عرب وعالم
لماذا لم ينضم شباب الجزائر لتنظيم “داعش”؟!
تشير تقديرات غربية ومحلية مختلفة إلى أن عدد الجزائريين في تنظيم “داعش” يعد أقلية بالمقارنة مع باقي الجنسيات العربية والغربية رغم أن التيار “الجهادي” موجود في البلاد منذ أكثر من 3 عقود. وبحسب خبراء ومختصين جزائريين فإن ذلك يرجع إلى 3 أسباب تتعلق بسيطرة الحكومة على المساجد من جهة، والدور الكبير لأجهزة الأمن الجزائرية التي لديها خبرة طويلة في مواجهة الجهاديين من جهة ثانية، إلى جانب معارضة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الموجود في الجزائر لدعوات الالتحاق بـ”الجهاد” في سوريا التي أطلقها قبل سنوات زعيم تنظيم القاعدة الدولي أيمن الظواهري. ولا يزيد عدد الجزائريين في تنظيمات “السلفية الجهادية” في سوريا والعراق وهي “النصرة” وتنظيم “داعش” عن 400 منهم 12 سيدة، بحسب تقارير جزائرية، أما بالنسبة للسلطات الرسمية في الجزائر فإنها تتكتم على العدد الحقيقي للجهاديين الجزائريين في سوريا والعراق. وقال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في تصريحات صحفية، خلال شهر سبتمبر/ أيلول 2014، حول القضية إن “أعداد المقاتلين من الجزائر في صفوف داعش ليست كبيرة مقارنة بدول أخرى” دون تقديم رقم عنهم.
كما أجمعت تقارير غربية صدرت العام الماضي عن مركز “سوفان غروب“، الأمريكي المتخصص، وكذلك معهد “كوليام“ البريطاني لمكافحة التطرف أن عدد الجزائريين في صفوف تنظيم “داعش“ لا يتجاوز 200 عنصر من بين قرابة 15 ألف مقاتل أجنبي في التنظيم. وفي تصريحات للأناضول، قال طاسة يعقوب، دبلوماسي جزائري سابق عمل في سفارات الجزائر في عدة دول عربية: “تعتبر السلطات الجزائرية موضوع الجهاديين الجزائريين في سوريا والعراق مسألة أمنية على قدر كبير من السرية، وينحصر التحقيق حول شبكات تجنيد المقاتلين للقتال في سوريا والعراق في إدارة المخابرات التي تعمل على ملاحقة هذه الشبكات داخليًا وخارجيًا“. وأضاف: “تتداول أوساط رسمية رقم 350 أو 400 مقاتل جزائري في سوريا والعراق منهم 12 سيدة وطفلان، وأظن أن هذا هو العدد الحقيقي“. ويعد المقاتلون الجزائريون في العراق وسوريا أقلية عند مقارنتهم بالتونسيين أو المصريين والسعوديين، ويرجع ذلك بحسب مصدر أمني جزائري تحدثت إليه وكالة الأناضول إلى “العمل الكبير لأجهزة الأمن الجزائرية في مجال ملاحقة شبكات تجنيد المقاتلين“ إلا أن الأمر يتعلق بأسباب ثلاثة حسب خبراء ومختصين من الجزائر.
أولا: الرقابة الحكومية على المساجد
تخضع المساجد في الجزائر للرقابة الحكومية وهو ما أبعدها عن سيطرة الجماعات السلفية المتشددة، بحسب كروال عبد الحفيظ، أستاذ جامعي في الشريعة وإمام خطيب، الذي قال لوكالة الأناضول: “تراقب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف كل المساجد الـ16 ألفا الموجودة في الجزائر، وتمنع أي نشاط سياسي فيها، كما أن افتتاح أي مسجد جديد في الجزائر يخضع لاستخراج رخصة إدارية، والعمل في المساجد يخضع للرقابة الحكومية“. وأضاف: “كل هذه العوامل أبعدت المساجد عن النشاط السياسي، وهو ما ساهم في منع نشاط شبكات تجنيد الجهاديين للقتال في سوريا والعراق“. وتابع: “لقد مرّت الجزائر بتجربة حرب أهلية قبل عقدين من الزمن، واتهمت السلطات بعض الأئمة قبل الحرب الأهلية عام 1992 بإضفاء الطابع الديني على النزاع بين الإسلاميين والسلطة، ولهذا بدأت الجزائر في وقت مبكر في فرض رقابة إدارية على المساجد وتعيين الأئمة، وساهم هذا الوضع في منع نشاط شبكات تجنيد الجهاديين في المساجد“. بدوره، قال الطاهر بندقي، إمام مسجد من الجزائر، لوكالة الأناضول: “أنا أعتقد أن الوعي الكبير لدى أئمة المساجد في الجزائر الذي تكوّن من خلال معايشة الحرب الأهلية الطويلة دفعهم تلقائيًا للعمل عل توعية الشباب بخطورة الانقياد خلف دعوات الجماعات السلفية الجهادية“.
