كتاب 11
أمسية كروية دموية
لم يفكر كثيراً في ما يفعل أو يقول. كان في جلسة لطيفة مع الأصدقاء ولم يكن ينوي العودة إلى البيت مبكراً. لم يكن يوماً من هواة كرة القدم أو متابعي الدوري أو الكأس. لكنه في تلك الليلة انصرف مبكراً.
سأله أصدقاؤه إن كان يود متابعة المباراة. أجاب بالنفي، مضيفاً أنه يريد متابعة ما يجري خارج محيط الستاد، حيث بدأت الأخبار تتواتر عن حدوث اشتباكات ووقوع قتلى. عاد إلى البيت حيث سارع إلى ارتداء ملابس النوم وتجهيز فنجان من الشاي وأشعل المدفأة وأمسك بالريموت كونترول متجولاً بين قنوات تنقل الاشتباكات على الهواء، وأخرى تحلل الأحداث مرة في ضوء عنف رابطة «ألتراس» ومرة على خلفية سوء قرار عودة الجمهور للمباريات…
أتعبه الدق على الريموت، فقرر الابتعاد موقتاً عن مجموعة القنوات المحلية الناقلة للاشتباكات، لكنه وجد نفسه في حزمة فضائية أخرى تصول وتجول في دوائر «داعش» وأخواتها. عاد أدراجه لمتابعة ما يجري على مرمى حجر من بيته. أفراد من عائلته يهاتفونه طالبين منه متابعة التلفزيون لمعرفة حقيقة ما يجري أمامهم من قيام شباب من مشجعي «الزمالك» بقطع الطريق، وقيام آخرين بإشعال النيران في سيارة شرطة، وكر وفر بين رجال أمن وشباب هنا وهناك. الغرض من السؤال البحث عن طرق بديلة للهروب من مربع الأحداث والعودة إلى البيت بأقل خسائر ممكنة.
الغريب في الأمر أنه لم ينزعج أو يقلق. لكنه أخذ يبحث عن مزيد من المعلومات عبر القنوات علّه يصل إلى شارع خالٍ من الاشتباكات أو مهرب مضمون العواقب ليبلغ إبناً عائداً من هنا أو زوجة تبحث من طريق بديل. وأمام الكم الهائل من التحليلات المتضاربة، بحث عن قناة رياضية علّه يجد على أثيرها الخبر اليقين. لكنه فوجئ بما لا يتوقعه أحد. أحداث المباراة يجري نقلها وبثها والتعليق عليها على الهواء مباشرة وكأن شيئاً لم يكن.
ظن في البداية أن المباراة مسجلة، أو أن الأحداث مكررة، إذ ليس من المعقول أن تكون اشتباكات حامية الوطيس دائرة رحاها على أبواب الستاد، والمباراة تلعب في الداخل وكأن شيئاً لم يكن. لكنّ اللامعقول جرى بالفعل. فقد لُعبت المباراة وعلق المعلق وناقشت استوديوات التحليل اللعبات الحلوة وتلك المرتدة، في حين كان القتلى يتساقطون والسيارات تحرق بينما الجرحى ينقلون إلى المستشفيات.
شعر بقرف شديد وغثيان أكيد. سأل نفسه عما يمكن أن يكون قد ألم بالبشر. ناس تقتل وعنف يرتكب وفي الوقت ذاته ألعاب تلعب وتحليلات تجري؟ ولكن سرعان ما تحول شعوره بالقرف العام إلى شخصي، ومعاناته من غثيان ناجم عن أفعال الآخرين غثياناً ذاتياً. واجه نفسه بسؤال قاسٍ: ما الفارق بيني وقد أنهيت جلستي مع الأصدقاء وهرعت إلى البيت وارتديت ملابس مريحة وأشعلت المدفأة بينما أتفرج على الاشتباكات وأبحث عن طرق بديلة لعودة إبني وزوجتي من دون أن أهرع لمساعدتهما؟ الحقيقة هي أنه وغيره ملايين اعتادوا العنف والدماء من «داعش» شرقاً إلى ليبيا غرباً مروراً بعنف الستاد.