السائغ بزيادة وسائل حفظه، ورفعه، وتمكين الناس من الانتفاع به، انتفاعاً يساير طبيعة حياتهم السائرة قدماً، بالانتفاع بما جد من وسائل صحية، أو هندسية أو عملية، أو ما يمكن أن يكون من أساليب الانتفاع بالمجرى في توليد الكهرباء أو غيرها من الطاقات وهكذا مما لا نجده ولا نعده، وإنما نجمله بأن إصلاح المجرى، وصيانة عذوبة الماء وفائدته لا تقف أبداً عن الرجوع إلى مصدره للاستقاء منه، بل يعود الرجوع إلى المصدر نفسه عاملاً من عوامل إكثار الماء وحميات÷ن وصونه، وزيادة الانتفاع به، وذلك هو التجديد أو الإصلاح التطوري."
ويدافع  في توضيح منطقه الاساسى الذى الذى ظلم كثيرا بسببه من السلفيين واصحاب التفسير على المتون: "وتتمة لبيان التجديد التطوري القائم على إطراد ناموس التطور وشموله نقول: أنه لا غرابة في استعمال هذا التطور والمطالبة به في المجال الديني، الذي يبدو فيه لأول وهلة البعد عن التغير التطوري.. نعم لا غرابة في المطالبة بالتطور في هذا الميدان لأن النظرة الدقيقة السليمة الأساس تبين أن هذا الناموس في تطور الكائنات المعنوية يبدو أكثر وضوحاً في حياة الأديان وتدين الإنسان لأن الأديان على اختلاف أزمانها المتباعدة، واختلاف حملتها من المرسلين جنساً ودماً – إنما تؤلف وحدة متكاملة لجانب من النشاط الإنساني، فترسم الصورة المتماسكة لظاهرة التدين في تاريخ البشرية. والأديان نفسها تشهد على نفسها، بعبارات من الآيات المختلفة، أنها مقررة لناموس أصيل، كما تقول المسيحية، وكما تعتبر العهد القديم من التوراة، وما معها متكاملاً مع العهد الجديد، من الإنجيل، وكما يقول القرآن أنه مصدق لما بين يديه. ثم هي مع ذلك ليست تكراراً لصورة واحدة من الرسالة ولا لشخصية واحدة من الرسل، بل لكل رسالة طابعها الملائم لزمانها، ولأسلوب التحدث إلى أهله ولكل رسول شخصيته الحيوية، التي تناسب رسالته وتوائم أهل زمانه. فإذا ما انتهى الأمر إلى مرحلة تعي فيها البشرية ما حولها، وتخطو مستقلة بتفكيرها، مع الكليات الدينية العامة، كان ما كان من ختم الرسالات السماوية.. ومع هذا التطور الواضح، في حديث الرسالات السماوية نفسها فإنها تقرر وحدة الأصل، وتجعل اللاحق مكملاً للسابق.. وذلك هو التطور، لا غيره. وهكذا يستقر الأمر على هذا الوجه، في فهم التجديد، وما فيه من تطور، بأقوال القدماء أنفسهم، وبتقرير المصريين لضرورة هذا التطور، وتحقيق في كل شيء، وبذلك يمكن أن نقول في اطمئنان: أن التجديد الذي يقرر القدماء اطراده في حياة الدين، ووقعه في كل نقلة من انتقالات الحياة، التي تمثلوها بالقرون ومائة السنة، إنما هو التطور مآلاً، وهو بهذا مصداق للناموس، الذي تخضع له الكائنات جميعاً، ماديها ومعنويها.".
ويحدد الشيخ أمين الخولي أسس التطور في التوجهات والمفاهيم والمضامين التالية: "إن من ينظر في عمق وسعة أفق إلى الصورة العامة للإسلام يتضح له في وضاء أن هذا الإسلام، بما هو دين ونظام اجتماعي عملي يحمل أسساً للتطور تهيئة لذلك، وتعده لتحقيقه في يسر، ودون مصادمة لشيء من تطور الدنيا حوله نظرياً وعملياً، ذلك التطور الذي يمضي متوثباً جريئاً، لأنه الواقع الذي لا مفر منه، ولا محيد عنه. وأشير هنا إلى هذه الأسس العامة، دون أن أدخل بالقارئ في نطاق التخصص الدقيق، الذي يقوم على دراسة متخصصة شاملة للإسلام وثقافته ودون أن يجد المتخصص المتعمق في هذه الدراسة هنا غضاضة أو مخالفة للمقررات الكبرى، والأصول السليمة ، ومن الأسس التي تهيئ الإسلام للتطور المحتوم:
1- اقتصاد دعوته في الغيبيات وإراحته الحقل منها ما يتركه التفاصيل فيها، واكتفائه بالإجمال العام، في الإيمان بها، مع النهي عن التفكير في دقائق ما يطلب الإيمان به، كالله، والملائكة إلخ، فهو مثلاً يطلب من أتباعه في الإيمان بالألوهية أن يدركو عن الله: أنه ليس كمثله شيء، فلا يخبر عن أفعال له من أفعال الفانين ثم يفسرها بتكلف وتعقيد، أو يفلسفها بغموض وكد للعقل. وإذا أورد من عبارات الوحي ما تقتضيه طبيعة اللغة من التعبير بالحسيات، فظن في الإله شيء من مشابهة الحوادث، كان مما يكفي المؤمن في هذا ويطمئن إلى أن هذه الأشياء، في جملتها وعامة أمرها ليست مما يشبه ما للحوادث، وكفى. وإن فزع مع مر الزمن إلى تأويل ذلك، وتمسك به فليؤوله بما يطمئن إليه عقله، تقريراً للتنزيه، مع ترك الاشتغال بما تجهد به البشرية نفسها. وهذا الوضوح واليسر في العقيدة لن يدع فرصة للصدام والخلاف، قليلاً أو كثيراً بين العقيدة وبين ما يستطيع الإنسان أن يكشفه من سنن هذا الكون، وأسرار مخلوقاته، لأنه متخفف من تلك الغيبيات المبهمة الموهمة.
2- وليس في مجال الإسلام من تلك العوائق لحرية الانطلاق إلى بحث الكون وتسخيره له كما يقول القرآن إلا مخلفات مما اشترك في تصويره أناس أدركوا من الكون والإنسان، ما احتمله عصرهم، وأطاقته ثقافتهم، على ما بها من افتراق طبيعي تطوري واضح، عن العقلية العصرية اليوم، أو العقلية المتجددة في الغد القريب، أو الغد البعيد أيضاً. وبذلك تستطيع العقيدة الإسلامية أن تصرف نشاطها الذي وفره عدم الاشتغال بالتفصيلات الغيبية، إلى الفهم الحر الملائم لكل جديد من خفايا الكون، تعرفه الحياة، على مدى الأيام، دون أن تحتاج إلى تفاصيل أو بيانات جزئية، لم تعد الحياة نفسها تحتاج إليها، ويتصل بهذا الإجمال الميسر غير المصطدم بالعلم ومهما يتقدم سبب آخر من أسباب سهولة تطور الإسلام،
3- عدم تورط هذا الإسلام في كتابه الذي هو أصل أصوله في بيان شيء عن نشأة الحياة على الارض وظهور الإنسان، وما مر به ذلك كله من أدوار، وسنين تلك الأدوار، وما يتصل بذلك،  مما تورط فيه غيره، فوص في تفصيل ، أول خلق الكون، ووقت ذلك، ووزعه على أيام، وذكر عمل الخالق في تلك الأيام وبعد انتهائها.. وحدد عمر الحياة على الأرض، وعمر الإنسان عليها، وكيف تفرقت أجناسه خلقاً، وكيف توزعت الأرض، و… الخ مما انطلق العلم المجرب يقرر فيه أشياء، تتباين مع تلك التفاصيل وتختلف عليها، خلافاً عنيفاً واسعاً، صارت فيه الأيام ملايين سنين، واستحال معه الإصغاء لهذه التفصيلات في نصوص تعبدية، يتلوها المتدين صباح مساء، إذا ما كان صالحاً.  فإذا كان العلم اليوم وغداً يجد في هذه الميادين الطبيعية جداً نفاذاً فإن الإسلام ليدعه يمضي في ذلك إلى أقصى ما يصل إليه، من مقررات مادية، عملية وفلسفية، تصدم هذه الأخبار الدينية المفصلة الموسعة، وتهز ثقة الناس بها، لأن الإسلام لا يعرف من هذه التفصيلات إلا ما جاءه عن طريق أصحاب الأديان الأخرى، أو من قصصهم الشعبي الأسطوري، وهو ينادي منذ بعيد بأنه مظلوم حين توضع هذه الأخبار في تفسير نصوصه المجملة، بل الشديدة الإجمال، التي لم تترك تلك التفصيلات جزافاً، وهي شائعة في الناس ومترددة بينهم، علىما هو معروف.
وراحة الإسلام من هذا التورط تدعه يترك للعلم طريقة، يخب فيه ويضع، معلناً له مقدماً أنه مستعد لتقبل كل ما يجيء به العلم من ذلك وتقريره، دون ن يحتاج – كما أشرت – إلى إطراح ما يثقله ظلماً وعدواناً، من الإسرائيليات التي أقحمت عليه، أو من التفسير المتثاقل، الذي هو أصحاب الأسلام منذ أكثر من ألف عام، بأنه لا أصل له. وهكذا يتخلص الإسلام، من هذه الأوزار وأمثالها، من موضوع مرويات الآحاد، أو من أفهام ساذجة مضحكة أحياناً لنصوصه الأصلية.. يتخلص الإسلام من ذلك كله، وباستعداد للفهم القريب الثابت الأساس، من حسي، اللغة العربية نفسها، يستطيع الإسلام أن يقدم صورة من التطور، في شرح هذه الأشياء من أمر الحياة، وخلق الإنسان، ونحوها، ويفهمها ذلك الفهم البارئ من كل الدخائل، لا يحتاج إلى التعرض لشيء من مقررات العلم اليوم، وفي الغد البعيد، مع انطلاق ذلك العلم ذلك الانطلاق الجبار، الذي لا يعترف بمناطق ممنوعة، ولا حدود حاجزة تعوقه عن محاولة المعرفة، بكل ما لديه، وما سيبتكره من وسائل ومعاونات، لا نحسب أنها ستؤثر على البيان الإسلامي الفني في قرآنه، الملتزم لأصول العرض الأدبي دون سواه في كل حديث عن تلك الجوانب، التي لا يشرك العلم فيها أحد.
4- عدم تورط الإسلام في شيء من تفاصيل تاريخ الأمم والرسل، التي عرض لأحوالها جملة أو مع بعض التفصيل، بياناً لسنن الاجتماع، في حياة الدعوات والرسالات، كيف تلقاها الناس، وكيف قاوموها، وكيف تم انتصارها أخيراً. والقرآن في هذا القصص لا يعني بما دون العرض الأدبي الفني المحض، فلا يعني ببيان زمان الحادث، أو مكانه، كما لا يسمى شخصاً من أشخاصه. في أكثر الأحيان وعامة الأمر. ومع هذه الخطة تجيء الرواية المادية للتاريخ بلسان الحفريات والآثار، بكل ما يمكن أن تجيء به فلا يخشى الإسلام منها مناقضة له ولا تكذيباً، ولا يتعرض بها الإسلام للأزمة التي تعرض لها غيره، ووجد بها من الحرج ما اضطر معه إلى تأويل قد يهتم به أحد المتدينين دون الملايين الباقية، ليوفق في تكلف وتعسف، بين الروايات اللسانية المتزايدة عن هذه الأشياء.
5- اقتصاره في تنظيم الحياة العلمية بالعبادات وغيرها – بعد تيسير الحياة الاعتقادية – على الأمور الكلية والأصول العامة الشاملة، دون التفاصيل المفردة، والجزئيات الصغرى. وتراه في عامة أمره لم يتول بالبيان عبادة من العبادات: لا الصلاة في شكلها أو أوضاعها او شروطها.. ولا الزكاة في نصابها ودفعها.. ولا الصوم في نظامه وحركات صائمه.. ولا الحج في مواقيته وأعماله.. والأمر كذلك، أو أكثر في الشئون العامة كبيرها وهامها، من أحكامه وتفاصيل نظمه، وحقوق تفصيلية، وواجبات مقابلة لها، على الأفراد أو الجماعات.. ومن ارتباطات وصلات في خاص شئون الحياة وروابطها بين عضوين من أسرة واحدة، أو أسرتين، أو من جماعة ذات مهنة أو حرفة، فكل ذلك ومثله ولم يجيء في القرآن عنه إلا الكلي العام، الذي يحتاج إلى التخصيص والتفصيل، والأمر في هذا معروف مشهور، لا موضع لإطالة فيه. ثم تلتمس التفاصيل بعد ذلك، من مصادرها المختلفة مع كتاب الدعوة الأصلي، فترى في هذا التفصيل والتماسه مجالاً تؤثر فيه الحياة بتنوعها وتغيرها وباختلافها وتدرجها، من كل ما تعمل فيه سنة التطور عملها.. وتحدث للناس أو قضية وأحداث لم يكونوا يعرفون أحكامها فدلهم الإسلام، على وجوب الاحتياط لها، وكان هذا الاحتياط في توجيه الإسلام، بدفعهم على استعمال قواهم الإنسانية، وطاقاتهم البشرية، من اعتبار شيء بشيء وإثبات حكم المثيل لمثيله، والانتفاع بالنص في ذلك دون تجميد ولا وقوف، بل مع الجد الواجب في الاجتهاد للاستنباط.. ولم يكن الانتفاع بالمماثلة واستخراج وجهها من النص إلا أصلاً لرعاية اختلاف الأزمنة وتغيير الأحوال بالتطور الذي لا مندوحة عنه، ومراعاة فروق الأزمنة وأحوال الحياة عند تقدير الأشباه والنظائر.
6- جعل الاجتهاد أ ساساً للحياة الإسلامية.. وما الاجتهاد إلا الانطلاق مع الحياة وفاء بجديد حاجاتها ففى قول القدماء أنفسهم أن الحياة لا تخلو من مجتهد. "ما طلبوه فيما سلف من أن يتوافر للناس في كل عصر من المجتهدين عدد التواتر. وما تقرر الاجتهاد والاهتمام به إلى هذا الحد إلا تقديراً للحاجة الماسة والضرورة القاضية بحدوث تغيير يوجبه التطور، ويحس الناس بأثره على النصوص وكشفه عن حاجة تلك النصوص إلى توسع يمدها بحيوية تدعها صالحة للبقاء، الذي نودي به لها. ولا تغطي تلك الحاجة وتدفع تلك التطورات الضرورية إلا بأن يكون في المجتمع من يضمن مسايرة الفكرة للحياة ووقايتها من عوادي الجمود، وذلك بالتجديد الذي لا يكون مع منطق الحياة والواقع إلا تطوراً.
ومن أجل هذا كان ما سبق من قول عن التجديد والتطور. وامتد إلى بيان الأسس الميسرة لتطور الإسلام الذي يفهم مما سبق بيانه منها أن التطور في الدين كالتطور في غيره.
 الجزء الثالث :  نحو نظام حكم دستورى ليبرالى
تمهيد:
1-من المفضل دائما في التحليل السياسي الدستوري أن يكون في سياق اجتماعي عام‏,‏ حيث يتم الاشارة إلي مفرداته كمصادر ومرجعيات تحليلية‏.‏ هذا بالاضافة إلي التعامل مع الاعتبارات الدستورية كمكون من مكونات التحليل السياسي العام‏,‏ بناء علي ذلك لا يصح من الناحية التحليلية إدانة نصف قرن من الزمان من السلوك الدستوري والسياسي‏,‏ بحجة أنه أصبح الآن غير ملائم لأن يصبح هاديا ومرشدا‏,‏ في سبيل البحث عن قيم جديدة للسلوك الدستوري السياسي للمستقبل‏,‏ فالماضي كان له اسبابه الاجتماعية السياسية‏,‏ والتي لا يمكن تجاوزها إلا بالفهم العميق لماذا تشكلت بهذا الشكل‏.‏ وقد يساعد علي الكشف عن ذلك السوابق الدستورية والسياسية التي يتم استدعاؤها باعتبارها حقائق لا مراء فيها‏,‏ لاستخدامها في الصراع السياسي والدستوري في هذه الآونة‏.‏ في ضوء هذه المقولة يمكن بالملاحظات الثلاث التالية‏:‏
أولا‏:‏ نشأت فكرة ثنائية السلطة التنفيذية بين رئاسة دولة ورئاسة وزراء أول مرة من الناحية الشكلية في الأمر العالي الصادر في‏10‏ ديسمبر‏1878‏ وتولي توفيق باشا رئاسة الوزراء‏,‏ وربما ظهرت هذه التفرقة موضوعيا بين السلطتين مع تولي نوبار باشا رئاسة الوزراء في‏28‏ أغسطس‏1878‏ وذلك للتعامل مع ادماج الوزيرين الأوروبيين في الهيكل الوزاري المصري‏,‏ وجاء أول نظام برلماني في مصر وفق النظام الانجليزي مع صدور دستور فبراير‏1882,‏ ولكن هذا الدستور لم يعش إلا لمدة سبعة أشهر وبضعة أيام‏,‏ حيث سقط مع سقوط وزارة البارودي‏,‏ ولم تشهد مصر في تاريخها الحديث حكما نيابيا برلمانيا صحيحا إلا خلال هذه الفترة‏.‏ ولا يمكن اعتبار دستور‏1923‏ نظاما برلمانيا صحيحا بسبب توازن القدرات بين فرعي السلطة التنفيذية‏,‏ الأمر الذي كان سببا ومدخلا لانتشار عدم استقرار النظام السياسي قبل‏1952,‏ الاشكالية الحقيقية أن الوعي والعلاقات الاجتماعية في مصر في ذلك الوقت لم يتبلور بشكل حاسم‏,‏ بحيث يسمح باستمرار الحكم البرلماني بعد وزارة البارودي‏,‏ هذا فضلا عن أن مصر منذ نهضة محمد علي بدأت تعاني من المخططات الاستعمارية‏,‏ لإنهاء مكانتها الدولية المستقلة البازغة‏,‏ فقد اسقط الاستعمار البريطاني التجربة البرلمانية لدستور‏1882,‏ كما يبدو ان الحكم البرلماني الصحيح لم يكن قادرا علي صد الغزو البريطاني‏.‏
ثانيا‏:‏ انطلقت خلال الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي نهضة في المشاعر والتصورات الوطنية‏,‏ حول ما هو السبيل إلي النهوض القومي‏,‏ وكانت التصورات في معظمها الاغلب غير دستورية ولا ليبرالية‏,‏ حتي أن الجمعية التي شكلت من قيادات ليبرالية حقيقية مثل مريت باشا ووحيد رأفت وإبراهيم بيومي مدكور وغيرهم أخذت عنوان جماعة النهضة القومية بل ولم تحظ قضية الدستور بأولوية أولي في اهتمامات تلك الجماعة بعكس القضايا الاقتصادية والاجتماعية والدولية‏.‏ خلال هذه الفترة شاعت ثقافة شعبية سياسية تستهدف تحقيق غايات كبري غير دستورية أو ليبرالية مثل غايات لجماعات الاخوان المسلمين ومصر الفتاة والحزب الوطني الجديد والماركسيين‏,‏ واصبحت صورة مصر الجديدة صورة في مجملها شعبوية سلطوية باسم النهضة الوطنية‏,‏ خاصة مع ظهور كتابات فتحي رضوان وشهدي عطية وحسن البنا وعبدالعظيم انيس ومحمود أمين العالم وسيد قطب وغيرهم الكثير‏,‏ إلي أن انفجرت أحداث‏23‏ يوليو‏1952.
ثالثا‏:‏ جاء النظام السياسي بعد‏1952‏ ليكتسب شرعيته أولا من اعتباره تعبيرا عن جماعة وطنية بالتالي عن الهوية الوطنية‏,‏ وهكذا اسست مفهوم الدولة الوطنية الذي يقوم علي اعتبار ان الدول نوعان‏:‏ دولة وطنية قوية ودولة وطنية ضعيفة‏,‏ ومعيار الفرق بينهما هو مدي مكانة الدولة في النظام الدولي‏,‏ وقد اصبحت المكانة الدولية لدي نظام يوليو لا تعبر عما لديه من موارد بأنواعها المختلفة ولكن ما لديه من شرعية وقبول عام لسياساته في نظر مواطنيه‏.‏ كما أن الحصول علي هذه الشرعية الدستورية والسياسية كانت لا تتم من خلال انتخابات سليمة‏,‏ ولكن من خلال الحشد والتعبئة الإعلامية‏,‏ وهكذا انقلبت معادلة السلوك الدولي من كونه معبرا عن الموارد وتنميتها إلي كونه معبرا عن الشرعية الداخلية للدولة‏,‏ واصبحت الدولة الوطنية القوية هي الدولة التي ليس من السهل عليها التكيف مع النظام الدولي‏,‏ والتي تري أن أمنها لا يعبر عن مدي العلاقة بين قدرتها الدفاعية وتلك الهجومية‏,‏ ولكن عن مدي تكاملها القيمي مع الشعور النفسي السائد بين المواطنين أو في الاقليم الدولي‏,‏ هنا أصبح للاعلام دور أقوي وأكبر في صياغة سياسات الدفاع والخارجية وأصبحت مسألة الالتفاف حول الرمز الوطني أهم من مفهوم الخطر الدولي وكيف يمكن الابتعاد عنه كما أصبح الرمز الوطني مبنيا علي اعتبارات العداء النفسي والشعوري في مواجهة الآخرين‏,‏ الأمر الذي سيد ثقافة سياسية تقوم علي مبدأ عدم التناسب بين الأهداف والوسائل‏,‏ وهي كلها أمور لاتهتم بالدفاع عن الدولة ولكن بالدفاع عن مقولات ثقافية محضة‏.‏
ويمكن القول انه بسبب اختفاء مفهوم الدستورية في الثقافة السياسية المصرية اختلطت علي مصر الأوراق‏,‏ والآن تصبح المهمة الدستورية ليس القضاء علي المبني الدستوري القائم بل إصلاحه بالتدريج لأن منطق الدستورية هو المنطق القاتل بالتدرج الحاسم‏.
2- لابد من التنوية فى هذا المتهيد : اولا: ان نمط الدستورى للنظام الرئسى يأتى فى اشكال مختلفة . فكل من الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وروسيا والرازيل وشيلى واندونسيا وغيرها كلها نظم رئاسية ولكنها مختلفة  من حيث القواعد المنظمة لعلاقة سلطات الدولة مع بعضها اابعض. ثانيا: ان تطور النمط الدستورى لنظام الحكم لا يعكس فى المقام الاول تفضيلات ثقافية ولكن اعتبارات مرتبطة بتفاعلات ونمط العلاقة بين الدولة والمجتمع. وانة يمكن التحول من شكل رأسى ما الى شكل اخر طالما ان محددات العلاقة بين الدولة والمجتمع لازالت فى الاغلب الاعم كما هى مستمرة عبر الزمن
فى البدء كان اعلان تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر المصرى للاصلاح السياسى والدستورى 1999 مؤشرا حادا ان هناك تغيرا يلوح فى الافق متعلق بالفكرة القانونية السائدة لدى افراد من المجتمع السياسى المصرى تتجة نحو تفضيل النمط الدستورى للنظام البرلمانى. واخذ هذا الاتجاة مسعاة الجاد بتوقيع نحو ما يربوا عن 150 شخصية حزبية قيادية وعامة من الاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة على نداء يتيح يطلب التحول من النظام الجمهورى الرئسى الى النظام الجمهورى البرلمانى. ومنذ ذالك الوقت اخذت الدعوة تنموا ولكن من غير قوى وافكار مجادلة ومناقضة لها . حيث انة من الجدل الفكرى للفكرة ونقيضها تبرز الحقيقة والتى  ربما تكون هى الحفاظ على النظام الرئسى ولكن مع تغير قواعد التفاعل المؤسسى والعلاقة بين السلطات داخلة.
يجب الفصل اولا  بين قضيتين  الاولى قضية الحريات والانتخابات والثانية هو شكل نظام الحكم . والخط بين القضيتين خطأ منهجى يقود الى فساد الاستدلال العقلى وويضع الحياة السياسية على مشارف الفوضى.
فالنسبة لشكل لنظام الحكم فالخبرة التاريخية توضح لنا اننا كنا فى نظام برلمانى قبل الثورة وكانت الحياة السياسية تتسم بعد استقرار سياسى شديد حيث كانت احزاب الاقلية تزور الانتخابات وتسود البرلمان كما لا يجب فى هذا الصدد ان نغفل فساد الوفد كما تجلى فى الكتاب الاسود وحكومات ما بعد 1940. وايضا اننا نعيش فى ظل شكل من اشكال النظام رئسى معطلة فية اليات المحاسبة الرلمانية والمحاسبة السياسية بيحث قزمت الارادة الرلمانية  فى الممارسة اليومية. وربما هناك وقائع عديدة تشير الى ان نظام بهذا الشكل لا يساعد على حياة اقتصادية وسياسية سليمة حيث ان تعطيل رئة البرلمان لا تساعد الجسد السياسى على الصحة والحياة بقوة.
وبالنظر حولنا نجد ان النظم التى تنهج النمط البرلمانى تعانى فسادا بنائيا كما هو الحال فى اسرائيل واليابان وايطاليا . الا اننا ايضا نلاحظ ان وجود نمط رئسى ليس فى ضمانة لعدم الفساد. وهناك وقائع كثيرة فى النظامين الفرنسى والامريكى تشر الى ذالك.
فالقضية ليست برلمانى ام رأسى ففى الواقع لا يوجد يجعل شئ يجعل الرلمانى     من ناحية الاصالة الدستورية افضل من الرئسى او بالعكس. فنحن نعرف نظما برلمانية مارس فيها احتكار السلطة لمدد طويلة ونعرف نظما برلمانية كانت الوزارات تتغير كل عام او عامين. اما بشأن النظام الرئسى فنحن نعلم ان عدم احتكار السلطة فى الولايات المتحدة او فى فرنسا  لم يساعد فى منع سوء استخدام السلطة وهناك امثلة كثيرة فى بلدان العالم.
القضية الرئيسية هى النزاهة وليست القيود القانونية او الدستورية او الشكل المؤسسى. فهذة القضايا يتم التواضع عليها او تغغيرها فى ظل وجود اتفاق عام سياسى عام. والنزاهة قضية اخلاقية ولكن فى الاساس اجرائية حيث تنصرف الى القدرة المؤسسية على خلق اجراءات متماسكة وتكاملة مع بعضها البعض فى اطار دولة دستورية وهى الدولة التى تتصف فى النظرية والفقة التوازن التوازن بين السلطات االثلاث وضمان الدستورى لحقوق وحريات الافراد . فى هذا السياق يمكن ان نعدل  نظامنا الرئسى ليأخذ مضمون الدولة الدستورية.
فالقضية الرئسية ليست هى شكل نظام الحكم،  ولكن فى مصادر  الثقافة السياسية القانونية الى تؤسس مفهوم النظام العام الدستورى، وهو النظام الذى يصيغ احتمالات القواعد المنظمة للسلطات فى اطار فكرى تتناسب فية قيم الحداثة اللبرالية فى ادارة نظام الحكم وبناء الشرعية السياسية. وهذا لا يتأتى الا بتأسيس فلسفة عامة للدولة التى تأخذ شكل الدولة الدستورية الللبرالية وفقا لمفهومنا للنشائية كثقافة سياسية.
