الحراك السياسي

07:29 مساءً EET

كلمة ملك أسبانيا خلال مأدبة الغداء التي أقامها تكريما للرئيس السيسي

قال ملك أسبانيا فيليب السادس خلال مأدبة الغداء التي اقامها تكريمًا للرئيس السيسي: أود في مطلع كلمتي هذه أن أعرب لكم، أنا وجلالة الملكة، عن ترحابنا الحار بقدومكم إلى أسبانيا، وهو الترحاب الذي نخص به أيضاً وفدكم الكريم.

 

 إننا نثمن عالياً أهمية هذه الزيارة، فمصر هي البلد العربي الأكبر عدداً ولها دور أساسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من هنا فإنها تجدد باستمرار حضورها الفعال وتأثيرها في المحفل الدولي، هذا إلى جانب كونها مقراً لبعض المؤسسات الرفيعة في العالم الإسلامي، بلدكم يُعد مرجعية جوهرية.

 

 

 لذا فإن لزيارتكم أهمية على نحو خاص في ظل الظروف الصعبة الحرجة والمأساوية التي يعيشها الكثير من الأماكن في المنطقة، وثمة حاجة ماسة لزيادة الجهود والتعاون الدولي من أجل تعزيز فرص السلام والاستقرار في عموم المنطقة.

 

فضلاً عن ذلك فإن مصر شغلت ومازالت مكانة مميزة في مخيلة سائر شعوب الأرض، بوصفها إحدى حواضن الحضارة البشرية بفضل تراثها التاريخي والثقافي والفني الزاخر وشغفها بالمعرفة. وكان لأسبانيا أيضاً اهتمام خاص وحساسية استثنائية إزاء مصر وتاريخها. في هذا السياق، يسعدني اليوم أن يرافقنا بعض من أبرز العلماء الإسبان المختصين بالمصريات إضافة إلى عدد كبير من الفنانين والمثقفين ممن تربطهم أواصر وثيقة بهذا البلد العظيم.

 

إن اسبانيا تعرف حق المعرفة أن لها في مصر بلداً صديقاً وشريكاً استراتيجياً في منطقتكم. وخير دليل على ذلك الاتفاقيات المهمة التي أبرمناها بيننا في مختلف المجالات، ولكن في المقدمة تأتي إرادة تقاسم فضاء التعاون المستقبلي المشترك الذي تعززت من خلال معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة في القاهرة في فبراير عام 2008.

 

ولعلكم تذكرون، فضلاً عن وقفة التحية السريعة التي جمعتنا في أثناء انعقاد الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، فرصة الاجتماع بفخامتكم أول مرة في شهر يناير الماضي بمناسبة انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي، وهو اللقاء الذي تطرقنا فيه إلى الكثير من التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط في وقتنا الراهن والتي تعنينا جميعاً. وفي هذا السياق، نلاحظ اهتماماً متبادلاً إزاء مزيد من التقدم في بناء علاقة شراكة استراتيجية وشاملة بين بلدينا. ومما لا ريب فيه، أن زيارتكم الرسمية هذه إلى اسبانيا ستسهم بشكل حاسم في تحقيق ذلك.

 

أود أن أشير إلى بعض المجالات والقطاعات التي تثري علاقاتنا الثنائية المميزة، وأنوه من بينها إلى المجال الأمني، فقد أضحى التهديد الإرهابي في المنطقة وسائر العالم الهاجس الأول لبلدينا وللعديد من البلدان الأخرى. وفي هذا السياق أود أن أعرب لكم عن مشاعر المواساة والتضامن التي يكنها الشعب الاسباني حيال الأرواح البشرية التي أزهقت بسبب هذا التعهد الذي قطعه بلدكم على عاتقه. فاسبانيا ومصر تمضيان معاً جنباً إلى جنب في هذه القضية.

 

 وخلال هذه الأثناء التي تشهد فيها منطقتكم حروباً واضطرابات، برزت مصر بوصفها قوة رئيسية للاستقرار والتوازن في الشرق الأوسط. إذ في عالم اليوم المترابط والمتعولم تتشابك مصائر الشعوب ولا شئ مما يحدث فيه يمكنه بل ولا ينبغي له أن يكون بمنأى عنه. لذا فإننا في هذا الصدد ندعم الجهود التي تبذلها مصر وبلدان عربية أخرى لمواجهة التطرف.

