تحقيقات
هل عاد التمييز العنصري ,,,, فى الدول الاكثر ديمقراطية ؟
عاد التمييز العنصري ليطفو إلى السطح مرة أخرى، حيث شهدت دول ديمقراطية وقائع عنصرية ونحن في القرن الحادي والعشرين، دولا طالما أبقت على شعارات الحفاظ على “حقوق الإنسان دون تمييز” الرنانة، لتصبح أمام الصحوة الجديدة للتمييز بسبب اللون مجرد مادة تجارية وأداة ضغط على الدول الضعيفة .
لاشك أن العويل من قبل بعض الأنظمة الديمقراطية على حقوق الإنسان، أصبح مشهدا عبثيا بامتياز يجعل من هذه الشعارات سلعة تجارية لا أكثر، فالحوادث العنصرية والقمعية في أمريكا تفتح ملفات التعذيب في سجون تشرف عليها الإدارة الأمريكية، كما تفتح المجال للحديث عن دعم الولايات المتحدة لأنظمة تمارس القمع والعنصرية تجاه شعوبها ومساعدتها بغض الطرف عن تلك الممارسات، فاجتاحت مظاهرات لذوى البشرة السمراء إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم اختلاف ملابسات إعادة تدوير العنصرية، فإن السبب ورائها يكمن في التمييز العنصري المتأجج في المجتمع, واضطهاد ذوى البشرة السمراء، فنفي تلك الدول وادعائها الديمقراطية بات غير قادر على محو ما يحدث على أرض الواقع التي تنبض بالمشاحنات العنصرية والاضطهاد للأصول الإفريقية، التى تظهر بضراوة مع أول شرارة للاحتكاك.
المحرك الرئيسي لتظاهرات اليهود السود من الأثيوبيين ” يهود الفلاشا ” هذه المرة في إسرائيل، كان اعتداء وصف “بالوحشي” مارسته قوة من الشرطة على جندي من الجيش من أصل اثيوبى افضى الى موته، وبعدما نشر الفيديو الذي وثق هذا الاعتداء، تظاهر أبناء الجالية الأثيوبية في القدس، وقامت الشرطة بالاعتداء عليهم وتفريقهم بالقوة، مما فاقم الوضع ودفعهم لتنظيم مظاهرة في تل أبيب, سرعان ما تحولت إلى ما يشبه “ساحة الحرب “، أمام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة، حيث رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها “نحن في خطر ولسنا خطرين”، فيما تعهد الناشطون البارزون في الوسط اليهودي من ذوى البشرة السمراء بأنهم لن يتوقفوا عن النضال حتى تصل رسائلهم إلى المؤسسات الإسرائيلية.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ظهرت فيها “العنصرية الإسرائيلية”, فوسائل إعلام إسرائيلية كانت قد نشرت قبل عام ونصف خطة صهيونية لتهجير الكثير من يهود فرنسا إلى إسرائيل, في الوقت الذي رفضت فيه الأخيرة وجود واستيعاب اليهود الأفارقة الذين تسللوا إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة.
وواجه يهود الفلاشا الكثير من مظاهر العداء داخل المجتمع اليهودي العلماني على شاكله رفض إسكانهم في مناطق معينة, ورفض قبولهم للعمل في وظائف النخبة، ورفض غالبية أبنائهم تطبيق الشعائر اليهودية بالرغم من أن الدولة يهودية بالأساس ، و نتيجة للاضطهاد ازدادت ظاهرة الانتحار بين صفوف اليهود الإثيوبيين، إلى جانب الانتحار الجماعي ، وأرجع هذه الظاهرة إلى انعدام قدرتهم على الاندماج في المجتمع الإسرائيلي حيث يتم تهجيرهم إلى إسرائيل للعمل في الوظائف المتدنية مثل كنس الشوارع وتنظيف دورات المياه, ويتم التعامل معهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة.
