كتاب 11

09:05 صباحًا EET

جدل واندهاش

قالوها قديما في الحكم والأمثال والأقوال إن «الملافظ سعد». وقيل أيضا إن «التوفيق عزيز»، والحكم على بعض الشخصيات القيادية من أقوالهم مسألة أصبحت معروفة، وفي الاقتصاد السعودي، وهو الاقتصاد الأكبر عربيا، عرفت بعض المواقف والأقوال التي تسجل في ذاكرة المواطن والتاريخ، فالكل لا يزال يتذكر تصريح وزير التجارة الأسبق عبد الله يماني الذي قال فيه إنه على المواطن السعودي التحول من الرز إلى سلعة أخرى، نظرا لارتفاع سعره وطبعا انهالت التعليقات الحادة عليه.


وها نحن الآن نرى وزير الاقتصاد والتخطيط يصرح تصريحا أثار الكثير من الجدل والدهشة، فهو قال: إن البطالة من سنن الله، ولا نستطيع أن نقضي عليها كليا، ولا يوجد مجتمع من عصر النبوة حتى وقتنا هذا سواء أكان صناعيا أم ناميا إلا ويوجد فيه بطالة «البطالة للعلم مصطلح، وأول مرة تم التطرق علميا لقياس البطالة في العالم كان عام 1880 في إحصاء السكان الأميركي، وفي عام 1931 تم استحداث مؤشر قياس البطالة، أما قبل ذلك فلم يكن لهذا المعنى وجود أبدا، أما الحديث عن أنها من سنن الله في الأرض فهذه معلومة في غير محلها، لأن سنن الله هي الفقر والغنى وليست البطالة أبدا، وإذا ما كانت البطالة موجودة أيام «النبوة» فليتفضل بتقديم أسبابها ونسبتها ومحاولات علاجها.
والحقيقة أن هذا التصريح جاء في إطار «التخفيف» من مشكلة البطالة والإقلال من أهميتها، وتقديم نسبة لا تعكس المؤشرات الاقتصادية المقدمة من وزارة العمل، ولا من إحصائيات مستقلة أخرى تم الإعلان عنها من قبل، وهذا النوع من التوجه ينافي تماما تحدي البطالة الذي أقرت به الدولة وخصصت له أهم وأكبر وأدق خطة توظيف عرفتها في تاريخها، وجندت الكثير من مرافق الدولة لتطوير ومواجهة نسبة البطالة الكبيرة والخطيرة.
والحقيقة أن هذا التصريح ليس الأول من «نوعه»، فهو شخصيا له تصرح ذات يوم أن «المواطن السعودي ينعم بمستوى عال من الرفاهية»، وقوبل هذا التصريح بموجة بتعليقات وانتقادات، وقدمت الأمثلة التي تناقض هذا التصريح. وهو الذي قال ذات يوم إن هبوط أسعار البترول لن يؤثر على الاقتصاد السعودي والاقتصاد السعودي الذي يعتمد في أكثر من 90 في المائة من مدخوله على سلعة النفط لا بد أن يتأثر بانخفاض هذه السلعة، هذه مسألة بديهية.
هذه النوعية من التصريحات تحسب على ذهنية العلاقات العامة التي غرضها تحسين وتنميق الصور، ولكن المتلقي لديه درجة عالية جدا من الذكاء والفطنة والفراسة ليميز بين الحقيقة وغير ذلك. والحقيقة أننا اليوم في عصر وزمن من غير المسموح فيه أبدا «استغفال» المتلقي، وخصوصا أن الحقيقة لا يمكن إغفالها. هذه التصريحات باتت عبئا على الدولة وفيها إحراج، لأنها تؤثر على الهيبة والمكانة للتصريحات الرسمية التي يجب أن يكون لها الوقار والاحترام للمتلقي.
هناك العديد من الكفاءات والقدرات والخبرات الموجودة في السعودية التي من الممكن أن تكون واجهة مهنية ومحترفة في حقيبة الاقتصاد والتخطيط بشكل لافت ومميز لبلد كالسعودية وبحجم السعودية ومكانة السعودية.

التعليقات