اولا : مدخل لصناعه دستور ليبرالى (مواد اساسية متعلقة بالدولة)                           
    :الضرورى من القيم الدستورية
واحد من جوانب الصراع السياسى فى مصر يدور حول ما هى القيم الدستورية الضرورية للتحول السياسى لتأسيس العلاقة بين الدولة والمجتمع بشكل يسمح بنمو رأسمالية منتجة وانصاف سياسى ومؤسسية علمانية. والحديث حول القيم الدستورية حديث يمهد الحديث حول المبادئ الدستوريه والتى من شأنها تساعد على اختيار مواد الدستور المرغوبة  . فتحديد القيم الدستورية يساعد على تحديد المسارات المحتملة لصياغة المواد الدستورية المرغوبه. فالمعروف ان الدستور يساهم فى صياغة الاتجاهات العامة للسياسات العامة و والتى تشرع للمجتمع والدولة القوانين والقواعد  والمراسيم المرعية والتى بدورها ترسم للافراد والجماعات احتمالات الحركة فى المجتمع والدولة.   فى تقديرى هناك سبع قيم دستورية  حاسمة بدونها لا يمكن الوصول للمستهدف من البناء الدستورى الجديد : 1- قيم النفع العام، 2- قيم شرعية الاتجاة الرأسمالى للدولة، 3- قيم تماسك الدولة، 4- قيم فصل الدين عن السياسة، 5- قيم المساوة ، 6-  قيم الحزبية السياسية، 7- قيم الحرية. المعضلة الفقهية الدستورية  ليست فى تحديد هذة القيم، ولكن فى تحديد مجالات وحدود هذة القيم. بعبارة اخرى،  ما هى حدود هذه القيم حتى لا تسمح بتصوير القيم بما ليس فيها معرفيا.  فى قول اخر ، ان تحديد مجالات القيم يقيد سلطة القاضى الدستورى فى التفسير الذى ينصرف الى الايضاح والبيان لما هو غامض او معيب من نصوص بقصد الكشف عن رغبة المشرع الاصلية، من ناحية، ومن ناحية اخرى  يفتح الباب اسعا فى تأويل النصوص الدستورية ربما ينصرف هذا ايضا الى احتمال دور تأويلى  لمحكمة النقض فى الاحوال المدنية والجنائية- الذى يعنى سوق المعنى الى غرض ربما لم يكن فى خيال المشرع  او فى احتماله الذهنى والمعرفى. هذا بفتح باب لتاسيس منطق التأويل الدستورى وليس فقط التفسير امام القاضى الدستورى، ويسمح بالتالى للمحكمة الدستورية العليا بالتأثير الحاسم فى شؤؤن الدولة والمجتمع بشكل شامل ومعاصر. وجدير بالذكر ان هذا التأثير لا يمتد الى القضاة فى الدرجات العادية للتقاضى  حيث ان القاضى غير الدستورى هو قاضى وقائع واجراءات وليس كالدستورى  ومثيلة فى النقض كقاضى قانون.  هنا تفتح نافذة واسعة لتقيد  نفوذ البيروقراطية فى سلوكها فى مواجه الدولة والمجتمع، فيتم تحرير القاضى الدستورى من الشكلية والحرفية  وتدفعة الى الانطلاق الى التفكير الخلاق فى تنظيم المجتمع والدولة . الامر الذى يمهد بشكل حاسم لبنزوغ الدولة التى يحكمها الدستور وليس الدولة التى لديها دستور كما هو الحال الان فى مصر.  هذة واحدة  من اهم معالم التفكير الدستورى الجديد .   نريد ان نقول بوضوح ان تحديد مجالات القيم الدستورية، وليس تحديدها فى حد ذاتها فقط،  واحدة من اهم وظائف صانع الدستور. حيث لاحظنا انة فى الحالات الاجتماعية والسياسية الحرجة  فى قضايا المجتمع والدولة قيام القاضى الدستورى بتأويل، وليس مجرد التفسير والشرح والايضاح من غير توافر نص على ذالك صراحة.
ومجالات القيم الدستورية فى ظل التفكير الجديد هى كاتالى: 1- قيم النفع لعام:
فى اطار الفكر الدستورى الجديد تفهم المنافع العامة بأعتبارها متعدده وربما متناقضة فى ذات الوقت.  لهذا لا يجب ان تترك تحديد المنافع العامة الى اقرار وتصورات السلطة الادارية ، من ناحية،  او آلية تنظيميه تعتمد على الكشف عن مدى وكثرة عدد المنتفعين من المصلحة او المنفعة، بل يجب ان تنصب الامر فى اعمال العقل لاختيار الاكثر نفعا والاقل ضررا. فلابد ان يتم ذالك ايضا فى سياق تحديد قيم النفع الخاص، وهى القيم المرتبطة بأنماط استخدامات واستخراج الموارد بالمعنى العام فى الدولة والمجتمع للصالح للفردى.  بالتالى يتم هجر مفهوم التوازن  – ولا اقصد هنا الاتزان – بين العام والخاص ،الذى هو مفهوم استاتيكى، الى مفهوم تفاعلى للتكامل بينهما من خلال الاعمال العقلى لمنطق التناسب والسببية، 2- قيم شرعية الاتجاة الرأسمالى للدولة:  فى ذات الاطار الفهومى للفكر الدستورى الجديد يفهم الرأسمالية ليس كرأسمالية الدولة، وليس كراسمالية متوحشة مخترقة القانون، ولكن فى اطار مفهوم بناء الدولة الرأسمالية التى تصب فى تنمية قدرات وتحسين اداء وظائف الدولة من اجل تنمية المبادرة الخاصه الفردية فى شكل نظامى وقانونى صارم، 3- قيم تماسك الدولة: هنا نتحدث عن حالة الضرورة فى المجتمع والدولة. اذا كان مفهوم الضرورة بشكل عام بنصرف الى رفع خطر يمثل تهديدا لمصلحة جوهرية يحميها القانون، فالضرورة بالمعنى الدستورى الجديد تذهب الى التدخل الايجابى المختار من اجل رفع اى خطر يهدد الحقوق والمصالح الجوهرية التى يحميها الدستور. بعبارة اخرى ، ان التدخل لابد وان يكون فى اطار منطق التناسب والسببية المقيدة التى لا تقود الى هدر المشروعية فى المجتمع. فحالة الضرورة حالة قانونية خاصة وقطاعية، وليست حالة عامة.  فتكون من اهم وظائف الدولة استعادة الحالة الوضع العادى القانونى قبل بروز حالة الضرورة. ويقصد بصفة الحالة القانونية والقطاعية انها لا تشمل كل اوجة الدولة والمجتمع فى ذات والوقت،  والا كان الدولة والمجتمع مهددان بالفناء الكامل او الثورة الكاملة. حالة الضرورة هى حالة تستخدم فى بعض الوقت ، وفقا لاساليب محددة سلفا، لاصلاح لانقطاع المؤسسى، او تعديل مسار جوهرى للنظام الدستورى للسياسات العامة. 4- قيم فصل الدين عن السياسة،:  حيث ان السياسة متغيرة وتحكمها اعتبارات المصالح الضيقة والتصورات التى تولدها التفاعلات المفتوحة بين القوى السياسيية والاجتماعية، بينما الدين وتصوراتة وممارساتة يعبر عن ثبات كبير عبر الزمن. الامر الذى يعنى ان رؤية احدهما فى ظل الاخر لا يؤدى الا الى فساد كبير وعدم تماسك وخلط  فى المعاير. فالدين الارجح فيه ان يكون ثنائى القيم فى المنطق والتفكير، بينما السياسة فى الاصل متعددة القيم.  وهذا القول يقودنا الى القول بضرورة ان يتم التشريع فى المجال السياسى فى سياق تعدد القيم الانسانية والاجتماعية. 5- قيم قيم المساواة: هذه القيم متوافرة بشدة فى دستور1971 وتعديليه، ولكن الغائب  هو منطق المساوة بمعنى التكافؤ بين الفئات الاجتماعية . فالدستور المصرى يحسب المساواة فى اطار المساوة المشطية لكل الافراد ، ولا يأخذ  فى الاعتبار  معانى اخرى كالمساواة بين الطبقات والفئات الاجتماعية والدينية. 6- قيم الحزبية السياسية:  دعنى اوكد على ضرورة النص على ان المحتمع السياسى يدار فى اطار المنطق الحزبى وليس اى منطق اخر. 7- قيم الحرية:  يعتبر دستور 1971 شبة مثالى فى فضايا الحرية، ولكن يغيب عنة التفرقة بين التنظيم الحق وتقيده. فقد اعتادت الادارة على النظر فى مفهم تنظيم الحق باعتبارة عملية تقيد له. ورغم احكام المحكمة الدستوريا العليا الرافضة لهذا الفهم الا ان الحال استمر على هوى بيروقراطيات الدولة المختلفة عبر العهود المتعاقبه .  يكون من المستحسن النص على هذا الفارق كنص دستورى  من اجل تحرير المشاركة الساسية.
2:  المبادئ الدستورية الاساسيه
     الدولة مدنية قوامها وأساسها المواطنة وحماية الحريات الفردية، حيث تكون المرجعية المدنية هي أساس سيادة القانون الحاكمة للمؤسسات والمواطنين.
     تأكيد الحقوق الأساسية السياسية والإجتماعية والإقتصادية لكافة المصريين دون تمييز وصرف النظر عن المراكز القانونية.
       العمل على إعادة صياغة القوانين المصرية بما يحقق التكامل في بينها ويؤكد علي صيانة الحقوق والحريات العامة لكل المصريين طبقا للقانون الدولي والاتفاقات والعهود والمواثيق الدولية.
     الشعب هو مصدر السلطات، ويمارسها من خلال مؤسساته المنتخبة إنتخابا شرعيا سليما والممثلة لمختلف طبقات وفئات وتوجهات الشعب.
     حرية التنظيم المستقل حق أساسي ومستقر لكل فرد.
     الملكية الخاصة هى اساس المجتمع والملكية العامة مصانة بمقدار ما تحققه من نفع عام.
 7-  السلطات الثلاث مستقلة فى مواجهة بعضها البعض مع الاخذ فى اعتبار ضروريات التكامل والتوازن بينها.
8-  المؤسسة العسكريةهى جزء من الدولة، ووزير الدفاع عضو فى مجلس الوزارة.
 9-   السلام هدف استراتيجى للدولة تعمل من اجله كافة موسسات وهيئات الدولة والافراد على تحقيقه بالتفاعل مع اهداف اخرى ، كما تعمل الدولة على تنمية العلاقات السلمية  الاقليمية والدولية على تعتمد على الكفاءه والانصاف.
 10-   الرعاية الاجتماعية لكافة افراد الشعب مصانه.
فى اطار المعالم الاولية للفكر الدستورى الجديد، يبرز السؤال الكبير هل فى مصر قوى اجتماعية متماسكة قادرة على حمل المسؤلية التاريخية لتجسيد وتطوير هذا الفكر ؟              
———————————————————-
(فى الجزء الثانى تمت الاستفاده من نقاش مع الاستاذ عمرو البقلى والاستاذ محمد سعيد وهما اعضاء فى منتدى الفكر الليبرالى)
ثانيا: الماده الاولى: مصر دولة ديمقراطية، المرجعية المدنية اساس الحكم، وشرعية المصالح المرسله هى الحكم
الفقره الاولى : (مصر دولة ديمقراطية)
يأتى السؤال الهام  هل الانتقال  البلاد المنطق الجمهورى الى المنطق الديمقراطى  كاساس دستورى للحكم والدولة والمجتمع سيساهم فى نشر العدالة الاجتماعية بشكل اكثر كفاءة من المنطق الجمهورى السائد ام لا؟ الاجابة فى اعتقادى بنعم حاسمة، وذالك للاسباب التالية: اولا، المنطق الجمهورى فى النظرية السياسية عند افلاطون ورسطور وتبعهما فلاسفة عدة ليس بالضرورة مستخدمين نفس الالفاظ ولكن مشرين  الى ذات المدلولات   ينقسم الى طورين، اولهما، طور نضج الجمهورية، وثانيهما، طور انحطاط الجمهورية. فنجد ان الجمهورية تنمو وتنضج مع توافر ثلاث شروط اساسية، اولهما، التوازن بين السكان والموارد ، فالتناسب بين العنصرين ضرورى لانتشار وتحقيق الانصاف المدنى، ثانيهما، الانسجام بين المكونات الرئيسية للمدينة او الدولة، فلانسجام يحقق السلام الداخلى والامن العام ، وربما  يتم الجوء لاستبعاد او تخفيض مشاركة فئات سكانية للمحافظة على الانسجام الاجتماعى ، هذا مع مراعاة اعادة التأهيل المستمر للمجموعات السكانية من اجل التوسع فى تحقيق منطق التأهيل الانسجامى للمجتمع ، ثالثها، السلام بين الدولة والدول الاخرى، هذا لان عدم الحرب يسمح للدولة بالقدرة على التعاون من خلال التجارة والتبادل الثقافى.  ولكن لاسف نلاحظ فى ضوء الخبرة العملية العالمية ميل هذا الشكل الدستورى  الى الانحطاط والذى يمكن التعبير عنة فى الفاظ عدة مثل فشل الدولة وانهيارها وهو الذى يعبر فى الواقع عن انحطاط الجمهورية. ويأتى انحطاط الجمهورية  فى مصر من انتشار ثلاث مظاهر اساسية للحياة فى المجتمع والدولة : 1- انتشار الغش العقلى، ويقصد بذالك وفق تعريف الدكتور صلاح قنصوة   هو الفصل بين قولين: القول العام والقول الخاص، حيث يترجم القول الخاص موقف الذاتى الحقيقى بينما ينصرف القول العام الى مراعاة مقتضيات الموقف العام المعلن من جانب السلطة الاعلى. ويضع الدكتور ذكى نجيب محمود هذة الظاهرة فى سياق اعم بقولة " ان العلاقات الى تربط المواطن بالوطن قد تغيرت فى صميمها، حتى يكاد الامر يتحول من كون الامة امة واحدة الى كونها تجمعا من الافراد، كل فرد يسعى الى الحصول على اكبر ممكن من الغنائم بأقل قدر من من العمل . اما النتيجة فهى ان الفائزين هم ابرع الناس حيلة وليس ارفعهم ذكاء او علما او عطاء".  2- انتشار الامعيارية فى الخطاب والسلوك العام والخاص، ويقصد بمعيارية السلوك سيادة القيم الى تحدد الاطار الثقافى والاجتماعى الذى بموجبة يتحدد سلوك المجتمع والتى بالتالى تحدد القيم الايجابية التى يتحدد على اساسها مكانة الفرد فى الهيئة الاجتماعية. وبالعكس الامعيارية تعكس حالة  من الاضطراب الاجتماعى الشديد فى تحديد قيم السلوك المفروض او الجائز. والجرائد اليومية تعكس عمق هذة حالة متقدمة من الامعيارية فى المجتمع. 3- انتشار العشوئيات والتحايل على القانون، تعكس هذة الظاهرة  حالة محاولة من التكيف السلبى مع القانون من خلال التحايل علية .  هذا علما انة فنيا التحايل على القانون مختلف عن الكذب على القانون حيث يتضمن التحايل  معنى اوسع وقد لا ينصرف بالضروره الى الكذب المباشر . والفاعل الرئيسى لهذة العمليات من التحايل هم جماعات تقف خارج نظام الانتاج المنظم مثل المهمشين و وغير الراغبين فى العمل على الاطلاق. وهناك معاناة واسعة فى مصر من هذة الظاهرة. الامر الذى يقول لنا ان الاصلاح لابد وان يتضمن ايضا خطة دستورية لانقاذ الدولة من هذا الانحطاط الجمهورى و وسرعة الانتقال الى الشكل الدستورى للدولة الديمقراطية. فالشكل الدستورى الجديد يسمح للافراد بقدرات اكبر فى مجاليين : اولهما،  تنمية كل فرد لقدراتة الذاتية والمجتمعية  الى اقصى حد ، وثانيها، حماية كل فرد ضد الافراد والجماعات الاخرى وظروف الحياة المختلفة.  بتزاوج هذين المبدئين مع بعضهما البعض فى آن الوقت يتم غرس اللبنة والمتينة والاساسية والعمود  للهيكل الدستورى الديمقراطى،  وبالتالى نحمى الدولة من احتمالات الانهيار والاضمحلال نتيجة التدهو الضرورى للشكل الجمهورى الدستورى. هنا يبزع معنى جديد للعدالة الاجتماعية المتمثل فى الانصاف الفردى والجماعى ، وهذا نمط جديد الذى لم عتاد علية بسبب اعتيادنا على السياسات العامة السلطوية التى تشجع الاعتمادية والاتكالية على الاخريين، الامر الذى ادى الى رفع نسبة الاعتمادية بين السكان ، والذى يعنى ان كل فرد عامل ومنتج  واحد يقوم على بالصرف على  والتكفل بعيشة حوالى 12 فراد ، وفى بعض المناطق ترتفع ترتفع الدسبة الى واحد الى 16 .  بعبارة اخرى، ان انتقال الدولة من الشكل الدستورى الجمهورى  الى الشكل الدستورى الديمقراطى  سيمح بقدر اعلى على التشغيل والانتاج والابداع والحرية.
الفقره الثانية : ( المرجعية المدنية اساس الحكم)
مصر تعيش فى مخاض كبير وتتردد الاتجاهات المتعارضه بين جنبات الوادى المصىرى بعنف وبوتيرة سريعة، وكن هناك من يريد ان يجهض هذا المخاض لكلا ننتهى الى دولة ليبرالية. الصراع السياسى الان  يدور بين قوى الاسلام السياسى وعلى راسها الاخوان والسلفيين والجماعات تسعى بشكل واضح لتسيد منطق المرجعيات الدينية، وبين  القوى اليبرالية والانفتاح على العالم والتى تستند على منطق المرجعيات المدنية. عملت قوى الدولة والمجتمع لتسلطية على خسف مقولة القوى الليبرالية والمرجعيات المدنية  وتشويهها وتلويثها على مدى 50 عاما الماضية،  فصورت المرجعيات الدينية وكأنها المنطق الطبيعى لتطور الاحداث، كما  ساهم تعظيم وتطور المشاعر والممارسات  السلطوية فى الثقافة السياسية المصرية فى تسيد صور مختلفة من المرجعيات الدينية.  كانت ثورة 25 يناير 2011  فاتحه  باب الامل الحقيقى للخروج من نفق الثقافة السلطوية. فثورة 25 يناير هى ثورة مدنية كانت مرجعيتها الفضاء والجمهور المدنى  والذى يمثل حكمه والقيم العملية لعموم المصريين.
االمرجعية المدنية تفهم فى سياق مضمون المشاركة والصراع  المدنيين .  فى قول اخر،  المرجعية المدنية  محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية التى  تتضافر في تحديد بنية المجتمع  ونظامه السياسي ونمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقهما  مع مبدأ المشاركة والصراع اللذين باتا  معلما  من معالم المجتمعات المدنية الحديثة،  وهى المجتمعات التي أعاد العمل الصناعي وتقدم العلوم والتقانة والمعرفة الموضوعية والثقافة الحديثة بناء حياتها العامة وعلاقاتها الداخلية، على أساس العمل الخلاق، والمبادرة الحرة، والمنفعة والجدوى والإنجاز، وحكم القانون، في إطار دولة مدنية وطنية حديثة،   والتى  تمثل  تجريد لعمومية المجتمع وشكله السياسي وتحديده الذاتي.
فى قول ثانى ، المشاركة والصراع المدنيين  من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنطمة الوطنية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، من الأنظمة الاستبدادية، الشمولية أو التسلطية التي تقوم على الاحتكار. مبدأ يقيم فرقاً نوعياً بين نظام وطني ديمقراطي قوامه الوحدة الوطنية، وحدة الاختلاف والتنوع والتعارض الجدلي، ونظام شمولي أو تسلطي قوامه التحاجز الاجتماعي والحرب الأهلية الكامنة التي يمكن أن تنفجر عنفاً شاملا وتدميراً ذاتياً في أي وقت. مبدأ سياسي وأخلاقي يقيم فرقاً نوعياً بين الحرية والاستبداد.
ويمكن القول إن المشاركة والصراع المدنيين هما التعبير العملي عن العقد الاجتماعي الطوعي، لا في مفهومه فحسب، بل في واقعه العملي أيضاً، إذ تعيد المشاركة والصراع المدنيين  إنتاج العقد الاجتماعي وتؤكده كل يوم؛ أي إنها تعيد إنتاج الوحدة الوطنية وتعزها كل يوم، وهذه أي الوحدة الوطنية من أهم منجزات الحداثة، ولا سيما الاعتراف بالحقوق الناجمة عن الاعتماد المتبادل بين مختلف الفئات الاجتماعية وإسهام كل منها في عملية الإنتاج الاجتماعي على الصعيدين المادي والروحي، نعني الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والتبادل. وهي، من ثم، تعبير عملي عن المواطنة، أي عن صيرورة الفرد، من الجنسين بالتساوي، عضواً في الدولة الوطنية متساوياً، بفضل هذه العضوية، مع سائر أفراد المجتمع وأعضاء الدولة في جميع الحقوق المدنية والحريات الأساسية.
إن  المشاركة والصراع المدنيين هما هي جوهر المواطنة وحقيقتها العملية، وهي التي تحدد الفارق النوعي بين الرعايا والمواطنين،  وبين الامتيازات والحقوق.  فذوو الامتيازات، في كل عصر وفي كل نظام، لم يكونوا مواطنين، بل رعايا، ووذوو الامتيازات اليوم ليسوا مواطنين، بل هم رعايا وموالين  وعبيد، فمن يظن نفسه سيداً على جماعة من العبيد هو أكثر منهم عبودية.  وذوو الاميتيازات اليوم ليسوا وطنيين، لأن الوطنية تتنافى مع الامتيازات على طول الخط.  والنظام الذي يقوم على الامتيازات وتسلسل الولاءات ليس نظاماً وطنياً بأي معنى من المعاني. الوطنية هنا مرادفة لكلية المجتمع وعمومية الدولة وسيادة الشعب، وليست حكم قيمة أو صفة أخلاقية.
المواطنون فقط هم ذوو الحقوق المدنية، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي يعترف بها الجميع للجميع بحكم العقد الاجتماعي، ويصونها القانون الذي يعبر عن هذا العقد. فى هذا العقد يعتبر الفرد، من الجنسين، هو الأساس الطبيعي للمجتمع المدني، و المواطن، من الجنسين أيضاً، هو الأساس السياسي، المدني، للدولة الحديثة، الدولة الوطنية ؛ لذلك يبدو لزاماً على من يبحث في موضوع المشاركة المدنية،  وأن ندرس مدى تحرر الأفراد من الروابط الطبيعية، أو الروابط الأولية، روابط الجماعات ما قبل الوطنية وما دون الوطنية، كالعائلة الممتدة والعشيرة والطائفة والجماعة العرقية وما إليها، مما يؤلف عوالم  المجتمع التقليدي وكسوره المتناثرة والمتحاجزة، أي التي تعيش داخل أسوارها، وتقيم فيما بينها حواجز عشائرية أو عرقية أو دينية أو مذهبية، وتكتسي لديها السياسة طابعاً دينياً، إيمانياً ودوغمائياً، ويكتسي الدين طابعاً سياسياً، تبريرياً وذرائعياً.
الاستبداد  الحديث قائم على تسلسل الولاءات وعلى الامتيازات، لا على الحقوق وحكم القانون، يساوي بين الرعايا في توزيع هداياه التي أهمها القمع و الخوف واليأس، ويساوي بين الأفراد من الجنسين على أنهم لا شيء، ولا يقبل بأي نوع من المعارضة، لا من داخل بنيته ولا من خارجها، لأنه يقوم على احتكار الحقيقة، واحتكار الوطنية، وعلى الاحتكار الفعال لجميع مصادر السلطة والثروة والقوة. فالمعارضة في جميع النظم الاستبدادية، الشمولية منها والتسلطية مؤثمة ومكفرة ومخونة.
فى قول ثالث، للاندماج الوطني، كما هو معلوم عاملان أساسيان: أولهما العمل والإنتاج الاجتماعي، أي قدرة المجتمع على إنتاج وابداع  حياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والأخلاقية وإعادة إنتاجها بحرية، والثاني هو الدولة السياسية أو الدولة الوطنية التي يتساوى في عضويتها جميع أفراد المجتمع، بلا استثناء ولا تمييز. فليس بوسع العمل، مجرداً ومشخصاً، أن ينظر إلى الفرد إلا بوصفه منتجاً للقيمة، بغض النظر عن الجنس والدين والانتماء العرقي وسائر التحديدات الذاتية الأخرى، وليس بوسع الدولة  بما هي تجريد العمومية أن تنظر إلى الفرد وأن تتعامل معه إلا بصفته مواطناً ، يلاحظ  ان  الفكر السياسي المصرى والخيال السياسي المصرى معاً لم يرقيا بعد إلى مستوى التجريد،  فلا يستطيع المفكر العربي والسياسي العربي، سوى استثناءات قليلة، أن ينظر إلى الدولة على أنها تجريد عمومية المجتمع وتعبير عن كليته، وإلى المواطن على أنه تجريد الفرد الطبيعي، فلا يستطيع تصور فكرة أن الدولة هي دولة جميع المواطنين ومحايدة حياداً إيجابياً إزاء جميع محمولات الأفراد والجماعات، وإزاء العقائد والأيديولوجيات الدينية والعلمانية على السواء.
بهذين العاملين: العمل والدولة ، تتنحى عن علاقات العمل، وعن العلاقات السياسية خاصة، جميع تحديدات الأفراد ومحمولاتهم، سوى القدرة والمهارة والكفاية العلمية، على صعيد العمل، والتزام القانون والوفاء بالالتزامات والمسؤوليات التي تلقيها المواطنة على عاتق الفرد، على صعيد الدولة.
ومن ثم، فإن المشاركة والصراع المدنيين ، وهما مضمون المرجعية المدنية ، شروط للانتقال من "الجماعة الطبيعية" إلى الجماعة المدنية، من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث، مجتمع الشغل والإنتاج والمصالح المختلفة والمتباينة والتنافس الخلاق والاعتماد المتبادل، أي إنها مرتبطة بالاندماج الوطني أو الاندماج القومي والانتقال من التشظي والتناثر إلى الوحدة، وحدة الاختلاف، ومن الملة إلى الأمة، بالمعنى الحديث للكلمة، وهو غير المعنى المتداول في الخطاب الثقافي والسياسي  المصرى والعربي حتى اليوم، والانتقال من ثم من وضعية ما قبل الدولة الوطنية إلى الدولة الوطنية بثلاثة أركانها: الأرض (الوطن) والشعب والسلطة السياسية.
الفقره الثالثه : (شريعه المصالح المرسله هى الحكم)
المصالح المرسلة وهذا اعتمادا على  ان اللة:  " ما يريد اللة ليجعل عليكم من حرج ولكن  يريد ليطهركم  وليتمم نعمتة عليكم ولعلكم تشكررون"، " لا يكلف اللة نفسا لا وسعها وما اتاها"، "يريد لللة بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، ويقول رسول اللة على السلام : "يسروا ولا تعسروا" ، " لا ضرر ولا ضرار".  الامر الذى فتح فى الفقة الاسلامى مبحثا لضرورة للاختلاف الفقهى عند اختلاف مظاهر الحياة ومجراها. لهذا وجدنا الشافعى يغير فهمة وفقهة فى مصر فيغير الكثير من احكامة التى وضعها فى العراق، ووجدنا الكثير من تلاميذ ابوحنيفة يخالفونة فى الكثير من القضايا.  ونسمع معاذ بن جبل  حيث بعث بة رسول اللة الى اليمن قائلا انة سيجتهد برأية اذا لم يجد ما يقضى بة بكتاب اللة واسنة رسولة. والقاعدة الفقهية تقول الصحصيحة  ان الاحكام الاجتهادية تختلف  باختلاف البيئة والظروف. حتى ان الامام مالك عندما وضع الموطأ رفض طلب ابو جعفر المنصور ان يحمل الناس فى مختلف الاقطار الاسلامية على العمل بما فية قائلا : " لا تفعل يل امير المؤميين،  فقد سقت الى الناس اقاويل سمعوا احاديث ، واخذ كل قوم بما سبق اليهم، فدع الناس ما اختار اهل كل بلد لانفسهم" ، وثاب المنصور الى رشدة.
وليكن معلوما  ان الاجتهاد هو المصدر الثالث من مصادر التشريع الاسلامى، ويعتمد بشكل اساسى على اقرار المصالح المرسلة ومراعتها. والمراد بالمصلحة : جلب المتفعة ودفع المضرة والمحافظة على مقصود الشارع. ومعنى الارسال فى مفهوم صياغة المصالح ان لا يتقيد المجتهد بالقياس على اصل من الاصول،  وانما يتقيد بالاهداف الكبرى والدائمة التى  رمى اليها الشرع. يقول الامام ابى حامد الغزالى : "اذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على المقصود بالشرع فلا وجة  للخلاف فى اتباعها بل يجب القطع بانها حجة".   بعبارة اخرى، ان مصالح الناس فى حياتهم اليومية والعمل على تحقيق هذة المصالح بدون استعلاء او تكبر او ادعاء دينى هو منهج الذى تصاغ فى سياقة المصالح المرسلة. الامر الذى يقول لنا انة يجب الفصل بين المصالح التعبدية والمصالح المرتبطة بالمعاملات. اى ان المصالح المرتبطة بتصريف شؤون الناس مختلفة عن المصالح المرتبطة بالتعبد للة. الامر الذى يقول لنا ان مقولة الاخوان ومن لف لفهم غير صحيحة شرعيا لانهم يدمجون هاتبن المصلحتين مع بعضهم فى البعض فيجعلون المصالح التعبدية اساسا شرعيا للمصالح المرسلة، وبالتالى يقفلون عمليا باب التفكير والاجتهاد وعدم القياس، اى يغلقون باب التفكير الحر فى الاسلام ، بالتالى يهدمون مصدرا من مصادر الشرع اولى ان يتبع. وقد قال الامامين مالك وابن حمبل  ان الشريعة لم توضع الا لمراعاة مصالح العباد ، فيقول العلى القدير: " وما انا ارسلناك رحمة الا للعالمين". هذا هو الاسلس الفقهى الكبير للفصل الدستورى بين الممارسة السياسية باعتبارها مرتبطة بمصالح البشر واختلافاتهم ودفعهم لبعضهم البعض  وبين المرجعية الدينية التعبدية الى ترتبط بشكل اولى  باقامة العبادات. بعبارة اخرى،  ان الشرع ينظم ينظر فى احوال البشر بسلوب منهج مختلف عن النظر فى احوال التعبد، وان الارتباط بينهما يوجد فى التصورات الكبرى  لكتمال  وتمام  حياة البشر فى هذا الكون. فهما مكونين منفصلين فى الممارسة ، اى ان لهما منطقين منفصلين مكتفيين بذاتهما فى حد ذاتهما داخليا،   ولكن متكاملين  فى التصور النهائى.
