مصر الكبرى
أحمد أبودوح يكتب :الرئيس مرسى روبسبير
لم يمهل الرئيس محمد مرسى الثورة أكثر من عامين لكى يجهز عليها ويقرر أن ينصب نفسه فرعونا جديداً للبلاد بإسم الله، فقد صرح الرجل بالفم المليان أن " ما إتخذت من قرارات إنما إتخذته إرضاءً لله والوطن "!، وهو ما يبدأ بنا عصر جديد من الحكم بإسم الله على الأرض .
هل من المعقول يا سيادة الرئيس أن يرضى الله والوطن تنصيب نفسك الآمر الناهى الحاكم بإسمه، صاحب القرارات المعصومة والمنزه عن أى إنتقاد أو تقويم؟! هل من المقبول أن يكون عندنا بعد ثورة عظيمة سقط فيها آلاف الشهداء والمصابون من يمتلك فى يديه السلطات التى تجعل منه الآمر الناهى الذى لا راد لقضاءه ولا مغير لحكمه؟!
لقد قرر الرئيس محمد مرسى تحصين قراراته بالأمس من أى طعن أمام أى جهة مهما كانت، وهى الحصانة الأولى من نوعها التى تقرر السلطة التنفيذية فى أى من بلدان العالم منحها لنفسها فى خطوة تطيح بأى إعتقاد بأن هناك ثمة علاقة ولو من بعيد بين تلك الجماعة التى تتسم بالبرجماتية المفرطة والثورة التى سالت من أجلها دماء الشهداء. أى أن الرئيس – ببساطة – قد قرر أيضاً (إلى جانب الإستيلاء على السلطة التشريعية والإحتفاظ بها لنفسه رغم إمكانية إسناد تلك السلطة إلى مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية الإخوانيين كذلك ) قد قرر حجب السلطة القضائية عن الواقع الإجتماعى والسياسى الذى تعيشه مصر الأن بما يعنى إفساح المجال له ولجماعته بالعبث بمقدرات الوطن كما يرتأى لهم وكيفما يحقق مصالحهم .
إن القرارت التى صدرت سوف ترسخ لحكم الإخوان على مدار السنوات القادمة، بإعتبارها بمثابة قبلة الحياة للجمعية التأسيسية المنوط بها كتابة دستور البلاد والتى يسيطر عليها الإسلام السياسى الأن، إلى جانب مجلس الشورى الذى كان مهدداً بالحل هو الأخر لإحتواء القانون الخاص بإنتخاب أعضاءه على النفس العوار الدستورى الذى كان سبباً فى حل مجلس الشعب من قبله .
وبمناسبة الحديث عن مجلس الشعب، وفى ضوء تلك الحزمة من التحصينات التى منحها الرئيس لقراراته يجوز التساؤل إذن : ماهى الضمانات لعدم إتخاذ الرئيس لقرار بعودة غرفة البرلمان المنحلة (مجلس الشعب) فى أى وقت يرتأى فيه أن عودتها تمثل مصلحة عليا للجماعة؟! وكيف يمكن مجابهة تلك القرارت غير الإتجاه إلى الفوضى أو إندلاع ثورة ثانية فى البلاد طالما أن جميع الوسائل المشروعة قد سُدت فى وجوه من لا يتفق مع تلك القرارات؟!
فى تاريخ البشرية لا تُعد الثورات هى الوسيلة الأسهل التى تلجأ إليها الشعوب للإعتراض على حاكم ظالم أو دكتاتور قرر أن يستأثر بجميع السلطات لنفسه وأن يجعل منها الحاكم الأوحد، لأن الثورة تعنى ببساطة الإطاحة بالإستقرار السياسى والإقتصادى والسلم الإجتماعى الذى تنشده كافة شعوب الأرض لضرورة أكبر يجب الوصول إليها، ولكنها عادة ما تكون بمثابة الحل الأخير الذى تلجأ إليه لرفع الظلم أو تحقيق أهداف أو مطالب معينة .
هذا ما حدث خلال الثورتين الإنجليزية والفرنسية على الترتيب، عندما تولى أحد قادة الثوار "أوليفر كرومويل" فى الأولى الحكم وقرر أن يخلق من نفسه ديكتاتورا جديداً فخرجت القوى المناهضة لحكمه فى ثورة ثانية تحولت فيما بعد إلى حرب أهلية إنتهت بإعدام كرومويل من قبل خصومه، كذلك ما حدث فى أعقاب إندلاع الثورة الفرنسية حينما تولى الحكم "ماكسميليان روبسبير" والذى كان أحد من دعوا ونظموا وقادوا الثورة على الملكية، وبالرغم من أنه بدأ حكمه أيضاً بإسم الثورة ( كما يحدث فى مصر الأن ) تحول فيما بعد إلى مستبد أشد فى إستبداده مِن من سبقوه وثار عليهم هو حتى إنتهى الأمر كذلك بإعدامه بعد حرب أهلية طاحنة عانت منها فرنسا وأوروبا معاناة شديدة .
لم تكن الإجراءات الإستثنائية يوماً هى الحل للخروج من مأذق سياسى أو الوسيلة المناسبة للتحول إلى النظام الديمقراطى الرشيد، وإنما كانت تلك الإجراءات عبر تاريخ الثورات جميعاً هى البداية لخلل طويل المدى فى السلم الإجتماعى وذريعة لعدم الإستقرار السياسى الذى قد يؤدى فى النهاية لعواقب وخيمة يصعب السيطرة عليها .
بيد أننا لا يمكن أن نغفل رغم كل ذلك الإنعكاسات الضرورية للمتغيرات التى تمر بها الساحة الدولية على الأحداث فى الداخل أيضاً، والتى من بينها بالطبع التقدير الذى حظت به مصر على المستوى الدولى وخاصة من قبل الولايات المتحدة بعد تدخلها الأخير فى وضع حد للإعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة،والذى ربما قد فُهم من قبل الجماعة الحاكمة على أنه الضوء الأخضر للقيام بإنقلاب داخلى تستتب به الأمور لهم، لأنهم يدركون تماماً أنهم لا يستطيعون إلقاء كرة النار تلك على المجتمع المصرى دون تمتعهم بغطاء أمريكى كاف للقيام بذلك .
إن ما شاهدناه الجمعة فى ميدان التحرير وجميع ميادين مصر هو تطور طبيعى لما حدث بالأمس ويمثل الشرارة ورد الفعل الأولى على تلك القرارات التى أطاحت بجميع المبادىء والأهداف التى قامت الثورة من أجل تحقيقها، فهل يتبلور رد الفعل إلى فعل، وهل نشهد فى الأيام المقبلة مزيداً من التصعيد أو إستمراراً فى التظاهر السلمى والتعبير عن الرفض لتلك القرارات الغاشمة؟! هذا ما سوف يتضح فى الساعات القليلة المقبلة.