مصر الكبرى

10:44 صباحًا EET

من يختار المصريون رئيسا: مرسي أم شفيق؟

هناك حقيقتان لا يمكن لنا أن نختلف عليهما فيما يتعلق بنتائج انتخابات الرئاسة: الأولى هي أن الانتخابات جرت بحرية تامة وبدون تزوير, والثانية هي أن الفائز الأول والثاني كلاهما لا يمثلان أماني الشعب المصري ولا أهداف ثورة 25 يناير. ولما السبب الرئيسي الذي نزل من أجله شباب الثورة إلى ميدان التحريري في 25 يناير هو المطالبة باحترام رأي الجماهير وعدم تزوير الإرادة الشعبية, فليس لنا خيارا سوى قبول هذه النتيجة ومحاولة التعرف على أي من الفائين نختار عند الإعادة في 17 يونيو, محمد مرسي أم أحمد شفيق.

   فقد بينت نتائج انتخابات الرئاسة تغير المزاج المصري ابتعادا عن التيار الديني, والتمسك بالنظام المدني. وبعد أن حصل الإسلاميون على حوالي 70 % في انتخابات البرلمان,  لم يحصلوا في انتخابات الرئاسة سوى على  42.3 % , في مقابل 55.8 % للتيار المني.   
   وبينما حذر محمد البرادعي من وقوع اضطرابات في حالة فوز شفيق بالرئاسة وهاجمت بعض الحركات الثورية نتائج الانتخابات, فقد أبدى عدد من الحركات التي تمثلت في 18 ائتلافا ثوريا دهشتها من رفض البعض نتيجة الانتخابات التي جرت بحرية تامة وبدون تزوير, وقال مصطفى يونس – المتحدث باسم الإئتلاف: يجب علينا جميعا احترام نتيجة الصندوق رغم أننا شعرنا بالإحباط لتراجع أصوات أبو الفتوح وحمدين صباحي, فإن هذه النتيجة تعبر عن جموع الناخبين من الشعب المصري.
   إلا أن جماعة الإخوان المسلمين التي باتت تشعر بإحتمال فقدانها كرسي الرئاسة, وبالتالي عدم تمكنها من فرض برنامجها على شعب مصر, سارعت بالإعلان عن دعوة المرشحين الذين أخفقوا في الجولة الأولى إلى محادثات تهدف إلى التحالف معها لإنجاح محمد مرسي في انتخابات الإعادة. وحذر عصام العريان – القيادي الإخواني – من فشل محمد مرسي في الوصول إلى كرسي الرئاسة, معتبرا أن "الأمة في خطر", إذا فاز شفيق بهذا المقعد.
   ولما كان شفيق قد جاء من الجيش حيث كان قائدا لسلاح الطيران, كما أصبح وزيرا للطيران في عهد مبارك الذي اختاره رئيسا للوزارة بعد الثورة, فمن الطبيعي أن يرفض الشباب اختياره رئيسا. إلا أننا عندما ننظر للبديل الذي أمامنا سيكون من الضروري التفكير مليا قبل اتخاذ القرار, وكما يقول المثل "البحر وراءكم والعدو أمامكم".
   لقد أعطى ملايين الشعب المصري أصواتهم للإخوان والسلفيين في انتخابات البرلمان, فماذا كانت النتيجة؟
   بدلا من العمل على تحقيق الوعود التي قطعها الإخوان للناخبين لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الأمن, لم يصدر البرلمان الذي سيطروا عليه بنسبة 70 %  قرارا واحدا لتحقيق مصالح الجماهير. وفي المقابل لم يضع الكتاتني لحظة واحدة في محاولة تغيير معالم الدولة المصرية كما عرفناها منذ أكثر من مائة عام. فقد حاول برلمان الإخوان تغيير قضاة المحكمة الدستورية العليا وإلغاء اختصاص المحكمة في رقابة أعمال البرلمان. كما حاول البرلمان تشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور غالبيتها من بين الإخوان والسلفيين, واستبعدوا باقي طوائف الشعب المصري, بما في ذلك شباب الثورة. وعندما ألغت المحكمة الإدارية العليا لجنة الدستور, رفض برلمان الإخوان تشكيل لجنة أخرى – تاركين البلد بدون دستور -  انتظارا لوصول محمد مرسي إلى مقعد الرئاسة, حتى يصبح في مقدورهم تشكيلها كما كانت في المرة الأولى.
   كما قرر برلمان الإخوان إلغاء دور الأزهر في تقرير الشرعية الدينية للقوانين, حتى تنفرد الجماعة بهذا الدور وتتحول العقيدة الإسلامية في بلادنا إلى عقيدة الإسلام السياسي التي تقوم على الجهاد وليس على الإيمان والعبادة. وحاول برلمان الإخوان تغيير تركيبة وزارة الداخلية التي فرض عليها قبول اللحية الإخوانية, حتى لا يكون للشرطة قدرة في السيطرة على الجماعات الإرهابية التي تهدد أمن البلاد. وهناك خطة يعدها الإخوان, في انتظار انتخاب محمد مرسي رئيسا للبلاد وقائدا أعلى للجيش, حيث سيتحول الجيش المصري إلى منظمة تشبه الحرس الثوري الإيراني, ويتم التخلص من جميع القادة الذين لا يتبعون التيار الإسلامي في الجيش.
  وعلى هذا فلو قررنا الآن انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر رغبة في استبعاد شفيق, فماذا يكون مصير البلاد؟  
   صحيح أن شفيق كان وزيرا في عهد مبارك, لكنه لم يكن من بين رجال الحزب الوطني ولم يكن من الفاسدين. وبعد حل الحزب الوطني وفي ظل رقابة الإعلام وخلافه مع برلمان الإخوان, لن يكن في استطاعة شفيق أو غيره العودة إلى نظام مبارك وفساد الهانم, بل سيضطر شفيق إلى الابتعاد عن رموز النظام السابق حتى يكسب ثقة الجماهير. ولو قررنا استبعاد شفيق واختيار محمد مرسي للرئاسة, فسوف تقع مصر في كماشة الإخوان في البرلمان والحكومة والرئاسة, وندخل في مرحلة جديدة لم يعرفها شعبنا حتى في أحلك أيام الاستبداد التي مرت بنا. وبينما سيكون في استطاعتنا لو فاز شفيق انتخاب رئيس جديد بعد أربع سنوات, ففي حالة فوز مرسي لن يصبح من الممكن الخروج من نفق الإخوان قبل أجيال طويلة, ومعاناة تفوق كل ما عانيناه في ظل النظام السابق.
   وبينما أدرك الشعب المصري بحسه الأصيل أن مستقبله صار في خطر وأنه في حاجة إلى فترة من الاستقرار والأمان حتى يتمكن من تحقيق طموحاته, فهل يستطيع الشباب التنازل عن خيارهم الأول من أجل حماية الوطن في انتظار الجولة الثانية؟
أحمد عثمان

التعليقات