كتاب 11
من «سايكس – بيكو» إلى «حزب الله – داعش»!
تحل بعد سنة الذكرى المئوية لتقسيم خريطة الشرق الأوسط، بحسب الاتفاق البريطاني – الشهير المعروف باسم «سايكس – بيكو»، تلك الخريطة التي أوجدت كيانات «جديدة»، وقسمت كيانات «تاريخية»، وغيرت شكل المنطقة في مفهوم العلوم السياسية. ويبدو أن المنطقة مقبلة على موعد جديد مع خرائط جديدة لأن هناك (وكما يرجح بقوة) واقعا جديدا على الأرض، ولا بد أن ينعكس ذلك بشكل جغرافي وعلى الأرض نفسها.
كان الأسلوب القديم هو استخدام الجيوش الاستعمارية لتنفذ رسم الخرائط. هذا ما كان مفهوما ومتوقعا، عندما كان الوضع العام يقبل ويرى وجودا هائلا للاستعمار الغربي في العالم كله عموما، وفي العالم العربي تحديدا، ولكن اليوم الوضع المختلف يجبر على حلول مختلفة. فقديما كان الطرح بناء على «هويات» وطنية جامعة، ولكن اليوم الغاية هي إيجاد تكتلات «فطرية» تشكل نواة بلدان جديدة بناء على أساس طائفي ومذهبي، وتضاف إليه طبعا مصغرات إثنية وعرقية دقيقة جدا تعبر عن الرؤية الجديدة المنتظرة للمنطقة.
وبالتالي، كان لا بد من استخدام أشكال جديدة، خرائط وحراك بـ«نيولوك» يستوجب «زعيما» ذا نكهة دينية وأتباعا مغسولة أدمغتهم وأعلاما بأسماء وشعارات دينية صرفة، وهذا يفسر دور «داعش» و«حزب الله»، الوجهين القبيحين للإرهاب اليوم، وأدوات التقسيم الفعلية على الخريطة الجغرافية في أكثر من بلد في العالم العربي. إنهما النموذج الحديث المعاصر لأدوات تقسيم الخريطة العربية بلغة طائفية دينية وممارسات إرهابية تكفيرية بامتياز.
بات الدور الخطير والشيطاني مخصصا لهذه النوعية من المجاميع الإجرامية، ومن الواضح أنها توظف لتفريغ مجاميع سكانية بأسرها بوسائل مختلفة من كل الملل والطوائف والمذاهب، كل بطريقته وكل بأسلوبه وكل بأهدافه وكل بغاياته. كل فريق رفع رايات «مناسبة» و«مغرية» لنوعية محددة من أتباعه، ففريق زين وزخرف خطاباته، وفريق باع وهم المقاومة، وفريق باع مخدر الخلافة، وساق من خلفه قطيعا من المسعورين الموتورين والإرهابيين.
لكن الأهم في ذلك كله أنه على الرغم من بشاعة الموقف الدموي وقسوة الصورة اللاإنسانية، وأن المسألة التي تمارس على «الأرض» في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا، لم يعد من الممكن التعامل معها بالأسلوب الساذج القديم الذي كان يروج له أن كل فريق يقوم بترويج مشروعه الخاص به، فإنه من المهم جدا التعامل مع هذه المجاميع، وبالذات «داعش» و«حزب الله»، على أنها أدوات إعادة رسم خرائط المنطقة الجدد. والأخيران بالذات هما وسيلتان فعالتان، لأنهما استطاعا تأجيج الحجج والخطب والرسائل الطائفية بامتياز، وتفوقا على الخطاب المذهبي الطائفي التقليدي، الذي كان من الأساس قابلا للاشتعال. لكن الوضع الآن تبدل، وأصبحت لهذا الخطاب أدوات مسلحة على الأرض ومهوسون موتورون يسعون للدفاع عنه والموت لأجله، وتكوين كيانات جديدة تخلق دولا وشعوبا وأعلاما وهويات.
الشواهد التي مُلئت بها الأرض لم يعد من الممكن إنكارها ولا الدفاع عنها أكثر من ذلك، فهي الدليل الدامغ والقطعي على «شيطنة» دور «حزب الله» و«داعش». وخرائط المنطقة قد تتغير على أيديهما، لذا وجبت محاربتهما، فكلاهما على الدرجة ذاتها من الخطر والشر.