آراء حرة

09:38 صباحًا EET

كواعب أحمد البراهمي تكتب: أبي ( الغائب الحاضر)

سأتحدث اليوم حديثا خاصا جدا عن إنسان أحمل له كل الحب , سأتحدث عن أبي , ذكري وفاته 21 من يناير . هو كما ينادونه فضيلة الشيخ , الأسم /أحمـــــــد محمـــــد حسين البراهمي مالكي المذهب من مواليد قرية البراهمة التابعة لمركز نجع حمادي .

حفظ القرآن الكريم ودرس بالأزهر الشريف وحصل علي الشهادة العالية لكلية أصول الدين.ثم حصل علي الشهادة ( العالمية مع إجازة التدريس ) التي بموجبها عمل مدرسا بجامعة الملك/ محمد بن ادريس السنوسي بالمملكة العربية الليبية بعد تخرجه .ثم عمل واعظا تابعا لإدارة الوعظ والإرشاد بلبيا , ثم عاد لجمهورية مصر العربية فعمل بمحافظة قنا إماما وخطيبا لمسجد القرشي ثم بنجع حمادي إماما وخطيبا بالمسجد العتيق ثم مسجد الست حميدة ثم مسجد الأوقاف (المحطة سابقا ) وأثناء ذلك كان مدرسا بالأزهر الشريف . وكان عضوا بارزا بأمانة الاتحاد الأشتراكي العربي ( حيث كان عدد الاعضاء خمسين عضواعلي مستوي الجمهورية كافة ) واسندت إليه لجنة شئون المهجرين وذلك ليكون الواسطة ووسيلة الاتصال لهم مع المسئولين والقيادات العليا في جميع احتياجاتهم .وله دور بجمعية الشبان المسلمين مع الدكتور عبد الرازق السنبسي والأستاذ صبحي الدرديري .أنشأ مجموعات التقوية للطلاب والطالبات بالمسجد لتدريس العلوم الدراسية بعد صلاة العصر . وكان يلقي درسا دينيا بعد صلاة المغرب وكذلك الاشراف علي كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم .كان له دور في مجموعات المصالحة مع مجموعة العلماء في نجع حمادي .

لقد رحل أبي عن دنياي منذ زمن بعيد , تاركا لي أجمل الذكريات , فبعض الالام أو بعض اللحظات تمر في عمرنا وتترك لنا ذكريات محفورة حفرا في وجداننا لا يمحوها الزمن إطلاقا ولا تمحوها الأيام ولا تجعلنا ننساها اللحظات السعيدة التي تمر بنا بعد ذلك , ومن بين هذه الذكريات في عمري. يوم الاثنين 21/1/1974 عدت من مدرستي النقراشي الابتدائية وأمي كانت ترقد في دور برد ( إنفلونزا) ,و أبي توضأ وأرتدي ملابسه للخروج لصلاة العصربالناس , ولم تطهو لنا طعاما وقالت لي ضعي لك ولاخوتك جبن رومي وعسل نحل ( العسل الأبيض ) وما أن وضعتهم في الأطباق وبدأت الغداء حتي سمعتها تناديني صارخة فذهبت إليها ووجدت أبي قد فارق الحياة ولم أستوعب ذلك طبعا , ولكن من يومها لم آكل الجبن الرومي وكرهته ولم آكل عسل النحل وحاولت مرارا أن آكله لأن به شفاء للناس كما قال ربي , ولكنه كما يدخل جوفي لا يمكث , ويخرج من حيث أتي بنفس الوقت , وكنت أرتدي فستانا أصفرا وظللت لا أرتدي اللون الأصفر تشاؤما حتي وقت قصير . وكما كرهت الجبن الرومي أعشق الجبنة البيضاء لان والدي غالبا ما يأتي في المساء ومعه عيش ابيض ساخن ( خبز شامي كما نسميه ) ويقوم بنفسه بعمل ساندويتشات لنا جميعا ويعطيها لنا بنفسه . وظللت بعد ذلك اليوم والي أن أكملت ثلاثين عاما كنت كلما قال لي شخص ما اسم والدك , أو والدك فلان أو أنتي بنت من ؟لا أستطيع أن أمنع دموعي من النزول . مازالت ذكرياتي وكأنها بالأمس رغم الاعوام الكثيرة . أذكر مثلا يوما صحونا متأخرين وامي كانت تمشط لي شعري بشدة لألحق بالمدرسة فأستيقظ علي بكائي واخذ منها المشط ومشط لي شعري بنفسه ,كنت أراه يحبو ويضع أخوتي فوق ظهره , كان يأخذني معه إلي زياره أصدقائه , وكان عندما أقابله في الشارع واكون قد ذهبت لشراء أي شئ من المحلات القريبة يبتسم لي ويمد يده مصافحا بالرغم من أننا لم نفترق سوي ساعات أو دقائق , كان يسلم علي كل الاطفال عندما يراهم يلعبون معنا ويسأل عن الوجه الجديد ما أسمه وأبن من واين يسكن , دوما كان مبتسما ولا أذكر إطلاقا أنه ضربني – كان يقول ( العبد يقرع بالعصي والحر تكفيه المقال ) وكنت أري نفسي حره ولم أغضبه يوما , حتي اليوم الذي استشاط مني قلقا وخوفا عليا عندما خرجت من المدرسة مع زميلتي إلي منزلها ومكثت للعصر ولم يكن عندنا هاتف وقابلني في الطريق وقال الحمد لله وسألني ما أخرني ؟ ولم يضربني ولكن أمي قامت بالواجب ( علقة محترمة بصراحة ).

كان يجمعنا أنا وأخوتي رغم صغر سننا كل سبت عصرا ويحكي لنا قصص الأنبياء من القرآن و كنت اعرف كل قصص الأنبياء منه , وكان يحفظنا القرآن الكريم ,كنا نجتمع كلنا علي الغداء. وكنت أسمع منه كلمات حفظتها فبعد أي طعام يقول بحسب أبن آدم لقيمات يقمن صلبه وكان يردد كثيرا قول الله تعالي ( وليخش الذين تركوا خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ) . صدق الله العظيم .

لقد عشت معه قليلا وتعلمت منه كثيرا. كان مثل أغلب رجال الصعيد حانيا علي النساء رفيقا بالقوارير , كان يعمل بالقرآن ولا أزكي علي الله أحدا , رحمك ربي رحمه واسعة وأسأله بقدرته أن يجعلك في فسيح جناته ويغفر لنا ولك وتقبل اللهم دعوات من يدعون له بالرحمة. 

التعليقات