قد راعى اصحاب رسول اللة مصالح البشر من غير قياس ، اى فى عبارة  منطقية، كان يحكم التفكير  فى شؤون الحوادث وما تملية من ضرورات،  وليس السوابق ما تفرضة من مناهج فى التفكير غير العملى.  فابو بكر حارب مانعى الزكاة ، ولم يحدث ذالك ايام الرسول، واستخلف عمر من بعدة رغم ان الرسول يستخلف  احد بعد موتة، بل ان عمر اسقط سهم المؤلفة قلوبهم من الصداقات ، وهو ثابت بالنص، كما اسقط عمر حد السرقة فى عام المجاعة، رغم انة ثابت ايضا بالنص ، وهناك اشياء اخرى كثيرة. وعثمان جمع المسلميين  على مصحف واحد  وحرق ما عداة  اتقاء  للفتة . كما اجاز الحنفية والشفعية الوصية فى سبيل الخير من السفية  استثناء من القاعدة العامة : "لا يصح التبرع من المجور علية".
نخلص الى القول بان المنطق المصرى للمصالح المرسلة يدورا حول مجموعة من الافكار والمبادئ منها: اولا، تقديم فكرة التعزير على فكرة الحدود، ثانيا، الايمان بالشورى الملزمة فى  تقدير احوال الناس، ثالثا،  ان الحكم  الدولة يتطلب عدم القياس بسبب ان مفهوم الدولة هو مفهوم بطبعة ينتمى لمنطق الضرورة، فى قول اخر، لابد من التوازن  بين مفهوم الشورى الملزمة ومفهوم الضرورة التى تبيح المحظورات، رابعا، عند التفضيل بين  مصالح الناس وامنهم والحفاظ على حياتهم  ام  اقامة الشعائر التعبدية  وهذا لا يجب ان يكون  او يجوز فى فى السياق العادى للامور،  نجد انة اهم فى نظر الشرع الحفاظ على حياة مصالح الناس اهم.      
ثالثا:
الماده الثانية: الحرية عنوان وباب  الدستور والافراد، التفاوض الاجتماعى هو المنظم والمسير لتفاعل المجتمع والدوله، والمواطنه هى جوهر الدستور  
الفقره الاولى: الحرية عنوان وباب  الدستور والافراد
يقول ابن منظور في : : "لسان العرب":   " والحر بالضم نقيض العبد،  والجمع أحرار وحرار… والحرة: نقيض الأمة, والجمع حرائر". والحر من الناس أخيارهم وأفضلهم،  وحرية العرب: أشرافهم, والحرة الكريمة من النساء،  والحر يعني أيضا الفعل الحسن, يقال: ما هذا منك بحر،  أي بحسن. ويقابل مفهوم الحر العبد،  وهو الإنسان المملوك،  وفي حديث عن أبي هريرة:"  لا يقل أحدكم لمملوكه عبدي وأمتي, وليقل فتاي وفتاتي" ،  تحاشيا للاستكبار عليهم،  ونسب عبوديتهم إليه،  وجاء في الحديث أيضا: " ثلاثة أنا خصمهم: رجل " اعتبد محررا..", أي اتخذه عبدا مثل أن يعتقله بعد العتق فيستخدمه كرها.
ظهرت في صدر الإسلام مفاهيم لها علاقة بمفهوم الحرية،  وإن لم تستعمل المصطلح،  ونجدها أساسا في أدبيات علم الكلام،  وفي مؤلفات الفلاسفة،  والفقهاء،  فهي مرتبطة أساسا بالدين وبالأخلاق، وبالنظرة إلى الإنسان في علاقته مع خالقه من جهة،  ومع طبيعته البشرية ومسئوليته فيما يصدر عنه من أعمال من جهة أخرى،
لما تحولت الخلافة الراشدة القائمة على الشورى إلى ملك كسروي عضوض مع الأمويين, دشن معاوية بن أبي سفيان مقولة الأيديولوجيا الجبرية الأموية،  ونظر لها أصحاب السلطة الجديدة،  ومن أصبح يدور في فلكهم من العلماء،  فقد زعم معاوية أن الماضي خير من الحاضر،  والحاضر خير من المستقبل. خاطب سكان المدينة قال : " فاقبلونا بما فينا،  فإن ما وراءنا شر لكم،  وأن معروف زماننا هذا منكر زمان قد مضى،  ومنكر زماننا معروف زمان لم يأت" .  ولما قدم زياد بن أبيه إلى البصرة عاملا لمعاوية عليها ألقى خطبته المعروفة | " البتراء" قال: " أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة،  وعنكم ذادة،  سنسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا،  ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا….".   ولما ولي يزيد بن معاوية الخلافة خطب فقال: " الحمد الله الذي ما شاء صنع،  من شاء أعطى،  ومن شاء منع،  ومن شاء خفض،  ومن شاء رفع…" .  حاولت الأيديولوجيا الجبرية الأموية توظيف النص الديني توظيفا سياسيا مكشوفا لتجريد الإنسان من قدرته على الاختيار وعلى التمييز بين القبيح والحسن العقليين،  وفرض الطاعة لأصحاب السلطان.   ولم يقتصر التنظير للأيديولوجيا الجبرية على أصحاب السلطة، بل جند له خطباء المساجد،  والشعراء،  والقصاص،  وبلغ الأمر إلى وضع أحاديث ونسبتها إلى أساطين رواة الحديث.
تتضح العلاقة الوطيدة من هذه الأمثلة القليلة بين الأيديولوجيا الجبرية وإشكالية الحرية في التاريخ العربي،  فقد سعى المنظرون لها إلى سلب الإنسان من كل قدرة على الاختيار،  وأنه بالتالي مسير في كل شيء،  ولا بد أن يطيع كل صاحب سلطان،  ذلك أن مشيئته هي من مشيئة الله. طبعا لم يصدق كثير من المسلمين مقولات أنصار الجبرية وحججهم،  وانبرت تيارات مختلفة للرد عليهم،  مؤكدة أن الإنسان مخير،  وليس مسيرا، وأنه بالتالي مسئول عن أفعاله،  وتفطنوا إلى أن الهدف الأساسي من التنظير للجبرية إكساب الشرعية سلطة غير شرعية،  وهكذا اندلعت بين أنصار التيارين حرب سياسية وظف فيها النص الديني إلى حد بعيد،  فقد نسبت أحاديث موضوعة إلى كبار الرواة تقول عكس ما لمحنا إليه قبل قليل, فقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وبرز هذا الموقف في المجال السياسي فيما أشارت إليه المصادر قائلة: إن معبد بن خالد الجهني  وعطاء بن يسار دخلا على الحسن البصري وهو يحدث الناس في مسجد البصرة فسألاه: " ياأبا سعيد ،  إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين،  ويأخذون الأموال،  ويفعلون،  ويقولون: " إنما تجري أعمالنا على قدر الله"،  فأجابهما الحسن قائلا: " كذب أعداء الله" .
لم يأت إسهاب الحديث عن مفهومي الجبر والاختيار في فى وموضعنا هذا صدفة،  بل جاء نتيجة علاقتهما المتينة بإشكالية شرعية السلطة في المجتمع العربي الإسلامي،  وعلاقتهما تبعا لذلك بمسألة الحرية وطيدة. فى هذا السياق ظهر  والبعد المدني السياسي،  ومن المفكرين العرب القلائل الذين تفطنوا إلى  ذالك ابن رشد في تعليقاته على جمهورية أفلاطون, والفارابي في كتاب |" لسياسة المدنية".
وأود في نهاية هذه الفقرة الإشارة إلى مسألتين:
ا – إسهام التيار التنويري المعتزلي في إعطاء بعد سياسي لمفهوم الحرية بنشره مقولة الاختيار بين الناس،  مسئول عن أفعاله،  وفندوا بذلك مقولات الأيديولوجيا الجبرية التي سعت منذ البداية،  ومن خلال تأويل النصوص الدينية تأليه صاحب السلطان،  ونفي الخطأ عنه، وأذهب إلى القول: إن هذا الإسهام يعد أبرز إنجاز أنجزته مدرسة الاعتزال في تاريخ الفكر الديني السياسي العربي.
ب – غاب الجدل حول مسألة الجبر والاختيار والتنظير لشرعية السلطة السياسية بعد بروز سلطة الجند،  وأصبحت الفرق الانكشارية هي دعامة السلطة،  وقد استفحل أمر هذه الظاهرة مع مجيء السلاجقة،  واستمرت مع العثمانيين،  ورافقتها ظاهرتان جديدتان:
طغيان ظاهرة الإقطاع العسكري في المجال الاقتصادي.
– التحام مدرسة النقل الأشعرية مع السلطة السياسية ذات الطابع العسكري.
الحرية في العصر الحديث:
ليس من المبالغة القول: إن مفهوم الحرية بمعناه السياسي،  والذي استعمل نقيضا للحكم المطلق الاستبدادي لم تتضح سماته،  ولم يستعمله رواد حركات التنوير العربي نصلا ناجعا لمقاومة النظم الاستبدادية إلا بداية من النصف الأول للقرن التاسع عشر،  ولم يتناول التنويريون العرب قضية الحرية في بداية الأمر بصفة مستقلة،  وإنما أسهبوا الحديث في وصفها، وكيف أسهمت في تقدم البلدان الأوربية فيما سجلوه في رحلاتهم إلى أوربا،  محاولين في بعض الحالات أن يجدوا له مقابلا في تراث الفكر السياسي العربي،  ويلمس الدارس لأدبيات الفكر التنويري العربي الحديث في يسر تأثير قيم حداثة عصر الأنوار،  ومبادئ الثورة الفرنسية في المفاهيم السياسية التي استعملها رواد النهضة العربية مثل الحرية،  والحريات العامة،  والعدل السياسي،  والحقوق الطبيعية،  والتمدن, والنظم الدستورية،  والدولة المدنية, وغيرها من المفاهيم، وقد أدرك الكثير منهم أن حداثة عصر الأنوار قد أصبحت حداثة كونية.
فما هي يا ترى أبرز سمات هذه الحداثة التي حاول الرواد اقتفاء آثارها؟  يمكن تلخيص ذلك في أربع مقولات:  اولا،  مقولة : لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه،           ثانيا، المقولة تدمج العقل في علاقه ضرورية بين كل من العقلانية- الحرية- والعدل السياسي الاجتماعي، ثالثا المقولة: تحرير التاريخ والإنسان من أسطورة الحتمية،           رابعا  المقولة: تتعلق بشرعية السلطة،  فلم تنشأ حركة الأنوار باعتبارها تيارا فلسفيا أو فكريا مجردا،  بل ولدت،  وشقت طريقها في خضم صراع مع الواقع المعقد،  وهو واقع سيطرت عليه قوتان رجعيتان: قوة الكهنوت المتزمت وقوة النظم السياسية الاستبدادية،  فليس من الصدفة إذن أن يكون أخطر سؤال طرحه مفكرو عصر الأنوار،  وأبلغه أثرا في الأحداث التاريخية التي عرفها القرنان الثامن عشر والتاسع عشر هو: من أين تستمد السلطة السياسية شرعيتها للتحكم في رقاب الناس،  ومصالح المجتمع؟  وجاء الجواب فيما طرحه روسو من نظريات في |"العقد الاجتماعي" ،  فليس من الصدفة أن يوليه أحد رواد النهضة العربية الحديثة رفاعة الطهطاوي عناية خاصة،  فمن المعروف أن ايمانويل كانت (1724 – 1804) لم يقر أي تناقض بين الإيمان والعقل في فلسفته وفي حياته،  ولكنه يقول عن مؤسسات الكهنوت الديني،  وعن السلطة الاستبدادية إنها مؤسسات |" تدوس بأرجلها حقوق البشر المقدسة".
ونعود لنؤكد أن هذه المقولات قد انعكست بدرجات متفاوتة في كتابات المفكرين العرب ابتداء من الطهطاوي إلى فرح أنطون (1877-1922) ، وأديب اسحق (1856-1885)،  وسلامة موسى(1887-1958)،  وأحمد لطفي السيد (1871-1963)،  وطه حسين (1889-1973)،  فالحداثة التي تأثر بها التنويريون هي حداثة عصر الأنوار التي دشنت عصر الإنسان،  وحررت إرادته ليعي أنه صانع تاريخه،  وبالتالي فهو مسئول عن اختياره، وهي التي أزالت طابع القداسة عن الحكم،  فالسلطة شأن إنساني دنيوي لا علاقة له بالسماء،  فالإنسان وحده،  وعبر نضاله الطويل له الحق في اختيار أفضل أنماط الحكم لتسيير شئونه، وله وحده الحق في تغييرها, إذا لم تستجب لمصالحه, والحداثة المطلة من عباءة فلسفة الأنوار تعني العلاقة الوثيقة التي لا انفصال لها بين مفهومين: العقلانية والتحرر،  فالعقلانية لا معنى لها دون أن تكون في خدمة التحرر،  ويضحي التحرر،  وما يقارن به من حريات،  وحقوق،  وديمقراطية دون عقلانية مستحيلا.
وهكذا أصبحت ممارسات الفكر العقلاني هي المحك, وحجر الزاوية،  وبرزت وظيفته النبيلة في قيادة التقدم والتحرر،  فلا حداثة دون تحرير الإنسان من كل المسلمات والبدهيات, والميتافيزيقيات،  والأساطير،  وتحرير التاريخ من مقولة الحتمية.
بعض رواد حركات التنوير العربي لم يتناولوا مفهوم الحرية في حد ذاته، وبصفة مستقلة، ولكنهم وصفوا في رحلاتهم أهمية الحرية فيما شاهدوه من تقدم في المجتمعات الأوربية،  ونجد في طليعة هذه النصوص رحلة الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873) :" تخليص الإبريز في تلخيص باريز" ،  وقد ترجم فيها هادفا الإشادة بالحرية،  الدستور الفرنسي, أو (الشرطة) كما يسميه، وتحدث عن الحقوق الطبيعية،  قرأ جان جاك روسو, ولاسيما : " العقد الاجتماعي"،  وكذلك روح الشرائع لمونتسكيو،   وفولتير. وكان الطهطاوي حذرا في معالجة بعض المفاهيم في مؤلفاته فحاول أن يجد لبعضها مقابلا في التراث العربي الإسلامي،  إذ أشار إلى أن ما يسمى عندهم بالحرية يقابل ما يسمى عندنا بالعدل والإنصاف،  ولكن بالرغم من هذا الحذر فيمكن القول: إنه قد قدم في نص " تخليص الإبريز"  فكر البورجوازية الفرنسية الديمقراطي في القرن التاسع عشر, وتعد الحرية علامة بارزة في هذا الفكر.
أدرك الطهطاوي أهمية العدل السياسي لتحقيق التقدم،  ولكنه لم يفصح عنه صراحة فاكتفى بالحديث عن العدل،  مؤكدا : "أنه أساس الجمعية التأنسية والعمران والتمدن، فهو أصل عمارة الممالك التي لا يتم حسن تدبيرها إلا به،  وجميع ماعدا العدل من الفضائل متفرع عنه, وكالصفة من صفاته" . أما معاصره خير الدين التونسي فقد قطع خطوة جديدة لما تحدث في كتابه : "أقوم المسالك" عن العدل السياسي، واعتبر الحرية هي العامل الحاسم فيما عرفته الممالك الأوربية من تقدم, فقد أدرك صاحب " أقوم المسالك"،  ومعه زمرة من رجال الإصلاح في النصف الثاني من القرن التاسع عشر،  أن الأوضاع لا يمكن أن تتغير،  وأن يخطو المجتمع العربي الإسلامي خطوات ثابتة فوق درب الحداثة الحقيقية دون تغيير الأوضاع السياسية، وبعث مؤسسات دستورية قائمة على العدل السياسي والحرية،  فليس من الصدفة أن يقف خير الدين وقفة طويلة عند مفهوم الحرية, ودورها فيما حققه المجتمع الأوربي من تقدم،  ولا غرو في ذلك،  وهو الذي لمس عن كثب ويلات الحكم المطلق الاستبدادي وآثاره الوخيمة, مؤكدا : "أن الحرية هي منشأ سعة نطاق العرفان والتمدن بالممالك الأورباوية" ،  فتحدث عن الحرية الشخصية،  وعن الحرية السياسية وعن حرية النشر والتعبير،  وعن علاقة الحرية بالاقتصاد،  مستنجدا بابن خلدون في المقدمة في إبراز علاقة الحكم الاستبدادي بخراب العمران.
ووصف معاصر ثان للطهطاوي هو أحمد فارس الشدياق (1804-1887) مظاهر الحرية في رحلته : "كشف المخبأ عن فنون أوربا" ، مظاهر الحرية التي عاشها في كل من المجتمعين البريطاني والفرنسي، وحلم فرنسيس فتح الله مراش(1836-1873) في روايته الرمزية (غابة الحق) بعالم جديد تتحقق فيه شعارات الحرية والعدالة والمساواة،  متأثرا بشعارات الثورة الفرنسية،  ودار الحوار في هذه الرواية أساسا عن كيفية إقامة (مملكة المدنية والحرية)،  ولخص شبلي الشميل (1850-1917) في كتيب بعث به إلى السلطان عبد الحميد عام 1896 بعنوان : " شكوى وأمل"،  نظرته إلى ما كانت تفتقر إليه السلطنة العثمانية من علم وعدل وحرية.
وقد سخر جمال الدين الأفغاني (1838-1897) كل حياته مدافعا عن استقلال البلدان العربية الإسلامية،  وذائدا عن مبادئ الحرية. كتب عنه المصلح المصري الشيخ مصطفى عبدالرازق قال : : "حسب جمال الدين من عظمة ومجد, أنه في تاريخ الشرق الحديث أول داع إلى الحرية, وأول شهيد في سبيل الحرية".
أصبح مفهوم الحرية موضوعا بارزا في جل نصوص التنويريين العرب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر, ومطلع القرن العشرين نجد ذلك في كتابات الأمير مصطفى فاضل باشا أبو الأحرار, والشيخ محمد عبده (1848-1905), وفرح أنطون،  وأديب اسحق، وولي الدين يكن (1873-1921)،  وسليم سركيس (1867-1926)،  وأحمد لطفي السيد، وسلامة موسى،  وطه حسين.
ويعد عبد الرحمن الكواكبي (1854-1902) في طليعة التنويريين العرب الذين أعطوا مفهوم الحرية حيزا بارزا في كتاباتهم, كتب يقول في (أم القرى) : ( ولا شك أن الحرية أعز شيء على الإنسان بعد حياته، وأن بفقدانها تفقد الآمال،  وتبطل الأعمال، وتموت النفوس).
الفقره الثانية : التفاوض الاجتماعى  هو المنظم والمسير لتفاعل المجتمع والدوله
واحد من اهم الاسباب للاحساس العام والعميق  بموجة الاضراباب والوقفات الاحتجاجية  التى اجتاحت النظام القدين وواستمرت بعد ثوره 25 يناير 2011 يأتى من عدم وجود نظام عام من التفاوض الاجتماعى بالبلاد.  هذا النظام فى البلاد الديمقراطية او حتى الناشئة ديمقراطيا  ينقسم  من حيث المبداء الى قسمين، اولهما يتعلق بتنظيم الاعتراض الاجتماعى الفئوى ، ثانيهما، يتعلق بتنظيم كيفية التفاوض الاجتماعى. القسمان مكملان لبعضهما البعض، وبالتالى يشكلان  نظاما متكاملا.
القسم الاول يرتبط  بشروط الاعتراض الاجتماعى الفئوى ويقترح التالى: اولا- القاعدة العامة هى ان الاعتراض الاجتماعى الفئوى لا يجب ان يؤثر على العمليات الاساسية لدينميات المجتمع والدولة، ثانيا-   الامر الذى يعنى انة لابد من التحديد الاجتماعى لما هى العمليات الدينمية الاساسية للدولة والمجتمع، فى هذا الشأن هناك  طريقتين لتحديد هذة العمليات ، وهى ، اولا ، الطريقة الوظيفية، والتى تهدف الى الحفاظ على الحد الادنى من ممارسة الوظائف المجتمعية لاستمرار وظائف الدولة والمجتمع، ثانيا، الوظيفة النظامية، والتى تهدف الى تحقيق فاعلية للاعتراض باقل قدر من الاضطراب العام، ثالثا، الطريفة الاولى، وهى الوظيفية، تطلب من ضرورة تحديد الوظائف التى تشكل جوهر الدولة والمجتمع ، هذا بصرف النظر عن المستوى الوظيفى او حجم من يشغلون الوظيفة، اما الطريقة الثانية، وهى النظامية، ويقصد بها كيف يستمر الاعتراض الفئوى بفاعلية بطريقة لا تساهم فى رفع درجة او مستوى  العنف فى المجتمع او تهديد السلامة العامة اوتهديد صورة الاستقرار العام فى الجتمع والدولة، رابعا، من المفضل ان يكون هناك تكامل بين الطريقتين لان الطريقتين توفرين  منظورين متقابلين، خامسا، الامر الذى يستدعى من سلطات الامن العام على الاخص وضع لائحة واضحة لتنظيم الاعتراض الفئوى، هذة الائحة تحدد خمس معالم اساسية، وهى، المعلم الاول، اماكن التى يمارس فيها الاعتراض، المعلم الثانى، المدة لاعتراض الزمنية، المعلم الثالث، الاشخاص وممثلوو الهبئات التى لهم الحق فى الاشتراك فى الاعتراض، المعلم الرابع، مستوى الشعارات والانتباة الاعام الذى يجذبة الاعتراض من جانب الجمهور العام، المعلم الخامس، مستوى الخروقات السموح بها وغير المسموح بها فضلا عن مستوى التدرج فى العقوبات نتيجة لمخالفة قواعد الاعتراض المنصوص  والمتوافق عليها.
ان تنظيم هذة الائحة يأتى كنتيجة وتراكم لنجاح الخطوات الاربع الاولى ، من ناحية ، وانة عند صياغة الائحة لابد من مراعة مجموعة من المبادئ الاجتماعية العامة، من ناحية ثانية ، وهى، اولا، التفرقة بين العاملين الرسمين فى المؤسسات المشاركة فى الاعتراض والعاملين غير الرسميين بها او وفق الفهم الوظيفى،  العاملين الموسمين او بالمكافأة الشاملة، بحيث يقتصر الاعتراض  فقط على العالميين الرسميين دون الآخرين، ثانيا، انة لابد من تحديد المطالب بشكل وظيفى وليس سياسى، والفرق بينهما ان المطلب الوظيفى  مرتبط بمستوى ممارسة المهنة او الوظيفة او العمل وشروطها من حيث الاجر او الدخل العام، اما المطلب السياسيى فهو مرتبط  بطريقة اداء السلطة السلطة العامة لوظائفها السياسية والمؤسسية، ثالثا، منطق صياغة الائحة على هذا النحو يعتمد على فكرة ان  المطلب الوظيفى والنجاح فى تحديدة سيساهم بشكل حاسم فى تدعيم مناخ مؤسسى وسياسيى لعملية الشرعية السياسية، بعبارة اخرى، تقديم المطلب السياسيى على المطلب الوظيفى سيساعد على اطلاق شرارات عدم الاستقرار والاضطراب العام فى المجتمع، رابعا، الامر الذى يقول لنا انة عند صياغة هذة الائحة لابد ان نجد مدخلات فيها للاجهزة الارقابية للدولة حيث حيث لا يجب ان تكون المطالب الفئوية قائمة على اما تدليس فى العلومات او تغطية لفساد مؤسسى او حتى تطويع المصلحة الفئوية العامة لصالح مجموعة مصالح خاصة داخل هذة الفئة، خامسا، بسبب تداخل عمليات الدولة والمجتمع واشتراكهما  فى  تنظيمات فئوية واحدة كالنقابات والجمعيات والروابط وغيرها لابد من بتمثيل اقل فى الاعتراض الاجتماعى  للفئات المرتبطة بوظائف الدولة بشكل مباشر عن تلك المرتبطة اكثر بوظائف المجتمع، سادسا، لابد للدولة واجهزتها ان تكون قادرة فى حالة الضرورة على التدخل السريع بتوفير احتياطى استراتيجى يسمح بستمرار اداء الوظيفة العامة عند حدودها الادنى من الكفاءة، وبالتالى لا يسمح ان ان يساهم الاعتراض الاجتماعى فى المساعدة على انهيار بعض الوظائف  العامة بشكل مبدئى.
بعد تحديد معالم الاعتراض الاجتماعى والملاحظات التى لابد من اخذها فى  الاعتبار عند صياغة لائحة عامة فى سياق النظام والامن العامين نتقدم لنتعامل مع معالم الايات التفاوض الاجتماعى. من حيث المبدأ المقولة الحاكمة لهذه المبادئ العامة هى انه من الاعتراض المشروع تنبع عملية التفاوض الاجتماعى المشروع. بعبارة اخرى، ان مفهوم المشروعية لابد ان يغلف مبادئ التفاوض الاجتماعى سواء من حيث معالم الاعتراض او معالم والاليات التفاوض حول المطالب الفئوية. ونقصد بالمشروعية ثلاث معانى او اتجهات  محددة: اولاها، تناسب الاجر مع العمل، ثانيها، وضع حد انى فعلى لمستوى المعيشة للفرد، ثالثها، يقيم الاحياجات الاجتماعية فى ضوء توازن الحقوق والواجبات الحقيقية.  بعبارة  ثانيه ، انة يجب عند التفكير بصياغة مفهوم للمشروعية فى هذا الصدد ان يكون معايير المشروعية قانونية واقتصادية وادارية تنظيمية وسياسية فى آن الوقت . هذا مفهوم واتجاة جديد فى تحديد مفهوم المشروعية،  ولكنة ضرورة للحفاظ على السلام الاجتماعى وفاعليتية فى مواجه المتغيرات. هذه المعاير الثلاثة هى المدخل عمليات التفاوض الاجتماعى.
يلاحظ ان عمليات الاعتراض الاجتماعى لا تدور كنسق اولى واساسى فى مواجة الاستغلال الرأسمالى ،  ولكن كمسق فى اطار المطالبية الفئوية  من اجل تصحيح مستوى المعيشة للطبقات الوسطى بشرئحها المختلفة من عليا ووسطى ودنيا. فيلاحظ، ثانيا ، ان الاعتراض الاجتماعى متولد فى سياق اعتراضى على تنفيذ بعض السياسات العامة،  وخاصة تلك المرتبطة بالسياسات الحكومية . وثالثا،  يلاحظ ان الاعتراض الاجتماعى يعبر فى مضمونة العام على الرغبة فى الحوار والتفاوض الفئوى وليس الرغبة فى الحرب الطبقية او الفئوية او الطائفية، يمعنى، ان الاضراب او الاعتصام ليس المقصود منة تحطيم النظام والامن العاميين،  بل يستهدف  توسيع وتصحيح مجالهما. ورابعا يلاحظ ان الاعتراض الاجتماعى بنتهى فى الاغلب الاعم  بشكل سلمى غير مخلفا وراءه خسائر مادية مكلفه او فوضى تنظيمية يصعب السيطرة على اثارها الجانبية او ذات اثار سلبية مدمرة على بيئة العمل وموضوع الاضراب او الاعتصام . خامسا، ان الاعتراض الاجتماعى يقوى من ايجابية الاحساس بقيمة المهنة واهميتها الاجتماعية على مستويات مختلفة.
هناك اربع معالم والاليات للتفاوض حول المطالب الفئوية، اولها، التفاوض يكون حول موضوعات يمكن قياسها، ثانيها، ان التفاوض يكون له اطار زمنى محدد ، ثالثها، ان تكون   له ذاكرة  مجتمعية قطاعية محلية من اجل التعلم وتحسين الاداء فى المرة القادمه، رابعها،  ان يتم التنفيذ الفورى للتوافقات القطاعية او الفئؤية مع مراقبة التنفيذ والعمل على ازلة اى معوقات ضد التنفيذ الفعال.
المعلم الاول وهو ان حول موضوعات يمكن قياسها يتطلب الامر عدة متطلبات:  اولها ، ان تعرف موضوعات التفاوض بشكل عملى وجزئى واستهدافى عبر الزمن، ثانيها، ان تصاغ موضوعات التفاوض أخذه فى الاعتبار بعض المعايير الاقتصادية الكلية والقياسية الجوهرية،  وخاصة تلك المرطبة بالحاله العامة للقطاع محل الاضراب او  الاعتصام، ثالثها، ان يتم تحديد اطراف التفاوض بشكل واضح من حيث نطاق المسؤلية والتكلبف والالتزام ، رابعها، ان تتم صياغة  المطالب فى شكل شبكة  يجمع العنصر العبنى والعنصر المالى والعنصر الاجتماعى والعنصر الييئى فى رابطة متناسقة من المطالب، خامسها، ان يكون محل التفاوض عمليات تقسيم المطالب او  جداول الاستجابة لها او تزامنها ، او مختلف شروط المتبادلة الاستجابة من الجانبين، سادسا، تحديد القيم المعيارية العملية التى ترسم منطق الاستجابة للمطالب.
