منوعات

12:54 مساءً EET

المنشطات.. داء مستفحل في جسم الرياضة العالمية

أزمة المنشطات وتبعاتها المستفحلة هذه الأيام في عالم ألعاب القوى، وما أوقعته من عقوبات قضت أخيرا بتوقيف الاتحاد الروسي للعبة دوليا، حتى تسوية أوضاعه “الفنية – القانونية”، وصولا إلى إمكانية تجميد نشاط الاتحاد الدولي للعبة، أعادت تسليط الضوء على “داء مستفحل” في جسم الرياضة العالمية. فالحقيقة أن ألعاب كثيرة “ملوثة”، لكنها تستمد حمايتها من سلطة المال ومصالح الدول العليا وصون “الصورة الناصعة” والسمعة، والموجة المتصاعدة أخيرا طرحت مجددا الصراع في هذا الإطار، حيث الغاية تبرر الوسيلة مهما كان الثمن، لأن الفوز بميدالية قرار استراتيجي أحيانا معطوف على الاستثمار ومبالغ الرعاية وسياسة إظهار القوة والكفاءة والنهج السليم، فلا عجب أن تحدثوا عن مختبر روسي “مضاد” لكشف المنشطات يحمي المتنشطين ويقيهم اكتشاف حقيقتهم.

كانت الوكالة العالمية قد أدانت في تقرير نشرته مطلع شهر نوفمبر الجاري نظاما شاملا للمنشطات في روسيا، متهمة رئيس المختبر الروسي غريغوري رودتشنكوف (استقال من منصبه) بالضلوع في تنشيط الرياضيين، ويتضمن خصوصا إتلاف المختبر نتائج اختبارات إيجابية لمواد منشطة و1417 عينة محفوظة. وطالبت الوكالة في الوقت نفسه بإيقاف ألعاب القوى الروسية عن المشاركة في المسابقات كلها.

وأشار غونتر يونغر، مدير المنشطات السابق في الإنتربول، إلى أن التورط الروسي ثبت في ضوء بحث وتقصٍ ورصد وتحليل وثائق وتسجيلات إلى رسائل “إرشادية” وجهها الطبيب سيرغي برتغالوف إلى رياضيين حول سبل التنشط وكيفية تفادي الوقوع في الاختبارات. غير أن الأمر لن يقتصر على لائحة روسية، فدلائل كينية تصب في الإطار نفسه، كذلك تركية وصينية وبلغارية، فآثار “المدرسة الشرقية” لم تمح بعد. فمثلا، ظهرت آثار تنشط على 18 عداء كينيا من بين 800 حالة إيجابية لـ5 آلاف عينة أخذت من رياضيين بين العامين 2001 و2012.

ويؤكد العداء ويلسون كيبسانغ، بطل ماراثوني لندن ونيويورك، أن “المنشطات في كل مكان وليس في كينيا وحدها”، فحصد الجوائز المالية وإيقاع الفوز يتطلب أن تتنشط لتبقى في المقدمة.

وتتهم ألعاب القوى الكينية بأن 30 إلى 40 في المئة من وجوه صفها الأول يتنشطون. وما يثير استغراب بعضهم أنه منذ عام 2007 تحطم الرقم العالمي للماراثون مرة كل سنتين تقريبا، علما بأن أسلوب التدريب وظروفه في المعسكرات الكينية لم تتبدل منذ عام 1980. وسيغيب رباعو بلغاريا عن دورة ريو دي جانيرو الأولمبية الصيف المقبل، بعدما أوقفهم الاتحاد الدولي لرفع الأثقال عقب اكتشاف حالات تنشط عدة في صفوفهم. واتخذ القرار على هامش بطولة العالم للمصارعة التي أجريت في هيوستن (الولايات المتحدة) أخيرا.

في مارس الماضي، سقط ثمانية رباعين بينهم ثلاثة من أبطال أوروبا وثلاث رباعات في اختبارات للمنشطات (تناولوا مادة ستانوزولول) أثناء معسكر تدريبي استعدادا للبطولة القارية في تبيليسي (جورجيا). كما أوقف ديمير ديميريف، بطل أوروبا السابق، وإيفان ماركوف، بطل العام الماضي، وإيفايلو فيليف والرباعة ميلكا مانيفا بسبب اتهامات مماثلة.

كان الاتحاد البلغاري للعبة قد عانى من مواقف متكررة مماثلة مثيرة للحرج، وجرّد من رخصته موقتا في عام 2009. وغاب الرباعون البلغار عقب الانسحاب من دورة بكين الأولمبية 2008 إثر سقوط 11 منهم في اختبارات المنشطات. كما سحب الاتحاد الدولي إحدى بطاقات رومانيا في الأولمبياد بسبب سقوط عدد من رباعيها في اختبارات المنشطات أثناء التصفيات.

