أفضل المقالات في الصحف العربية
المشروع الثقافي السعودي!
السعودية بلد تأسس على إرث قديم من الثقافات والحضارات التي مرت على مناطق جغرافية مختلفة من الأرض التي تكونت عليها البلاد.
وهذا التنوع الذي يعمل على إحياء فكرة الاعتناء به وتعزيز ثقافة الحفاظ عليه والافتخار به جهات في الدولة، مطلوب أن يكون هذا الأمر جزءا من مشروع ثقافي وطني كبير يشمل كافة الأوجه والقطاعات.
فلا بد أن يكون هناك توجه جاد لتعليم الفنون منذ المراحل الابتدائية، وتطوير المواهب الموسيقية بإثراء المعزوفات الموسيقية الكلاسيكية العالمية والعربية الشرقية والتراثية السعودية حتى يكون ذلك نواة لتشكيل الفرقة السيمفونية السعودية. نعم قد يبدو الاسم غريبا، بل وحتى صادما، ولكنه تطور طبيعي لفكرة الانفتاح الثقافي على العالم، وهذه إحدى سماته.
كذلك من المهم أن يشمل المشروع الثقافي الوطني الكبير انفتاحا على الرواية السعودية والعربية والعالمية لتفهم علوم وآداب وحضارات وثقافات الأمم الأخرى.
وما ينطبق على موضوع الموسيقى والرواية ينطبق كذلك على عالم المسرح الذي من المفروض أن يكون حاضرا في المراحل المدرسية، وأن يتم تقديم أعمال عالمية على المسرح العام في كل مدينة رئيسية.
السعودية اليوم لم تعد دولة بسيطة، فهي دولة محورية ومركزية وذات ثقل سياسي واقتصادي غير بسيط، ولا بد أن ينعكس هذا الوزن والدور والهيئة على خطاب ومشروع ثقافي عريض يكون إحدى أهم وسائل تكوين الهوية العالمية للسعودي، وأيضا يكون إحدى أهم أدوات محاربة ومكافحة ومواجهة التشدد والتنطع والتطرف والانغلاق والإرهاب.
الخطاب الثقافي الجديد المطلوب، وهو أحد عناصر المشروع الثقافي الوطني الكبير، مطلوب أن يؤمن بالتعددية، وأن يرحب بالآخر، وأن ينفتح على قبول حضارات وثقافات الأمم، ويقبل على التعامل مع كل منهم بثقة وتقدير واحترام بدلا من الريبة والشك والخوف والقلق التي تسببت في فجوات عظيمة وهائلة في العلاقة مع الآخر.
وهنا لا يمكن إغفال دور السينما والدراما التلفزيونية في تعزيز الهوية الوطنية ونشر الخطاب العقلاني الوطني الوسطي، ولقد شاهد السعوديون تأثير حلقتين من مسلسل درامي تلفزيوني عرض على الشاشة في شهر رمضان الفائت وأثره في الحوار عن آفة التشدد والإرهاب، وفتح حديث حقيقي وعميق ومطلوب عن ظاهرة تفشت في المجتمع مثل السرطان تنهش في جسده.
المشروع الثقافي الوطني الكبير تحد طال انتظاره، ويبقى ناقصا إذا ما تم فقط على محطة ثقافية وأندية أدبية ومعرض للكتاب واعتبار ذلك أنه اكتمال للمشروع الثقافي المنتظر.
الثقافة تشكل هويات الأمم وتحدد علاقتها بالغير، وكلما انفتحت على الغير بانفتاحها على نفسها أولا ازدادت قدراتها في التطور والتنمية والنمو والتأثير، وهذا هو المأمول.