ومع تزايد أعداد اليهود القادمين من الدول الإفريقية إلى تل أبيب خلال السنوات الماضية والاضطهاد النفسى الذي يواجهونه, أكد تقرير لمنظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان تم نشره منذ أشهر، استمرار التمييز العنصري ضد يهود الفلاشا الإثيوبيين، واليهود السود، ويهود الشرق داخل إسرائيل، وعدم مساواة اليهود الأفارقة والشرقيين باليهود الاشكناز الذين يحتلون كافة المناصب العليا بتل أبيب، مشيرا إلى أن السلطات الإسرائيلية بتل أبيب تقوم بترحيل المئات من اليهود الأفارقة المهاجرين الباحثين عن العمل وفرص أفضل للحياة وخاصة يهود الفلاشا ممن يتدفقون إلى تل أبيب سعيا إلى تجنيسهم واندماجهم في المجتمع اليهودي، ومنهم يهود إثيوبيا وجنوب إفريقيا.
كما أكدت المنظمة على التمييز العنصري بتل أبيب فى القوانين التي لا تسمح للسود بالحصول على العمل أو الجنسية بسهولة أو الانخراط فى قطاع العمل الحكومي متوقعه فتح أبواب الهجرة مجددا لإسرائيل، وتدفق موجات يهودية كبرى إلى تل أبيب خاصة من يهود المغرب وتونس خلال السنوات المقبلة إضافة ليهود الولايات المتحدة وأوربا.
وانتقد متحدثها الإعلامي تعامل الشرطة الإسرائيلية العنصري, ضد اليهود السود, وترحيلهم وعدم استقبال هجرات يهودية جديدة من يهود الشرق والدول العربية والإفريقية، الأمر الذي بات يهدد باندلاع ثورة عرقية كبرى داخل المجتمع الاسرائيلى بين اليهود أنفسهم، وضد الحكومة اليمينية خاصة فى ظل تدفق موجات الهجرة من الغرب وتشدد حكومة اليمين حيال هجرة الأفارقة.
وفى الولايات المتحدة الأمريكية توترت الأوضاع مؤخرا، وتحديدا في مدينة “بالتيمور كبرى مدن ولاية ميرلاند”، بسبب مقتل الشاب “فريدى جراى” بعد أسبوع واحد من تعدى الشرطة الأمريكية عليه أثناء اعتقاله، مما أدى إلى خروج مظاهرات أثناء تشييع جثمانه واستخدمت الشرطة العنف المفرط ضد السود المتظاهرين، واعتقال منهم أكثر من 200 شخص.
ولحق فريدى جراى بزميلة “مايكل براون” الشاب الأمريكي الأسود الذى كان آخر ضحايا عنصرية الشرطة الأمريكية والذى قتل فى شهر أغسطس الماضى في مدينة “فيرجسون” الأمريكية، وحينها تصاعدت أحداث عنف في المدينة بعدما اشتبكت الشرطة الأمريكية مع متظاهرين بسبب إعلانها الاشتباه في تورط الشاب في عملية سرقة.
ويعد الأفروأمريكيون هم الأقلية، إذ يمثل الأمريكيون من أصل إفريقي نسبة 13.6% من عدد السكان وفقا للتعداد الأخير الصادر فى عام 2010 بزيادات طفيفة كل عام, ويعاني متعددو الأعراق السود من التمييز في العدالة الأمريكية، حيث يمثل السود 40% من السجناء، في الوقت الذي يمثل البيض غير اللاتينيين نسبة 39% من السجناء، مع فارق ملحوظ في أعداد المحكوم عليهم بالإعدام.
وفي مدينة فرجسون التي يقطنها أغلبية سوداء بلغت نسبة حالات التفتيش للأفروأمريكيين 92%، ووصلت نسبة الاعتقالات في أوساط سائقي السيارات من بينهم إلى 93% فى عام 2013، وذلك رغم أن إقرار الشرطة بأن 34% من عدد المخالفات ارتكبها البيض مقابل 22% فقط ارتكبها السود.
ومن المفارقات العجيبة أنه يوجد أكثر من 800 جماعة تدافع عن تمييز البيض على السود في أمريكا وبها أعضاء يقدرون بمئات الآلاف،لكن الممارسات الفعلية تفضح فى كل مرة الرواسب العنصرية في الولايات المتحدة، كما أن الاحتجاجات تظهر الوجه القبيح للشرطة في البلد الذي يطلق على نفسه واحة الديمقراطية.