آراء حرة
د. هانى عبد الفتاح شوره يكتب: قراءة فى الاعتداء على شارلى إيبدو
(1)
لا اخفى سرا اننى كنت من اكثر المنزعجين لحادث الاعتداء او ان شئت فقل الانتقام من صحفييى جريدة شارل ايبدو الكاريكاتورية الساخرة ، فالاسلام برىء من مثل هذا الاعتداء العشوائى، ايضا لان الاحداث علمتنا انه دائما ما تستخدم مثل هذه الحوادث للترويج لفكرة الاسلام فوبيا وفى مزيد من الاجراءات الاستثنائية ضد الجاليات الاسلامية فى الغرب اضافة الى ما هو كائن بالفعل من اتخاز جملة من الاجراءات الصارمة على ضوابط الهجره خاصة الى فرنسا حيث كررت زعيمة الجبهة الوطنية لليمين المتطرف مارين لوبن مطالبها بضرورة تضييق او منع الهجرة مما يعنى مزيد من حالات العزلة والتهميش لملايين من افراد الجاليات الاسلامية والعربية الذين يساهمون بشكل او باخر فى اثراء النهضة الغربية.
اذا فليس من الانصاف على الاطلاق ان يوضع مليار ونصف مليار مسلم فى سلة واحدة، ويقادون الى ذات المذبحة فى قيد واحد دون جريرة لمجرد انهم يدينون بذات العقيدة، لا سيما اذا كان السواد الاعظم منهم يستلهم روح الاسلام السمحه التى تعطى للمعتدى عليه مساحة للتسامح ونبذ العنف وقبول الاخر ، ومن غير المعقول ان تُجرح مشاعر ملايين البشر ثم لا يُتوقع أن من بينهم المئات او الالوف الذى يأخذون بظاهر النصوص فيردون الاعتداء بالاعتداء دون تفرقة.
(2)
الارهاب الفكرى والارهاب الجسدى .. مقدمات ونتائج
من الجلى الواضح ان المجتمع الدولى لم يعد يقدر العواقب تقديرا صحيحا واعيا، ولم يعد يفهم ان مصطلح الارهاب اصبح مغايرا لسابقه، فلم يعد يقتصر على المفهوم الجسدى للارهاب دونما النظر الى ان هناك نوع اخر من الارهاب يسمى بالارهاب الفكرى والذى هو مقدمة ونتيجة فى نفس الوقت للارهاب الجسدى، فليس من المعقول ان تكون المهمه الرئيسية لشارل ايبدو هى السخرية من اى شىء ومن كل شىء وصولا الى السخرية من انبياء الله ورسله، واظهارهم للناس فى صورة غير لائقة متجاهلين بذلك مشاعر ملايين البشر باختلاف مرجعياتهم الايديولوجية لدرجة ان وكالة الانباء الفرنسية ذكرت – نقلا عن الاهرام – أنه ليس هناك أى صحيفة مماثلة لشارلى إيبدو فى الولايات المتحدة، رغم رفعها شعار حرية التعبير المطلقة، حيث يبقى الاستهزاء بالأديان من المحرمات، وأوضحت الوكالة نقلا عن الكاتب ديفيد بروكس فى مقالة فى صحيفة نيويورك تايمزأنه لو أرادت الصحيفة الفرنسية خلال السنوات العشرين الماضية أن تصدر فى زى حرم جامعى أمريكى لما كانت صمدت ثلاثين ثانية. ولكان الطلاب اتهموها بتبنى خطاب حقد ولكانت الإدارة أغلقتها.
قد تكون الولايات المتحدة الامريكية من اكثر الدول التزاما فى هذا الجانب الا من بعض التصرفات الفردية لبعض الاشخاص ، لكن على مستوى المؤسسات الصحفية فهناك نوع من التفهم للطبائع البشرية لا سيما بعد اعتداء الحادى عشر من سبتمبر حيث اصبحت الولايات المتحدة الامريكية اكثر وعيا وادراكا لمعنى انه لا فارق بين الارهاب الفكرى والجسدى فالمقدمات هى النتائج والنتائج هى المقدمات.