اهمية  المعلم الاول انة الذى يخلق افق للتنفاوض وبدون العناية  الفائقه فى مراعاة هذه المتطلبات  يمكن القول بشكل شبه يقينى ان التفاوض سبفشل فى الانطلاق ، وربما يتدهور الى نزاع او صراع . ونستمر فى التعامل مع الثلاث المعالم الاخرى للتنفوض الاجتماعى الفئوى السلمى.
حددنا معالم والاليات التفاوض الاجتماعى فى اربعة وهى: اولا، التفاوض حول موضوعات يمكن قياسها، ثانيا، يكون للتفاوض اطار زمنى محدد، ثالثها، ان تكون  للتفاوض  ذاكرة  مجتمعية قطاعية محلية من اجل التعلم وتحسين الاداء فى المرة القادمه، رابعها،  ان يتم التنفيذ الفورى للتوافقات القطاعية او الفئؤية،  مع مراقبة التنفيذ والعمل على ازلة اى معوقات ضد التنفيذ الفعال. وتم شرح المعلم  الاول ، والان نستكمل المعالم الثلاثه الاخرى.
من حيث المبدأ ليس هناك تفاوض الى الابد، فلابد  ان تكون لة اطار زمنى محدد، وهنا يستحسن دائما ان يكون هذا الاطار محدد قانونيا. هذا لان التحديد القانونى من شأنه ، من ناحية، ان  يخلق مجال التزمات واجراءات مرتبطة بالزمن، ومن ناحية اخرى، ان يحدد التبعات القانونية فى حالتى الوصول الى توافق بين الاطراف المتفاوضه وفى حالة عدمه.  يعتبر التحديد القانونى للزمن افضل من التحديد الموضوعى للزمن من زاوية، ان التحديد الموضوعى للزمن فى حالة المطالب المتعددة ان يعقد مسألة التفاوض بشكل عام،   لانه يلغى المرحلة االاولى او الالية والمعلم الاول ، وهى تحديد الموضوعات وتحديد معايير فياسها، وبالتالى يخلق حالة من التضارب . هذا فضلا عن ان التحديد الموضوعى هو جوهر المرحلة الاولى. بعبارة اخرى ، دائما مقتضيات فن التفاوض تتطلب الفصل النسبى  بين موضوع المطالب  وزمنها التفاوضى، هذا لمنع ان يستمر التفاوض الى الابد. حيث ان استمرار التفاوض من غير اطار زمنى حاكم بصرامة لا يخلق الا مجال للعبث والتلاعب واظهار النويا غير الحقيقية،  مما يفتح الباب الى اضطراب اجتماعى اوسع.
يقصد بالمعلم الثالث والمرتبط بالذاكرة المجتمعية المحلية القطاعية  عدة اجراءات جوهرية: اولها، ان يتم جراءات توثيق للعمليات الاولية لصياغة المطالب الفئوية واسباب الاعتراض عليها، ثانيا، ان تتم اجراءات توثيق للعمليات الاولية لتوضيح  التحالفات الاجتماعية والمنهجيات المتبعة للحشد والتعبئة المتبعه، ثالثا، وضوح العمليات التنظيمية والاجرائية اللازمة للاتصال بسلطة صناعة القرار فى القطاع الذى يعانى من اضطرابات فئويه، رابعا، واخيرا، بناء جراءات لخلق آلية للتحسين الذاتى للاداء التفاوضى.  هذة الاجراءات الاربعة هى جوهرية بمعنى انها ضرورية كعنصر مكمل وضرورى حيث اهيمة هذا المعلم لا تظهربشكل كامل الا المرحلة التالية لاتهاء التفاوض سواء انتهى بالتوافق او غيرة، حيث عمل هذا المعلم  كآلية للحاسبة الداخلية بين اطراف اصحاب المطالب، والية للتفيم العام للموقف فى المستقبل، ومتى يكون اصحاب المطالب لديهم القدرة على المطالبة مرة أخرى بمطالب  جديدة.
مرحلة متابعة التنفيذ لما تم الاتفاق علية مرحلة حاسمة للاسباب التالية: اولا، ان البيروقراطية المصرية من الاعتياد ان تفصل بين عملية صنع القرار ، وهى مرحلة التوافق وكتابتة فى صياغات دقيقة ومحددة، وعملية التنفيذ لما تم الاتفاق علية، حيث نلاحظ ان الكثير من التوافقات الناجحة انفجرت مرة اخرى بسبب صعوبات وضعتها البروقراطية، ثانيا، ان التوافق لابد اذن  لا يتم فقط بين هيئات صناعة القرار المعينة ،  ولكن ايضا الرؤساء التفيذيين الذين سيقومون بتنفيذ التوافق ووضعة فى شكل اجرائى تنفيذى، ثالثا، الامر الذى يقول ، انة لابد من وضع لجنة مصغرة لمتابعه  التبفيذ من الجانبين لديها القدرة على الاتصال السريع والعمل على حل المشكلة فى حالة العرقلة او ظهور عوائق تحول عن  تنفيذ التوافق بدقة، رابعا،  الامر الذى قد  يتطالب التفيذ بناء توافق اجتماعى بغرض تسهيل التفيذ ، وخاصة فى اطار تنفيذ التزمات التى يجب على النعتصمين او المضربين العمل بها فى المستقبل.
فى نهاية الامر نقول ان الاعتراض الاجتماعى بدون آلية فعالة للتفاوض الاجتماعى هو الطريق للفوضى المجتمعية الشاملة وتمهيد لفاشية سياسية.
الفقره الثالثه :  والمواطنه هى جوهر الدستور                   
واحد من اهم ركائز الاصلاح السياسى فى مصر ليس كما يعتقد البعض يتمثل فى الاصلاح الدستورى حيث ان الدستور فى النهاية الامر هى مسألة كاشفة عن وضع وحالة المجتمع. ولكن اعتقد ويعتقد معى الكثيرين بأنها اصلاح حال المواطنة. حيث ان صلاح حال المواطنة هو المدخل الاكيد لاصلاح حال الجسد السياسى الذى يمثل الدستور رأسة. فثورة حقوق المواطنة المصرية هى الصياغة المصرية لحركة الحقوق المدنية التى شاهدنا تجليات لها فى الغرب وهى المدخل لتجهيز البيئة المصرية لتحقيق نتيجتين اساسيتين: اولهما، سيادة فكر وممارسات الدولة القانونية، وثانيها، صياغة العلاقات الرأسمالية من اجل الانصاف الاجتماعى. بعبارة اخرى، ان هناك استراتجيتين الاصلاح السياسى : اولهما، الاصلاح من اعلى حيث يتم التركيز اصلاح الابنية القانونية والدستورية، وثانيها، الاصلاح من اسفل حيث يتم التركيز على المارسات السياسية والاجتماعية. والتفضيل دائما هو على الاصلاح من اسفل. حيث ان النصوص القانونية والدستورية يحتاج الى من يطبقها ويمارسها لكى يشعر بأثارها المواطن فى الواقع والحقيقة، فالنصوص مهما كان جلالها لاتطبق نفسها ولكن يطبقها بشر . فاصلاح عادات البشر الاجتماعية والسياسية هى المدخل للاصلاح السياسى من اسفل. واصلاح العادات البشرية المجتمعية لمجتمع ما اما ان تنطلق من تصور راديكالى يحاول ان يفرض من خلال الاجراءات البيروقراطية والبولسية والسياسية تصور مثالى سواء دينى او علمانى على المجتمع، او ينبع من تصور اصلاحى يقوم على مغالبة العادات والممارسات الاجتماعية والسياسية فى مجتمع ما لكى يسير فى اتجاة التدرج الحاسم تاريخيا. فالتدرج فى استراتجية الاصلاح من اسفل ليس تدرجا وفق مقتضى الحال والظروف ولكن وفق تصور لممكنات المجتمع الثقافية. فالتصور الاول يقوم على الاجبار السلطوى، والثانى يعتمد على المغالبة الثقافية بكل تجلياتها الدينية والسياسية والمعرفية. واذا استقر الامر على استراتجية المغالبة للاصلاح السياسى ينطلق الصراع الاجتماعى والسياسى نحو افراز ثورة المواطنة. فثورة المواطنة ثورة يقوم بها الافراد المهمشين سياسيا بقصد دخولهم وشاركتهم فى العملية السياسية. فى هى  ثورة لتخليق ممارسات وسوابق قانونية واجتماعية تهدف الى كسر حالة العزلة والاغتراب والخوف التى  تعيش داخلها هولاء الافراد.  فالافراد التى تم سلب ممتلكاتهم بتيجة انتشار المارسات الارهابية فى الصعيد، والافراد الذين تم انكار تفوقهم لصالح قيم اصولية فاسدة، والافراد الذين يم التضيق عليهم من اجل عدم الحصول على فرصة للتنافس العادل، والافراد الذين  تم انزال القهر عليهم بسبب ممارسات ثقافية ضيقة الافق، والافراد الذين تم سحقهم بسبب عمل الاليات المجتمع الرسمى ، او افراد تم تدمير حياتهم الاجتماعية والاقتصادية حتى تم دفعهم الى الانتحار المادى او المعنوى، كلهم واخرون لم يتم ذكرهم هم المخاطبين من اجل هذة الثورة. وفى يقينى ان هناك تسع عشرة حق لكل مواطن مصرى يجب ان يحصل عليها مهما كان الامر، وهى: الحق فى الحياة،  الجنسية،  المساواة،  الملكية الخاصة وممارسة النشاط الاقتصادى والتعليم والرعاية الصحية، العمل والتمتع بظروف عمل عادلة والضمان الاجتماعى، والحرية فى التفكير وابداء الرأى، والعقيدة والعبادة ، الانتخاب والتمثيل النيابى، وتكوين الاحزاب السياسية، تكوين النقابات والجمعيات، وحماية حرمة الحياة الخاصة، فى العاملة الانسانية الكريمة وعدم التعذيب، توفير العدالة الناجزة، والحق فى التنقل، وفى تدوال المعلومات، واخيرا وليس اخرا ، الحق فى بيئة نظيفة. هذة هى الحقوق التى تنادى بها ثورة المواطنة . وهذة الحقوق لا  تتجسد  بمجردالتمنى او المنادة بها، ولكن تتجسد فقط من خلال الصراع القانونى والثقافى من اجلها. لا احد يقول ان الاصلاح رحلة ممتعة بل هى شاقة وعنيفة فى بعض الاحيان، لان هناك فى المجتمع من لا من الاخرين ان يتمتعوا بنفس بنفس فاعلية الحقوق ومداها. هذا فضلا عن هناك من فى السلطة من لا يريد المساوة بين الناس، بل من يرى نفسة بدون وجة حق اسبق من الاخرين فى الحصول على الفرص.  فالصراع من اجل المواطنة سيسمح للمصرى لاول مرة فى التاريخ المصرى ان يعش كريما وحققا ذاتة. يقول الاستاذ صلاح عيسى المؤرخ الاجتماعى  ساخرا وممرورا فى ان الوقت فى تأريخة لسيرة ريا وسكينة: "  وهو جهد ارفعة بكل تواضع – الى مقام حضرة صاحب العظمة السلطان فؤاد الاول حفظة اللة، والى مقام حضرة احصاب جلال ملوك الدول الاوربية الذين خاضوا غمار الحرب العالمية الاولى دفاعا عن معانى الحرية والكرامة وتقرير المصير، ومقام حضرة صاحب فخامة الجنرال السير ادمند اللنبى نائب جلالة مللك بريطانيا على مصر والسودان. سدد اللة خطاهم جميعا ولا حرمنا من عطاياهم التى شملت عبيدهم من رجال ريا وسكينة.اعترافا بما لهم جميعا من اياد بيضاء على اصحاب هذة السيرة . لولاها لما استطاع رجال ريا وسينة ان يقوموا بما بما قاموا بة من جلال الاعمال".  ربما هذا كلة حدث لان ثورة 1919 لم تكن ثورة بيرجوازية ديمقراطية حقيقية لكل لمواطنين، حيث تم اعدام ريا وسكينة فى دسمبر 1921 ، سنتين قبل صدور دستور 1923.                  
ربما العلامة الاولى للتحول هو انتقال مصر من مفهوم الدولة الى مفهوم الوطن بالمعنى الدستورى. فمصر بالقطع دولة لها تاريخ واسع وعميق ومتجذر فى التفاعل الحضارى مع الاخريين. ومصر الدولة تعرف بان لها اسهامات غالبة فى التاريخ الادارى والثقافى فى محيطها الجغرافى والجيوبلوتيكى  العربى والشرق اوسطى والاسيوى والافريقى.  ولكن مع التعديلات الدستورية الجديدة فى 2005 والتى ادخلت تعديل على المادة الاولى فى الدستور  تقرأ كالتالى : " جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى يقوم على اساس المواطنة ، والشعب المصرى هو جزء من الامة العربية ويعمل على تحقيق وحدتها الشاملة"،   بداء التحول الحقيقى المعرفى فى تأسيس الوجودى والمعرفى والدستورى والقانونى لمفهوم المواطنة.  فمصر الدولة العتيقة تتحول لاول مرة فى التاريخ  لصير لها الكينونة الكاملة بعد ان كانت جزء من الدولة العباسية ثم الدولة المملوكية ثم  ولاية تحت االامراطورية لعثمانية ثم اعلن استقلالها الاسمى وكن ظلت جزء من الحكم الانجليزىى للشرق الاوسط حتى نالت استقلالها كدولة بالمعنى الدولى الكامل فى 1954.  منذ ذالك الحين  ورغم اسهامات غير المنكورة لعبد الناصر فى تحديث الشعور الوطنى والقومى العربى  الا انة تم دائما تغليب منطق الاطار والمحيط القومى العربى او حتى عند السادات الشرق اوسطى او المتوسطى على منطق النواة التى هى مصر،  فتمت رؤية وتعريف مصر دائما فى اطار الخارج الاقليمى وليس الداخل المصرى.  وكانت اول  الارهاصات  نحو المواطنة كمفهوم حاضرة فى دستور 1971 عندما تم الرجوع  الى اسم جمهورية مصر العربية بديلا عن  جمهورية العربية المتحدة،  ونذكر ان المثقف الكبير حسين فوزى وقف معارضا وشدة هذا التغيير فى الاسم  ،  وبالاضافة الى اقرار الحقوق والمراكز القانونية المتساوية لكل المواطنين فى المادة 40 .  ومنذ اقرار الدستورفى صياغتة   الاولى  لم يتقدم مفهوم المواطنة،  بل على العكس تماما تراجع بشدة فى التعديل الدستورى  الاول فى 1980 ، عندما تم تعديل المادة الثانية فى الدستور الى اعتبار"  مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للدستور" . اعتمادا على هذة المادة سرى فى الوعى الشعبى  الاحساس العميق ان الدولة تتشبة بمنحى الدول الدينية فى المنطقه العربية والشرق اوسطية.  اونكسر الاجماع الشعبى بان  مصر دولة واحدة موحدة. وجرت توترات كبيرة بسبب هذا التغيير،  وسرت فى المجتمع والدولة روح تميزية واسعة النطاق،  وساعد على ذالك  تعمق الروح الاخوانية والسلفية الرافعة لالوية المتيز بين المواطنين باعتبار ذلك فضيلة يجب ان تتبع   فى بعض اركان الدولة والمجتمع الرئيسية .  وهذا الروح الشريرة لم يعان منها الاقباط بمفرادهم ،    ولكن شاركهم فى المعاناة ايضا الليبراللين وانصار القومية المصرية والعلمانيين  .  حتى جاءت ثورة 25 يناير 2011 لتؤكد   بعد حروب يثقافية ممتدة  داخل  جهاز الدولة فى النظام القديم  على استمرار التعديل على المادة الاولى لصالح اقرار المواطنة فى الاعلان الدستورى مارس 2011. وبدأ البحث القانونى فى لتأسيس القانونى  لمفهوم الوطن المصرى الذى يربط الدولة بالامة.
وتمت الدعوة الى مفهوم "المواطنة الدستورية"، كمفهوم فقهى للتأسيس التشريعى للمادة الاولى.  من ناحية القيم العامة للمواطنة  التى سوف تصاغ فى نصوص قانونية ،  يمكن القول بالقيم التالية : اولا، المواطنة هى مفهوم كلى له تجليات فى الحياه اليومية تساعد على تخفيض ألإنحيازات المسبقة عند التفاعل بين الافراد والجماعات، ثانيا، االمواطنه هى جوهر المجتمع المدنى الذى يمارس بشكل اساسى على المستوى المحلى ، ثالثا، المواطنة تمثل الهوية الدستورية للدولة،  بمعنى ان الدولة عمياء امام  ما يفرق بين المواطنين،  وان يكون اساس تمايز  بين المواطنين وضعيا وفق مسابقات عامة سواء داخل قطاع الدولة او القطاع الخاص ، رابعا، المواطنة مفهوم يساعد على التصحيح الذاتى للسلوك فى الدولة المجتمع، خامسا، المواطنة هى آلية لتوزيع الفرص، وليس آلية لتوزيع الدخل، سادسا، المواطنة هى عملية دائمة مرتبطة بالتطور المؤسسى للدولة والمجتمع، سابعا، المواطنة عملية اتصال مستمرة  بين الافراد والتجمعات والمجتمعات والجهات.  
يمكن القول بالمشروع المواد التالية لتؤسس تشريعا حاكما لنص المادة الاولى بخصوص المواطنة:
    مشروع المادة الاولى : " المواطنة هى جوهر الجماعة الوطنية المصرية والرباط الوثيق لكل من يتمتع بالجنسية المصرية"
    مشروع المادة الثانية: " كل من يقوم بسلوك او فعل تميزى عام  او الدعوة الية فى المجتمع او الدولة تعتبر من الجرائم المخلة للشرف"
    مشروع المادة الثالثة: " على كل هيئات الدولة والمجتمع العمل على الدمج بين المواطنين،  ومخالفة ذالك جنحة معاقبة بالحبس الوجوبى"
    مشروع المادة الرابعة: " للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية  عند ثبات تميز بين المواطنين ضارللامن القومى ومصالح البلاد العليا،  وان تكون لها وضعية الجرائم المتعلقة بأن الدولة"
    مشروع المادة الخامسة: " الاعمال التى تستمر فى الحفاظ على عدم التميز بين المواطنين تلقى معاملة تفضلية وفق القانون"
من هنا نبدأ  الخطوة الاولى ، ولكن لابد من عزم كبير وفاعلية اكبر من كافة هيئات المجتمع المدنى والسياسى والاهلى لتمرير هذة الصياغات فى تشريع.                                         
نعلم ان الصراع الاجتماعى فى واحد من اهم ابعادة هو الصراع على اعادة تعريف العمليات الاجتماعية . فالتعريف عملية اجتماعية ستهدف تصنيف الاشياء والافراد والجماعات والعمليات ومن خلال خلق عملية تسمية منظمة متوافق عليها مجتمعيا.  بعبارة اخرى، فالفرد او الجماعة او غيرها يتم خلق اسمة او كنيتة او لقبه من خلال خلال عملية تفاعل اجتماعى وضعى. الصراع الاجتماعى ،اذان، هو تفاعل اجتماعى  موضوعة ضعية اسماء الفئات المجتمعية ومغزاها. فى هذا السياق تعتبر المواطنة عملية تحرير من التعريفات الفؤية والطائفية الجتماعية نحو اعتماد تعريفا لا يقوم على الجنس اللغوى بل ينحو نحو التعميم اللغوى. والتعميم اللغوى هى عملية استهدافية المقصود منها بناء وعى لغوى جديد يسمح تكسير حدود التعريفات القديمة من اجل تعريف يسمح بافق اجتماعى ارحب واوسع. فالانتقال تاريخيا من العريف الطائفى الى التعريف الوطنى للمواطن كانت بالتأكيد خطوة مهولة متقدمة للغة والحضارة ، والتراجع عن هذة الخطوة يعتبر  انتكاسة يجب النظر فى اسبابها والعمل الجاد على عدم السماح بمرورها حتى ولو تراضت عليها اتجاهات فى الطائفة.  فللطائفية وجهان ، وجة داخلى ووجة خارجى . الوجة الداخلى يعتبر التعريف الطائفى اداة من ادوات الهوية الطائفية،  اما الوجة الخارجى فهو العمل على خلق  تراضى من الاغلبية المسلمة  على هذا التعريف .  لفالصراع من اجل التعمليم اللغوى كاساس للتعريف، كأن  نقول على المسيحى انة مواطن  لاغير دون اشارة الى مذهبة او دينة  بدلا من رسمة كزمى قبطى التى تضعة وتحبسة فى تصور دينى ومذهبى صارم ووبالتأكيد  فى سياق من الايحاء الشعبى بعدم المساواة،  لا  يكون صراعا  فقط ضد غلاة المتطرفين معرفيا من المسلمين، ولكن ايضا ضد غلاة المسيحين الاقباط.  فالصراع الاجتماعى حول عملية خلق التسمية هو صراع معرفى  مجتمعى بامتياز.
استراتيجية التسمية الاجتماعية فى جوهرها صراع اجتماعى ورهان على المستقبل. هذا الرهان موضوعة خلق سيناروهات للفعل الممكن، اى ان الانتقال من التعميم اللغوى الى بناء ممكنات الفعل،  هو مستوى اعمق من الصراع الاجتماعى. فالصراع الاجتماعى لتحقيق المواطنة  لة مستويين ،  اولا ، صراع  من اجل التعميم اللغوى، وثانيهما ،  صراع من اجل بناء ممكنات للفعل.   بهذا تصير للغة والفعل فى وحدة جدلية واحدة.  فتحقق المواطنة يحدث من تكامل الوجهين ، حيث يتفاعل المستويين كأنهما نظاما من مستويين. هذا لانه من غير بناء ممكنات للفعل واحتمالات لة يصبر التعميم اللغوى مجرد عملية امتصاص للازمات وجزء من الخداع العام . فى مسيحى قبطى لا يكون مواطنا لمجرد التوافق الاجتماعى على عدم تسميتة بزمى او قبطى، وهو الاسم ذات الاصل الفقى الاسلامى من العصور القديمة الذى ما زال منتشرا فى مصر، ولكن ايضا وبشكل متواتر من القدرة على تولى المناصب العامة ، اعتمادا على ان  المنصب العام  هو اساس الثقة العامة فى المجتمع والدولة. بعبارة اخرى، ان القول الذى نسمعة من بعض المشايخ المتشددين مذهبيا بان القبطى ليس لة الحق فى تولى مناصب عامة ،  هو قول مازال يتردد فى حبنات الوادى بسبب التحول المنقوص  فى مناهج التعليم والاعلام والدعاية وغيرها من مناهج فى الحياة  فى استراتيجيات التسمية ، اى الانتقال المنقوص من التسمية بالجنس اللغوى الى  التعميم اللغوى. الامر الذى يقول لنا ان الصراع حول المواطنة ليس فقط صراعا معرفيا ولكن ايضا صراع واقعيا حول الوجود القبطى فى الحياة العامة كمواطنين .
المواطنة نظاما من اعادة التسمية بيضمن عنصرا من اعادة التعريف اللغوى وعنصرا اخر متفاعلا معة مرتبط ببناء ممكنات للفعل العام. الامر الذى يقول لنا ان السلطة العامة لابد لها ان تتدخل لضمان فاعلية هذا النظام واستمرارة فاعلا وناميا عبر الزمن.  بدون التدخل الفعال من السلطة العامة سوف تتحول المطالبة بالمواطنة من قضية عامة الى  اعتبارها قضية فئوية طائفية وليست قضية مرتبطة ببناء سياسات للحداثة والعدالة والانصاف. ما نراة من تململ الجماعات الثقافية القبطية من عدم التحقق الفرد والجماعى  فى اطار المواطنة،  الذى اضحى مشاهدا بشكل متواتر فى الحياة المصرية،  لن يولد الا تحويل الطائفية الى احساس فئوى عميق ، وخاصة فى سياق تراجع الدولة امام المطالب الفئوية . عندما تتحول الطائفية الى فؤية دينية تتحول الى مذهب سياسى  ذو سنون حادة.
رابعا:
الماده الثالثه:  الدولة  الدستورية هى الاطار العام القانونى والاخلاقى الضامن للحريات والحقوق الانسانية والعامة والفردية، الدولة المصرية دولة موحده وبسيطه تعبر عن مجتمع ثقافى متعدد و يحب على هيئات الدولة المختلفه من ادارية وامنية وغيرها ان تتلائم مع تعددية المجتمع ، وللافراد الحق فى التنظيم المدنى والسياسى لحماية والحفاظ على طبيعه مدنية ديمقراطية الدوله .
شرح الماده الثالثه
الفقره الاولى: الدولة  الدستورية هى الاطار العام القانونى والاخلاقى الضامن للحريات والحقوق الانسانية والعامة والفردية
الدولة بمفهومها العام: هي الكيان القائم على عناصر ثلاثة هي الإقليم والشعب والسلطة صاحبة السيادة. أما الدستور: فهو القواعد القانونية التي تسنها السلطة التشريعية (البرلمان، المجلس الوطني، مجلس الأمة……..الخ) والذي يعد القانون الرئيس الذي يجب أن لا تتعارض معه القوانين الفرعية الأخرى.  وبمعني آخر؛ الدستور هو الوثيقة التي تنص على القواعد العامة والمبادئ الأساسية التي تحدد شكل النظام السياسي، وتحدد الحقوق والحريات العامة للمواطن، وتتعرض الى واجبات رئيس الدولة وتكوين السلطات الثلاث، فأنها أيضا ترسم وتحدد العلاقات بين الدولة والمجتمع وبين مؤسسات الدولة ، وهو قمة النظام القانوني في أي دولة ولا يتصور وجود قاعدة قانونية تسمو على الدستور وإنما العكس، بمعنى سمو الدستور على كل القواعد القانونية الأخرى. والدستور يختص بتنظيم الدولة باعتبارها المؤسسة الام لكل مؤسسات الدولة من حيث كيفية تكوينها واختصاصاتها وكيفية مباشرتها لهذه الاختصاصات وحدود وضوابط هذه الاختصاصات، كذلك علاقة السلطات داخل الدولة مع بعضها البعض، وعلاقتها بالمواطنين، إضافة إلى عنايته بحقوق المواطنين في مواجهة السلطات العامة وكيفية حماية هذه الحقوق. تطبيق الدستور والقوانين يتطلب قوة شرعية تعمل على صيانته واحترامه وكذلك احترام القوانين المتفرعة منه، ومن بين تلك القوى المؤسسات الرقابية البرلمان باعتباره هيئة تشريعية ورقابية بالإضافة إلى المؤسسة الإعلامية التي تشمل كل وسائل الإعلام (المقروء والمسموع والمرئية) ومنظمات المجتمع المدني، والتي تعمل على ملاحقة القائمين على تنفيذ القوانين وتسجيل الأخطاء التي يرتكبونها وفضحهم أمام الرأي العام والجهات المسئولة بحيث يشعر الكبير قبل الصغير بأنه تحت رقابة كاملة من جميع أفراد المجتمع والسلطات المختصة قضائياً، وبدون التنفيذ الصحيح للمواد الدستورية والرقابة الكاملة والجيدة لتلك المواد القانونية يصبح مجرد وثيقة شكلية لا يخرج من معنى الحبر على الورق. وتؤكد أغلب دساتير العالم على أهمية الفصل بين السلطات كمبدأ أساسي لا يمكن الحياد عنه فيما أذا أراد المتصدون لبناء دولة القانون على أساس مؤسساتي ديمقراطي يخدم المجتمع، ولا يسمح للفرد بالتسلط والتفرد باتخاذ القرار والانقلاب على شرعية الحكم، وهذا المبدأ يجعل للقضاء هيبة وسطوة ويضع الجميع تحت طائلة القانون.
فى هذا السياق تأتى سيادة القانون تعني أن القاعدة القانونية تأتى فوق إرادات الإفراد جميعا حاكمين أو محكومين وتلزمهم جميعا باتباع أحكامها، فان لم يلتزموا – خاصة الحكام – بالقاعدة القانونية انقلب تصرفهم المخالف للقانون إلى تصرف باطل وغير قانوني، وتكمن أهمية سيادة القانون فيما يلي:
1. لدستورية الدولة وسيادة القانون وسلطة القضاء أهمية اجتماعية وإنسانية ملحة لأن الدولة الحديثة والديموقراطية تتدخل في تنظيم تفاصيل الحياة اليومية لصالح مواطنيها والتي تتمثل بالخدمات بكافة أشكالها وصورها بحكم دورها في تسيير شؤون الدولة والمجتمع طبقا للقوانين والسياسات التي تعهدت بها الأحزاب المشكلة للسلطة سواء في البرلمان أو الحكومة، وفي حال تخلي الدولة عن مسئولياتها في تنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والخدمية للمجتمع، فستحل الفوضى محل النظام وبذلك تضيع حقوق الأفراد وبخاصة الضعفاء منهم، وهو الحال الذي يعاني منه المجتمع في الدول ذات النظم الاستبدادية والتي لا تحترم القوانين ولا الأنظمة ولا تراعي مبدأ الفصل بين السلطات، إذ تجعل السلطة التنفيذية أو الحاكمة هي أعلى سلطة في المجتمع.
