مصر الكبرى
لغز «القاعدة» وإسرائيل!
لماذا لم تقم «القاعدة» ولو بعملية واحدة في إسرائيل، رغم كل الوجع والتحسر الذي يتبجح به زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وساعده (الأيمن) أيمن الظواهري على فلسطين المغتصبة والسليبة؟ حتى اليوم ومنذ ظهور تنظيم «القاعدة» وتحالف بن لادن والظواهري في جبال الهندوكوش وتوقيع إعلان الجهاد ضد اليهود وحلفائهم عام 1998، جاهدت «القاعدة» ضد كل الناس ما عدا الصهاينة. فما هو سر غياب «القاعدة» عن ساحة الجهاد في فلسطين؟ ولماذا لم تقم «القاعدة» ولو مرة واحدة بعملية تستهدف إسرائيل في الداخل أو حتى مصالحها في الخارج؟ وليس هذا تحريضا لـ«القاعدة» بأن تزيد الطين بلة في المنطقة والعالم، ولكن كيف يستطيع من لم يقم بعملية واحدة في إسرائيل أن يصدر فتاوى التخوين والعمالة ضد المناضلين الفلسطينيين الحقيقيين الذين استخدموا شتى الوسائل من حرب ومفاوضات لاسترداد أرضهم؟ وكيف للمتلقي أن يقبل ممن لم يقدم شيئا لفلسطين أن يمارس تلك السلطة الأخلاقية في استصدار فتاوى التخوين؟. في آخر حلقة من مسلسل تسجيلات «القاعدة» الصوتية على قناة «الجزيرة» الفضائية، طلع علينا صوت الظواهري متهما الدول العربية التي شاركت في مؤتمر أنابوليس، بالعمالة وبيع فلسطين.
المشكلة ليست في الظواهري أو حتى في خطاب «القاعدة»، المشكلة اليوم في حالة الفوضى اللفظية التي تجتاح العالم العربي فلا نستطيع معها التفريق بين لغة «القاعدة» ولغة وسائل الإعلام. فكيف يكون شخص ما أو جهة ما أو مؤسسة إعلامية ما ضد «القاعدة» وهم يشتركون معها في المفردات واللغة ذاتها؟ في إعلام الرشد، يمكن للوسيلة الإعلامية أن تعرض شريطا للظواهري أو غيره، ولكن لا بد لها أن تبرر القيمة الخبرية لهذا النشر، وأن تناقش ما هو معروض بجدية وصرامة. فمثلا ليس من المقبول بعد ادعاء قناة عربية المصداقية والتفوق وخلافه، أن يقول لنا مراسلها من بيروت، وهو يقدم خبرا عن اغتيال فرانسوا الحاج، مدير عمليات الجيش اللبناني «إن العملية تمت بسيارة بي إم دبليو اشتريت قبل ثماني وأربعين ساعة».. اشتريت؟ من الذي اشترى، ومن الذي باع؟ أليس هناك نظام ما في لبنان معمول به لتسجيل السيارة عند شرائها أو بيعها؟ تلك هي وظيفة الصحافة الجادة. أما أن يكون الموضوع برمته في سياق لغة المبني للمجهول، فهذا تجهيل وليس إعلاما. نفس الأسلوب تتبعه معظم المحطات العربية المختلفة عند الحديث عن «القاعدة»، ألم يكن جديرا بتلك المحطات وهي تبث شريط الظواهري الذي يخوّن الدول والحكومات ويتهمها ببيع فلسطين، أن تعرض للمشاهد من باب المهنية والتوازن سجل «القاعدة» في الجهاد لمصلحة فلسطين؟ أو أن تقدم شيئا عن سيرة الظواهري الشخصية ومدى ارتباطه بفلسطين، فهل ما قاله الرجل يمثل تغيرا في شخصيته منذ انضمامه لـ«القاعدة»، أم أن ذلك جزء أصيل في تكوينه الفكري منذ كان عضوا في تنظيم «الجهاد» المصري؟ وما يثير الغرابة أكثر، هو المعلقون والمحللون الذين تستضيفهم هذه المحطات الإعلامية للتعليق على الأشرطة التسجيلية لـ«القاعدة»، فهم يتكلمون لغة الظواهري نفسها، يستخدمون مفرداته وتوصيفاته، ويسترسلون بروح (ظواهرية) ظاهرة. لك فقط أن ترى الدقائق الترويجية Promotion لإحدى القنوات العربية، في معظمها تكون أصواتا زاعقة اقتطعت من برامج (حوار الديكة) تلعن النظام العربي القائم وتخوّن القادة والرؤساء العرب الذين أهلكوا الحرث والنسل وتدعو إلى العصيان والجهاد وتحرير البلاد والعباد.. الدقائق الترويجية تحمل مفردات «القاعدة» ولغتها.. وكأن الرسالة منها هي أننا جميعنا خونة إن لم نتبن خطاب «القاعدة»! إذا كنا بالفعل نريد سلاما واستقرارا لهذه المنطقة المضطربة من العالم، فسيكون من الصبيانية والمراهقة السياسية أن نقحم خطاب «القاعدة» في الحديث الجاد عن قضايا الحرب والسلام. ماذا يعني أن نروج لأشرطة الظواهري في هذه الظروف؟ فالسلام، حتى عندما تقوم به أعتى الدكتاتوريات، يحتاج إلى تلك الكتلة الحرجة من البشر ممن يؤيدونه. خطاب الظواهري ومن يتبنونه يصب في تأليب الفئة المضادة للسلام، ومحاولة إحراج من يقامرون بمستقبلهم السياسي من أجل الاستقرار. اليوم هناك مبادرة عربية بإجماع عربي من أجل حل تاريخي، وإدخال خطاب «القاعدة» التخويني على الخط من قبل وسيلة إعلام عربية، دونما تفكيك لهذا الخطاب، هو مراهقة ولعب بالنار بامتياز.. إن محاولة الخلط بين خطاب «القاعدة» ومحللي الفضائيات ومذيعيها ومقدمي برامجها هو عمل متعمد يهدف لجعل «القاعدة» وخطابها جزءا من الخطاب العام وهذا تضليل لا إعلام. ألم يحن وقت تحمل المسؤولية؟ الم يحن الوقت أن نقول لأطفالنا من هو النموذج الذي يحتذى، هل هو نموذج السادات أو نموذج قاتليه؟ من هو البطل؟ هل هو فعلا أسامة بن لادن، أم رجال عرب آخرون من بناة الدول؟ الغريب أنه عندما نقول إن هذا الإعلام العربي في أحسن الظن لا يتحمل مسؤولياته، يردد من يريدون بطولات كاذبة أننا نتجنى على الإعلام، ونغرق في جلد الذات، وكأنه من تعظيم وتقدير الذات الابتعاد عن النقد الجاد في أمور أساسية ومهمة. حان الوقت كي يعرف المواطن العربي أن «القاعدة» هي جماعة إرهابية متطرفة. «القاعدة» والظواهري لم يقدما لفلسطين حتى اليوم سوى تلك الاشرطة من (البورنو) السياسي على الشاشات. نضال رخيص لا تدفع معه «القاعدة» أية تكلفة. وظيفة الإعلام العربي يجب أن تكون فضح ذلك الزيف لا الترويج له. أميركا من خلال «صوت أميركا» وراديو «سوا» وقناة «الحرة» تروج لسياساتها في العالم العربي، وكذلك تقوم بريطانيا بالترويج لسياساتها من خلال المحطات المختلفة الموجهة لأوروبا الشرقية في السابق وللعالم العربي وإيران اليوم. وإذا كانت محطاتنا العربية الحكومية هي ترويج للأنظمة الحاكمة، فهل أصبح الإعلام العربي البعيد عن الحكومات اليوم هو القائم على الترويج لسياسات «القاعدة»؟ ليس لدي شك أن المتلقي لإعلامنا الفضائي يدرك من نغمة الصوت وملامح الوجه أن المطلوب منا هو مناصرة «القاعدة» لأنها تواجه الأميركان والإسرائيليين، ولذا يجب أن نغفر للظواهري وأمثاله كل ما يفعلون. ولكن تبقى هناك أسئلة جوهرية، هل قتل الأبرياء في الجزائر هو مواجهة مع الأميركان؟ هل ذبح العراقيين في العراق هو مواجهة مع الأميركان؟ ثم لماذا لم تواجه «القاعدة» الأميركان في أفغانستان؟ ولماذا، وهو السؤال الجوهري، لم تقم «القاعدة» منذ نشأتها وحتى هذه اللحظة بعملية واحدة تجاه إسرائيل! هذا هو لغز الألغاز، ومن يجب عليه فله منا جزيل الشكر.