تحقيقات
هل تمزق سياسة أردوغان تركيا ؟
رأت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، من خلال تحقيق أجرته في العاصمة التركية أنقرة، بأن الاضطرابات التي تجتاح البلاد في عدة مناطق، فضلاً عن مصادمات بين الأمن والمتعصبين والأكراد، والغارات الجوية التي يشنها الجيش التركي ضد مواقع كردية، بأنها تنذر بتهديد استقرار هذا البلد الآسيوي الأوروبي.
ففي أحد الأحياء التي يقطنها خليط من أتراك وأكراد، معظمهم من الطبقة الوسطى، وقف أحد رجال الحي، يراقب بذهول كيف أحرق غوغائيون شاحنتين يملكهما كانتا محملتين بالفاكهة، بينما قام آخرون بإشعال النيران في محال ومؤسسات.
ظاهرة جديدة
وقال صلاح الدين آتاش، (54 عاماً)، لمراسل الصحيفة “نعيش في أنقرة منذ 35 عاماً، ولم نشهد شيئاً من هذا القبيل. ربما يأتون غداً لإحراق بيتنا أو إحراقنا”.
وطافت بالحي مجموعات من الشباب في سيارات ملفوفة بالأعلام التركية، وأطلقوا الرصاص في الهواء وسط مخاوف من أن تؤدي الهجمات والتخريب المتعمد لإشعال فتيل صدامات، وعندما اشتكى سكان أكراد من تأخر تدخل رجال الشرطة، عمدت السلطات لنشر فرق مكافحة الشغب في حي آلتيداغ.
وقال رئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات التجارية الكردية المحلية إسماعيل توستان، وقد دمر مكتبه ونهبه مهاجمون مجهولون “وقفنا نراقب هذه الأعمال التخريبية لمدة يومين، ولكن إن عادوا، فإننا سوف ندافع عن أنفسنا وممتلكاتنا”.
غضب عارم
وتلفت وول ستريت جورنال إلى اجتياح غضب شعبي عام جميع أرجاء تركيا، جراء هجمات متصاعدة شنها عناصر حزب العمال الكردستاني، (بي كي كي)، والتي أدت لمقتل 30 جندياً وشرطياً في خلال 48 ساعة في الأسبوع الجاري. وردت الحكومة التركية على هجمات (بي كي كي) بضربات جوية وغارات عسكرية، وفرضت حظر التجول في جنوب شرق البلاد، وأقامت إجراءات طوارئ، حيث أدت ومقتل مدنيين لإشعال فتيل غضب شديد ضد الدولة في عدة مناطق ذات غالبية كردية.
وصاح آلاف المتظاهرين الذين تجمعوا وسط إسطنبول: “لا نريد عملية عسكرية، نريد مذبحة. إن الشهداء أحياء لا يموتون. ووطننا موحد، غير قابل للتقسيم”.
نسيج هش
وتشير الصحيفة إلى أنه مع تصاعد الصراع بين تركيا و(بي كي كي)، تتضاءل احتمالات استئناف محادثات السلام التي بدأت قبل ثلاث سنوات. كما يهدد تصاعد العنف بتمزيق نسيج اجتماعي هش، ويخشى من اندلاع اضطرابات مدنية قبل موعد الانتخابات المبكرة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ومع تصويب الغضب القومي نحو أكبر أقلية عرقية في البلاد، بات كل من الأتراك والأكراد يخشون عودة التوترات التي شهدتها تركيا من قبل، والتي أدت إلى موجات من العنف، وضعف الاقتصاد، واندثار المصالحة بين الجانبين.
استهداف
وكما أشارت وول ستريت جورنال، استهدفت معظم الهجمات التي شنت خلال الأسبوع الجاري، موالين لحزب الشعوب الكردي (إتش دي بي)، ولكن تم أيضاً استهداف مختلف وسائل الإعلام، فيما تبادلت الحكومة ومعارضيها الاتهامات بشأن استئناف الصدامات التي أدت لمقتل ٤٠ ألف شخص خلال العقود الثلاث الأخيرة.
وذلك ما دعا زعيم (إتش دي بي) صلاح الدين ديميرتاش، لأن يقول: “بالنظر للوضع الأمني الحالي، من المستحيل أجراء انتخابات”. لكن مسؤولين حكوميين قالوا إنهم تعهدوا بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، والتغلب على أية تحديات أمنية.
انعدام ثقة
وتلفت الصحيفة إلى محاولة ديميرتاش الوصول لمدينة سيزر على الحدود السورية، ولكن قواتاً أمنية منعت وفداً برلمانياً من السير نحو المدينة ذات الغالبية الكردية. وفي ظل حظر تجول وحصار، وادعاء حزب (إتش دي بي) ونشطاء حقوق إنسان، بأنه توفي في المدينة ما لا يقل عن ٢٥ شخصاً جراء القمع الأمني، والتوتر وانعدام الثقة بالسلطات التركية كل ذلك سيؤدي إلى وقوع صدامات أخرى في سيزر. ولكن مسؤولين أتراك نفوا حدوث وفيات. كما قالوا بأن حظر التجول عن المدنية سيرفع.
اضطراب محلي
وترى وول ستريت جورنال أن الاضطرابات المحلية تلقي بالضوء على الانشقاقات الاجتماعية، وتضيف للتحديات التي تواجهها تركيا بوصفها عضو في حلف الناتو، وهي تحارب على جبهتين، المتمردين الأكراد ومتشددي داعش.
ومن جهة ثانية، تواجه الحكومة التركية المؤقتة فراغاً في الزعامة منذ دخول (إتش دي بي) البرلمان لأول مرة، بعد إجراء انتخابات يونيو (حزيران) الماضي، والتي أنهت 13 عاماً من تفرد حزب العدالة والتنمية (أي كي بي) بالسلطة، وكبحت جماح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الساعي لتوسيع سلطاته.
تصعيد مقلق
ويقول المستشار في الشؤون التركية لمركز فيريسك مابليكروف البريطاني، أنتوني سكينر، إن “التصعيد الحالي للصراع بين الحكومة التركية والأكراد مثير للقلق، ويبدو أن أردوغان مصمم على تعميق الصدوع الاجتماعية، ومفاقمة الصراع في محاولة لإضعاف المعارضة السياسية خلال الانتخابات المقبلة”.