أفضل المقالات في الصحف العربية

12:50 مساءً EET

مصر.. والإخوان وتغريدة التدخل الدولي

التغريدة التي أطلقها القيادي الإخواني المصري جمال حشمت قبل أيام أثارت الكثير من الجدل، وقابلها كثيرون بالاستغراب والاستهجان. فالرجل اختار توقيتًا عجيبًا لكي يقول كلامًا قرأه كثيرون على أنه يجمع بين الشماتة، والتحريض، والتلويح بتدخل عسكري دولي في مصر، وكأن المنطقة تنقصها تدخلات عسكرية دولية، أو أن مثل هذه التدخلات حققت شيئًا إيجابيًا، ولم تخلف الكوارث والفوضى والحروب الأهلية في المنطقة، أو تسهم في هدم أوطان.

الدكتور حشمت كتب في تغريدته على موقع «تويتر»: «بعد زيارة نيويورك ولندن وحادثة الطائرة الروسية وسحب السياح والمدنيين الإنجليز والروس، بدأ العد التنازلي للتدخل الدولي العسكري في سيناء ومنطقة القناة». والمقصود بالطبع هو زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى نيويورك في سبتمبر (أيلول) الماضي لحضور الافتتاح السنوي لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلى لندن الأسبوع الماضي لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال زيارة قصيرة طغت عليها ملابسات سقوط طائرة الركاب الروسية في سيناء.

دار الإفتاء المصرية اعتبرت هذا الكلام خيانة للوطن، وقالت إنه يضع الرجل في «مصاف من خانوا أمتهم وأوطانهم»، بينما تناولته وسائل إعلام مصرية بروح وتوصيفات مشابهة.

من جانبه، دافع حشمت عن تصريحاته ورفض اتهامات التخوين، قائلا إن كل ما ذكره، هو أن هناك تخوفًا من التدخل العسكري الدولي تحت مظلة حرب الإرهاب، وذلك في إشارة إلى ما صدر عن ترجيح احتمال سقوط طائرة «متروجت» الروسية بسبب قنبلة أدت لانفجارها في الجو بعد وقت قصير من مغادرتها مطار شرم الشيخ.

الواقع أن التصريحات الواردة في التغريدة أثارت الجدل واستفزت الكثيرين؛ لأنها بدت لهم شماتة في البلد لا في رئيسه، كونها خلطت الأمور وجاءت في وقت تعيش فيه مصر صدمة كارثة الطائرة التي راح ضحيتها 224 إنسانا، ووجهت ضربة قاسية للسياحة التي يتعيش منها كثير من المصريين، وتعتبر ركنًا مهمًا من أركان الاقتصاد الوطني. كذلك، فإن التلويح بالتدخل العسكري الدولي في سيناء ومنطقة القناة بدا كأنه محاولة للتخويف وإثارة القلق، بينما رآه البعض استدعاءً لمثل هذا التدخل من جانب الإخوان، خصوصًا أن عددًا من قيادييهم في الخارج دعوا في عدة مناسبات منذ إطاحة الدكتور محمد مرسي من الرئاسة، إلى تدخل دولي وضغوط لإعادة الرئيس المعزول.

تغريدة الدكتور حشمت لم تكن طلقة طائشة فحسب، بل كانت قراءة غير واقعية لا سيما في الجانب المتعلق بـ«بدء العد التنازلي للتدخل الدولي العسكري في سيناء ومنطقة القناة». فليس هناك أي مؤشرات حقيقية أو جدية على أن مثل هذا التدخل وارد، والعالم أصلاً مشغول بحرب منهكة ضد الإرهاب والفوضى في أكثر من بلد، من العراق إلى سوريا، ومن أفغانستان إلى الصومال، ولا توجد رغبة في فتح جبهات «دولية» جديدة. فلو كانت هناك رغبة أو استعداد للتدخل العسكري الدولي، لرأيناه في ليبيا التي عانت من الفوضى والاحتراب، وأطل فيها خطر «القاعدة» و«داعش»، وباتت مصدر قلق جدي لأوروبا بسبب موجات المهاجرين عبر المتوسط وتحذيرات أجهزة الاستخبارات من احتمال تسلل عناصر إرهابية للقيام بعمليات في أوروبا. العالم، وتحديدًا الغرب، يريد تقليص تدخلاته العسكرية وسحب جيوشه من مناطق خاض فيها حروبًا وعانى خسائر كبيرة مثل العراق وأفغانستان، فكيف يتدخل الآن في بلد كمصر؟

مصر ليس فيها فراغ مثل ليبيا، ولا تعاني من الفوضى مثل العراق وسوريا، وهي بلد كبير وقادر على مواجهة تحدي موجة الإرهاب الجديد مثلما واجه في السابق موجات إرهاب أخرى لا تقل شراسة وخبثًا وشرًا. لهذا، فإن أي قراءة موضوعية ومنطقية للأوضاع الراهنة، تجعل الحديث عن تدخل عسكري دولي في مصر أمرًا مستبعدًا تمامًا إن لم يكن خيالاً. لا أدري إن كانت تصريحات الدكتور حشمت هي من باب التمني، أم التحذير، أم لإثارة القلق والبلبلة، كما لا أدري إن كانت الرسالة موجهة للخارج أم للداخل أم إنها محاولة لتطمين النفس بأن الإخوان سيعودون إلى السلطة ولو عبر بوابة التدخل الدولي.. لكنها في كل الأحوال جاءت بنتائج عكسية وأثارت انتقادات واسعة وعنيفة ضده وضد الإخوان.

الملاحظ أن حركة الإخوان ومظاهراتهم قلت وتراجعت في الداخل، وبدا وكأنهم وصلوا إلى قناعة بأنهم أقلية لن تستطيع تحريك الشارع المصري لمصلحتهم، وأنه حتى لو كانت هناك انتقادات للنظام أو سخط بسبب مشكلات متراكمة، فإن الناس، أو فلنقل الغالبية منهم، لن يجيروا ذلك لمصلحة الإخوان بعد أن انصرفوا عنهم بسبب ممارساتهم خلال فترتهم القصيرة في الحكم التي أسقطت القناع عنهم، وجعلت كثيرين يتخوفون من نزعتهم للهيمنة والاستبداد. من هذا المنطلق، فإن الكلام عن التدخل الدولي يبدو تمنيات أو قراءة بعيدة عن الواقع تجعل الإخوان مغردين خارج السرب.

التعليقات