مصر الكبرى

09:56 صباحًا EET

الجيش والسياسة

سلام الكواكبي
عكفت مبادرة الإصلاح العربي، قبل انطلاقة المسار الثوري العربي، على الاستفادة من الخبرات المختلفة في مجال التحول الديمقراطي. وفي هذا الإطار، دعمت المبادرة وشاركت في عديد من البرامج البحثية التي تستخدم أدبيات المقارنة والمقاربة السياسية بهدف التعرف على تجارب الدول الأخرى خارج الإطار العربي. وفي هذا السياق، عقدت جامعة برازيليا لقاء علمياً بدعم من مؤسسة "نوريف" النرويجية المعنية بتعزيز ثقافة السلام وبناء الديمقراطية، حول موضوع العلاقة بين القوى المسلحة والسياسة في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط.

ولقد ساهمت مبادرة الإصلاح العربي بالتحضير لهذا اللقاء واختيار المشاركة العربية من ضمن شبكة الباحثين العاملين فيها والمتعاونين معها والمتخصصين بموضوع الإصلاح السياسي والقضائي والأمني والعسكري خصوصاً في مرحلة التحولات الجارية في المنطقة العربية.
وفي هذا الإطار، أثرى الأكاديميون والخبراء من دول أميركا اللاتينية التي شهدت تحولات سياسية نقلتها من الديكتاتوريات العسكرية أو الدولة البوليسية إلى الديمقراطيات الواعدة كما البرازيل والأرجنتين والتشيلي. وتم عرض أهم نقاط قوة وضعف برامج التحوّل التي شهدتها هذه التجارب مع الأخذ بعين الاعتبار أن تطورها ما زال في مسار متدرج وبأن الانتكاسات غير محتملة بعدما تم التأسيس للحالة الديمقراطية بالتدرّج وباندماج الأوساط المعنية من أمن وقوى مسلحة في العملية الانتقالية وتحييدها المهني دون إقصاء وتهميش ينتقص من "الكبرياء" العسكري. وتم التشديد إجمالاً في كل المداخلات على ضرورة ترسيخ مبدأ الإشراف المدني السياسي على العسكري في إطار إنجاح عملية التحوّل الديمقراطي.
من جهتهم، قام الخبراء العرب بعرض تصوراتهم عن التطورات الحاصلة في بلدانهم مع محاولة المقارنة والإسقاط على تجارب الدول الأخرى المشاركة في محاولة للاستفادة القصوى من تجارب الآخرين مع الاعتراف بخصوصيات كل حالة جغرافيا وتاريخيا ومجتمعيا. ولقد استدعى هذا الأمر التطرق إلى تاريخ الإدارات الفاسدة والمستبدة القائمة في بعض من الدول العربية وعملية الانتقال التدريجي وكافة العقبات التي تهدد مسارات التحوّل.
وجرى في اللقاء استعراض شامل وتفصيلي من مجموع المشاركين لمفاهيم الإصلاح السياسي بمختلف أبعادها من حيث احتواءها على الإصلاح الدستوري والاعتماد على دور البرلمانات المنتخبة وتعزيز دور الأحزاب السياسية في الحياة السياسية والرقابة على استخدام الموارد الاقتصادية. إضافة إلى أهمية عملية إصلاح القطاع الأمني كمقدمة لا بد منها في عملية التحوّل الديمقراطي بعدما عانت دول أميركا اللاتينية والدول العربية من عقود من السطوة الأمنية / العسكرية على حيواتها العامة والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا التوجه، كان من الضروري التعرّض بالتحليل لديناميكيات القطاعات الأمنية والعسكرية ودور الفاعلين فيها ومسؤوليتهم. من جهة أخرى، تقاطعت الخبرات حول القوى المسلحة غير النظامية التي لجأت إليها عديد من الدول في المنطقتين لتجاوز بعض العقبات الإجرائية بحيث توسّعت سطوتها وصار من الضروري إدماجها في القوى المراد إصلاحها أو تغييبها أو السيطرة عليها أو إعادة هيكلتها.
وقد ظهر وجود إجماع على الدور الأساسي الذي لعبته ويجب أن تلعبه المجتمعات المدنية في إعادة وضع قواعد اللعبة في المجال العام. ولما لذلك من تأثير عميق في تحييد الصراعات القائمة على عوامل الانشقاقات أو التباعدات العرقية والدينية. إضافة إلى الدور الأساسي للمجتمع المدني في إدراج موضوع الجنوسة (الجندر) على طاولة البحث والتفكير في كل الملفات وهو الذي تمّ تغيبه من قبل القوى المسيطرة بالقوة أو من قبل بعض القوى المجتمعية التي ساهمت من حيث تدري أو لا تدري في تعزيز سطوة المستبد عبر اعتمادها على تهميش وإقصاء عناصر فاعلة ومؤثرة من الحيّز العام.
بموازاة عملية الإصلاح أو التغيير الراديكالي أو التحوّل التدريجي نحو ديمقراطية منشودة، تبادل المشاركون خبراتهم القيّمة في مجال العدالة الانتقالية ومساراتها ومآلاتها التي ساهمت بشكل جليّ في تعزيز عملية التغيير في أميركا اللاتينية والتي دعمها وعي سياسي ومجتمعي بأساسيات العدالة الانتقالية وضرورة إدراجها في مقدمة الخطوات المعتمدة للتحوّل الديمقراطي واعتبار نجاح تطبيقها أحد المعايير الأساسية في تقييم أداء عملية التغيير والانتقال إلى الديمقراطية.
وقد شكّل هذا اللقاء مجالاً هاماً لتبادل الخبرات والتعرّف على التجارب وبناء شبكة علمية قررت استمرار التواصل في سبيل إثراء المعرفة.
*القائم بأعمال المدير التنفيذي في مبادرة الإصلاح العربي

التعليقات