2. كما إنها ضرورة عصرية  لأنها تحمي مصالح المجتمع  ، التى تحتوى بشكل مؤكد على الحقوق والحريات  الانسانية والعامة والفردية، بصورة دائمة. والحريات الأساسية  لكل فرد هى خمس ، وهى: 1- حرية المعتقد والدين، 2- حرية الفكر والإيمان والرأي والتعبير، بما في ذلك حرية الصحافة وغيرها من وسائل الاتصال، 3- حرية التجمع السلمي، 4- حرية تكوين الجمعيات، 5- الحقوق الديمقراطية للمواطنين.   الحقوق الحريات مصالح لا يمكن المحافظة عليها وتنميتها إلا اذا ساد القانون واستقل القضاء، وهذا ما تعمل عليه أنظمة البلدان المتقدمة في العالم، في جعل القضاء هو صاحب الفصل والكلمة الأخيرة في جميع النزاعات سواء تلك التي تحدث بين الأفراد أنفسهم أم تلك التي تحدث بين الأفراد والحكومة.
3. أما بالنسبة لأهميتها في الحفاظ على الموارد المالية ففي دولة القانون يتم الإعلان عن تلك الموارد بكل دقة ووضوح، حيث يتم التعرف على ميزانية الدولة لكل سنة عن طريق عرضها أمام وسائل الإعلام وتفصيل كيفية صرف تلك الميزانية والمشاريع التي تستثمر فيها كي يتسنى للمواطن معرفة ثرواته المالية، وهذا من شأنه أن يحد وبصورة كبيرة من تلاعب السلطة الحاكمة أو من يرتبط بها بالإثراء على حساب أموال وموارد الدولة وبالتالي يتم الحفاظ على الأموال العامة.
4. وفي دولة القانون أيضاً تنتفي حاجة المواطن لصاحب النفوذ أو السياسي أو المسؤول في الحكومة لأنه سوف يحصل على حقه سواء كان على علاقة بأحد المسؤولين أو المتنفذين في دوائر الدولة ومؤسساتها أم لا، كون الجميع سواسية أمام سلطة القانون، وهذا ما نشاهده في الدول المستقرة دستورياً وقانونياً والتي تحترم مجريات القانون والعدالة ولا تتدخل في شؤون القضاء، وبذلك يصبح السياسي هو صاحب الحاجة لأفراد المجتمع في عرض خدماته عليهم من اجل جني أصواتهم التي تصل به الى أهدافه السياسية دون حاجة المواطن إليه باعتبار إن حق المواطن مكفول دستوريا وقانونياً.
الأنظمة الدستورية ليست مجرد نصوص في وثائق، بل لابد أن تحظى تلك النصوص بالاحترام من قبل الجميع، فالكثير من الدول المستبدة يوجد لديها دساتير ذات صياغة قانونية جديرة بالاحترام فهي تتكلم عن حقوق الإنسان وحرياته علي نحو رائع، ومع ذلك فلا صلة لهذه الدساتير بالواقع الذي يعيشه الناس من قهر واستبداد ومصادرة للحريات.   كذلك لا توجد أية صلة بين تلك الدساتير وما يحدث من انقلابات عسكرية يتم من خلالها الاستيلاء على السلطة والحكم والتربع على كرسي الرئاسة والتمسك به على حساب افتقار الشعب وممارسة الاستبداد ضده في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والفكرية.   والأنظمة الدستورية هي في جوهرها إيمان بدولة المؤسسات وإنهاء مفهوم دولة الفرد وإيمان بان السلطة يمارسها أشخاص معينون وفقا لقواعد معينة وان هؤلاء الأشخاص ان خرجوا على القواعد القانونية المنظمة لاختصاصهم فقد خرجوا على مبدأ المشروعية، وهذا هو معنى بمبدأ المشروعية وسيادة القانون، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بفكرة دولة المؤسسات وفكرة الاختصاصات الذي يحدده القانون.  وكثيراً ما ترد الإشارة إلى دولة القانون والمؤسسات والتي تعني تلك الدولة التي تنشأ السلطات فيها وفقا لقواعد قانونية تحدد كيفية إسناد السلطة إلى فرد أو أفراد معينين، ثم تحدد القواعد القانونية بعد ذلك اختصاصات كل فرد أو مجموعة من الإفراد أو وجهة من الجهات أو هيئة من الهيئات تحديدا واضحا بحيث يكون التصرف داخل هذه الاختصاصات قانونيا ومشروعا ويكون التصرف خارج هذه الاختصاصات غير قانونية وغير مشروع.
بعبارة محددة، لا توجد في الحكومات البشرية سوى قوتين رابطتين،  قوة السلاح وقوة القوانين، فإذا لم يتول قوة القوانين قضاة فوق الخوف وفوق كل ملامة فأن قوة السلاح هي التي ستسود حتما وبذلك تؤدي إلى سيطرة النظم العسكرية على المدنية.  استقلال القضاء يعني أنه لا سلطان لأحد أياً كان على القضاء سوى مقتضيات العدالة، وحينما نريد الحديث عن دولة المؤسسات وعن مبدأ سيادة القانون وعن المشروعية في دولة لا يوجد فيها قضاء مستقل يصبح هذا الحديث مجرد لغو أو شيء من العبث.  ومن المؤكد أن وجود سلطة قضائية مستقلة تتيح للفرد مقاضاة السلطات العامة في أي تصرف مخالف للقانون، يعني قيام دولة القانون كما يعني حماية حقوق المواطن وحريته ويحول دون قيام نظام دكتاتوري أو لجوء الناس إلى اخذ حقوقهم بأيديهم، بحيث توجد القناعة التامة بسيادة القانون والإيمان بدستورية الدولة، فان السلطة القضائية المستقلة تأتى نتيجة طبيعية، أما عندما يختفي مبدأ الفصل بين السلطات أوعندما لا يكون هناك إيمان بمبدأ سيادة القانون، فانه لا يمكن تصور وجود سلطة قضائية مستقلة في مواجهة من يتربع على عرش السلطة التنفيذية.   كذلك فان الدولة الحديثة تقوم على نوع من التوازن بين السلطات المختلفة داخل الدولة، هذا التوازن يقتضي أن تستقل كل سلطة عن الأخرى وان تحد كل سلطة من جموح السلطات الأخرى عندما يحدث ذلك، ومن هنا قيل إن استغلال السلطة القضائية هو فرع من مبدأ الفصل بين السلطات.
 مقتضى مبدأ المشروعية وسيادة القانون والعمل على تنفيذه يتم من خلال وجود سلطة قضائية مستقلة، فوجودها يعني وجود ضمانة قوية لسلامة تطبيق القانون بحيادية وموضوعية في جميع المنازعات، سواء كانت تلك المنازعات بين الافراد أو كانت بين الإفراد وبعض أجهزة الدولة ومؤسساتها، وحيث ان مبدأ الفصل بين السلطات يعد من ابرز سمات الدول الديمقراطية إلا أن هناك تداخل كبير بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في معظم الدول الديمقراطية، لأن الاولى تأتي عن طريق الانتخابات والثانية تأتي منبثقة من الاولى عن طريق الاغلبية النيابية بحيث يكون لكل واحدة منها تأثير واضح بقرارات الأخرى، وهذا ما يلاحظ على التوصيات التي تأتي من قبل الحكومة الى البرلمان ليتم صياغتها على شكل قوانين، فيكون للسياسة اثر واضح وكبير على هاتين السلطتين بعكس السلطة القضائية التي يجب ان تتصرف بحيادية ومهنية واستقلال تام.  وقيام سلطة قضائية مستقلة في الدولة من المبادئ التي كرستها معظم المواثيق و الاتفاقات الدولية و منها قرارا الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم(40/32) في 29/تشرين الثاني/1985 و (40/146) في 29/كانون الثاني /1985 الذي أورد المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية و السبل التي تؤدي إلى هذا الاستقلال.
الفقره الثانية:   الدولة المصرية دولة موحده وبسيطه تعبر عن مجتمع ثقافى متعدد ، يحب على هيئات الدولة المختلفه من ادارية وامنية وغيرها  ان تتلائم مع تعددية المجتمع
الدولة دولة بسيطه موحده تحتوى على مجتمع متعدد.  القم الوطنية والمواطنه هى حامية الدولة من التفتت والانقسام . أفالاعتراف  بالتعددية الثقافيةللبلاد   وضمان حقوق لغات الأقليات الأخرى لا تعنى تحت اى ظرف اى حال الاندفاع او العمل من اجل تقسيم البلاد سياسيا واقتصاديا او اجتماعيا .  فالتعددية الثقافية لا تعنى الا الانتشار الثقافى  والغوى بين الافراد وفى انحاء البلاد . اللغه العربية هى السائده فى ادارات الدولة الا ان كل من الثقافات اللغوية الاخرى ان تمارس حريتها فى التعبير عن ثقافتها مع احترام اللغة العربية. الثقافة اللغوية هو تعبير مرتبط  اساسا بالثقافات اللغوية المحلية او الجهوية او الدينية وليس باللغات الدولية.  بهذا يصير الدستور رمزاً لكل وعنواناً  لكل المصريين ولهويتهم كمجتمع يتساوى فيه الجميع ومتشاركين  فى بمجموعة من القيم الأساسية المرتكزة اساسا وجوهريا على الحرية،  وبالتالي يعرف المصرى بانة من يعرف نفسه بالانتماء إلى هذه القيم المشتركة  من الحرية والمساواة وبالاعتزاز بتعددية الثقافية اللغوية فى اطار الوطن الواحد غير المنقسم. فى هذا السياق من حق كل مواطن مصرى الحق بالدخول إلى، والبقاء في، والخروج من مصر. ويضا حقوق الانتقال وكسب الرزق والاقامة فى اى محل قانونى مختار. والحق فى التشكيل الاجتماعى لجماعتة الصغيره وتنميتها فى طار المصالح المشتركة والقيم العامة.   الحق فى تلقى الخدمات العامة من الدولة دون تميز او تفرقة باى شكل او على اى اساس. لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمان على شخصه والحق في عدم حرمانه من اى من هذه الحقوق الا بحكم قضائى نهائى . لكل فرد الحق في أن يكون آمناً من أي تفتيش أو حجز غير موضوعي. لكل فرد الحق أن لا يُوقَـَف أو يسجن تعسفياً.  لكل فرد الحق في حالة التوقيف او الاعتقال : 1- أن يُبلـَّغ فوراً عن أسباب هذا الاعتقال أو التوقيف،  2- أن يعيـِّنَ أو يعلِمَ محام دون إبطاء وأن يُحاط علماً بهذا الحق، 3- أن يكون اعتقاله مبنياً على امر قضائى  وأن يُفرَج عنه في حال كان الاعتقال غير قانوني. هذا فى طار العمل على  عدم التشهير والحرص على وضوح العملية  الاجرائيه . كل فرد متساوي أمام وبموجب القانون ، وله الحق في حماية قانونية متساوية، والمساواة في الاستفادة من القانون دون تمييز، وعلى وجه الخصوص، دون تمييز على أساس العرق أو الأصل القومي أو الإثني أو اللون أو الدين أو الجنس أو السن أو الإعاقة الذهنية أو الجسدية.  الدولة لا تعترف بان هناك اقليات من اى نوع الا الاقليتة السياسية فى البرلمان. فكل مواطن ان يعبر عن نفسة باى كيفية حتى ولكانت يعرف بانها خاصة بجماعة ثقافية لغوية معينه. يجب تفسير الدستور  بطريقه تتماشى مع حفظ وتعزيز التراث التعددي الثقافي للمصريين. والحقوق والحريات  العامة والخاصة متساوية بي الذكور والاناث  ويعاقب باعتبارها جناية من يعمل او سعى باى شكل او وسيلة على تغيير هذه الحقيقة او المداء العام. ليس هناك فى هذا الدستور تعليم  اساسى،  والذى  يمتد خمسة عشر الاولى من حياه الفرد،  طائفى  او مذهبى لاى دين او عقيده. عقيده الدولة الاولى والساسية هى تعليم اساسى كل مواطن وتوفير مناخ صحى  كل مواطن ، وتأهيل كل مواطن للعمل، وتوفير الامن العام كل مواطن ، خلق البيئة المؤسسية والثقافية لتنمية الديمقراطية.
الفقره الثالثه : وللافراد الحق فى التنظيم المدنى والسياسى لحماية والحفاظ على طبيعه مدنية ديمقراطية الدوله
واحد من منجزات الكبرى لثورة 25 يناير 2011 الملحوظ لقدرة الافراد على التنظيم والتجمع. لابد ان يحمل الدستور الليبرالى هذه الروح ويحافظ عليها وينميها. منجزات ثوره 25 يناير 2011 تتوائم بكل عظيم وحاسم مع مفهوم الحوكمه  الذى يرد الاعتبار للفرد الفاعل والذى ابدعه برنامج الانمائى للامم المتحده: "ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شئون الدولة على كافة المستويات من خلال آليات وعمليات ومؤسسات تمكن الأفراد والجماعات من تحقيق مصالحها".  كما أن تقرير التنمية الإنسانية العربية يعرف المفهوم من منظور تنموي بأنه "الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان، ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،لاسيما بالنسبة لأكثر أفراد المجتمع فقرا وتهميشا". نلاحظ من هذين التعريفين – الأممي والإقليمي – تركيز المفهوم على حماية دور الأفراد فى المشاركة الفعلية فى إدارة شؤونهم بحيث يتحول الفرد من (متفرج) إلى (صانع حقيقي) يشعر بكينونته وذاته من خلال توفير آليات عدة لممارسة دوره فى التقييم والمساءلة.
إن هذه الحوكمة تحتاج إلى عدة آليات للتحقق على أرض الواقع نستعرضها فيمل يلي:
•    أولاً: امتلاك رؤية واضحة: ولعل المؤسف هنا أن معظم الجماعات الموجودة لم تسع لبناء رؤية واضحة تعبر عن توجهاتها المستقبلية وتسهم فى تشكيل أهدافها الإجرائية وخطط عملها وتكون معلومة للقادة والأفراد سواء بسواء، فوجود هذه الرؤية يمنع الكيان الجماعي من الانحراف عن مساره الموضوع لصالح تشعبات ليست ذات قيمة وتؤدى إلى تشتت الجهود وبعثرتها.
•    ثانياً: المشاركة: وهى ركيزة أساسية للحكم الجيد، ويجب أن تتحول المشاركة من مجرد شعارات إلى آليات واضحة ومعلومة تمكن الفرد من التعبير عن رأيه الذى يراه هو لا الذي تريده القيادة، إذ إن حرية التعبير تعتبر من ألصق علامات مدنية التنظيم وعدم عسكرته، كما أن المشاركة تمتد إلى عملية صنع القرار ذاتها. فمن غير المعقول أن تدار الكيانات الكبرى بطريقة مركزية أو شبه مركزية حتى الآن عبر تراتبية تنظيمية تتدرج من خلالها القرارات من أعلى إلى أسفل حتى إن الكيانات الفرعية قد تقف مكتوفة الأيدي مشلولة الحركة لأنها لا تمتلك القدرة على اتخاذ أبسط القرارات.
•    ثالثاُ: الشفافية: وتعنى أن صناعة القرارات وتنفيذها تجرى وفق قواعد ولوائح معروفة سلفاً حماية للقرار من التقلبات المزاجية أو تطاحن الأهواء. وتعنى أيضا أن المعلومات متاحة ويمكن أن تصل مباشرة إلى أولئك المتأثرين بهذه القرارات وتنفيذها. وتعنى كذلك إتاحة معلومات كافية بأشكال مفهومة، وإذا كان حجب المعلومات كان له ما يبرره فى أزمنة سابقة بسبب الملاحقات الأمنية فإنني أظن أن ثورة يناير تحتاج إلى تغيير كثير من هذه المفاهيم.
•    رابعاً: المساءلة (Accountability ): وتعتبر من أخص خصائص الحكم الرشيد والتي تفتح الباب واسعاً لتمكين الفرد داخل جماعته وبشكل عام فإن أي منظمة أو مؤسسة يجب أن تخضع لمحاسبة أولئك المتأثرين بقراراتها أو أفعالها. والمحاسبة لا يمكن أن تكون سارية بدون شفافية وحكم القانون. فإذا كانت بعض الكيانات تتدخل الآن فى اختيارات أفرادها وتوجهاتهم كما رأينا من حظر من بعض الكيانات سواء علنياً أم سرياً على أفرادها من الانضمام لأي حزب من الأحزاب السياسية إلا الحزب المنبثق عن الكيان أليس من حق "الفرد" هنا أن يمارس حقه فى المساءلة مقابل هذا الجزء من حريته الذي تخلى عنه طواعية.
والمساءلة المشار إليها يجب أن تتم وفق نظام محكم لضمان عدم شكليتها وذلك عبر تقييم "الفرد" الدائم لأداء جماعته وفق معايير منضبطة. تحميه من الانبطاح والتمرد فى آن واحد كما أنها تشعره بأنه "المالك" الفعلي للكيان الذي يعمل من خلاله وليس مجرد "رقم" في منظومة أرقام طويلة وقد شارك كاتب هذه السطور فى تجربة لحوكمة بعض المدارس الابتدائية برعاية البنك الدولي وذلك عبر جذب أولياء الأمور لممارسة حقوقهم فى مساءلة جهة الإدارة المدرسية وتقييمها والمشاركة فى تحسين أوجه القصور؛ فكانت النتائج المنعكسة على الشعور الداخلي لأولياء الأمور رائعة إذ شعروا حينها أنهم الملاك الحقيقيون لتلك المؤسسة وليسوا مجرد متلقين للخدمة وفقط. وهذا المأمول حين يمكن "الفرد" من مساءلة المستويات الإدارية الأعلى.
•    خامساً: المساواة: فصلاح هذه الكيانات يعتمد على ضمان شعور كل أعضائها بأن لهم حظاً من المشاركة فيه ولا يشعر فيها الفرد بالإقصاء لمجرد التعبير عن رأيه أو محاولته الاجتهاد في المسائل الاجتهادية التي صارت من المسلمات وهى ليست كذلك. كما أن المساواة تقتضى أن يمكن الفرد من الارتقاء داخل السلم التنظيمي وفق آليات معروفة تخضع لمعايير موضوعية منضبطة بعيداً عن اختيارات البشر وأهوائهم والتي قد تفتح مجال الترقي واسعاً أمام أهل الثقة على حساب أهل الكفاءة.
•    سادساً: الفاعلية: ونعنى بها أن تتوافق مخرجات العمليات الدعوية والتربوية والعلمية والإدارية مع مجمل طموحات الفرد وآماله. فالتنمية المستدامة حق أصيل للفرد على "جماعته".
كما أن ثورة يناير فرضت تحدياً آخر نحو معالجة تغول "الجماعة" على حساب "الفرد" بما له من آثار كارثية على القدرات الإبداعية الابتكارية وذلك من خلال تأسيس علاقة جديدة بين الطرفين قوم على التمكين لهذا الفرد.
فقضلا عن ان مفهوم الدفاع الفردى عن الدولة المدنية الديمقراطية  يتوائم من ناحية اخرى مع مفهوم مقاصد الشريعه والتى هى خمسة  مقاصد الضرورية ، كما حددها الإمام الشاطبي تجعل الإسلام دولة مدنية خالصة، بعبارة اخرى، ذات مرجعية مدنية. المقصد الأول  هو الدفاع عن الحياة من حيث هي حياة، دون تمييز بين دم المسلم ودم القبطي ضد كل أسباب الموت، المرض والجوع والعري. فالاعتداء على الأقباط محرم شرعاً. حياتهم وأعراضهم وصلبانهم وكنائسهم يحميها القانون والدستور وليس فقط الشريعة. وكما فعل عمر وهو في طريقه إلى "إيلياء" القدس وعندما صلى على باب الكنيسة وليس في داخله احتراماً للنصارى. والمقصد الثاني الدفاع عن العقل، عقل المواطن دون تمييز بين مسلم وقبطي، ضد الجهل والأمية والخرافة والأسطورة. لا فرق بين مدارس أزهرية ومدارس للراهبات. التعليم العام والتعليم الخاص. التعليم وطني، حق الجميع على الدولة، تعليم مجاني كالماء والهواء. والمقصد الثالث الدفاع عن الدين ويعني القيم والأخلاق التي تشترك فيها الديانات جميعاً مثل الحرية والعدل والأمانة والصدق والأخوة والوفاء والمحبة والتواضع والتضحية. وهي الأخلاق التي يتربى عليها المواطن دون تمييز بين مسلمين في دروس الدين الإسلامي وأقباط في دروس الدين المسيحي. ليس الدين ما يختلف عليه اللاهوتيون، بل ما يتفق عليه الناس، نابعاً من الفطرة ومتفقاً مع الطبيعة. والمقصد الرابع العرض أي الكرامة واحترام الآخرين، كرامة المواطن وحرمته بصرف النظر عن دينه أو طائفته، عرقه أو قبيلته. والمقصد الخامس الثروة الوطنية أو المال وليس سلباً من أموال طائفة لأخرى أو إحصاء ماذا يملك المسلمون وماذا يملك الأقباط في الثروة.
خامسا:
الماده الرابعه: المنفعه الاجتماعية الدستورية هى المصحح للسياسات العامة الدولة، الضرائب  فى الدولة محدده وفق القانون ومتدرجه اجتماعيا واجماليه ، القاعده العامه لا يجوز السماح  بعجز فى االميزانية  العامه . (ثلاث فقرات)
الفقره الاولى: المنفعه الاجتماعية الدستورية هى المصحح للسياسات العامة الدولة
في إطار الحوار الدائر حول القضايا الاجتماعية ألاقتصاديه الدستورية نواجه معضلة الحديث حول الثمن الاجتماعي للإعمال سواء قامت بها شركات عامه او خاصة.  وعنصري المعضلة هما: أولا: تشابك مفاهيم نفقة الملكية الخاصة مع نفقة الاداره ، ونفقه الاداره هى النفقة التي تتحملها بيئة قطاع الإعمال الخاص أو العام في سبيل تحسين ظروف التفاعل الاجتماعي مع العناصر السياسية والثقافية في المجتمع . وهو ما أطلق عليه العنصر الأول من النفقة الاجتماعية الدستورية .العنصر الثانى  يتعلق بالعنصر الثاني للنفقة الاجتماعية الدستورية وهو الخاص بحقوق التنظيمية للعمل والعمال والمستهلكين. وهذه الحقوق التي ليست واضحة في الدستور1971   حيث أنها مصاغه بشكل شبه ماركسي حيث تكثر فيها استخدام  عبارة رأس المال غير المستغل. والاشكاليه هي  ضيق احتواء العنصر الأول وعدم وضوح العنصر الثاني. وتنبع الإشكالية  ان عمليه إصلاح التى تمر بها مصر غير واضح فيها كيف تتفاعل العناصر ألمفهوميه للإصلاح  من اقتصاد وأداره  مع تلك الخاصة بالسياسية او الثقافية. والأرجح في ظني أنه ليس هناك صياغة محدده لإصلاح هذه العناصر الثلاثة فى ضوء بعضها البعض. على إيه حال مفهوم عام للنفقة الاجتماعية الدستورية لما يساهم هذا به من وضع صياغات اوليه لربط العناصر الثلاثة بعضها مع بعض .  ثلاث قضايا تثار عند الحديث حول هذين العنصرين: أولها:   هل يصاغ أصلاح المسائل ألاقتصاديه الاجتماعية في إطار الحقوق أم في إطار الواجبات الدستورية؟ فى اعتقادي انه فى سبيل النهضة الإصلاح والازدهار الاقتصادي فمن الأصلح إن تتم صياغة هذه القضايا في إطار الواجبات الدستوريه وليس الحقوق الدستوريه. وهذا القول يعتمد على ثلاث اعتبارات: 1- إن الثقافة السياسية والدستورية  المصرية قدمت لأسباب تاريخية اجتماعيه مفهوم الحقوق على الواجبات في العملية ألانتاجيه،  بل قيدت واجب العمل بشكل كبير بحيث أصبح في كثير من الأحيان يمكن للعامل إن تحصل على حقوق ليست متناسبة لما قدمه الفرد من واجبات .  فنلاحظ فى دستور1971 وتعديلاته  الفصل في النص الدستوري بين الحقوق والواجبات، فالدستور المصري في الباب الثالث يشمل على 23 مادة من المادة 40 إلى المادة  63 .  من هذه المواد 23  هناك فقط 6 مواد فقط تتحدث عن واجبات عامه و17 مادة تتحدث عن حقوق عامه. فى هذه الصياغة الليبرالية يتم الربط بين بين الحقوق والواجبات فى اطار مفهوم النفقه الاجتماعية    2- يفرق لدستور1971  بشكل عام بين مفهومين ، أولهما مقومات المقومات الاجتماعية والخلقية والاقتصادية.  وهى المقومات التى تأتى  من المادة 7 حتى المادة 39،  وثانيهما والحقوق والواجبات هذا بدون توضيح حيث تختلف الحقوق والواجبات عن المقومات. إلا إن النظرة الفاحصة توضح إن ما يطلق عليه مقومات هو في الواقع يعمل عمل الحقوق. 3- حتى عندما يشر هذا الدستور في المادة 13 إلى إن العمل حق وواجب وشرف تكفله ألدوله،  يأخذ الواجب  وفق السياق معنى الحق. وهذا خلط واضح فى المعنى والهوية المفهومية حيث  تصبح ألدوله وفق هذا الدستور لها معنى ألدوله الراعية والتي ترعى المواطنين حتى في إطار واجباتهم. هكذا تمد ألدوله ظلها الحمائى البيروقراطي على المواطنين. الامر الذى يشجع الكثير من المواطنين على انتهاج سلوك التكاسل على العمل طالما الحق قائم وغير مرتبط بالعمل.   وهذا مختلف عن مفهوم اخر للدولة الليبرالية وهى الدوله ألقائمه على عقد مسؤولية وشراكه بين مواطنين في إطار السوق والقانون تتوازن فيه الحقوق والواجبات. وهذا المفهوم هو الذى يسعى ترسيخة دستوريا.  ثانيا،  مفهوم النفقة الاجتماعية الدستورية يعنى بالتحديد إن هناك نفقه للبيئة الخارجية للعمل ورأس المال والتي يجب إن تؤخذ الاعتبار عند كتابة الدستور الجديد. نركز على ثلاث أنواع من النفقات: اولا، نفقة رأس المال وناتجه الربح، وثانيا، نفقه الإدارة،  ثالثها، ناتجها بنسبه للناتج العام للمنشأة ألاقتصاديه،   تحدد النفقة الاجتماعية الدستورية كنسبه  من الناتج الكلى لقطاع الإعمال بجناحيه الخاص والعام. يمكن تحديد عناصر النفقة الاجتماعية الدستورية في إطار ما يقوم به  قطاع الإعمال من تغيير مضر للبيئة الاجتماعية العامة كاثر لسلوك هذا القطاع في الدفع بالتحديث والتجديد وأعاده هيكله قطاعات الإنتاج. ونسطعيض بهذا عن مفهوم رأس المال المستغل،  وهو المفهوم الموروث من عهد اشتراكيه ألدوله التي خلقها عبد الناصر.  ولتطبيق مفهوم النفقه الاجتماعيه الدستوريه يتطلب إجراء حسابات ومصفوفات محاسبيه واقتصادية للآثار الجانبية للإصلاح بصفه عامه. وبعد تحديد الاجمالى الذي على هذا القطاع إن يدفعه يتم تقسم الدفع كنسبه تصاعدية من حجم اجمالى الضرر الذي يخلفه النشاط بالنسبة لكل شركه. هذا ويفرد له بند خاص بالميزانية العامه،  على إن يستخدم كوسيلة للتعويض الاجتماعي. ثالثا، في هذا السياق يتم حذف كل ما هو متعلق بمفهوم الرأسمال المستغل واستبداله بمفهوم النفقة الاجتماعية الدستورية. والأثر المباشر لهذا الاستبدال هو فى استعاده الثقة المفقودة بين رجال الإعمال والجمهور العام. حيث إن هذا المنطق من الحسابات العامة سيرتبط في المقام الأول بزيادة الدور الاجتماعي لرجال الإعمال ونقلها من خانة المشاعر الاجتماعية والأخلاقية إلى خانه المسؤولية الدستورية. كما  سوف تحسن من ألنزعه التسويقية لمنتجات هؤلاء الرجال الإعمال والشركات العامة  حيث يجعلهم مسؤلين عن اثار السلوك الاستهلاكي لمنتجاتهم. الأمر الذي سيدفع في سبيل تحسين الجودة  للمنتج المصري بصفه عامة.  
