تحقيقات
فى ذكرى الشيخ جاد الحق ….. صاحب ازدهار الازهر ونصير الاقليات
لرجال مواقف!.. هذه المقولة تؤكدها سيرة الإمام الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله تعالى، فقد عاش حياة حافلة بالمواقف الصلبة التي عرضته لكثير من الأزمات لكنه لم يلن ولم يهادن، وتبدى ذلك في أخريات حياته وما أبداه من رفض قاطع لبنود مؤتمر السكان الذي انعقد في القاهرة 1994م.
الشيخ جاد الحق المولد والنشأة:في الثالث عشر من جمادي الآخرة من عام 1335 لـ الهجرة النبوية الموافق الخامس من أبريل من عام 1917 ميلادية ولد الشيخ جاد الحق على جاد الحق في قرية بطرة بمحافظة الدقهليه بمصر، وحفظ القرآن الكريم كاملا وهو ما يزال غضا، كما أتقن القراءة والكتابة قبل أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية بالمعهد الأزهري بطنطا حيث أتم المرحلة الابتدائية به، ثم أتم تعليمه الثانوي بالمعهد الأزهري بالدراسة في القاهرة، ثم حصل على العالمية في كلية الشريعة عام 1944م ثم تحصل على إجازة القضاء عام 1946م
الشيخ جاد الحق قاضيا شرعيا:لقد اكتسب الشيخ جاد الحق من عمله في المحاكم الشرعية مرنة ودربة وقدرة على المقارنة والاستنباط الصحيح للأحكام الشرعية مما أهله في عام 1953م للعمل كأمين للفتوى بدار الإفتاء المصرية، ثم قاضيًا شرعيًا فمستشارًا بمحاكم الاستئناف حتى عام 1976م بعد إلغاء المحاكم الشرعية .
الشيخ جاد الحق وتجديد دماء دار الإفتاء المصرية:وفي عام 1978م حينما صار الشيخ جاد الحق على جاد الحق -رحمه الله- مفتيًا للديار المصرية، صنع نهضة كبيرة فيها وسعى للحفاظ على تراثها الفقهي من خلال اختياراته الصائبة والرصينة للفتاوى الصادرة عن الدار والمتناثرة في سجلاتها والتي تمتاز بمرجعيتها الفقهية والشرعية الصحيحة وقد جمعها وعمل على نشرها في عشرين مجلدًا ضخمًا ضم بين دفتي كل منها مئات الفتاوى المنتقاة لتعم بها الاستفادة والنفع لما تحويه من قضايا جادة كانت وما تزال تهم الأمة الإسلامية.
الشيخ جاد الحق ودوره في نهضة الأزهر:لم يكد الشيخ جاد الحق على جاد الحق يحتل مكانه كوزير للأوقاف في أوائل يناير 1982م حتى عين شيخًا للأزهر وهنا عاش الأزهر عصرًا جديدًا من عصور ازدهاره سواء فيما يختص بدوره كمؤسسة دينية وعلمية راسخة علاوة على كونه الجهة الرسمية المسئولة عن الفكر الإسلامي والتعليم الديني الأزهري في مصر.
فقد كان الأزهر ملجأ للمصريين للحصول على حقوقهم عبر حقب كثيرة من التاريخ المصري القديم والمعاصر على أيدي كثير من شيوخه العظام.
