مصر الكبرى
الخليج ومصر وتجفيف المستنقع
لست ممن يتبنون شماعة الخارج لتعليق مشاكل مصر عليها، ولكنني وبكل صراحة، أرى أن على دول الخليج العربي مسؤولية كبري تجاه ما يحدث في مصر من عملية تخريب يقوم بها الإخوان المسلمون وبكل أسف بأموال خليجية، أموال تأتي لجماعة الإخوان من دول مثل قطر التي تدعم إخوان مصر بشكل مباشر وتتبنى المشروع الإخواني الإقليمي، أو من جمعيات وبنوك إسلامية خارج سيطرة الحكومات الخليجية.
ولو أن الإخوة في الخليج بالفعل يريدون لمصر خيرا ، وليس لدي شك في رغبتهم في ذلك، فالمطلوب منهم الآن هو تجفيف المستنقع المالي الذي يغرف منه إخوان مصر، وهذا ليس مطلبي وحدي وإنما هو مطلب كل مصري عاقل. الأموال الخليجية كاستثمار معلن لدفع الإقتصاد المصري إلى الأمام هي أموال نحتاجها ونرحب بها، أما الأموال التي تذهب لجماعة الإخوان فقط فهذا ما يخيف معظم المصريين اليوم . ولكي أكون صادقا، ما يخيف المصريين اليوم ليست سيطرة الإخوان على مقاليد الحكم وإنما مشروع الإخوان الذي يهدف إلى إفلاس مصر عن عمد وسبق إصرار وترصد من اجل بيع الأصول المصرية أو رهن المنشآت الوطنية مثل السكك الحديد وقناة السويس لبنوك إسلامية اهلية خليجية أو لدولة مثل قطر الراعي الرسمي لمشروع الاخوان في مصر . مصر اليوم على حافة الخطر، ونتمنى من دول الخليج أن تقف معنا كدولة لا أن تقف مع "الجماعة" حتى لا يسبب انهيار مصر الكبير في أزمة إقليمية.خطب الرئيس محمد مرسي في المصريين وقال لهم عكس الحاصل، قال للمصريين بأن مصر لن تفلس وأن النمو الاقتصادي في ازدياد وأن قطاع السياحة، على عكس ما يقوله "غربان البوم"، ينمو في عهد الرئيس، وما هي الإ لحظات بعد انتهاء خطاب الرئيس حتى نشر البنك المكزي المصري بيانا صحفيا يقول فيه عكس كل ما قاله الرئيس تقريبا في خطابه، من دون أن يقول البيان الصحفي أنه رد على خطاب الرئيس مرسي. هذا البيان الخطير للبنك المكزي يستحق أن نقتبس منه كي يعرف القارئ حجم المأساة ويعرف الفجوة بين ما يقوله الرئيس وما يقوله البنك.مؤشرات الرئيس مرسي تقول بأن هناك زيادة في قطاعات السياحة وفي دخل قناة السويس وفي حجم السيولة المحلية التي زادت بنسبة 2% وحققت ودائع البنوك زيادة. وقدم الرئيس مرسي أرقاما لايعلمها الإ هو وفريقه بينما بيان البنك المركزي المصري يقول بأن الاقتصاد المصري يواجه تحديات منذ بداية عام 2011 أولها التأثير السلبي للمرحلة الانتقالية على قطاع السياحة وموارد النقد الأجنبي فقد تراجع الدخل من قطاع السياحة بنسبة 30% وتم تخفيض التصنيف الإئتماني لمصر بنحو 5 درجات وبدلا من الفائض الذي وصل الى 1.3 مليار دولار في نهاية عام 2010 بلغ العجز اليوم حوالي 21.6 مليار دولار. الرئيس مرسي تكلم عن نمو وعن زيادات وان الاقتصاد بالف خير، بينما يدق البنك المركزي ناقوس الخطر. أيهما نصدق أرقام مرسي أم أرقام البنك المركزي؟ العالم بالتأكيد يصدق البنك المركزي.ما علاقة دول الخليج وتجفيف المستنقعات بالوضع الاقتصادي المصري المتدهور؟بداية يبدو أننا أمام خطة محكمة لإفلاس مصر من قبل من هم في الحكم في الداخل لبيع أصول الدولة ألي التنظيم العالمي للإخوان في الخارج والدول الراعية للتنظيم الدولي. ماذا يعني إفلاس مصر التي يصل الإحتياطي النقدي بها الآن قرابة 15 مليار دولار، السيولة منها هي 11 مليار فقط والأربعة المتبقية من الذهب؟