الفقره الثانية:  الضرائب مباشره او غير مباشرة فى الدولة محدده وفق القانون ومتدرجه اجتماعيا واجماليه،
لاشـك أن الضرائب تشكل أهم مصادر الإيرادات في الميزانية العامة و التي غالبا ما تخصص لتغطية أوجه الاتفـاق المتزايدة و الوفاء بـمقتضيات السياسات الـمالية الحكومية في الـمجالات الاقتصادية و الاجتماعية. وهى اجب مالى  تقتطعها الدولة أو من ينوب عنها من أشخاص العامة أو الأفراد  اصلا بصفة نـهائية طبقا للمقدرة التكليفية للشخص و تستخدمها لتغطية النفقات العامة و الوفاء بمقتضيات السياسة المالية العامة للدولة.   يرتبط فرض الضرائب باعتبارها التزاما نقديا وواعيا  ا بمدى  تقدم الخدمات العامه للدولة المدنية الديمقراطية.   كما رتبط ارتباطا  وثيقا بالتدفقات النقدية والعينية التي تتضمنها القضاعات الاقتصادية فى الـمجتمع المعاصر. وتنقسم  الضرائب  بين ضرائب المباشرة وضرائب غير المباشرة،  حيث تشير الاولى وتفرض  علي المكلف بصفته كشخص أو كيان ، وتشمل هذه الضرائب علي وجه الخصوص دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة علي الشركات. في حين تفرض  الضرائب غير المباشرة  علي المعاملات ، وليس علي الأشخاص، حيث تفرض علي اقتناء السلع والخدمات دون النظر إلي المستفيد من المعاملة، وتشمل علي وجه الخصوص ضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات والضرائب الانتقائية.    عدالة النظام الضريبي في الدولة المدنية الديمقراطية مرتيطه وجودا وعدما مع ما تقدمه الددولة او يستفيد منه كل فرد من خدمات سياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها . فى هذا السياق لابد ان  تكون الضرائب غير المباشرة اكبر فى النسبة لكل مستقيد من الضرائب المباشره . والمقترح ان يكون الفارق  كحد ادنى  ثلاثه الى واحد  لكل  مستفيد.   ويأتى  هذا لتزاما من كون الدولة المدنية الديمقراطية هى دولة الخير العام كل المواطنين ، بعبارة اخرى، يجب ان يكون الضرائب المباشرة الاقل من إجمالي الإيرادات الضريبية فى الدولة . يتم تعامل مع النفقه الاجتماعية الدستورية كضريبة.
الفقره الثالثه : القاعده العامه لا يجوز السماح بعجز فى الميزانية العامه .
بشكل عام لا تنمو الدولة المدنية الديمقراطية بشكل صحيح،  لصالح كل المواطنين ، اذا كانت تعانى عجزا هيكليلا فى الميزانية العامة. ويقصد بالعجز الهيكلى عدم مرونه  التخصيص المالى بشكل مستمر ،  خلال خمس سنوات متتالية ،  لبنود الانفاق العام.  بعبارة اخرى، لا يتم التمويل بالعجز الا فى سياق محدد ومن خلال خطه محدده  بجدول زمنى بحيث نعرف     كيف يتم استعاده الاتزان وتحقيق الوفره العامه مره اخرى. الميزانية فى نهاية الامر،  كما انها وثيقه اقتصادية تعكس نبئ بحال الدولة اقتصاديا وماليا، هى ايضا وثيقه سياسية تعبر عن منهجية اتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية فى الدولة بشكل عام . قرارات التوزيع المالى والاقتصادى تعكس فى الاصل قرارات سياسية تفضيلية فى التوجه الاجتماعى والسياسى للسياسات العامة.  فى هذا الصدد لابد من وجود خطه اقتصادية ومالية  للتفضيلات السياسية والاجتماعية خلال خمس سنوات.  فى قول اخر ، هذا المعنى للخطه لا ينصرف باى معنى الى منطق شمولى مركزى للدولة ، ولكن ينصرف الى معنى الحرص الى اتزان الموازنه العامه وتحقيق الوفره  فى نهاية  فترة الخمس سنوات. وتم الجوء الى هذا الاعتبار لكثرة المتغيرات الخارجية غير المسيطر عليها لاعتبار مصر دوله اخذه فى النمو ومحدوده فى الموارد الطبيعية وذات حجم سكانى كبير ومتزايد.
سادسا:
الماده الخامسة:  الاحترافية السياسية و التافس الحزبى  وتداول السلطه اساس الجماعة السياسية الى يولد منها جماعة الحكم السياسية ، الاحزاب الساسية تساهم فى صنع ومراقبة تنفيذ السياسات العامة ، لجماعات المصالح والضغط  دور مرشد ومصحح فى سياسات العامه، كما ان لافراد والجماعات مسؤلية سياسية دستورية. (أربع فقرات)
الفقرة الأولى: الاحترافية السياسية و التافس الحزبى  وتداول السلطه اساس الجماعه السياسية التى يتولد منها  جماعة الحكم السياسية
تعتبر الاحترافية السياسية، فى اطار الدولة مسؤله ادارة بشؤون الدولة و المجردة من روحها الشعبية و التلقائية.  اما اذا كانت منشغلة بتنمية الديمقراطية فهى تكون مهتمه بتحسين عمليات التمثيل السياسي يواء من ناحية مخرجات التمثيل السياسي او مدخلاته .  الاحترافية السياسية تؤكد ومؤشر حاسم لفاعلية النظام السياسي  من حيث ارتباط  القوى السياسية بجماهيرها، وأو التأكيد على  مدى انبثاقها من هذه الجماهير من بحيث قدرتها على تمثل الوحده الاساسية الانتخابية لها ، كما  ثالثا تتيح اثبات مدى ارتباط قادة و زعماء هذه الجماهير بما تمثله من قوى جماهيرية وانتخابية.  كان النظام السياسي قبل 1952 يقوم على منطق الاحترافية السياسية ، وبالتالى كان  من اهم اهدام سلطه  52 هو القضاء على هذه العلاقة المحورية فى النظام السياسي اليرالى لما لما يساهم به القضاء من خلق فرضة فرصه بنائية السياسية لاسكات اصوات الوكلاء الاجتماعيين سياسيين بين عموم الطبقات والفئات والقوى المصرية . فى قول اخر، تقود احترافية السياسة إلى نشوء طاقم سياسي متخصص يتذرع بخبرته الخاصة ليبرر مكانته كنخبة والتحكم الذي يمارسه على إدارة الأحزاب السياسية.  الاحترافية السياسية هى اساس التمثيل الديمقراطي.  ولا يحدث تمثيل دمقراطى الا من خلال بناء ميكازمات انشاء جماعة سياسية قادرة على ادارة الاختلاف والتوافق بين مكونات النظام السياسي. فنظام سياسى بدون مستوى الجماعة السياسية هو نظام سياسى قائم على السلططوية والطغيان السياسيين.  
يعرف فقهاء الاسلاميين المحدثين الجماعة السياسية بأنها "…مجموعة من البشر تتحدد بوصف لصيق يشملها ويميزها عن غيرها من المجموعات، وهي مرشحة لأن تقوم على أساسها الدولة، وإذا كانت المواطنة هي صفة الفرد الذي ينتمي إلى جماعة سياسية قامت على أساسها الدول، وبحسبان أن المواطن هو الطرف المقابل للدولة، فقد وجب النظر في مدى ما تنتجه المواطنة للمندرجين في وصفها من حقوق متساوية".  من الواضح أن هذا التعريف يربط بشكل تلقائي بين مفهوم الجماعة عموما ومفهوم الجماعة السياسية، فلا يلحظ أي تمييز بين أنماط الجماعات السياسية، تلك التي تقوم على أساس رابطة الدين وتعطي مفهوم الأخ المؤمن، وتلك التي تقوم على رابطة السياسة وتعطي مفهوم المواطنة . والوقع ، ليس جميع الجماعات جماعات سياسية، وليست كلها مؤهلة لتوليد جماعة سياسية، وليست الجماعات السياسية الناجمة عنها متشابهة في معناها ومضمون سياسيتها. والقصد أن مفهوم السياسة ليس واحدا، وليست ماهية السياسي متطابقة في كل العصور والأقطار. مفهوم السياسة في العصر الوسيط ليس هو في العصر الحديث. بمعنى آخر، لا تتأسس الدولة، محور السياسة وغايتها، على الأركان ذاتها في كل حقبة  وكل مكان. فقد تقوم الدولة على الدين، كما يمكن أن تقوم على القومية، كما يمكن أن تقوم على القانون، وتكون دولة ديمقراطية قانونية. ومفهوم  السياسة، أي مشمولاتها من مجالات وطرائق ووسائل وغايات، ليست واحدة في كل الحالات. وما نسميه دولة في الحضارة الإسلامية الكلاسيكية ليس له علاقة بمفهوم الدولة الحديثة، كما نعرفه في العصر الراهن، وإن كان يشكل نمطا من أنماط الكيانات السياسية.  قد تكون الرابطة الدينية أساسا لرابطة سياسية، وقد تتطابق جماعة الدين مع جماعة الدولة، أو الجماعة السياسية، لكن هذا ليس شرطا، ولا يمثل الحالة السائدة في التاريخ. وهو في العصر الحديث أكثر ندرة من أي فترة سابقة. فلا توجد اليوم جماعة دينية متطابقة تماما مع الجماعة السياسية، ولا يستثنى من ذلك الدول القائمة صراحة على الرابطة الدينية، مثل إسرائيل وباكستان. وبالعكس لا تقوم السياسة اليوم، من حيث هي تحقيق لسلطة ودولة، من خارج الرابطة السياسية. ذلك أن السلطة والدولة الحديثتين تستدعيان كشرط لهما تراجع أسبقية علاقات العصبية الطبيعية أو شبه الطبيعية لصالح نشوء علاقة مواطنية قائمة على وحدة القانون ومساواة المواطنين أمامه معا.
وليست العلاقة بين الجماعة السياسية والدولة واحدة في كل الأنماط السياسية. فعلاقة الدولة بالجماعة الدينية في الحقبة الاسلامية ليست من النوع ذاته الذي يحكم علاقة الدولة الحديثة بالأمة. فالدولة في النمط الأول مضافة إلى الجماعة من خارجها، أو آلة قهر خاصة تسندها شرعية دينية مستمدة من مطابقة تشريعاتها، فعليا أو شكليا، لأحكام الشريعة الدينية أو ما يعتقد أنه كذلك. أما الدولة الحديثة، في شكلها المكتمل الديمقراطي، فهي دولة معبرة عن الجماعة ومنبثقة عنها. بل هي الجماعة ذاتها وقد تجسدت في شكل مؤسسي منظم. وهي تستمد شرعيتها من نفسها، أي من آلية التمثيل الديمقراطي نفسه المعبر عنه في مجلس تشريعي منتخب. في الحالة الأولى تكون الدولة سلطانية، خاضعة للعصبية التي تستبد بسلطتها وتسيطر عليها، وتخضع من خلالها المجتمع لنظام ثابت. وفي الحالة الثانية تكون دولة أمة، تعكس نشوء رابطة سياسية تجمع بين مواطنين، وتترجم إرادتهم في العيش المشترك، وترجع إليهم في كل ما يتعلق بمصالحهم العامة والخاصة، وتعمل من خلال مباديء دستوية وقانونية واضحة ومضبوطة، من حيث أسلوب التشريع وضبط أصوله وقواعد عمله وتعديله.
وكما يتطلب تحديد مفهوم الجماعة التدقيق في الدلالات المختلفة لمصطلح الدولة، السلطانية والديمقراطية، يتطلب تحديد مفهوم الدولة التدقيق في استخدام مصطلح الامة. فالأمة بالمعنى الديني، وهنا الأمة الاسلامية، ليست هي نفسها المقصودة بالمعنى الوضعي، أي الأمة الحديثةالقائمه على المواطنة . فعندما نتحدث عن الامة أو الجماعة السياسية اليوم فنحن لا نشير إلى الجماعة الدينية، أو إلى الجماعة الدينية بوصفها جماعة سياسية، ولكن إلى رابطة سياسية مختلفة كليا عن الرابطة الدينية، من دون أن تكون نقيضا لها أو في صراع معها. وهذا التمييز مهم جدا في نقاشنا حول الأوضاع العربية الراهنة التي لا تتطابق الدول القائمة فيها مع الجماعة الدينية بأي شكل. وعلى سبيل المثال، عندما نتحدث عن إجماع الأمة، من منظور الفقه الاسلامي، ونعني به إجماع الأكثرية الإسلامية في هذا البلد أو ذاك، فنحن ننفي وجود الأمة بالمعنى السياسي، ونرد الرابطة السياسية الجديدة، ربما من دون أن ندري، إلى الرابطة الدينية، ونجعل من غير المسلمين حتما مواطنين مختلفين أو مغايرين او فى وضع ادنى ، يمكن أن نفكر بأفضل السبل لمعالجة مشكلتهم وضمان العدالة تجاههم، وحتى المساواة، إلا أننا ندمر معنى الأمة بالمعنى الحديث الذي يعني الرابطة السياسية المستندة إلى وجود دولة وسلطة مركزية موحدة وقانون، تتعامل مع المجتمع كأفراد لهم حقوق وعليهم واجبات، أي كأفراد متساوين أمام القانون، ولا تنظر في اعتقاداتهم سواء أكانت دينية أو غير دينية، ولا يهمها إصلاح هذه الاعتقادات أو التدخل في شؤونها. هذا مفهوم آخر للأمة يشير إلى رابطة سياسية قانونية تجمع بين الأفراد بصرف النظر عن اعتقاداتهم، يختلف كليا عن مفهوم الأمة بمعنى الجماعة الدينية التي تؤلف بين أفراد ينتمون إلى عقيدة واحدة هي محور إئتلافهم، وبالتالي وبالضرورة مرجعهم في كل ما يصدر عنهم ويؤسس لوجودهم، بما في ذلك الدولة التي ينضوون تحت جناحها.
فى سياقنا المدنى الديمقراطي هذا تتحول الجماعة السياسية الى جماعة حكم سياسية والتى يقصد بها هياكل القوة السياسية والاجتماعية المسيطرة فى لحظه زمنية معينة. بعبارة اخرى، الجماعة السياسية هى بطبعها جماعة عامة مرتبطه بمفهوم المواطنة والتمثيل السياسي بينما جماعة الحكم السياسية هى جماعة السلطة المسيطرة.
الفقرة الثانية: الاحزاب السياسية تساهم فى صنع ومراقبة تنفيذ السياسات العامة ،
الجماعة السياسية تنقسم الى اشكال تنظيمية وبصرف النظر على نسبة الرسمية بها ، فهذه الاشكال لا تساهم بشكل مباشر فى صناعة السياسات العامة. فقط الاحزاب السياسية هى التى تساهم فى صنع ومراقبة تنفيذ السياسات العامه. يمكن تعريف المشكلة التى ينشأ بسببها الاحتياج لصنع السياسات العامة بانها: " موقف او حالة تحرك الحاجات والشعور بعدم الرضا لدى افراد المجتمع. مما يدفعهم لطلب العون او بتدخل الحكومة او الهيئات الدولية او بعض قوى المجتمع للمساعدة في ازالة ما يعانون منه" .  فعلى سبيل المثال يمكن اعتبار تفشي الجريمة او البطالة او ارتفاع الاسعار (التضخم) او تفشي الاوبئة والامراض وانتشار الآفات الزراعية  وتلوث البيئة ونقص الغذاء وصعوبة المواصلات وازدحام الطرق  وتدني مستوى الخدمات العامة وتفشي الرشوة والمحسوبية وغيرها، مشاكل تدعو صانعي السياسة العامة لدراستها وتحليلها من اجل وضع المعالجات الضرورية لان مشاكل كهذه تثير اهتمام وقلق شريحة – او أكثر – من شرائحه أو فئاته الاجتماعية أو السياسية وقد يمتد تأثيرها ليشمل المجتمع بكامل فئاته.   ومما تجدر ملاحظته ان المعنيين بحل المشاكل العامة غالباً ما يفشلون في اختيار الحلول المناسبة لمواجهة مشاكل السياسات العامة بسبب فشلهم في اكتشاف او معرفة الاسباب الحقيقية للمشكلة العامة. اذ ان الصياغة الدقيقة للمشكلة ينتج عنها – في الغالب – حلولُ صحيحة وقد قيل قديماً: إذا عُرِفَ الداء سهل وصف الدواء فبعض المختصين بصياغة مشاكل السياسات العامة وتحليلها، ينظر الى نتائج المشكلة على انها المشكلة ذاتها لان النتيجة التي تؤدي اليها المشكلة هي الجانب المنظور منها.
ان مشاكل السياسات العامة كثيرة ومتنوعة، ويصعب اتفاق المعنيين على تحديد مكوناتها واسبابها، واساليب التعامل معها، مثل: التضخم، الانكماش، البطالة، الجريمة، الفقر، التلوث، وغيرها. اذ ان هذه المشاكل وامثالها غالباً ما تتباين وجهات النظر حولها بين المهتمين  والمعنيين والمختصين انفسهم من جهة، وبينهم وبين المواطنين من جهة اخرى. ففي حين ينظر اليها بعض المعنيين على انها مشاكل حقيقية يعاني منها المجتمع، ولا بد من وضع الحلول الناجعة لها، بينما يرى البعض الاخر منهم على انها مجرد حالات تتشابك مع تحقيق بعض القيم والحاجات الشخصية لعدد من الأفراد، وانها لا تستحق ان تأخذ صفة المشاكل العامة.
ومن المفيد ان ننوه الى ان المشاكل على كثرتها وتنوعها لا  تثير جميعها اهتمام صانعي السياسات العامة، الا عندما تكون واضحة. إذ ان هذا النوع من المشاكل يسبب قلق افراد المجتمع ويدفعهم الى القيام بأفعال قد تكون خارجة على الاعراف او القوانين المتبعة. وهذا يعني ان بعض المشاكل تأخذ طريقها الى راسمي السياسات العامة، ويهمل بعضها الاخر او يؤجل الى وقت لاحق، وذلك بحسب اهميتها، وتاثيرها على جماعة او اكثر من الجماعات المؤثرة في  المجتمع فقد تعيش فئة من المواطنين في بيئة غير ملائمة ولكنهم لا يبدون تذمراً، ولا يطالبون بتحسين بيئتهم او تغيرها، فكأنهم قانعون بوضعهم هذا او ان قناعتهم هذه قائمة على عدم امتلاكهم وسائل التأثير في المجتمع. فحالة كهذه لا تعد مشكلة بحسب تعريفنا السابق، اذ لم يقم احد بطرحها او ايصالها الى الجهات الحكومية بصيغة مطلب جماعي او مشكلة تحتاج الى حل. فالمشاكل اذن لا بد ان تكون واضحة ليسهل ايصالها الى الجهات المعنية.
وثمة سؤال آخر يجب الوقوف عنده ومحاولة الاجابة عنه وهو: هل ان المشكلة التي تنال الاهتمام هي التي يعرضها المعنيون بها من متضررين وغيرهم ؟ وهل هناك اسلوب آخر لا ظهارها  ؟ الجواب: نعم، فهناك مطالب او قضايا يعرضها افراد او جهات من غير المتضررين منها، فتصبح مشاكل ملحة تستحوذ على جزء كبير من اهتمام صانعي السياسات العامة، مثال ذلك، قيام محرري الصحف، او جماعات المصالح او السياسيين باثارة الضجيج، والقيام بمجموعة واسعة من الاتصالات حول ارتفاع منسوب المياه الجوفية في منطقة ما، أو ارتفاع معدلات حوادث المرور، على سبيل المثال، مما يجعل منها مشكلة ملحة تحتاج الى حل او مطلباً لا بد من العناية به، اكثر بكثير مما يفعله الذين يقطنون تلك المنطقة، او المتضررين من حوادث المرور. وحتى نفهم ونميز مشاكل السياسات العامةعن سواها من المشاكل او القضايا فانها تتميز بخصائص او بامور منها:
1_ التبادلية: فمشاكل السياسات العامة تؤثر وتتأثر بعضها بالاخر، فهي متشابكة وذات اجزاء مترابطة من نظام متكامل وليست منفصلة عن بعضها تماماً.
2_ الذاتية: بمعنى ان تصنيف الظروف الخارجية او الداخلية التي تنشأ عنها مشاكل السياسات العامة -وتفسير تلك الظروف وتقييمها – يتم وفق الخبرات الذاتية او الشخصية للقائمين بصياغة السياسات العامة، أي ان لشخصية راسم السياسات العامة ومحللها واتجاهاته تأثيراً واضحاً في تفسير مشاكل السياسة العامة وتحليلها وتحديد اسلوب معالجتها.
3_ الوضعية: أي ان مشاكل السياسات العامة في الغالب تكون من صنع الأفراد او الجماعات، فهي توجد أينما وجدت التجمعات البشرية.
4ـ الديناميكية: ويقصد بها ان لمشاكل السياسات العامة حلولاً بقدر التعاريف المحتملة لها, بمعنى انه لا يمكن الجزم بوجود حدود بينة او علاج محدد لاية مشكلة من مشاكل السياسات العامة.أنواع مشاكل السياسات العامة:
 يمكن ان نميز بين المشاكل او المطالب وفق مداخل عديدة، لعل أهمها: مدخل الشمولية، ومدخل الموارد، ومدخل البيئة (النطاق). فمن حيث الشمولية ، يمكن تصنيفها الى مجموعتين هما: المشاكل الخاصة، والمشاكل العامة. فالمشاكل الخاصة:- هي تلك المعانات او المطالب التي تخص شخصاً واحداً من افراد المجتمع، فعدم حصول أحد أفراد المجتمع على دواء معين، هي قضية متعلقة به فقط، ولا تهم غيره، فهي اذن مشكلة خاصة, كما ان تسريح عامل وطرده من العمل هي قضية لاتخص احدا" غير ذلك العامل , اما المشكلة العامة فهي تلك التي تتأثر بها مجموعة من الأفراد وليس فرداً واحداً، وكلما زاد عددهم، احتلت مشكلتهم اهمية ً لدى صانعي السياسات العامة ومنفذيها. ففي مثالنا اعلاه، لو أن مجموعة كبيرة من المرضى لم يوفقوا للحصول على الدواء، فان ذلك يمكن ان يتحول الى مشكلة عامة، كذلك الحال لو ان عدداَ من المنظمات العامة او الخاصة او كليهما، قامت بتسريح نسبة كبيرة من العاملين فيها لظروف معينة، فان ذلك قد يخرجها من دائرة الخصوصية الى دائرة الشمولية فتصبح قضيةً عامة.
ومن المفيد الاشارة الى ان بعض القضايا الخاصة يمكن ان تتحول الى قضاياعامة، عندما تتوسع دائرة المتأثرين بها. او المتعاطفين معها. فلو ان احد الآباء دفعه التذمر من قيام أحد المعلمين بضرب ابنه في قاعة الدراسة، الى الاحتجاج  لدى الجهات المعنية(كمديرية التربية) – مثلاً – او ممثل منطقته في المجلس الوطني، فان ذلك لن يخرج تلك المشكلة من خصوصيتها لعدم اثارتها الاهتمام من لدن راسمي السياسات العامة. ولكن لو ان هذا الاب تصرف بشكل آخر، واتصل باولياء أمور التلاميذ الاخرين، واقنعهم بان ابناءهم سيكونون عرضة للضرب ايضاً. ان لم يقوموا بعمل ما، وافلح في اقناعهم بذلك وحصل على تأييدهم  له، وتعاطفهم معه، واستطاع ان يرفع مذكرة باسمهم جميعاً الى الصحافة، والجهات الحكومية المعنية، فتصل الى راسمي السياسات العامة وكأنها مشكلة جماعية، وذلك لاتساع دائرة المتاثرين بها، عندئذ تتحول الى قضية او مشكلة عامة.
 اما من حيث المجال، فيمكن تقسيمها الى نوعين هما:
1- المشاكل الاجرائية: وهي تلك القضايا المتعلقة بكيفية قيام الحكومة واجهزتها المتنوعة بتنظيم شئونها، وادارة اعمالها وانشطتها المتنوعة.
2- المشاكل الاساسية: وهي القضايا التي تتعلق باهتمامات افراد المجتمع، كحرية الرأي والتلوث البيئي والاجور والامن الداخلي وغير ذلك.
ويمكن تصنيف المشاكل او القضايا من حيث الموارد وتوزيعها الى ثلاث مجموعات هي:  
1- المشاكل التوزيعية: وهي التي تتعلق بكيفية توزيع الموارد بين الأفراد او الجماعات او الاقاليم مثل مطالب مدينة ما بالسيطرة على الفيضان، واخرى بمعالجة قلة المياه، او مطالب المستوردين بتخفيض الضرائب الكمركية، والمنتجين المحليين بزيادتها، وغير ذلك.
2- المشاكل التنظيمية: وهي التي تتعلق بتنفيذ التصرفات او النشاطات العامة، او وقفها، او الحد من تدخل الاخرين في بعض المجالات. كمطلب الصناعيين  واصحاب الشركات بالحد من تدخل نقابات العمال، او مطالب اصحاب السيارات القديمة بوقف اجراءات ترحيلها من العاصمة او من بعض المدن الكبيرة الى مدن صغيرة او غير ذلك.
3- مشاكل اعادة التوزيع: وهي تلك التي تختص بنقل الموارد المتاحة من منطقة لاخرى، او اعادة توزيع بعض المصادر او الموارد المتوافرة في منطقة ما الى المناطق التي تفتقر اليها لتحقيق العدالة الاجتماعية. مثال ذلك. إعادة توزيع القوى العاملة الماهرة المتوافرة في العاصمة على المحافظات الاخرى، او إعادة توزيع اساتذة الجامعات والمختصين من اطباء ومهندسين بين الجامعات والاقاليم، والمنظمات التي تعاني من النقص في افراد هذه الفئات. او اقامة مصانع في بعصض المدن التي تشكو من البطالة او قلة فرص العمل فيها او فرض ضرائب تصاعدية لتقليل الفوارق بين الدخول، وغير ذلك.
 أما من حيث النطاق، فيمكن تقسيمها الى مجموعتين هما:
1_ المشاكل الداخلية: وهي القضايا التي تتعلق بمواطني الدولة ذاتها، كذلك المتصلة بالصحة  والتعليم والامن الداخلي والضرائب والنقل والمواصلات والبيئة والزراعة وغيرها.
2_ المشاكل الخارجية: وهي تلك التي ترتبط بعلاقة الدولة مع الدول الاخرى كدول الجوار او غيرها مثل مشاكل الانهار والمياه الدولية والملاحة البحرية والحدود الاقليمية بين الدول والصيد في البحار والانهار الدولية والتهريب وغيرها كثير.
الفقرة الثالثه: لجماعات المصالح والضغط  دور مرشد ومصحح  فى السياسات العامه،
لا يوجد خلاف كبير حول تعريف مفهوم الجماعات والقوى الضاغطة، فكل التعريفات تقريبا تجمع على اعتبارها مجموعة من جماعات المصالح التي تسعى إلى تحقيق أهداف معينة مرتبطة بمصالح السلطة السياسية، ولا تندرج ضمن أهدافها الوصول إلى السلطة، وقد سميت بجماعات الضغط من منطلق الضغوطات التي تمارسها على السلطات لتحقيق أهدافها،  وهي أيضا جماعات سياسية صغيره  تستهدف في بعض الأحيان تحقيق غايات سياسية . وتتكون القوى الضاغطة رسمية بموافقه رسمية من السلطات الحاكمة، كجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو نقابات العمال، وقد تكون حكومية تشكل لتحقيق هدف معين، كجمعيات الصداقة بين الشعوب.
صنف "جبريل ألموند" الجماعات والقوى الضاغطة على أربع أشكال أساسية :
– جماعات المصلحة الترابطية: وهي التي تعبر عن مصالح أعضائها في الأساس وهي النمط الشائع.- جماعات المصلحة غير الترابطية: والتي تكون على أساس جغرافي أو طبقي أو ديني أو لغوي أو فكري أو مهني.
– جماعات المصلحة المؤسسة، وتغلب عليها الطابع الحكومي الرسمي، كالبيروقراطية المدنية والعسكرية، لكن العاملين فيها يصبحون جماعة مصلحة حينما يعمدون للتأثير في صانعي القرار لتحقيق منافع خاصة بهم.
– جماعة المصلحة الفوضوية: وهي التي تعول على المظاهرات والإضرابات وأعمال الشغب وليس لها هيكل تنظيمي، ويغلب على نشاطها التلقائية والعنف. أما إذا تجاوزنا تصنيف "جابريل ألموند" وحاولنا تصنيفها من حيث طبيعتها وطبقنا المنظور الإنشائي نجد أنها تنقسم إلى التصنيفات التالية :
– جماعات المصالح السياسية : وهي التي لها مصالح سياسية بحتة
– جماعات المصالح شبه السياسية وهي التي لها أهداف سياسية واقتصادية في آن واحد كنقابات العمال واتحادات أصحاب الأعمال.
