كتاب 11
تونس وامتحان الأمن والحرية
لم تعد الرقابة على الإنترنت سرية أو خجولة. ولا تشعر الحكومات بالحرج حين تشهر إجراءات ضبط وتعقب جديدة لمستخدمي المواقع الإلكترونية. نعم، انتهى زمن الشعور بالتردد أو الارتباك لدى إعلان أي سلطة خطط رقابية على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. من يمكنه أن يجادل حكومة حين تقول إنها تفعل ذلك في سياق إجراءات قمع الإرهاب والعنف. بل كيف تقاوم هذا المنطق حين نجد فعلا كيف يجري استخدام الإنترنت ومواقع التواصل للتخطيط والتجنيد وتنسيق هجمات والدعاية.
«الرقابة على مواقع الإنترنت موجودة ومستمرة وهي جزء من استراتيجيات العمل الحكومي». قالها رئيس الحكومة التونسية حبيب الصيد بعد الهجوم الدموي على متحف باردو. وهذا الهجوم هو الامتحان الأقسى لهذا البلد الذي يحمل سمات شبه النجاح الوحيد في بلاد الربيع العربي. فقبل هذا الهجوم كنا نكيل المديح للنجاح التونسي في اجتراح ديمقراطية ما عكس الدول التي انقلب ربيعها إلى مقتلة وفوضى، لكن الهجوم الأخير شكل صفعة قاسية لكل من كان يتمسك بأمل اسمه التجربة التونسية.
كيف ستكون آليات الرد التونسي تجاه هذه الضربة!
هذا الرد سيحدد ما إذا كانت تونس ستقع في نفس الفخ الذي وقعت فيه ليبيا ومصر واليمن ودول أخرى غرقت في الفوضى في سياق معركتها مع العنف.
نعم، هجوم متحف باردو خطير ويهدد التجربة التونسية الهشة والتهديد ليس أمنيا فقط، إنه أيضا سياسي واجتماعي وديمقراطي. فإذا كانت الانتفاضات العربية قد أطلقت ذاك المخزون العنفي الكامن في المجتمعات العربية، فهذا لا يعني أن الإرهاب أتى من خارج رحم استبداد الأنظمة، بل هو الابن الشرعي لها. وها نحن نراقب بقلق السياسات الحالية في دول الربيع التي تستعيد ممارسات قمع الحريات والزج في السجون وتضييق هامش التعبير.. الزمن يعيد نفسه.
سابقا كان شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» سببا في ضرب المعارضات وسجنها وقمع الحريات السياسية والفكرية، وكل ذلك تحت شعار التصدي للاستعمار والصهيونية. ها هي عجلة الزمن تعود حيث يجري قمع منظم تحت شعار مواجهة الإرهاب، وكل من يجهر بنقد فهو خائن وعميل.. أليس هذا ما يجري حاليا؟
الإسلام العنفي الذي نعاني منه نشأ في ظل تواطؤ بين بعض الأنظمة والمؤسسات الدينية، ومواجهة هذا الخطر بالقمع والعنف المضاد ليس وسيلة ناجعة للقضاء عليه. فمواجهة التطرف معركة يتوازى فيها خطا الأمن والحريات، فبقدر ما تحمل آليات الاحتواء بعدا عسكريا وأمنيا فهي تحتاج أيضا إلى فكر وفن وثقافة وحق مكرس في التعبير.
لن ينقذ تونس تكرار التجارب الفاشلة، فهذه التجارب لا هي قمعت إرهابا ولا هي نمت حرية ومجتمعات، وها نحن نرى كيف يجري حبس ناشطين وتخويف مثقفين وترهيب القضاء باسم الأمن والوطنية، وفوق كل ذلك لم يتحقق لا الأمن ولا الاستقرار.
المرحلة القادمة مفصلية بالنسبة إلى تونس، والتكنولوجيا الحديثة كسرت الكثير من القيود. نعم هناك حاجة لاستراتيجيات رقابة وضبط لنشاطات المتطرفين وأي مخلين، وهم يستخدمون التقنيات الحديثة، لكن هل سيحدث ذلك مع تشريع مطلق لعمليات القمع وضبط الرأي الناقد كما يجري في أكثر من بلد.. فأي طريق ستختار تونس في مواجهة محنتها؟