آراء حرة

06:59 صباحًا EET

عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب: ماراثونات الكراهية

اليوم، تدق ألمانيا أجراس عنصريتها القديمة، وتعقف صلبانها من جديد، في اتجاه عقارب ساعة تدور نحو الخلف. ففي عنصرية بغيضة، نسيتها الأجيال المعاصرة أو كادت، يعود المخلفون من النازيين لمد أذرعهم اليابسة أمام حطب التاريخ ليمارسوا طقوس فتنة أشعلها شارب لم يكتمل فوق وجه فظ ذات تاريخ.

في دريسدن، يلتف اليوم أكثر من سبعة عشر ألف ألماني براية الرايخ القديم ليعلنوا حربا غير مقدسة ضد مسلمين عزل لا يتجاوز عجزهم العشرات. ولأن الغباء لم يعد حكرا على أعتاب شرقنا المقدسة، ضم الدريسديون أقدامهم في ماراثون همجي ليدقوا طبول حرب أطفأها الله من قديم بين أتباع الرسل على أعتاب عام ميلادي جديد، و”لسوف ينضم إليهم أضعاف هذا العدد يوم الإثنين القادم،” هكذا تؤكد الشرطة الدريسدية هناك.  

ولأن جماعة “مواطنون أوروبيون ضد أسلمة الغرب” تأمن جانب الحكومات وجمعيات حقوق الإنسان في أوروبا والعالم، وتعلم أن بوسترات الإرهاب والتطرف لا تُلصق إلا فوق صدر عربي يغطيه شعر كثيف يمتد من إخمص الذقن حتى أسفل السرة، فبوسعها أن تتمدد فوق شطر المتوسط مظهرة بياض إبطيها، لتدفن بيوضها الهتلرية في رمالنا الدافئة.

تدعي “بيجيدا” أنها جماعة “غير عنصرية”، وأنها تحارب “أدعياء الكراهية بغض النظر عن ديانتهم”، لكن المؤكد أنها ترفع صلبانها المعقوفة في وجوه رجال بعينهم لا حول لهم ولا عصبية في بلاد نسيت خطيأتها الأولى. صحيح أنها حظرت شعارات هتلر، وامتنعت عن رفع راياتها النازية في ماراثوناتها الحثيثة، لكن بيجيدا نالت عن جدارة تأييد الجماعات الأكثر تطرفا هناك، وهو ما يضع علامة استغفال كبيرة خلف تصريحاتها المتكلفة.

وفي أول رد على عنصرية بيجيدا، نظم عقلاء ألمانيا أحذيتهم، وانطلقوا في مسيرات وعي تجوب شوارع برلين وشتوتجارت وكولونيا لينددوا بعنصرية دريسدن ويبسطوا رداء تسامح يشمل الجسد الألماني المترهل. وهم يؤكدون أنه لو حسنت نوايا أهل دريسدن، لثاروا ضد التطرف والعنف دون أن يلبسوه جبة وقفطانا ويضعوا في يده مسبحة. فالعنف في كل الشرائع فسق وغلو وغباء.

من المتاجر والكنائس والأسواق، انطلقت ماراثونات ثقافية مبشرة لتزيل خطوط الهلام الغبية التي تفرق بين المسيح ومحمد على أعتاب ميلاد جديد، ولتحبط مخطط مكر أراد أن يفرق بين الدريسديني وأخيه، وأن ينقش جرافيتي صليب هنا وهلال هناك، ليعيد ألمانيا ومن خلفها أوروبا إلى ضلالاتها القديمة وجهالاتها الأولى.

ليتها تصل إلى أعتاب قاهرة المعز تلك الماراثونات الواعية، لتحبط مساعي سحرة الإعلام الموجه الذين ينفخون في رماد البلاد ليل نهار ليفقس حنظلا وجهالة وقبحا. أما الدريسديون الجهلة الذين يدقون بنعالهم القذرة أبواب المساجد وساحات الكنائس ليشعلوا حربا غير مقدسة أطفأها الله دهرا، فليتهم يتوقفوا عن تجييش الأغبياء هنا وهناك، وليتهم يمتنعوا عن تلويث بيوت الله بأنفاسهم الحاقدة لينعم المصلون  بصفاء روح يؤهلهم لمخاطبة الإله الرحيم .. إله عيسى ومحمد.

ربما تستمر ماراثونات ألمانيا شهورا، وقد تتوزع شظاياها على أصقاع أوروبا لسنوات. وربما تتراجع مواكب الأحرار وتقل عددا وعدة لأن وباء الكراهية أسرع انتشارا وأشد فتكا. وقد ينهزم المؤمنون الصادقون كما تقهقر جيش الأثينيين أمام الاسبرطيين ذات عجز، لكن يوما ما – لا أراه بعيدا – ستسقط رايات هتلر ويرتفع لواء الإنسانية خفاقا ولو كره الدريسديون.

Shaer129@me.com 

التعليقات