ولم يكن الشيخ الجليل جاد الحق -يرحمه الله- بأقل من أولئك الشيوخ العظام فقد ساعده على القيام بمهامه في تحمل التبعات الثقيلة التي ألقيت على عاتقه، فطنته ورؤاه المدروسة ونظرته العميقة للأمور على إعلاء دور الأزهر الشريف ليصبح منارة الهدى والحق في عصرنا الحديث كما كان من قبل فعمل على تطويره كمؤسسة راسخة لتقوم بدورها في إنماء الشأن الإسلامي بمصر، ولأنه يرحمه الله قد ذاع صيته كرجل علم ودين وخلق كريم فقد توافد الأثرياء وتسارعوا للتبرع للأزهر بأموالهم ليتصرف فيها كيفما شاء فكان يرحمه الله يوجه الجزء الأكبر منها، فأنشأ الكثير من المدارس والمعاهد بل والجامعات الأزهرية في جميع أرجاء مصر، وقد ساعده فكره المستنير على الخروج بالأزهر والطفو على الكثير من أزماته ومحاولة فك القيود التي كانت تكبله وتغيير السياسات العقيمة التي كانت تسيطر عليه، والسعي لتطوير أدائه بعيدا عن بيروقراطية السلطة، كما أنشأ 25 فرعًا بالمحافظات للجنة الفتوى الرئيسية الموجودة بالجامع الأزهر وذلك لخدمة المواطنين الذين يلجأون إليها للاستفسار عن أمور دينهم، لذا فقد اختار أعضاء هذه اللجان من خيرة العلماء ممن لهم القدرة على الإفتاء.
من مواقف الشيخ جاد الحق رحمه الله:لشيخنا الجليل جاد الحق يرحمه الله مواقف كثيرة مشرفة لا يمكن للتاريخ نسيانها أو طمسها، وهذه المواقف ليست فيما يتعلق فقط بالقضايا المتعلقة بأمور الدين والتشريعات الإسلامية كتحريم فوائد البنوك لكونها ربا مطالبا بالعودة للاقتصاد الإسلامي، أو المتعلقة بالأمور الدنيوية كموقفه من الرافض من قرار الكونجرس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية للقدس الشريف مؤكدا أن القدس مدينة إسلامية.
الشيخ جاد الحق ومؤتمر السكان:كما لا ننسى خوضه معركة حامية الوطيس أظهرت موقفه الشديد والمشرف من مؤتمر السكان الدولي المنعقد في القاهرة في شهر سبتمبر عام 1994م وقد أعلن حينها حربًا شعواء على ما جاء من بنود المؤتمر والتي تناهض مبادئ الدين الإسلامي والتي تعد اعتداءً سافرًا على كرامة الإنسان الذي خلقه الله وفضله على العالمين حيث وجد شيخنا الراحل أن بنود المؤتمر الفاسدة تعمد إلى إباحة العلاقات الجنسية الشاذة بين الرجل والرجل، وبين المرأة والمرأة، كذلك إباحة حمل العذارى الصغيرات والحفاظ على حملهن، وإباحة إجهاض الزوجات الشرعيات الحرائر، وقد استنكر الشيخ أن تناقش هذه البنود في بلد إسلامي كبير مثل مصر بدعوى الحرية ومثيلاتها من الكلمات الممجوجة.
وقد أصدر الشيخ في ذلك عدة بيانات شاملة عن مجمع البحوث الإسلامية، وفيه يتصدى لهذه البنود الفاسدة بطريقة عقلية مؤسسة على فكر منظم راسخ بدراسة عميقة لكل ما ورد بالوثيقة باللغتين العربية والإنجليزية، كان لها الأثر الأكبر في إجهاض تلك المؤامرة التي كانت تحاك للقضاء على تعاليم الإسلام، وحينما اتصل بالرئيس حينها موضحا له أن ما تحويه البنود من كفر صريح، أعلنها الرئيس صريحة أنه لن يوافق إلا على ما يوافق عليه شيخ الأزهر، وكان ذلك انتصارًا للإسلام على يد رجل لم يخش في الله لومة لائم.
الشيخ جاد الحق ومسابقة ملكة جمال النيل:ومن الفتاوى غير المتوقعة التي تصدى الشيخ حاد الحق يرحمه الله لما نشر في جريدة الأهرام المصرية عن مسابقة اختيار ملكة جمال النيل من الفتيات في عمر المراهقة حيث يركبن مركبًا فرعونيًا يسير في النيل بمصاحبة دبلوماسيين من معظم الهيئات الدبلوماسية، ومن ستفوز باللقب ستلقى في النيل ومن ثم ستقوم بالتقاطها فرق الإنقاذ فأي إهانة للمرأة هذه؟ وقد كتب مقالاً نشر بنفس الجريدة يستهجن فيه أن يحدث هذا في بلد العروبة والإسلام بعنوان: أوقفوا هذا العبث فورًا باسم وفاء النيل، مؤكدًا أن هذا الاحتفال عودة مقنعة تحت ستار الرق والنخاسة وهذا ما يرفضه الإسلام وتعاليمه.
