مصر الكبرى
جماعة «طز»!
مقال كتبه الدكتور فندي عام ٢٠٠٦ عن خطر الاخوان. وياليتنا انتبهنا يومها
«طز في مصر، واللي جابوا مصر، واللي في مصر»، هكذا قال المرشد العام للاخوان المسلمين في مصر، خبر نشرته «الشرق الأوسط» في الاسبوع الماضي، ظننت انه سيقيم الدنيا ولن يقعدها في الصحافة المصرية، وكذلك في التلفزة المصرية، لكن المفاجأة كانت في الصمت المطبق تجاه تصريحات رجل يمثل تيارا عريضا في الشعب المصري.
في هذا المقال، لن أحلل ما قاله المرشد، ولن أعترض عليه لأنني مع حرية التعبير، وحق الانسان في الكلمة، حتى لو كانت الكلمة «طز». لكن ما يحتاج لتفسير هو هذا الصمت، أي لماذا لم تخرج الصحف المستقلة والمملوكة للدولة، وكذلك أي من الكتاب المستقلين أو «المماليك»، ليرد أو حتى يحاول أن يفهم مغزى ما قاله المرشد.
لدي مجموعة من التفسيرات أطرحها هنا للنقاش، وأتمنى أن يشاركني القارئ ايضا في طرح تصورات وتفسيرات بديلة.
التفسير الأول، يخص «المستوطنات الاسلاموية» في الاعلام المصري المكتوب والمرئي. أي أن الاسلامويين «عششوا» وفرخوا داخل الصحف المسماة بالقومية، وكذلك لهم مستوطناتهم في التلفزيون وفي وزارات الاعلام والوزارات الاخرى. هذا الوجود الكثيف للاسلامويين ضمن كتاب الاعمدة في الصحف المصرية، وضمن معدي ومخرجي البرامج في التلفزيون المصري، وكذلك الاذاعة، يرهب الجماعات الليبرالية الموجودة في ذات المؤسسات. الاعلام المصري بدأ كحالة «وسط البلد» التي خططها الخديوي اسماعيل، مجموعة من الشوارع المتسعة، كشارع طلعت حرب او سليمان باشا، ومنطقة الاوبرا القديمة وحديقة الازبكية وجاردن سيتي وغيرها، ثم ما لبثت هذه المناطق ان حوصرت بالعشوائيات احيانا من خلال التوسع الافقي في بولاق وغيرها، او من خلال التوسع الرأسي، مثل البناء فوق السطوح لجماعات مختلفة من اقارب البوابين النازحين من المناطق الفقيرة.
هكذا ايضا حالة الصحافة في مصر اليوم، توسعت افقيا فأنتجت «بولاق» الصحافة، وامبابة الصحافة، وكذلك توسعت رأسيا، فسكن اهالي «العشش الأصولية» فوق سطوح المؤسسات الصحافية الكبرى، وبنوا افرانا فوق اسطح العمارات، وبدأ الدخان الاسلاموي يسيطر، حتى بدت العمارة كلها «عشة كبيرة».
لو أحصيت أعداد كتاب الأعمدة الاسلامويين، وكذلك محرري الصفحات، ومستوطنات صحافية أخرى لا تعلمها تجدها في أقسام التصحيح والتركيب والانتاج، لأذهلك العدد..
وجود هذه المستوطنات في الصحافة المصرية يخيف ليس فقط الكتاب، ولكنه يخيف الدولة احيانا. وان لم تفكك الدولة هذه المستوطنات في الاعلام المصري، فإن جماعة «طز» ستسيطر وبشكل مخيف، «العشش اللي فوق السطوح» ستأكل العمارة بمن فيها.
أما التفسير الثاني، فهو مرتبط بصحافة التعبئة، وتدريب أصواتها. ففي معظم بلاد العالم الثالث نجد ان النظام المهزوز يحاول أن يدفع الاخطار والاخطاء في اتجاه الخارج، أي أن سبب كل المشاكل ليست المستوطنات أو حتى فشل السياسات الداخلية، وانما السبب يكمن في المؤامرة الخارجية، ومن هنا يدرب النظام مجموعة من «الهتيفة» الذين يرون الخطر دائما قادما من الخارج، فهناك في مصر أعلى حناجر لشتم الأميركان وعملائهم في الداخل والخارج، ولكن ذات الحناجر تسكت تماما عندما يأتي الحديث عن جماعة «طز»، ليس نقصا في رغبتهم بالرد، ولكن لأنهم غير مدربين على مواجهة الخطر الداخلي، كما ان ما لديهم من تعليمات حول الخطوط الحمراء والخضراء والصفراء تجعلهم في حالة حيص بيص، عندما يأتي الحديث عن جماعة ترفع الإسلام كيافطة.