أولا مصر ليست الدولة الأولى أو الأخيرة التي ينهار اقتصادها في العالم، فقد عرف العالم انهيار اقتصاد اليونان مثلا في السنة الأخيرة، كما عرف الماضي انهيار اقتصاد فرنسا نابليون منذ أكثر من مائتي عام عندما اضطر نابليون أن يبيع أراضي فرنسية في العالم الجديد لتوماس جيفرسون لتنضم لما عرف فيما بعد بالولايات المتحدة الأمريكية. في تلك الفترة كانت ولاية لوزيانا تقع تحت السيطرة الفرنسية وأهل نيواورلينز يتحدثون لهجة من الفرنسية حتى يومنا هذا. ونتيجة لإفلاس فرنسا، نابليون قرر بيع هذه الولاية فيما عرف فيما بعد بلوزيانا بيرشس. أما في حالة اليونان فاشترت الصين كثيرا من ديون اليونان، واصبح للصين شأن في القرار السياسي الأوربي، فهل يتجه رجال الحكم في مصر إلى بيع أو رهن أصول مصرية لدائنين خارجيين مثل رهن أو بيع قطاعات مثل السكك الحديد أو رهن قناة السويس لقطر، كما أشيع في السابق؟ كل هذا وارد.. ولكن يبقى السؤال: ما علاقة الخليج بذلك ًوتجفيف المستنقعات الإخوانية في الخليج؟في الخليج الكثير من الشركات والبنوك التي يتحكم في جزء كبير منها التنظيم العالمي للاخوان، والخوف كل الخوف عند المصريين، هو أن الاخوان في الخليج أو من يرعاهم، يريدون شراء الأصول المصرية بثمن بخس لكي يتحكموا في السياسة عن طريق سيطرتهم على الاقتصاد في أكبر عملية نصب مالية تعرفها مصر في العصر الحديث.الإخوة في الخليج يعرفون أن جمعيات الإصلاح المختلفة في كل دول الخليج هي المصدر الرئيسي لتمويل إخوان مصر، من الكويت حيث جماعة المطوع، إلى البحرين حيث جماعة الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، إلى جمعية الإصلاح في الإمارات، إلى الرعاية الرسمية القطرية لمشروع الإخوان مابعد الربيع العربي ليكونوا هم أهل الحكم، ٍفي كل هذا تقع على الخليج مسؤولية حقيقية تجاه ما يحدث في مصر أو محاولة إغراق المركب وشرائها بعد الغرق بثمن بخس.أعرف أن أهل الخليج يريدون لمصر كل الخير، ولكن الأمنيات شيء وما نراه من ممارسات لجماعات تتركز أنشطتها الاقتصادية في الخليج هو شيء آخر.
عندما طلبت الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 من دول الخليج تضييق الخناق المالي على تنظيم القاعدة، كان الهدف هو تجفيف ينابيع الدعم المالي للإرهاب ولم يدرك الأمريكيون يومها ان التنظيم العالمي للاخوان هو المظلة الكبرى التي خرجت من تحتها كل المنظمات الجهادية، العنيفة منها وغير العنيفة . نعم تم وقف أو تجفيف المنابع المالية للقاعدة في الخليج، ولكن المنابع المالية للتنظيم العالمي للاخوان مازالت تتمركز في الخليج على هيئة منظمات اجتماعية في الدول الخليجية العاقلة، وبرعاية رسمية في الدول الرعناء. المطلوب اليوم من دول الخليج هو وقف هذا الدعم المالي للاخوان الذي يعرقل تعافي الاقتصاد المصري بطريقة طبيعية، ما يحدث اليوم في مصر هو محاولة إفلاس قطاع السياحة مثلا وشراء الفنادق في القاهرة وشرم الشيخ بنصف أسعارها وتحويلها إلى فنادق إسلامية لصالح التنظيم العالمي للإخوان .على دول الخليج أن تلعب دورا في مساعدة مصر، ولا نطلب مساعدة مالية ولكننا نطلب تجفيف الينابيع الإخوانية التي تريد شراء مصر بثمن بخس على حساب شعب عربي طالما كان سندا للعروبة، وعلى حساب دولة عربية كبيرة يدعي الجميع أنها عمق العرب الاستراتيجي ، فكيف يسمح العرب لتنظيم لا يؤمن بفكرة الوطنية أن يشتري مصر بثمن بخس بعد تفليسها عن عمد؟ المثل القديم يقول: "أكلتم يوم أكل الثور الأبيض".