 

وعلى الصعيد الاقتصادي، أود أيضاً أن أؤكد على دعمنا لرؤيتكم لمصر كبلد يراهن .

 

 على المستقبل، بلد يحقق النمو ويضع نصب عينيه ترسيخ قاعدة اقتصادية أساسية في القارة الأفريقية والعالم العربي. وأغتنم هذه الفرصة لكي أهنئكم على نجاح القمة الأخيرة حول التنمية الاقتصادية في مصر التي انعقدت في شرم الشيخ والتي شاركت فيها نحو ثلاثين من كبريات شركاتنا التي رافقت وفدنا الرسمي.

 

 لقد اعتمدنا في اسبانيا ومصر إطاراً تقليدياً في مجال التعاون الاقتصادي، وعلينا أن نعمل معاً على رفع مستوى علاقاتنا الاقتصادية إلى درجة التميز الذي تتسم به علاقاتنا السياسية الثنائية. وكما تعرفون فإن اسبانيا لديها شركات رائدة على الصعيد العالمي في عدد من القطاعات الأساسية مثل قطاع البنى التحتية في مجال النقل والطاقات المتجددة ومعالجة المياه والخدمات، وهي مستعدة لمرافقة مصر في إعادة تفعيل اقتصادها. وعلينا أن نعمل معا من أجل تطوير الفرص الكامنة المهمة، من أجل ازدهار شعبينا.

 

 بفضل الدعم الذي تلقيناه من مصر والذي نشعر بامتنان عميق إزاءه، ومن بلدان أخرى عدة، تم اختيار اسبانيا عضواً في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة للفترة 2015-2016 وسنلتقي على الأرجح خلال عام 2016 في هذا المحفل المهم.

 

 وهكذا فإن أمام بلدينا في الوقت الراهن فرصة جديدة لمواصلة تعاونهما بهدف الدفاع في كل أنحاء العالم عن قيم السلام والأمن، ولكي نتوافق حول القضايا الإقليمية الملحة التي تمثل أولوية لنا جميعاً. وإنني على ثقة في وقوف مصر كمحاور مميز كي نستكشف معا الطريقة التي يمكن من خلالها الإسهام في إيجاد حل يقوم على الحوار في الأزمات القائمة من قبيل ما تشهده ليبيا وسوريا واليمن والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

 

إن التزامنا، كما تعرفون فخامتكم، يتجاوز إطار الأمم المتحدة. ونحن واثقون من أنه ينبغي لبلدينا، اسبانيا ومصر، أن يضطلعا بدور شديد الأهمية على صعيد توطيد الأواصر بين الاتحاد الأوروبي والبلدان المتوسطية. وخير دليل على ذلك المبادرة التي أطلقتها اسبانيا بشأن المؤتمر الذي استضافته برشلونة في شهر أبريل الماضي حيث تحاورنا نحن الدول الـ 28 في الاتحاد الأوروبي مع شركائنا في الجوار الجنوبي.

 

 ولا يسعنا إلا أن نشيد بسياسة الجوار الجنوبي للاتحاد الأوروبي، بل إننا متأكدون من أن مراجعتها، بمساعدة الإسهام القيم الذي تقدمه مصر، سيمنحنا إطاراً ملائماً لتعزيز علاقاتنا على كافة الأصعدة. وأعني بشكل خاص المقاربة الإنسانية وكذلك الصعيد التجاري وكلاهما كما تعرفون قد يسمحان بمزيد من التطور الكفيل بتأمين فرص أفضل في المستقبل لمواطنينا.

 

 أود أن أجدد التزام اسبانيا الراسخ في الحاضر والمستقبل، إزاء العالم العربي بشكل عام ومصر بشكل خاص، وبإمكانكم أن تعولوا علينا، كما أنني واثق في أن بوسعنا أن نعول عليكم. ولكافة هذه الأسباب، فإن لاسبانيا التزاما راسخا تجاه مصر. التزامٌ نستلهمه من الشعور بالتلاحم العميق الذي يربط ما بين شعبينا.

 

 

وإذ أعرب عن هذه المواقف، سيادة الرئيس، أود أن أختتم كلمتي هذه متمنياً لفخامتكم موفور السعادة، وللشعب المصري السلام والازدهار، ودوام الصداقة بين أمتينا العظيمتي

التعليقات