– جماعات المصالح الإنسانية أو الخيرية وهي التي تمارس نشاطات متعلقة بحقوق الإنسان ورعاية الطفولة وجمعيات الرفق بالحيوان.
– جمعيات المصالح المهنية: وهي التي تهتم بالدرجة الأولى بتحقيق أهداف أصحاب المهنة الواحدة.
وتمثل الجماعات الضغط  أحد مستويات التفاعل وربما الصراع التي تؤثر على الحياة السياسية. ويمكن اعتبارها رئة من رئات النظام السياسي. فالتمثيل الشعبي له صورتان تشكل الأحزاب الصورة الأولى بينما تمثل الجماعات وخاصة العامة الصورة الثانية.
الفقرة الرابعة: كما أن لأفراد والجماعات مسئولية سياسية دستورية
أن ازدياد حجم المشاركة السياسية وتطوير أساليبها من خلال الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والأطر المدنية، هو المدخل إلى مواطنة صحيحة وإلى حياة مدنية أرقى وأشدّ تماسكاً. وخلاف ذلك يعني الحكم بالبؤس السياسي على المجتمع وتهميشه، وتردّى الشعور المسؤولية لدى المواطن. إن الانتقال من المساهمة السياسية الفردية إلى الشكل الحزبي الجماعي لها، هو الأسلوب العقلاني الحديث للممارسة السياسية، الذي يلازم تحرر الفرد من أشكال الانتماء المجتمعي السابقة وتراتبيتها، التي كانت تقيّد الفرد وتلزمه بمكانة اجتماعية ووظيفة تحول دون اكتسابه صفة العمومية، بوصفه مواطناً في مجتمع سياسي حديث .الأمر الذي لابد في إطار مفهوم ان يشرع مسؤلية سياسية ودستورية فى سبيل الحفاظ على المشاركة السياسية والحفاظ  على مدنية السياسية والنظام السياسي والدولة.  
سابعا:
الماده السادسة: الدولة تمارس سلطتها من خلال ثلاث سلطات، التنفبذية، التشريعية، والقضائيه، مستقله فى مواجه بعضها البعض ومتفاعله وموازمه لبعضها البعض فى آن الوقت بحيث  تشكل نظام موحد من المسؤلية والمحاسبيه.  (فقرة واحده)
من المؤكد أن مبدأ الفصل بين السلطات قد غدا منذ الثورة الفرنسية أحد المبادىء الدستورية الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الغربية بوجه عام، ويحتم هذا المبدأ أولاً قيام حكومة نيابية Representative Government، لأنه لا يسود إلا في ظل النظام النيابي، حيث تتضح فيه الضرورة إلى توزيع السلطات Distribution of Powers .
وينسب أصل هذا المبدأ إلى الفلسفة السياسية للقرن الثامن عشر ، حيث ظهر في ذلك الوقت كسلاح من أسلحة الكفاح ضد الحكومات المطلقة ـ التي كانت تعمد إلى تركيز جميع السلطات بين يديها ـ وكوسيلة أيضاً للتخلص من استبداد الملوك وسلطتهم المطلقة.
وتتلخص الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات في ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسية : التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لا تتركز السلطة في يد واحدة فتسيء استعمالها, وتستبد بالمحكومين استبداداً ينتهي بالقضاء على حياة الأفراد وحقوقهم.
وإذا كانت تلك الفكرة هي جوهر مبدأ الفصل بين السلطات ، فإن هذا هذا المبدأ ليس معناه إقامة سياج مادي يفصل فصلاً تاماً بين سلطات الحكم ، ويحول دون مباشرة كل منها لوظيفتها بحجة المساس بالأخرى ، ومن ثم فإن مقتضى مبدأ الفصل بين السلطات أن يكون بين السلطات الثلاث تعاون ، وأن يكون لكل منها رقابة على الأخرى في نطاق اختصاصها بحيث يكون نظام الحكم قائماً على أساس أن " السلطة تَحُدّ أو توقف السلطة " Power should be a check to power ، وهو ما يعبر عنه بالفرنسية بـ " Le pouvoir arrête le pouvoir " ، فيؤدي ذلك إلى تحقيق حريات الأفراد ، وضمان حقوقهم ، واحترام القوانين ، وحسن تطبيقها تطبيقاً عادلاً وسليماً ، فهذا ما يتفق وحكمة الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات التي هي تحقيق التوازن والتعاون بين السلطات ، وتوفير الحيدة لكل منها في مجال اختصاصها .
ولا يذكر مبدأ الفصل بين السلطات إلا مقترناً باسم الفقيه والفيلسوف الفرنسي ذائع الصيت البارون تشارلز لويس سيكوندات مونتيسكيو Montesquieu ، وذلك لما أبرزه من أهمية لهذا المبدأ ، وما حدده له من صياغة وأسلوب في التوضيح ، وذلك كله على النحو المبين في مؤلفه المشهور " روح القوانين " The Spirit of Laws/L’Esprit des Lois " الصادر سنة 1748 . وموضوع سلطات الدولة ووظائفها سبق أن تناوله العديد من الفلاسفة والفقهاء من قديم, وبخاصة أفلاطون وأرسطو ، كما أن موضوع الفصل بين هذه السلطات تلقى اهتماماً ظاهراً من الفقيه الإنجليزي جون لوك John Locke في أعقاب ثورة سنة 1688م ، وذلك في مؤلفه عن " الحكومة المدنية " Civil Government الصادر سنة 1690 .
لقد كان لأفكار " مونتيسكيو" حول فصل السلطات صدىً كبير ، وأثر بالغ ، حيث تداولها المفكرون ، ونادى بها الفقهاء ، إلا أن خلافاً قد نشأ بين فقهاء القانون العام حول حقيقة مفهوم هذا المبدأ ومدلوله الصحيح ، فالبعض فهمه على أنه يعني الفصل المطلق بين السلطات ، وأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق غاية المبدأ الأساسية في منع التعسف والاستبداد بالسلطة ، إلا أن الغالبية العظمى من الفقهاء ، قد فهمت المبدأ على نحوٍ آخر ، وهو أنه يعني الفصل المرن بين السلطات ، أي فصلاً مع التعاون بين السلطات ، ومع تبادل الرقابة فيما بينها .
ولكن ، وأياً ما كان الخلاف حول مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات ومدلوله ، فمن الثابت أن المبدأ قد غدا منذ الثورة الفرنسية تياراً جارفاً ، ونشيداً عالمياً ، واعتبره الجميع أحد الأعمدة أو الأركان الرئيسة لقيام الحكم الديمقراطي. ورغم المزايا العديدة التي يتسم بها مبدأ فصل السلطات ، والفوائد التي يحققها ، فإنه ـ شأنه شأن غيره من المبادىء السياسية والقانونية ـ لم يسلم من النقد ، فقد عاداه بعض الفلاسفة والفقهاء، ووجهوا إليه الكثير من سهام النقد ولكن نلاحظ بتأييد الفقه لها، وذلك لأن مردها كان نتيجة تفسيرهم الخاطىء للمبدأ ، وعدم فهمهم لمضمونه الحقيقي كما تصوره " مونتسكيو "؛ وأمام هذه الحقيقة، فإن أوجه النقد التي ساقها مناهضي هذا المبدأ، تفقد كل قيمة لها، في حين أن المبدأ يبقى قائماً بمعناه الصحيح، ويعتبر أفضل حماية لحقوق وحريات الأفراد، ووقاية لهم من عسف الحاكم وتسلطه.
ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات باسم الفيلسوف السياسي الفرنسي " مونتيسكيو " الذي كان له الفضل في إبرازه كمبدأ أساسي لتنظيم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة ، وكوسيلة لتفتيت السلطة ، ومنع تركيزها في يد واحد على نحوٍ يهدد حريات الأفراد ويعرض حقوقهم للخطر ؛ وإذا كان فضل مونتسكيو في ذلك لا ينكر ، إلا أن جذور المبدأ ترجع إلى زمن بعيد ، قبل القرن الثامن عشر بقرون عديدة ، فقد كان لأعلام الفكر السياسي الإغريقي أفلاطون وأرسطو دور مهم في وضع الأساس الذي قام عليه مبدأ الفصل بين السلطات .كما كان " جون لوك " أول من أبرز أهمية هذا المبدأ في العصر الحديث ، في مؤلفه عن " الحكومة المدنية " الذي صدر سنة 1690 ، وكان ذلك بعد الثورة السياسية التي قام بها البرلمان الإنجليزي سنة 1688 ، والتي أدت إلى إعلان " وثيقة الحقوق " Bill of Rights سنة 1689 ؛ بيد أن مبدأ الفصل بين السلطات لم يأخذ الأهمية الكبيرة التي نالها ، ولم يتضح مضمونه ، وتتبلور معالمه وحدوده إلا بعد أن نشر " مونتسكيو " مؤلفه الشهير " روح القوانين " سنة 1748 ، حيث قام هذا الفيلسوف بدراسة آراء من سبقوه ، ثم صاغها صياغة جيدة ، وعرضها عرضاً واضحاً ودقيقاً ، ولذلك كان من حقه في الفكر السياسي أن ينسب إليه هذا المبدأ ، ويرتبط باسمه.
وبناء عليه ، سوف نتناول بالدراسة فيما يلي نشأة مبدأ الفصل بين السلطات, من خلال الحديث عن نشأة هذا المبدأ قبل ظهور نظرية مونتسكيو ( أولاً ) ، ثم نتكلم بعد ذلك ـ وبشيءٍ من التفصيل ـ عن نظرية " مونتسكيو " ذاتها في الفصل بين السلطات ( ثانياً ), وسيكون ذلك وفقاً لما يلي : أولاً ـ مبدأ الفصل بين السلطات قبل ظهور نظرية " مونتسكيو " : إن الحديث عن نشأة مبدأ فصل السلطات في الفترة السابقة على ظهور مونتسكيو ونظريته في هذا الشأن ، يتطلب منا أن نتتبع جذور نشأة هذا المبدأ في كل من الفكر السياسي القديم ( الفلاسفة اليونانيين Greek philosophers وبخاصة أفلاطون وأرسطو ) ، والفكر السياسي الحديث ، وبالذات في القرن السابع عشر ( التجربة الديمقراطية الإنجليزية ) :
1 ) مبدأ الفصل بين السلطات في الفكر السياسي القديم :
أ ـ أفلاطون ومبدأ الفصل بين السلطات ( 427 ـ 347 ق . م ) :
رأى أفلاطون Plato ـ منذ العهد القديم ـ ضرورة فصل وظائف الدولة ، وفصل الهيئات التي تمارسها عن بعضها ، على أن تتعاون كلها على الوصول إلى الهدف الرئيسي للدولة ، وهو تحقيق النفع العام للشعب ، وفي سبيل عدم انحراف هيئات الحكم عن اختصاصاتها وأهدافها ، تتقرر لها في مواجهة بعضها وسائل للرقابة ، يراد بها منع الانحراف ، ووقف كل هيئة عند حدود اختصاصها المحدد لها .وذهب أفلاطون في كتابة " القوانين " إلى توزيع وظائف الدولة وأعمالها المختلفة على عدة هيئات بحيث تمارس كل هيئة وظيفة معينة ، وبيّن هذه الهيئات على النحو التالي : ـ مجلس السيادة ، ويتكون من عشرة أعضاء ، وهذه المجلس هو الذي يهيمن على مختلف الشؤون العامة في الدولة . ـ جمعية تضم كبار الحكماء والمشرعين ، ومهمتها حماية الدستور من عبث الحكام ، و الإشراف على سلامة تطبيقه . ـ مجلس شيوخ منتخب من الشعب ، ومهمته القيام بالتشريع ، أي سن القوانين اللازمة للدولة . ـ هيئة قضائية تتكون من عدة محاكم على درجات مختلفة ، ومهمتها الفصل في المنازعات . ـ هيئة البوليس " الشرطة " للمحافظة على الأمن داخل الدولة ، وهيئة الجيش للدفاع عن سلامة البلاد من الاعتداءات الخارجية . وبهذه الطريقة تتولى كل هيئة الإشراف على عمل معين ، وتسأل عنه ، وتتعاون جميع الهيئات على تحقيق المصلحة العامة ، وبهذا الأسلوب في الحكم تستقر الأوضاع في الدولة ، ويمكن تفادي الاستبداد الذي قد ينجم إذا ما ركزت جميع الأعمال في يد واحدة .
ب ـ أرسطو ومبدأ الفصل بين السلطات ( 384 ـ 322 ق . م ) :
قرر الفيلسوف والمفكر العظيم أرسطو" Aristotle " في مؤلفه السياسة " Politics " أن السلطة لا تنبع إلا من الجماعة ، وبالتالي لا يجوز أن تسند إلى فرد أو أقلية من الشعب ، وإنما إلى الجماعة كلها ، وما دام القانون هو في الحقيقة تعبير عن إرادة هذه الجماعة ومظهراً لها ، فيجب أن يحكم تصرفات هذه الجماعة, وبذلك تكون السيادة في حقيقة الأمر لهذه الجماعة, أو بمعنى آخر للشعب.إلا أن تعدد وظائف الدولة وتنوعها وتشعبها ، يستلزم تقسيم تلك الوظائف إلى عدة وظائف فرعية ، نظراً لان الجماعة ـ صاحبة السيادة الحقيقية في الدولة ـ لن تستطيع لن تقوم بها مجتمعة ، وفضلاً عن ذلك فإن اجتماع السلطات كلها في يد شخص واحد كفيل بإفساد نظام الحكم من أساسه ، وتحويل ذلك الشخص إلى سلطة استبدادية غير صالحة للاستمرار( )؛ ومن هنا كان لابد من تقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث وظائف رئيسية هي :
    المداولة ( الفحص والتشاور ) Deliberation : وهذه الوظيفة أناطها أرسطو بسلطة أسماها السلطة التداولية The Deliberative Power ويتولاها " المجلس العام " Public Assembly ، ومهمته فحص المسائل والقضايا العامة Public affairs ومناقشتها . 2 ـ الأمر ( وظيفة الحكم وإصدار الأوامر ) Command : وهذه الوظيفة يتولاها الحكام Magistrates وكبار الموظفين ، ومهمتها تنفيذ القوانين . 3 ـ القضاء أو العدالة " Justice : وهذه الوظيفة تناط بالسلطة القضائية Judicial Power التي تتولاها المحاكم بكافة أنواعها ودرجاتها, وتكون مهمتها الفصل في الخصومات والجرائم . وإذا كانت وظيفة ( الأمر ) ووظيفة ( العدالة ) تطابق في مفهوماتنا الحديثة السلطتين التنفيذية والقضائية ، فإن وظيفة ( المداولة ) لا تطابق ( وظيفة التشريع ) التي نعرفها الآن ، وذلك أن ( المداولة ) تتسع عند أرسطو لأكثر من مجرد عمل القوانين ، بحيث يدخل فيها فضلاً عن ذلك كل ما يتصل بـ : السلم والحرب ، والمعاهدات ، وأحكام الإعدام ، والمصادرة ، والنفي ، وانتخاب الحكام ، والتدقيق على حساباتهم( ), وهو ما حمل " أرسطو " في خاتمته إلى اعتبار وظيفة ( المداولة ) بمثابة العنصر الأسمى في الدول( ) . والواقع أن دعوة " أرسطو " لم تكن دعوة إلى الفصل بين السلطات ، بل كانت دعوة إلى تقسيم وظائف الدولة حسب طبيعتها القانونية ، غير أنه يجب ألا يغرب عن البال أن الفصل بين السلطات لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن هناك تقسيم لوظائف الدولة ، ومن ثم فإن دعوة أرسطو ـ وإن لم تتضمن الدعوة إلى مبدأ الفصل بين السلطات ـ إلا أنها مهدت السبيل له ، وبالتالي فإنها تكون قد أسهمت في نشأته وتكوينه.
    ) مبدأ الفصل بين السلطات في الفكر السياسي الحديث :
أ ـ كرومويل Cromwell ومبدأ فصل السلطات :
إن التطور الحديث لمبدأ الفصل بين السلطات يرجع في الواقع إلى المدرسة الإنجليزية والتجربة الديمقراطية الإنجليزية ، حيث تطورت الملكية في انجلترة ـ نتيجة ثورة الأساقفة ـ من الملكية المطلقة إلى ملكية مقيدة تقوم على فصل السلطات ، ففي القرن السابع عشر صدر في انجلترة دستور كرومويل على أساس مبدأ فصل السلطات ، وكان هذا أول تطبيق عملي للمبدأ ، فقد أراد أوليفر كرومويل القضاء على الاستبداد الذي نشأ عن البرلمان الطويل ، فعمد إلى فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية ، كما كان حريصاً على استقلال القضاء ؛ وعمل كرومويل في أنظمته المختلفة المتوالية على مراعاة ذلك ، على أنه بانقضاء عهده وعودة الملكية ، ألغي الدستور الجمهوري وعدل عن نظام الفصل بين السلطات ، فتلاشت أعمال هذا الرجل ، واندثرت بحيث لم يبقَ لها أي أثر لا في انجلترة ولا في البلاد الأجنبية( ) .
ب ـ جون لوك John Locke ومبدأ فصل السلطات ( 1632 ـ 1704 ) :
يعتبر جون لوك أول من كتب عن نظرية فصل السلطات في ظل النظام النيابي الذي تأسس في انجلترة عقب ثورة 1688, وتأثر " لوك " في نظريته هذه بالخلاف الذي كان قائماً بين الملوك من جانب والبرلمان الإنجليزي من جانب آخر ، فوضع نظريته بهذا الصدد على أساس أن كل نظام صحيح يجب أن يحكمه مبدأ الفصل بين السلطات( )؛ ووضح لوك آراءه في كتابه " رسالتان ( أطروحتان ) عن الحكومة " Two Treatises of Government ، وذلك في الأطروحة الثانية منه حول الحكومة المدنية Civil Government الذي نشر عام 1690 .
وتتلخص أفكار " جون لوك " بخصوص فصل السلطات في الآتي:
1 ) تقسيم السلطات العامة في الدولة : ذهب " لوك " في مؤلفه عن " الحكومة المدنية " إلى أن الفرد في حياة الفطرة السابقة على إبرام العقد الاجتماعيSocial Contract المنشيء للجماعة السياسية, كان يملك سلطتين : الأولى ـ هي سلطة اتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلة بالمحافظة على نفسه وعلى الآخرين ضمن ما يرخص به قانون الطبيعة Law Of Nature . والثانية ـ هي سلطة توقيع العقاب على الجرائم التي تشكل خرقاً أو انتهاكاً لذلك القانون . وحين انتقل الفرد من حياة الفطرة إلى حياة الجماعة ، تنازل عن هاتين السلطتين للجماعة عند إنشائها( ), وهكذا نجد أن الجماعة السياسية Political Community بوصفها وارثة للأفراد الطبيعيين ، تملك سلطتين هما : 1 ) السلطة التشريعية Legislative Power ، وبموجبها تتولى وضع القواعد اللازمة لحفظ الجماعة وأفرادها 2 ) السلطة التنفيذية Executive Power ، وتقوم بموجبها بتنفيذ القوانين الوضعية في الداخل.ولما كان على الجماعة أن تظهر كجسم واحد أمام بقية البشر الذين مازالوا في حالة الفطرة The State of Nature كان لابد من وجود سلطة خاصة تمثل الدولة في علاقاتها مع الخارج ، وهذا ما دعا لوك إلى القول بوجود سلطة ثالثة أسماها " السلطة الاتحادية أو الفيدرالية " Federative Power ، ومهمتها إعلان حالتي الحرب والسلم وعقد المعاهدات والتحالفات ومباشرة العلاقات الخارجية.ومع أن " لوك " سلم بفصل السلطة التنفيذية عن السلطة الاتحادية ، إلا أنه رأى أن اتحادهما طبيعي ، إذ " مادام أن كلاً منهما يحتاج في ممارسته لاستخدام سلطان الجماعة ، فإنه يغدو من غير الممكن عملاً وضع سلطان الدولة في أيدٍ مختلفة وغير خاضعة إما للسلطة التنفيذية وإما للسلطة الاتحادية ، لأن معنى ذلك أن السلطة العامة تستخدمها إرادات مختلفة ، وذلك يؤدي إلى التسبب في الفوضى والخراب ". غير أن ذلك لا يعني أن " لوك " يرى أن السلطتين التنفيذية والاتحادية مظهران مختلفان لسلطة واحدة ، إنهما في نظره سلطتان متميزتان ، حيث تتخصص كل منهما في عمل محدد لا يختلط بمجال عمل الأخرى ، فالسلطة التنفيذية تتخصص في الإشراف على تنفيذ القوانين المدنية أو المحلية Municipal Laws في مواجهة الرعايا ، بينما تتخصص السلطة الاتحادية في حماية أمن الدولة الخارجي ، والعمل على تحقق مصالحها العامة في الخارج. ويرجع السبب في اعتبار " لوك " السلطة الاتحادية منفصلة عن السلطة التنفيذية مع وجوب اتحادها في الوقت نفسه ، إلى ما كان عليه الحال في النظام الإنجليزي ، إذ كانت السلطة الاتحادية من اختصاص الملك الذي هو كذلك رئيس السلطة التنفيذية.
وتجدر الإشارة إلى أن تقسيم " لوك " للسلطات العامة لا يتضمن أية إشارة إلى السلطة القضائية, وهو ما يعني أن " لوك " لم يكن يراها سلطة مستقلة ومتميزة عن السلطات الأخرى . والواقع أن لوك فيما ذهب إليه في هذا الصدد كان واقعاً تحت تأثير الوضع السائد في انجلترة في زمانه, فقد كان القضاة قبل ثورة 1688 خاضعين للتاج خضوعاً تاماً ، يتلقون منه الأوامر, وتهددهم باستمرار سلطته في عزلهم ، أما بعد هذه الثورة ، فقد تحرر القضاة من التبعية للتاج ليقعوا في قبضة البرلمان, الذي نجح في ترويض التاج, واستلم زمام السلطة السياسية ، وهو ما أفقدهم الاستقلال ، وحكم عليهم بالخضوع الكامل للأغلبية الحزبية المسيطرة في البرلمان.
2 ) وجوب الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية : ذهب " لوك " بخصوص العلاقة بين السلطات المختلفة التي تباشر وظائف الدولة إلى ضرورة الفصل بين السلطة التي تباشر وظيفة التشريع والسلطة التي تباشر وظيفة التنفيذ, ونبّه إلى خطورة جمع هاتين الوظيفتين في يد هيئة واحدة ؛ و برّر " لوك " وجهة نظره باعتبارين ، أحدهما عملي والآخر نفساني وفني :
الاعتبار العملي⎢ : ويتمثل في أن عمل السلطة التنفيذية يتطلب بقاءها بصفة دائمة للسهر على تنفيذ القوانين وإجبار الأفراد على احترامها ، أما السلطة التشريعية فهي على العكس من ذلك ليست في حاجة إلى الانعقاد والاجتماع بصفة دائمة ، ذلك أن مهمتها مقصورة على سن القوانين ( أي وضع القواعد اللازمة لحفظ الجماعة وأفرادها ) ، ومثل هذه المهمة يمكن أداؤها في وقت قصير أو على فترات متقطعة ، فلا يستلزم الأمر أن تكون السلطة التشريعية في حالة انعقاد دائم ، إذ إن الدولة لا تحتاج إلى قوانين كل يوم ، ولكنها في حاجة إلى سلطة دائبة العمل تسهر على تنفيذ القوانين التي وضعتها السلطة التشريعية، وإجبار الأفراد على احترامها.
الاعتبار النفساني والفني : ويتحصل⎢ في أن منح سلطة تشريع القوانين وسلطة تنفيذها لنفس الأشخاص ، من شأنه أن يؤدي إلى التحكم ، ويغري بالاستبداد ، وذلك لأن النفس البشرية ـ بسبب ضعفها أمام قوة الإغراء ـ تجنح إلى الهوى ، وتميل إلى حب السلطة والتعلق بها ، وفضلاً عن ذلك ، فإنه من الممكن لأولئك الأشخاص ـ الذين يركزون في أيديهم سلطتي التشريع والتنفيذ ـ أن يعفوا أنفسهم أو يتحللوا من الخضوع للقوانين ، سواء عند وضعها أو عند تنفيذها ، ويجعلوها متلائمة مع مصلحتهم الذاتية الخاصة ، وينتج عن ذلك ظهور مصلحة مختلفة ومتميزة عن مصلحة الجماعة ، ومخالفة لها وللغرض من وجود الحكومة.
وعلى ذلك ، يجب في كل دولة منظمة يكون الصالح العام Public Good هدفها ـ كما هو المفروض ـ وضع السلطة التشريعية في أيدي أشخاص مختلفة ، يكون لهم ـ عندما يجتمعون بشكل قانوني ـ حق عمل القوانين بمفردهم أو بالاشتراك مع غيرهم ، وعندما ينتهون من وضع هذه القوانين ، ينفضون ويخضعون هم أنفسهم لها ، وهذا ما يجعلهم يضعون القوانين بعناية ودقة ، بقصد خدمة الصالح العام .وحاصل القول ، أن " جون لوك " في كتابه عن " الحكومة المدنية " استطاع أن يوضح فائدة تقسيم السلطات ، ولكنه لم يتوصل إلى تحرير نظرية واضحة المعالم كما فعل من بعده مونتسكيو ؛ ومع ذلك ، فإنه لا جدال في أن نظرية " لوك " في فصل السلطات هي الأساس الذي أقام عليه " مونتسكيو " نظريته الخاصة بهذا المبدأ ، والتي تضمنها كتابه المشهور " روح القوانين ", إلا أن مونتسكيو حوّر عناصر نظرية الفيلسوف الإنجليزي وأنشأ منها خلقاً جديداً ، أو على حد تعبير الفقيه اسمان Esmein أوجد من النطفة مخلوقاً كامل النمو تام التكوين.
تعتبر نظرية مونتسكيو في فصل السلطات مرحلة من تطور فكري طويل ، حيث قام هذا الفيلسوف بدراسة أفكار من سبقوه حول هذا المبدأ، مستفيداً من إقامته بانجلترة لمدة عامين، ومتأثراً بالنظم الإنجليزية المعمول بها حينذاك، إلا أنه تعدى حدود هذه النظم، ولم يتأثر بالواقع العملي للحكومات السائدة في عصره ، ووضع نظرية عامة مثالية مقرونة باسمه, وعرضها عرضاً واضحاً ورائعاً في كتابه " روح القوانين " الذي ظهر عام 1748 م ، ولا تزال الأفكار التي طرحها تمثل حجر الزاوية في دراسات القانون الدستوري ، بل يمكن القول أنها تعد أساساً لكل حكومة منظمة ، وعنواناً لكل دولة مثالية بغض النظر عن الزمان أو المكان الذي توجد فيه هذه الحكومة أو تلك الدولة ، ولذلك كان من حقه في الفكر السياسي أن تنسب إليه هذه النظرية وترتبط باسمه.
عرض مونتسكيو نظريته في كتابه الشهير " روح القوانين " في الفصل السادس من الكتاب الحادي عشر منه ، وذلك تحت عنوان " دستور انجلترة " بادئاً القول بأنه : " يوجد في كل دولة ثلاثة أنواع من السلطة : وهي السلطة التشريعية ، والسلطة المنفذة للقانون العام ، والسلطة المنفذة للمسائل التي تعتمد على القانون المدني؛ فبموجب السلطة الأولى, يشرع الأمير أو الحاكم القوانين لمدة مؤقتة أو على سبيل الدوام ، كما له أن يعدل أو يلغي القوانين المعمول بها ، وبواسطة السلطة الثانية ، يقر السلم أو يعلن الحرب, ويرسل السفراء إلى الدول الأجنبية, ويستقبل سفراءها ، ويوطد الأمن في الداخل ، ويحتاط ضد كل اعتداء أو غزو من الخارج ، وأخيراً يستطيع الحاكم بموجب السلطة الثالثة أن يعاقب المجرمين, ويفصل في منازعات الأفراد, ويطلق على هذه السلطة الأخيرة " السلطة القضائية ", بينما تسمى الثانية ـ ببساطة ـ " السلطة التنفيذية للدولة ".
وبعد أن ميز " مونتسكيو " السلطات الثلاث المذكورة ، وفصّل المهام التي تتولاها كل سلطة ، رأى ضرورة فصلها ، ووجوب توزيعها على هيئات مستقل بعضها عن بعض ، وذلك لأن اجتماع هذه السلطات الثلاث وتركيزها في يد واحدة يؤدي إلى فساد السلطة واستبدادها ، وتجاوزها للحدود الدستورية والقانونية ، والإضرار بحقوق الأفراد وتعريض حرياتهم للخطر .