وحكمت محكمة التحكيم الرياضي على الإسبانية مرتا دومينغيز، بطلة العالم 2009 في سباق 3 آلاف موانع، بالإيقاف 3 سنوات بسبب مخالفتها قوانين مكافحة المنشطات وستخسر بالتالي ذهبيتها، علما بأن اتحاد بلدها برأها في فبراير 2014 خلافا لتوصيات الاتحاد الدولي، الذي طلب إيقافها 4 سنوات. فطلب الأخير والوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تدخل محكمة التحكيم الرياضي للبت في القضية. وهكذا يبدو أن الأمر لا يقتصر على “مخالفات” روسية للفوز بميداليات دولية، فبين عامي 1988 و2000 حصد 24 رياضيا أمريكيا بينهم الأسطورة كارل لويس ميداليات أولمبية، وسبق أن اكتشف أنهم تنشطوا، لكن المصلحة العليا قضت بالتستر والكتمان، إلى غض النظر والحماية واتخاذ ترتيبات “مضادة” هندسها الدكتور وايد اكسوم. وبعد أعوام ضج العالم بفضائح مختبر بالكو ومالكه فيكتور كونتي، الذي استعان بخدماته “العداءان الأولمبيان” ماريون جونز وتيم مونتيغومري.

أما بنك العينات الذي طالما فاخر الاتحاد الدولي لألعاب القوى أنه يمتلكه بموجب إطلاقه الجواز البيولوجي، فقد تحول من بنك معلومات ثمين إلى دراما قد تقضي على كيانه، وبات رئيسه الجديد اللورد سيباستيان كو “تحت المجهر” تُرصد تحركاته والإجراءات التي سيتخذها اتحاده.

في عام 2010، كشف باحثون في مختبر لوزان أن 14% من 2737 خضعوا لفحوص المنشطات، أظهروا آثارا إيجابية. وفي بلد لم يسموه يتنشط رياضي من اثنين. وبعد خمسة أعوام، أظهرت اختبارات لوزان أن 16% من أصل 5 آلاف رياضي خضعوا للفحص متنشطين بطريقة أو أخرى.

أما لائحة الـ150 رياضيا التي أشار إليها تحقيق التليفزيون الألماني أواخر العام المنصرم، التي حركت المياه الراكدة ووكر الدبابير في عالم ألعاب القوى، فستحلل عيناتهم الثانية المحفوظة وتعلن نتائجها قبل انقضاء عام 2015. لقد خطفت ألعاب القوى الأضواء بآفة المنشطات، غير أن اتحادات أخرى تداري وجهها حماية للسمعة وحفاظا على الهالة والشهرة، فهي أشبه بقصر منيف واجهاته براقة والمياه الآسنة تجري في أروقته. والحالة الراهنة تشبه الطريقة التي اعتمدها الاتحاد الدولي للدراجات في تستره على الأمريكي لانس ارمسترونغ، بطل دورة فرنسا 7 مرات 01999 – 2005) بفضل برنامج تنشط ممنهج. فقد غض الاتحاد الدولي الطرف مرات (عن عينات إيجابية لمادة كورتيكوييد)، وفضل أيضا ألا يشوه هالة بطولة العالم التي أحرز الفرنسي لوران بروشار لقبها (تناول مادة ليدوكايين).

والشكوك تطاول كرة المضرب أيضا، فقد أفاد بيدرو مونوز، رئيس الاتحاد الإسباني السابق (2005-2009)، أن هناك حالات كثيرة بين اللاعبين المحترفين مسكوت عنها أو أخضعت لغرامات رمزية، وكشف أنه تدخل شخصيا لحماية أحد مواطنيه في نهاية عقد التسعينات. والواضح أن إداريين ومدربين لا يستطيعون الخروج من “منظومة المنشطات” لأنها “الأداة الفاعلة في عالم الرياضة”.

من هنا كان الطرح بتكليف الوكالة العالمية بمفردها بمهام المراقبة والفحص وفرض العقوبات، لكن مثل هذه الخطوة تتطلب موازنة تفوق المليار يورو سنويا، في مقابل 30 مليونا تسير بها أعمالها حاليا. وقد نوقشت الفكرة في اجتماعات المكتب التنفيذي للوكالة الذي عقد يومي 17 و18 نوفمبر في كولورادو سبرينغ (الولايات المتحدة). وفي حال أرادت اللجنة الأولمبية الدولية والوكالة العالمية إجراء مسح سريع لمعرفة موقف الاتحادات الدولية من هذا التوجه، لاتضح أن هناك ثلاثة أطراف من المعنيين: اتحادات مرحبة لأنها تتخلص من عبء إداري وتقني ومالي، وأخرى لا تأبه بالموضوع، والاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” الذي سأل من سيمول الوكالة العالمية للاضطلاع بمسؤولياتها المقترحة. لكن تبقى معضلة إلقاء المسؤولية وآليات التنفيذ، وهل مصدر الفساد والرشى أشخاص أم أساليب وأنظمة؟

كان الفرنسي آرسين فينجر، مدرب آرسنال الإنجليزي، دعا إلى خضوع اللاعبين لفحوص دم دورية لتحسين إجراءات مكافحة المنشطات، التي يعتبرها “سطحية” (فحوصات البول) في الوقت الحالي، ويجد في القواعد القائمة “ربما غير كافية. ومن غير المعقول غض النظر عن هذه المشكلة في كرة القدم”، مطالبا بإلغاء عقود أي لاعب يثبت تنشطه.

وأوضح فينجر: “قلبت فضيحة المنشطات الأمور في ألعاب القوى، وهناك مشكلة أيضا في الدراجات، والاعتقاد بأن كرة القدم بعيدة عن ذلك أمر غير صحيح تماما”. ولفت إلى أنه ليس منطقيا أن يكون لديك 740 لاعبا في بطولة مثل كأس العالم، ولا يكون هناك شخص واحد منهم يتعاطى المنشطات.

التعليقات