فكيف تعطي دولة تعليمات لصحافتها بأنها ضد الأميركان الذين يعادون كل ما هو إسلامي، فيراها صحافيوها على انها المدافع عن الاسلام، ويتبنون خطابا اسلاميا، وتظهر التربية على وجوههم وهم يحملون المسابح والمباخر.. كيف لهؤلاء ان يدخلوا في مواجهة مع جماعة تشاركهم اللغة والمفردات ونغمات الصوت وتلحينه في شتم الأميركان، وهم يرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ من «جماعة طز»؟ كيف تواجه جماعة طز بجماعة طز؟!.
في مقالات سابقة، حذرت من خطر الحركات التي بدأت تبتلع الدول في المنطقة، وقلت ان «حزب الله» مثلا لديه جيش وعلم وكذلك فضائية، وتلك مؤشرات الدولة. اذن هذا الحزب هو دولة، ليس في داخل الدولة، وانما حزب ابتلع الدولة فأصبحت هي التي في داخله. نفس الشيء قلته فيما يخص حماس التي ابتلعت السلطة حتى أصبحت هي السلطة، وربما جماعة الاخوان المسلمين اليوم في مصر تدريجيا تحاول ابتلاع الدولة.
الخطير في تصريح المرشد، هو مسألة الولاء التي تحدث عنها مبارك وأغضبت الجميع، فبالنسبة للاسلامويين الولاء ليس للوطن، وانما للحركة وللتيار الذي يتجاوز حدود الوطن. الاسلامويون مواطنون «سوبر»، أكبر من أوطانهم، فالاسلامي المصري أكبر من مصر، لذا نجده يبحث عن دور في دول اخرى. وهذا ليس حكرا على المؤمنين بالحركة الاسلامية فقط، فكذلك القومجيون، هم ايضا يرون انفسهم اكبر من اوطانهم، ناصر زعيمهم، كان يرى نفسه أكبر من مصر، لذلك اضاف اليها سوريا، وأدخلنا في اليمن، لأن مصر «صغيرة عليه».. الاستعلاء على الوطن في حالتي الإسلامويين والقومجيين، هو الآفة الكبرى التي تهدد البلدان العربية اليوم.
الاسلامويون يقولون طز في مصر، لأنهم اكبر منها، وان مصر صغيرة عليهم، ولانهم لا يؤمنون بفكرة المواطنة ولا الحدود الجغرافية للدولة. هذا ما قصدته عندما كتبت مقال «خطايا العرب العشر»، وقلت فيه ان اول الفجوات التي يجب سدها في العالم العربي اليوم هي الفجوة ما بين «سوفت وير الامة»، «وهارد وير الدولة». فبرنامج الكومبيوتر المركب في رؤوس الشباب الاسلامويين مصمم على ان الامة الاسلامية هي الاصل، بينما جوازات السفر وبطاقات الهوية وكذلك الطرق والبيروقراطية تقول انهم أبناء دولة، هي مصر مثلا.
هذه الفجوة القائمة ان لم يتم سدها، فإن «طز» هذه ستكبر وتكبر.. ولا تصبح فقط «طز» في مصر، وانما «طز» في المنطقة بأسرها.
ان لم تحسم الدول العربية خياراتها تجاه جماعة «طز»، وان لم تفكك المستوطنات المسيطرة في اعلامها وفضائياتها وصحفها، وخصوصا فضائية «طز» الاخبارية، فستكتشف ان تكتيكات جماعة «طز» اقرب الى تكتيكات اسرائيل.. توسع في المستوطنات.. تليه مفاوضات على ان هذه المستوطنات هي واقع على الارض ولا يمكن تفكيكها، وهنا ندخل في لعب «الثلاث ورقات»، ونقول بأن القدس تحت الارض اسرائيلية، وللفلسطينيين ما فوق الارض.. الى آخر هذه الخزعبلات..
فهل نسمع الحناجر التي تتسيد الفضائيات ليل نهار، تقول كلمة واحدة في مواجهة جماعة «طز»؟ أشك في ذلك كثيرا!..