كتاب 11
ليبيا.. الفوضى أم التدخل؟
في ظل الفوضى والاحتراب تنمو تيارات التطرف وتقوى، ويجد الإرهاب بيئة خصبة يتغذى منها. هذا ما أثبتته التجارب في المنطقة من العراق إلى سوريا، ومن اليمن إلى الصومال، وهو ما يتكرر اليوم في ليبيا.
لكننا كالعادة نقف مشلولين في كل مرة عاجزين عن وضع استراتيجية عملية مشتركة لمواجهة هذا الخطر الزاحف، لأن عملا عربيا جماعيا بات حلما بعيد المنال أو ضربا من ضروب الخيال. لقد أدمنا الخلاف والتناحر، ورضينا بالركون إلى ميثاق عربي عفى عليه الزمن، وإلى جامعة عربية عاجزة لا يمكن لإنسان منصف أن يلقي عليها اللوم لأنها ليست سوى مرآة للواقع، ولا حول ولا قوة لها إلا بإرادة أعضائها، وهي إرادة معطلة إلى أن يتغير الحال.
في بداية الأسبوع الحالي لاحت بارقة أمل في أن شيئا يمكن أن يتغير. ففي خطابه الذي بث يوم الأحد الماضي دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تشكيل قوة عربية موحدة للتصدي للتحديات التي تواجهها المنطقة، وعلى رأسها بالطبع تهديد جماعات التطرف المسلحة والإرهابية. الدعوة في حد ذاتها مهمة لأنها صادرة من أكبر بلد عربي، لكن الأهم هو ما ذكره الرئيس المصري عن أن دولا عربية، من بينها الإمارات العربية المتحدة والأردن، عرضت تقديم دعم عسكري لمصر بعد جريمة ذبح 20 من مواطنيها على يد الفرع الليبي لتنظيم داعش، وهي الجريمة التي قادت إلى الغارات الجوية المصرية على مواقع هذه الجماعات بالتنسيق مع الطيران الليبي التابع للحكومة الشرعية. فهذا التضامن المدعوم برغبة جدية في تقديم الدعم والإسناد العسكري، هو ما يعطي بارقة أمل في إمكانية حدوث تغيير في استراتيجية مواجهة جماعات التطرف المسلح والإرهاب التي عاثت فسادا وخرابا في المنطقة.
ليبيا قد تكون نقطة تحول وبداية لعمل عربي مشترك بين الدول الراغبة والمدركة أن نيران الإرهاب الممتدة لم يعد ممكنا تجاهلها، أو التصدي لها بحلول جزئية، أو انتظار تفكك المزيد من الدول العربية، واستمرار الإنهاك الممنهج للجيوش، والذي يثير الريبة والقلق من أن هناك من يريد للمنطقة أن تكون بلا أسنان لكي يسهل نهشها. فإذا كان العمل الجماعي مستحيلا في ظل الظروف الراهنة، فلتكن البداية تحرك القادرين والراغبين. سيكون هناك معارضون ومحتجون بالتأكيد، وهذا طبيعي، لكنّ تدخلا عربيا يظل أفضل من الاستنجاد في كل مرة بالطائرات الأميركية والغربية، لا سيما أن معركة الإرهاب تهم العالم العربي أكثر من غيره، لأسباب لا تخفى على أحد، سواء في بعدها الأمني أو الاستراتيجي أو الديني.
هناك من يقول إن الحوار هو الطريق الوحيد للحل في ليبيا وليس التدخل الخارجي، لكنّ السؤال هو: الحوار مع من؟
الحوار كمبدأ لحل النزاعات الداخلية، أمر محبذ بلا شك، وليبيا ستحتاج في نهاية المطاف إلى حوار وطني، وحل سياسي يوفق بين أبنائها ويجمع بينهم ويساعدهم على معالجة إرث الماضي وتراكماته. وفي تقديري أنه حتى الدول التي تريد التدخل في ليبيا للقضاء على نبتة الإرهاب وإنقاذ البلد من صراعات توشك أن تحيله إلى دولة فاشلة، لا تعارض أو ترفض الحوار، لكنها ترى أهمية التدخل الآن لمنع نمو دولة داعشية أخرى تدمر البلد وتصدر المزيد من القلاقل في المنطقة. فالحوار في ظل الأوضاع الراهنة مصيره الفشل؛ لأن هناك أطرافا تريد اختطاف الدولة وفرض نهجها بالسلاح، ولنا في الدرس اليمني مثال حي أمامنا. وفي كل الأحوال فإن مساعي الحوار التي ترعاها الأمم المتحدة وتدعمها الجامعة العربية، تعاني من صعوبات جمة أدت إلى تعثره، بل وتأجيل انعقاده عدة مرات بسبب تعقيد النزاع ودخول الإرهاب على الخط.
الحكومة الليبية «الشرعية» ظلت تنادي بتدخل عربي لمساعدتها منذ فترة طويلة، لكنّ دعواتها لم تلقَ إلا البيانات من الجامعة، ودعما محدودا وسريا من دول أخرى، فكانت النتيجة أن تدهورت الأمور ونما حضور ونفوذ الميليشيات الإسلامية، والجماعات المتطرفة والإرهابية. كل يوم يمر في ظل الفوضى الراهنة سيجعل الحلول أكثر صعوبة، والتدخل للمساعدة أكثر كلفة.
من هنا تأتي أهمية دعوة مصر لتشكيل قوة عربية مشتركة للتصدي للمخاطر المحدقة، انطلاقا من ليبيا. وبدلا من انتظار الحصول على إجماع عربي لن يتحقق، فإن تحالفا بين الراغبين هو البداية المنطقية. المهم ألا تتراخى الجهود وتتلاشى لأن الأوضاع لم تعد تحتمل، لا في ليبيا ولا في بؤر النزاعات والاحتراب الأخرى التي يتغذى منها الإرهابيون. هناك دعم لمصر من دول أخرى فاعلة وقادرة وهو دعم لو تبلور نحو تشكيل قوة عربية مشتركة، فسوف يكون بداية صحوة طال انتظارها.