وفي هذا المعنى يقول مونتسكيو :« إذا اجتمعت السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية في يد شخص واحد ، أو تركزت في هيئة واحدة ، فلن تكون هناك حرية ، لأنه يخشى في هذه الحالة أن يقوم ذلك الشخص أو تلك الهيئة ( الحاكم نفسه أو مجلس الشيوخ ) بسن قوانين استبدادية جائرة Tyrannical Laws, وتنفيذها بطريقة ظالمة .
مرة أخرى ، لن تكون هناك حرية ، إذا لم تكن السلطة القضائية منفصلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، لأنها إذا كانت متحدة أو مجتمعة مع السلطة التشريعية ، فإن حياة المواطن وحريته تصبحان عرضةً للتحكم والسيطرة الاستبدادية Arbitrary Control, لأن القاضي في مثل هذه الحالة سيكون هو مشرّع القانون ؛ وإذا كانت السلطة القضائية متحدة أو مجتمعة مع السلطة التنفيذية ، فإن القاضي قد يتصرف بعنف وقسوة Violence ويمارس الظلم والاضطهاد Oppression ». وباختصار, فإن كل شيء مهدد بالضياع عند مونتسكيو إذا ما اجتمعت السلطات الثلاث في قبضة شخص واحد أو هيئة واحدة, حتى ولو كانت قبضة الشعب ذاته, وعبَّر مونتسكيو عن ذلك بقوله « إن كل شيء سيضيع إذا مارس نفس الشخص أو نفس الهيئة ، سواء كانت مكونة من وجهاء البلاد ونبلائه أو من الشعب نفسه, هذه السلطات الثلاث : السلطة التي تسن القوانين, وتلك التي تعمل على تنفيذ القرارات العامة, والفصل في الجرائم والمنازعات الفردية ».
ويعطي " مونتسكيو " تعليلاً فلسفياً لهذه النتيجة التي توصل إليها ، يعتمد على أسس تاريخية وبشرية في آن واحد ، إذ يقول : « إن الحرية السياسية لا يمكن ضمانها إلا في الحكومات المعتدلة ، على أنها لا توجد دائماً في تلك الحكومات ، فهي لا تتحقق إلا عند عدم إساءة استعمال السلطة . فلقد أثبتت التجارب الأبدية أن كل إنسان يتمتع بسلطة يميل إلى إساءة استعمالها ، ويتمادى في استعمالها حتى يجد حدوداً توقفه . إنه ليس غريباً ـ من خلال هذه الحقيقة ـ أن نقول بأن الفضيلة نفسها في حاجة إلى حدود . ولكي نمنع أو نتفادى إساءة استعمال السلطة ، فإنه من الضروري ـ بطبيعة الأشياء ـ أن يكون النظام قائماً على أساس أن السلطة توقف أو تحد السلطة ».
ولكن لا يكفي لكي "توقف السلطة السلطة" أن يكون هناك فصل بينها ، أو أن يعهد ببعض من الاختصاصات إلى كل منها تباشره استقلالاً عن الأخرى ، وإنما يجب بالإضافة إلى ذلك ، أن تكون علاقاتها متكافئة ، أي أن يكون لكل سلطة من السلطات الثلاث ثقلاً ووزناً ، تستطيع بواسطته أو من خلاله أن تقاوم السلطات الأخرى .
إن نظرية مونتسكيو لا ترمي إلى توزيع الوظائف من الناحية القانونية فقط ، بل إلى استقلال كل هيئة في ذاتها كذلك ، وقد عبر مونتسكيو عن ذلك بقوله : " يتحتم لإيجاد حكومة معتدلة تنسيق السلطات ، وتركها تعمل دون اندفاع ، أو بعبارة أخرى ، إعطاء كل منها ثقلاً تستطيع أن تقاوم به الأخرى … "
ونخلص من هذا العرض لوجهات نظر " مونتسكيو " بخصوص مبدأ فصل السلطات إلى النقاط الجوهرية التالية : أ ـ قسّم " مونتسكيو " السلطات العامة في الدولة إلى ثلاث سلطات أساسية هي : التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية ، وبيّن المهام التي تضطلع بها كل سلطة. ب ـ أكد " مونتسكيو " أن توزيع السلطات وفصلها بهذه الصورة أمر ضروري ، فليس أخطر على الحرية ، وأقرب إلى الطغيان والاستبداد من جمع السلطات الثلاث في يد واحدة ، ولو كانت هذه اليد هي قبضة الشعب نفسه ، أو مجلس منبثق عنه ، فطبيعة النفس البشرية عبر القرون أثبتت أن الاستبداد قرين الاستئثار بالسلطة . ج ـ لم يتوقف " مونتسكيو " عند حد الفصل بين السلطات العامة في الدولة ، وإنما قال بضرورة رقابة السلطة ، أي أن تقوم السلطة بالحد من السلطة ، ومن هنا يمكن القول بأن" مونتسكيو " كان يعلن مبدأ من مبادىء فن السياسة ، وليس مبدأ من مبادىء القانون ، ذلك أنه لم يقترح تنظيماً للدولة ، وإنما قال بوسيلة تجنب السلطة صفة الكلية أو الشمولية. د ـ أكد مونتسكيو على حاجة السلطات العامة وبخاصة التشريعية والتنفيذية منها إلى تبادل الرقابة فيما بينها ، بحيث يكون للسلطة التشريعية إمكانية قيد السلطة التنفيذية والحد من غلوها وكبح جماحها, وأن يكون للسلطة التنفيذية ذات الإمكانية تجاه السلطة التشريعية ، فقد أوضح مونتسكيو مقدماً أنه لا فائدة من فكرة القيد الذاتي للسلطة ، ولذلك ينبغي أن يكون هذا القيد خارجياً عنها.
كان لأفكار " مونتسكيو " أثرها الواضح على رجال الثورة في فرنسا وأمريكيا ، فذهبوا إلى أن فصل السلطات هو شرط الحكومة الدستورية الحرة ، وأعلنت الثورة الفرنسية ذلك صراحة في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 أغسطس / آب عام 1789 ، فنصت المادة السادسة عشر منه على أن : " أي مجتمع لا تكون فيه الحقوق مكفولة ، أو فصل السلطات محدداً ، هو مجتمع ليس له دستور على الإطلاق ".
غير أن الثوار في فرنسا ، قد انتهوا في تفسير فصل السلطات إلى أبعد مما كان يستهدفه مونتسكيو ، فقد كانت الفكرة الأساسية التي تدور حولها نظرية مونتسكيو أن تركيز السلطات Concentration of Powers في قبضة شخص واحد أو هيئة واحدة يعرّض حريات الأفراد العامة إلى الضياع ، وأنه تأسيساً على ذلك ، فإن فصل السلطات لا يعدو أن يكون قاعدة سياسية تفيد توزيع سلطات الدولة على هيئات عامة مستقلة ، يمكن لكل منها أن توقف الأخرى؛ وهو ما يعني أن مونتسكيو ما كان يتصور فصل السلطات فصلاً مطلقاً أو نهائياً يؤدي إلى استقلال الهيئات العامة استقلالاً كلياً ينتهي بها إلى نوع من العزلة ، وهو ما لم يفهمه الثوار في فرنسا ، فقد فسروا المبدأ بما يؤدي إلى الفصل المطلق أو التام ، بحيث تنتفي كل علاقة أو تداخل بين الهيئات القائمة على مباشرة هذه السلطات .
نشأ خلاف بين فقهاء القانون العام حول مفهوم أو مدلول مبدأ الفصل بين السلطات ، فالبعض فهمه على أنه يعني الفصل المطلق بين السلطات ، وأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق غاية المبدأ الأساسية في منع التعسف والاستبداد بالسلطة . وهذا التفسير ـ رغم خطئه ـ ذاع وانتشر زماناً غير قصير ، وساد وطبق في غير قليل من الدساتير ، إلا أن الغالبية العظمى من الفقهاء قد فهمت المبدأ على نحو آخر ، وهو أنه يعني الفصل المرن أو النسبي ، أي فصلاً مع التوازن والتعاون بين السلطات.
اولا،  مضمون فكرة الفصل المطلق : سادت هذه الفكرة في الحقبة التي أعقبت الثورة الفرنسية French Revolution مباشرة, فقد فهم رجال تلك الثورة ومن عاصرهم من الفقهاء مبدأ الفصل بين السلطات على أنه فصل جامد ومطلق, أي أن كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث يجب أن تباشر اختصاصاتها استقلالاً, ولا تتدخل في اختصاصات السلطات الأخرى . واستند رجال الثور الفرنسية في تفسيرهم إلى أن الأمة صاحبة السيادة تملك ثلاث سلطات ، وكل سلطة تمثل جزءاً منفصلاً ومستقلاً من أجزاء السيادة التي تملكها ، وعندما تختار الأمة ممثليها فإنها تفوض كلاً من هذه السلطات إلى هيئة عامة مستقلة ومتخصصة ، فتفوض إحدى هذه الهيئات الأمة في ممارسة السلطة التشريعية ، والأخرى في ممارسة السلطة التنفيذية ، والثالثة في ممارسة السلطة القضائية ؛ وهذه الوظائف الثلاث ليست مجرد اختصاصات مختلفة تصدر عن سلطة واحدة ، ولكنها سلطات مستقلة تعبر كل منها عن جانب من جوانب السيادة ، وتمارس نشاطاً متميزاً ومستقلاً .ويترتب على ذلك ، قيام فصل مطلق بين هذه السلطات الثلاث ، وحصر كل سلطة منها في نوع معين من النشاط ، وأمام ذلك ، ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بأن مبدأ الفصل بين السلطات يقوم على قاعدتين تكمل إحداهما الأخرى : فهو يقوم أولاً على قاعدة التخصص الوظيفي fonctionnelle La règle de la spécialisation ، فتتعدد الهيئات العامة بقدر تعدد سلطات الدولة ، وتختص كل منها بأعمال سلطة معينة من هذه السلطات ؛ ويقوم ثانياً على قاعدة الاستقلال العضوي La règle de l’indépendance organique ، فتعد كل هيئة من هذه الهيئات مساوية لغيرها ومستقلة عنها, ولا يجوز أن تتدخل إحداها في أعمال الأخرى.
أخذ أول دساتير الثورة الفرنسية الصادر في 3 سبتمبر سنة 1791 بهذا التفسير " الخاطىء " لمبدأ الفصل بين السلطات ، حيث جعل كل سلطة من سلطات الدولة في عزلة تامة عن بقية السلطات( ), وهو ما سار عليه أيضاً دستور السنة الثالثة الصادر في عام 1795 ، ويتبين ذلك ( أولاً ) من كون الوزراء إنما يجري تعيينهم وعزلهم بمعرفة رئيس السلطة التنفيذية وحده ، و ( ثانياً ) من أن الوزراء يجب أن يختاروا من غير أعضاء البرلمان ، و ( ثالثاً ) ليس للسلطة التنفيذية أي سلطان على السلطة التشريعية ، فليس لها أي تأثير على نظام عمل المجلسين ، فالمجلسين يمكنهما أن يجتمعا دون حاجة إلى سابق دعوة من السلطة التنفيذية ، وليس لهذه السلطة الحق في حل أي مجلس من المجلسين ، وفضلاً عن ذلك ، فإن السلطة التنفيذية لا تقوم بأي دور فيما يتعلق بالوظيفة التشريعية ، فليس لها مثلاً حق اقتراح القوانين ، وإنما كل ما لها هو مجرد توجيه نظر السلطة التشريعية إلى العناية بإصدار تشريع في مسألة معينة ، وكذلك ليس للسلطة التشريعية أي سلطان على السلطة التنفيذية.
وقد كان الهدف من تلك العزلة أو الفصل المطلق بين السلطات هو منع الاستبداد وحماية الحرية, غير أنه سرعان ما تبين أن ذلك الفصل المطلق قد أدى إلى الاستبداد والطغيان وقمع الحريات ، وإقامة أبشع صور الإرهاب ، وذلك لأن انفراد كل هيئة من الهيئات الثلاث بسلطة من السلطات دون أن تشاركها فيها هيئة أخرى ، ودون أن تكون خاضعة لرقابة أو تدخل غيرها من الهيئات ، يفتح المجال أمام تلك الهيئة للاستبداد والتحكم ، لأنها لن تجد أمامها هيئة أخرى تقف في طريقها أو تحول بينها وبين الطغيان ، ومن أجل ذلك ، فقد عدلت الدساتير الفرنسية عن فكرة الفصل المطلق بين السلطات ، وانتهجت التفسير الحقيقي للأفكار التي نادى بها دعاة مبدأ الفصل " أمثال جون لوك و مونتسكيو " ، فأخذت بالفصل النسبي المرن الذي يسمح بوجود قدر من التعاون بين الهيئات العامة المختلفة ، دون أن يؤدي ذلك إلى حد إلغاء الفواصل بينها أو تمكين إحدى الهيئات من السيطرة على باقي الهيئات وإخضاعها لإرادتها.
منطق  فكره الفصل النسبى: لم تعمر فكرة الفصل المطلق بين السلطات طويلاً ، وذلك لتعارضها مع وحدة السلطة في الدولة ، فالسلطات العامة في الدولة هي في الحقيقة جملة اختصاصات ترتد جميعاً إلى أصل واحد ، ومن ثم لا يمكن ممارستها بطريقة استقلالية كلاً منها عن الأخرى ، بل يلزم أن تقوم بين الهيئات التي تمارسها علاقات تعاون و تداخل ، تنسق بينها ، وتوجه نشاطها جميعاً إلى الهدف المشترك ؛ لذلك كانت النظرية التي سادت إبان الثورة الفرنسية ، والتي نادت بالفصل المطلق بين السلطات ، نظرية قصيرة العمر ، سرعان ما هجرت واستعيض عنها بمبدأ الفصل النسبي أو المرن بين السلطات.
تقوم فكرة الفصل النسبي أو المرن بين السلطات العامة على أساس أن " سلطة الدولة تمثل وحدة لا تتجزأ " The state power forms a unity ، and is indivisible ، غير أن للدولة وظائف ثلاث هي الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية، وهذه الوظائف الثلاث يجب أن توزع على هيئات ثلاث ، بحيث تكون هناك هيئة تختص بممارسة التشريع، وهيئة تختص بممارسة أمور التنفيذ، وهيئة تباشر الوظيفة القضائية؛ غير أن تلك الهيئات عندما تباشر تلك الوظائف لا تباشرها باعتبارها سلطات منفصلة يمثل كل منها جانباً من جوانب السيادة ، بل باعتبارها مجموعة من الاختصاصات تصدر من سلطة موحدة هي سلطة الدولة ، وهذه الاختصاصات لا يمكن الفصل بينها فصلاً مطلقاً لسببين :
السبب الأول : أن هذه الاختصاصات جميعاً إنما تمارس لأجل تحقيق الصالح العام ، وبناء عليه فإنه يجب أن يقوم تعاون وتنسيق بين الهيئات التي تباشرها, وذلك لأجل تحقيق تلك الغاية . والسبب الثاني : مفاده أن هذه الاختصاصات يتداخل بعضها مع البعض الآخر لدرجة لا تسمح بالفصل بينها فصلاً مطلقاً ، وبناء عليه يجب أن تكون هناك درجة معينة من المشاركة في ممارستها بين الهيئات العامة المختلفة ، شريطة ألا تؤدي تلك المشاركة إلى إلغاء الفواصل القائمة بينها ، أو تركيز السلطة في يد واحدةٍ منها .
عدلت أنظمة الدول الليبرالية عن فكرة الفصل المطلق بين السلطات كونها تمثل نظام خيالي لا يمكن أن يتم له التطبيق في العمل ، وانتهجت التفسير الصحيح للمبدأ ، والمتمثل في فكرة الفصل النسبي المرن ، فهذه الفكرة هي التي أمكن تطبيقها على صعيد الواقع ، كما أنها هي الفكرة السائدة في الفقه المعاصر ، وعلى أساسها ـ كما سنرى في المطلب الثاني ـ يجري تصنيف الأنظمة النيابية في الدول الديمقراطية الليبرالية .
ذهب معظم فقهاء القانون العام إلى أن المفهوم الصحيح لمبدأ فصل السلطات ـ كما تصوره مونتسكيو ـ هو الفصل المتوازن بين السلطات العامة الثلاث في الدولة ، مع قيام قدر من التعاون فيما بينها ، لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام ، ووجود رقابة متبادلة بينها لضمان وقوف كل سلطة عند حدودها ، دون أن تجاوزها أو تعتدي على سلطة أخرى.
وإذا كان الثوار في فرنسا ، ومن عاصرهم من الفقهاء ، قد انتهوا في تفسير فصل السلطات على أنه يعني الفصل المطلق أو التام ، فإن هذا التفسير خاطىء ، ويتجاوز حدود نظرية مونتسكيو ، وذلك لأن هذا الأخير لم يخطر على ذهنه مطلقاً أن يقيم فصلاً كاملاً بين الهيئات الحاكمة ، وإنما أقام بينها نوعاً من الاعتدال والانسجام في الحركة ( ), وهذا ما أشار إليه مونتسكيو نفسه في معرض حديثه عن العلاقة بين البرلمان والحكومة في النظام الإنجليزي بقوله :« إن هذه السلطات الثلاث ستنتج حالة من الرقاد والكسل والتراخي ، ولكن نظراً لطبيعة الأشياء ، فإن عليها أن تتحرك ، وستجد نفسها مضطرة للحركة والتعاون بانسجام وتوافق »؛ ولا شك أن الإشارة إلى تنسيق الجهود والتعاون يعني أن الفصل بين السلطات ليس جامداً أو مطلقاً ، وإنما هو فصل مرن.
وهذا الرأي يحظى بتأييد عدد كبير من الفقهاء المعاصرين:  1 ـ إن الغاية الأساسية التي تغياها مونتسكيو من فصل السلطات هي تفادي إساءة استخدام السلطة وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم ، بيد أنه يكفي لتحقيق هذه الغاية توزيع السلطات بين هيئات متعددة تستطيع كل منها أن تمنع الأخرى من الاستبداد بالسلطة ، بل إن هذه الغاية المنشودة لا تتحقق على الوجه الأكمل في نظام يقوم على الفصل المطلق بين السلطات, فالفصل المطلق يجعل من كل هيئة سلطة منعزلة تماماً Utterly Isolated عن باقي السلطات ، وتمارس اختصاصاتها بطريقة استقلالية قد تمكنها من إساءة استعمالها لأن السلطة المستقلة لا تجد أمامها عائقاً يمنعها من الاستبداد ، فالسلطات الأخرى لا تستطيع أن تتدخل في ممارستها لاختصاصاتها ، وبالتالي لا تستطيع أن تحول بينها وبين ممارسة الطغيان ، ومن ثم ، بدلاً من أن يكون هذا الفصل المطلق ضمانة ضد التحكم والاستبداد ، يهيئ الفرصة للتحكم والاستبداد.
ولعل ما وقع من استبداد وقمع للحريات ، وممارسة أبشع صور الإرهاب في ظل دستور 1791 الفرنسي ، ودستور السنة الثالثة 1795 من قيام الثورة الفرنسية كذلك ، أوضح دليل على أن الفصل المطلق لا يحقق حريات الأفراد ولا يحميهم من التحكم والاستبداد .
2 ـ كما أن مونتسكيو درس مبدأ فصل السلطات تحت عنوان دستور إنجلترة وذلك في الفصل السادس من الكتاب الحادي عشر من مؤلفه "روح القوانين"؛ ومن الثابت أن إنجلترة لم تعرف في أية لحظة من لحظات تاريخها السياسي فكرة الفصل المطلق بين السلطات . ومعلوم أيضاً أن مونتسكيو كان من المعجبين جداً بالدستور الإنجليزي ، والمحبذين للأسس التي قام عليها. 3 ـ وفضلاً عن ذلك ، فإذا ما رجعنا إلى الفصل السادس من الكتاب الحادي عشر من مؤلف مونتسكيو " روح القوانين " لوجدنا كثيراً من الفقرات يعترف فيها مونتسكيو للسلطة التنفيذية بحق المشاركة أو التدخل في بعض أعمال السلطة التشريعية ، فيعترف للسلطة الأولى بحق دعوة البرلمان إلى الانعقاد ، والحق في فض دورات انعقاده ، والاعتراض على القوانين ، وفي مقابل ذلك يقر بحق الهيئة التشريعية في مراقبة أعمال الهيئة التنفيذية والإشراف على كيفية تطبيقها للقوانين ؛ مما يعني بالتالي أن " مونتسكيو " لم يذهب إلى حد القول بالفصل المطلق بين السلطات بل قدّر دائماً وجود علاقة مستمرة بينها ، حيث يقول في ذلك : " إذا لم يكن للسلطة التنفيذية الحق في أن تقيد أو تكبح تجاوزات الهيئة التشريعية ، فإن هذه الأخيرة ستغدو مستبدة ، لأنه من الممكن أن تدعي لنفسها الحق في أي شيء ترغب فيه ، وبذلك ستدمر باقي السلطات الأخرى ؛ لذا فإن السلطة التنفيذية يجب أن يكون لها دور في مجال التشريع عن طريق سلطتها في المنع ( أي حق الاعتراض التوقيفي ) ، وبغير هذه السلطة لا تلبث أن تُسلب منها امتيازاتها .. وإذا لم يكن لدى السلطة التشريعية ـ في دولة حرة ـ الحق في أن توقف السلطة التنفيذية ، فإن لها الحق في أن يكون لديها الوسائل والإمكانيات لفحص طريقة تنفيذ القوانين التي تضعها " .
عرف مبدأ الفصل بين السلطات مجداً لم يلقه أي مبدأ آخر ، حيث وجد هذا المبدأ حظوة كبيرة لدى فقهاء القانون العام ، فأخذوا يتحمسون له ويدافعون عنه ، وذلك من خلال إبراز مزاياه وشرح مبررات الأخذ به وتطبيقه ؛ ولكنه شأنه شأن غيره من المبادىء السياسية والقانونية لم يسلم من النقد والهجوم عليه ، فقد عاداه بعض الفلاسفة والفقهاء ، ووجهوا إليه سهام نقدهم ، وشكّكوا في أصالته وفي جدواه .أيد معظم رجال الفقه مبدأ الفصل بين السلطات ودافعوا عنه بحرارة ، حيث قام هؤلاء بتعزيز دفاع مونتسكيو المؤسَّس على أنه ضرورة لمنع الاستبداد وضمان الحقوق والحريات وسيادة القانون ، فضلاً عن أنه يحقق للهيئات المنفصلة أسباب التخصص والخبرة والإجادة .
وعلى ذلك ، فإن المبررات التي أدت إلى الأخذ بهذا المبدأ وتطبيقه تتلخص فيما يلي:1 ) منع الاستبداد وصيانة الحريات :
بيّنا من قبل أن الغاية الأساسية التي تغياها مونتسكيو من فصل السلطات هي تفادي إساءة استخدام السلطة ، وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم , وبمعنى آخر ، فإن مونتسكيو قد نادى بمبدأ فصل السلطات كوسيلة لتفتيت السلطة ، ومنع تركيزها في يد واحدة على نحوٍ يهدد حريات الأفراد ويعرض حقوقهم للخطر. وقد عبر " ماديسون " عن هذا الفهم بوضوح في كتاب " الفدراليست " حيث يقول : " إن تَجَمّع ( تَكَدّس ) السلطات كلها ، التشريعية والتنفيذية والقضائية في يد واحدة ، سواء كانت تلك اليد هي يد حاكم فرد أو مجموعة من الحكام ، وسواء وصل أولئك الحكام إلى مناصبهم بالوراثة أو الانتخابات أو بفرض أنفسهم على المجموع, هذا التجمع الخطير هو أخص خصائص الاستبداد ، بل هو الاستبداد بعينه ".
وهذه الحقيقة غير خافية على أحد ، فطبيعة النفس البشرية أثبتت عبر القرون ، ومن خلال التجارب المستمرة ، أنها تجنح إلى الاستبداد إذا ما استأثرت بالسلطة ، وتنزع إلى إساءة استعمالها ؛ وقد عبر عن ذلك اللورد ]]آكتون]] Lord Acton (1834–1902)أحد كبار الساسة والمؤرخين البريطانيين السالفين بقوله : « إن كل سلطـة مفسدة ، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة »( ). وإذا كان الجميع متفق على أن السلطة ذات طبيعة عدوانية جشعة Power is of an encroaching nature ، وأنه يتوجب بالتالي تقييدها كيلا تتجاوز الحدود المقررة لها ، فإن الطريقة المثلى لمجابهة هذا الخطر تنحصر في توزيع السلطات ، حتى توقف كل سلطة عند حدها بواسطة غيرها بحيث لا تستطيع واحدة أن تسيء استعمال سلطتها أو تستبد بالسلطة.
2 ) تأكيد مبدأ المشروعية في الدولة :
يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات من الضمانات المهمة التي تكفل قيام دولة القانون Lawful State ، فهو وسيلة فعالة لكفالة احترام القوانين وتطبيقها تطبيقاً عـادلاً وسليماً( )؛ وقد أوضح مونتسكيو الصلة بين الحرية الواردة في الحجة السابقة ، وبين صفة الشرعية Legality في الدولة ، وذلك على أساس أن وجود هذه مرهون بصيانة تلك . وبيان ذلك ، أنه إذا جُمع التشريع والتنفيذ بيد واحدة زالت عن القانون صفته الأساسية, وهي كونه قواعد عامة مجردة توضع للمستقبل دونما نظر إلى الحالات الخاصة التي قد تؤثر في حيادها وعموميتها ، فتجنح بها إلى الجور أو المحاباة ؛ هذا الصفة في القانون لا تتحقق إن كان المنفّذ في نفس الوقت مشرّعاً, إذ يستطيع أن يعدّل القانون في لحظة تنفيذه على الحالات الفردية التي يحوطها الغرض, ويخشى بصددها الجور أو المحاباة ، وبهذا تنتفي عن القانون عموميته وحياده, وتنتفي عن الدولة تبعاً لذلك صفة حكم القانون بمعناه الصحيح ، ليسودها حكم الجور والأهواء ، فيضع المشرع قوانين جائرة ، وينفذها هو نفسه ـ باعتباره سلطة تنفيذية ـ تنفيذاً جائراً كذلك( ).
وهذا ما عبر عنه مونتسكيو بقوله : « إذا اجتمعت السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية في يد شخص واحد ، أو تركزت في هيئة واحدة ، فلن تكون هناك حرية ، لأنه يخشى في هذه الحالة أن يقوم ذلك الشخص أو تلك الهيئة ( الحاكم نفسه أو مجلس الشيوخ ) بسن قوانين استبدادية جائرة ، وتنفيذها بطريقة ظالمة »( ) . وينطبق هذا القول تماماً على حالة الجمع بين سلطتي التشريع والقضاء ، أو الجمع بين التنفيذ والقضاء، لأن من شأن هذا الجمع أن يحول القاضي إلى طاغية ، وهو ما أشار إليه مونتسكيو بقوله : « مرة أخرى ، لن تكون هناك حرية ، إذا لم تكن السلطة القضائية منفصلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، لأنها إذا كانت متحدة أو مجتمعة مع السلطة التشريعية ، فإن حياة المواطن وحريته تصبحان عرضةً للتحكم والسيطرة الاستبدادية ، لأن القاضي في مثل هذه الحالة سيكون هو مشرّع القانون ؛ وإذا كانت السلطة القضائية متحدة أو مجتمعة مع السلطة التنفيذية ، فإن القاضي قد يتصرف بعنف وقسوة ، ويمارس الظلم والاضطهاد ".
3 ) تحقيق الفوائد المترتبة على مبدأ تقسيم العمل :
يتفق مبدأ الفصل بين السلطات مع مبدأ إداري مهم ، ويعتبر تطبيقاً سليماً له ، ألآ وهو "مبدأ التخصص وتقسيم العمل"  الذي أصبحت تسير عليه كافة المشروعات الناجحة.وإذا كان ذلك المبدأ يطبق في كافة المشروعات العامة والخاصة على حد سواء ، ويعتبر شرطاً أساسياً من شروط نجاحها ، فإنه من باب أولى واجب التطبيق على الدولة ، باعتبارها أكبر الأنشطة حجماً ، وأكثرها أهمية ، وأشدها تنوعاً ، وبالتالي أحوجها إلى التخصص وتقسيم العمل.
ويؤدي منطق مبدأ الفصل بين السلطات إلى توزيع وظائف الدولة الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات أو سلطات ثلاث ، فتمارس الأولى مهمة التشريع ، والثانية مهمة التنفيذ ، في حين أن السلطة الثالثة تمارس مهمة القضاء ؛ وتقسيم الوظائف على هذا النحو يؤدي إلى تخصص كل سلطة من هذه السلطات بالمهام الموكلة إليها ، وإتقان كل سلطة لعملها ، وقيامها به على خير وجه ، مما يحقق في النهاية حسن سير العمل في كافة المجالات الرئيسية في الدولة : التشريعية والتنفيذية والقضائية.

د. جهاد عوده

 

التعليقات