كتاب 11
اللامعقول في سوريا!
وكأن المشهد السوري المتأزم جدًا كان بحاجة للقطة جديدة تزيد المتابع حيرة وقلقًا وخوفًا حتى يأتي ما حصل مؤخرًا في الاشتباك العسكري والدبلوماسي بين الأتراك والروس، الذي جاء بعد إسقاط القوات العسكرية التركية للطائرة الروسية بعد اختراقها المجال الجوي التركي. وليس هناك «أوقع» من تعليقات نظام بشار الأسد على الأحداث، ولذلك لم يكن مفاجئًا عندما جاء تعليقهم وهو ينتقد التدخل السافر للأتراك بالاعتداء على الطائرة العسكرية الروسية داخل الأجواء السورية، وهو تعليق لا يمكن أن يكون منطقيًا أو عقلانيًا. حقيقة الأمر أن هذه ليست المرة الأولى التي تخترق فيها قوات الطيران الروسي الأجواء التركية، بل هي المرة السابعة التي تحصل، الجديد هنا أن تركيا قررت أن تبادر بالرد وعدم الاكتفاء بالتحذير والشجب والتهديد.
إنه مشهد «عملي» للصراعات الكبرى التي تتم تصفية فواتيرها على الأراضي السورية، وكان لافتًا جدًا أن الرد التركي جاء بعد سويعات قليلة من الزيارة «الحميمية» التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الإيرانية طهران وخروج بيان مشترك بين البلدين يندد بالتدخلات الخارجية في سوريا ويرفضها بشدة، وهو بيان أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه مضحك وغير منطقي، لأنه يصدر من بلدين لهما قوات كبيرة تقاتل في سوريا وتمارس القتل الممنهج بحق الشعب السوري بشتى الأنواع والأشكال.
إذا كان هناك اتفاق شكلي وظاهري بين روسيا وإيران على الدفاع عن الأسد بكل الوسائل الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والاستخباراتية، ويعكس هذا المبالغة العظيمة والهائلة في الحفاوة والفرحة التي تكون عقب كل لقاء بين المسؤولين الكبار من البلدين سواء أكان ذلك في موسكو أو في طهران، إلا أن روسيا قررت حسم الأمر في سوريا لنفسها وتقليص النفوذ والحضور الإيراني إلى أدنى درجة، وهذا يفسر حالات الاغتيال الغامضة والمتكررة بحق عدد غير بسيط من قادة الحرس الثوري الإيراني الموجود في سوريا.
روسيا تريد أن تثبت للعالم، ولحلفاء الأسد تحديدًا، أنها وحدها التي ستقرر ما يحصل في سوريا. ولكن شيئا ما حدث لبوتين، فلأول مرة منذ عقود طويلة من الآن تسقط إحدى دول حلف الأطلسي طائرة حربية للروس، وتوقع الناس ردًا عنتريًا من بوتين، وإذ به يخرج بعبارات تهديدية فارغة، وكأن الأطلسي «بحلق» في عيني بوتين وبوتين «أغمض» عينيه أولاً، لأن رد بوتين عسكريًا كان سيعني سيناريو لحرب عالمية ثالثة، وإذا لم يحارب ويرد فهذا يعني أنه ليس لديه ما يخيف ويهدد به وأن ما يروّج له من قوة وبطش هو أقل من الواقع بكثير.
هناك مثل هندي قديم جدًا يقول: عندما تتصارع الفيلة يموت الحشيش، وما يحدث على الأرض السورية اليوم هو أن عددًا غير معقول من الفيلة يتصارع ويموت آلاف من الحشيش، وهو الشعب السوري، وكل ذلك لأجل بشار الأسد؟ هذا هو اللامعقول فعلاً!