من جهته، قال سوام نور الدين، الباحث في علم الاجتماع، لوكالة الأناضول: “أنا أرى أن السبب الرئيسي لتراجع نشاط شبكات تجنيد الجهاديين في الجزائر لا يتعلق برقابة الحكومة على المساجد أو وعي الأئمة بل يتعلق بالوعي الذي تكوّن لدى غالبية الجزائريين الذين جربوا قبل عقدين من الزمن الحرب الأهلية وحتى وإن كانوا صغار السن فإنهم سمعوا من قصص الحرب الأهلية المرعبة وفي كل الحالات فإن الوعي ودور أئمة المساجد ساهما في تقليص نشاط شبكات تجنيد الجهاديين“. وعاشت الجزائر خلال عقد التسعينات من القرن الماضي أزمة أمنية وسياسية خلفت 200 ألف قتيل يصفها البعض بالحرب الأهلية نتجت عن إلغاء الجيش لنتائج الانتخابات البرلمانية عام 1991 التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهي حزب تم حظره بقرار قضائي بعد ذلك.
ثانيا: الخلافات بين فروع تنظيم القاعدة
أدخلت الخلافات في تنظيم القاعدة الدولي حول أولوية جبهات الجهاد في سوريا ضد نظام بشار الأسد أو في شمال مالي ضد قوات الغزو الفرنسية التي تدخلت لطرد تنظيم القاعدة وحلفائه من شمال دولة مالي عام 2013، أنصار التيار الجهادي في الجزائر في حالة من الشك. وقال الباحث الجزائري في الشؤون الأمنية، أحمد تاوتي، لوكالة الأناضول: “كان واضحًا من خلال ما نشرته المواقع الجهادية المقربة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب أن كبار قيادات التنظيم ترى أن دعوة الشباب للقتال في سوريا ستؤدي إلى الإضرار بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. وقد عارض أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المدعو عبد الملك دروكدال منذ بداية النزاع المسلح في سوريا فكرة ذهاب مقاتلين سلفيين جزائريين للقتال في سوريا أو العراق. ونشرت مؤسسة الأندلس، الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب، في شهر أبريل/نيسان 2013، بيانًا مطولاً للتنظيم قالت فيه إن على الجهاديين من دول المغرب العربي أن “يلتحقوا بجبهات الجهاد المفتوحة ضد القوات الفرنسية في إقليم أزواد، شمال مالي، وإن جبهة الجهاد الأقرب بالنسبة للمقاتلين الجهاديين من دول المغرب الإسلامي هي الجزائر وشمال مالي“. وأوضح الباحث والمختص في الشؤون الأمنية أحمد تاوتي أن “أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، عبد المالك درودكال، ساهم بشكل غير مباشر في منع الجهاديين الجزائريين من الالتحاق بالعراق وسوريا، وأدى الخلاف بينه وأمير تنظيم القاعدة الدولي أيمن الظواهري ثم مع تنظيم داعش فيما بعد حول أولوية الجهاد في منطقة المغرب الإسلامي وشمال أفريقيا إلى تشتيت نشاط شبكات تجنيد الجهاديين للقتال في سوريا في أوج نشاط شبكات تجنيد الجهاديين“.
ثالثًا: التعاون الأمني الدولي ونشاط أجهزة الأمن الجزائرية
بدأت أجهزة الأمن الجزائرية في وقت مبكر للغاية في ملاحقة شبكات تجنيد المقاتلين الراغبين في الالتحاق بسوريا، ويرجع خبراء أمن جزائريون سبب تراجع عدد الجزائريين الموجودين ضمن جماعات تنظيم داعش في العراق وسوريا وجبهة النصرة في سوريا إلى الجهد الكبير للأجهزة الأمنية الجزائرية في مجال ملاحقة شبكات تجنيد المقاتلين. وقال مصدر أمني جزائري للأناضول، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: “عملت أجهزة الأمن الجزائرية على تعقّب شبكات تجنيد الجهاديين للقتال في سوريا والعراق على 3 مستويات: الأول هو مراقبة عدد كبير من الأشخاص محل الشبهة المنتمين للتيار الجهادي، والثاني: مراقبة النشاط الدعوي للتيار نفسه على شبكة الإنترنت، وثالثًا: التنسيق الأمني مع عدد من الدول العربية والغربية في إطار الاتفاقيات الأمنية بين الجزائر وهذه الدول“. ونظرت محاكم الجنايات في الجزائر العاصمة، ومدينتي وهران بالغرب، وورقلة بالجنوب الجزائري، قبل أشهر في 4 قضايا تخص شبكات تجنيد جهاديين للقتال في سوريا والعراق بين عامي 2013 و2015. وقال المحامي بن مرجان محمد، الذي دافع عن متهمين وجهت لهم تهم النشاط في شبكة لتجنيد الجهاديين للقتال في سوريا: “أشارت محاضر التحقيق إلى أن المتهمين كانوا عام 2013 على صلة عبر الإنترنت بمجموعة متشددة موجودة في ليبيا، وتنشط في نقل الجهاديين إلى سوريا، وقد استخدمت بيانات أجهزة كمبيوتر أحد المتهمين دليلا ضدهم”. فيما قال الخبير الأمني أحمد تاوتي: “اكتسبت أجهزة الأمن الجزائرية خبرة كبيرة في مجال مراقبة نشاط الجماعات السلفية الجهادية المتشددة، فالخبرة الأمنية الجزائرية تمتد إلى 25 سنة على الأقل، وهو ما أدى إلى تراجع قدرة الجماعات السلفية الجهادية على التجنيد“.