(3)
انا لست شارلى
على موقعها الرسمى وعقب الاعتداء صدرت صحيفة شارلى ايبدو صفحتها الرئيسية بمقولة je suis Charlie انا شارلى ، وذلك فى محاولة لكسب استعطاف اكبر قدر من المتابعين للحدث، ومحاولة اضفاء مزيد من الدراما على الحدث الذى لم يقبله المسلمون انفسهم، اضافة الى اعلان شارلى ايبدو عن تلقيها للتبرعات على سبيل الدعم لاستكمال مسيرتها الساخرة، لا .. لست شارلى ولن اكون، لكنى اؤمن بحق كل انسان فى الحياة، وان سلبه هذه الحياة جريمة فى حق الانسانية، كما أؤمن ايضا ان الاغتيال المعنوى لا يبتعد كثيرا فى مقدماته ونتائجه عن الاغتيال الجسدى.. لست شارلى لكنى استهجن الاعتداء على شارلى لان عقيدتى تامرنى بأن اتبع السيئة الحسنة، وأن اخالق الناس بخلق حسن.. لست شارلى لكنى أحترم حرية الابداع والفكر والنقد البناء ، لكنى لا اؤمن بحرية ابداع تنظر الى الاخر نظرة دونية فتسخف من افكاره ومعتقداته وتحط من شأن رموزه.
(4)
عندما يجتمع الجلاد مع الضحية
علمونا فى المرحلة الابتدائية قصيدة امير الشعراء أحمد بك شوقى (برز الثعلب يوما ) التى يقول فيها:
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظين
يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرين
و يقول الحمد لله إله العالمين
يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبين
وازهدوا فإن العيش عيش الزاهدين
و اطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسولا من إمام الناسكين
عرض الأمر عليه و هو يرجوا أن يلينا
فأجاب الديك عذرا يا أضل المهتدين
مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا
تذكرت هذه القصيدة وانا ارى نتنياهو وهو يتصدر مظاهرة حاشدة تطوف بشوارع باريس منددا بالارهاب فى واحدة من اهم نكات هذا العام ، والاعجب من ذلك ان يقف هو ومحمود عباس ابو مازن الرئيس الفلسطينى على خط واحد وكلاهما ينادى بسقوط الارهاب، فأشبه ذلك باجتماع الجلاد والضحية على مائدة واحدة .
لم يكذب حدثى فى غرابة ان تدعو فرنسا نتنياهو المتورط فى العديد من الجرائم الانسانية ضد شعب كامل يعانى الفقر والجوع والمرض اضافة الى العزلة الدولية، حتى خرجت العديد من التأكيدات على ألسنة مسئولين رسميين فى فرنسا ان فرنسا لم تبادر بدعوة نتنياهو لهذه التظاهره وانه دعا نفسه بنفسه، وما لا يعلمه الكثيرون ان حضور او اصرار نتنياهو على الحضور بل واصراره على الوقوف فى الصف الاول الى جانب اولاند والمستشاره الالمانية ميركل والتلويح بيده للجماهير وهو يمثل التيار اليمينى فى اسرائل ما هو الا جزء من مشروعه المبني على التخويف من العدو المشترك، وتصوير الإسلام على أنه عدو للغرب وإسرائيل معا، ولو كان نتنياهو صادق فى دعواه فى محاربة الإرهاب لاعلن انه يريد إنهاء الاحتلال الاسرائيلى لفلسطين، بل ان حضوره الغير مرحب به يعد ايذانا بمزيد من الاصرار على بقاء الاحتلال بدليل دعواه لجموع اليهود فى فرنسا للعودة الى احضان الارض الام الى اسرائل فرارا من الارهاب، فنتنياهو الذى كلف خاطره بالانتقال من تل ابيب الى فرنسا بدعوى ان من بين القتلى اربعة من اليهود يتجاهل متعمدا كل المذابح التى ترتكب بشكل يومى فى حق الشعب الفلسطينى مما يجعل اسرائيل راعية الارهاب فى العالم.