زهد وورع الشيخ جاد الحق:لم يكن الشيخ جاد الحق يرحمه الله من محبي سكنى القصور والشقق الفارهة بل كان راضيًا مطمئنًا وهو يعيش في شقته البسيطة في حي المنيل، وكان وهو شيخًا للأزهر بدرجة نائب رئس للوزراء يصعد إلى شقته بالطابق الخامس على قدميه المصابة، علاوة على تقدمه في العمر ومرضه، وحينما عرضوا عليه الانتقال إلى مكان أكثر سعة ومناسبة رفض الشيخ وظل في شقته المتواضعة وقد بلغ من زهده أنه لم يكن يحصل إلا على راتبه فقط، وكان يرفض أية حوافز، أو مكافآت، كما لم يكن يحصل رحمه الله على أية أموال تأتيه مقابل أبحاثه وكتبه القيمة فقد كان يجعلها في سبيل الله تعالى، حيث كان قانعًا براتبه لا غير كما كان يعيش هو وأولاده حياة الكفاف، ولو أراد يرحمه الله الدنيا لكانت بين يديه، حتى لقي الله عفيف النفس طاهر اليد.
جوائز وأوسمة للشيخ جاد الحق:ولمكانة الشيخ الجليل جاد الحق رحمه الله في العالمين العربي والإسلامي وفضله تم منحه أسمى الجوائز وأرفع الأوسمة، فنال “وشاح النيل” في عام 1983م وهو أعلى وشاح تمنحه مصر لمكرميها بمناسبة العيد الألفي للأزهر الشريف، كما تم تكريمه في المغرب بمنحه وسام “الكفاءة الفكرية والعلوم” من الدرجة الممتازة، كذلك حصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام والمسلمين عام 1995م ولم يحتفظ بها لنفسه بل بنى بها مجمعًا إسلاميًا كبيرًا يضم مستشفى ومعهدًا دينيًا ومسجدًا في مسقط رأسه بقريته “بطرة” التي ولد ودفن في ثراها.
من مؤلفات الشيخ جاد الحق وأعماله:- الفقه الإسلامي مرونته وتطوره.- بحوث فتاوى إسلامية في قضايا معاصرة.- رسالة في الاجتهاد وشروطه.- رسالة في القضاء في الإسلام.- مختارات من الفتاوى والبحوث.- أحكام الشريعة الإسلامية في مسائل طبية عن الأمراض النسائية مع القرآن الكريم.- النبي في القرآن الكريم.- هذا بيان للناس كتاب في جزأين، صدر عن الأزهر الشريف.- بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة في أربعة مجلدات ضخمة.- عشرات الأبحاث الفقهية التي اشترك بها في مؤتمرات علمية داخل مصر وخارجها.
كما أشرف يرحمه الله علي تنظيم العديد من المؤتمرات التي استهدفت الحفاظ علي هوية الأمة الإسلامية من التمويه والضياع.
وفاة الشيخ جاد الحق:توفي الشيخ جاد الحق علي جاد الحق صبيحة يوم الجمعة 25 من شوال 1416هـ الموافق 25 من مارس 1996م حيث كان متوضئًا ومستعدًا للصلاة، عن عمر يناهز التاسعة والسبعين متأثرًا بأزمة قلبية بعد حياة حافلة بمواقفه المشرفة وبعظيم الأعمال قدمها خادمًا مطيعًا للإسلام والمسلمين، ندعو الله أن يجعلها في ميزان حسناته وأن يجمعنا به ومن نحب في الصالحين.