آراء حرة
عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب: قانون ليس للبيع
إذا كنت في مصر، وارتكبت من الآثام ما تقشعر لهوله الأبدان، ثم مررت من تحت إبط القانون دون أن يمسك بتلابيبك أو يصفعك على قفاك، فلا تظنن أن الله قد جعل لأجلك على مواده غشاوة، أو إنك عصفور في طاقية إخفاء.
الأمر أيسر من ذلك بكثير. فالمارون من تحت أنف القانون ونظارته المقعرة في بلادنا كثر، ليس أكثرهم من الملائكة المقربين ولا من عباد الله المرسلين. لكنهم صنف من الناس يجيدون حك أنف القانون ودغدغة وجنتيه ودس الأوراق الملونة في جيبه المنتفخ. وطالما أن القانون في بلادنا ليس كقانون تونس ولا بنوده كبنود طرابلس الغرب، فليس من حق أحد أن يتدخل في شئوننا الخاصة المخجلة، وليس من حق أحد أن يرفع صوته عاليا: “امسك حرامي” فكلنا في الهم مصريون .. ومصريون جدا.
في أمريكا حاول أحدهم أن يتذاكي وأن يمر من تحت فخذي القانون رافعا سبابته المقدسة. لكن المأسوف على وعيه لم يدرك أن القانون هناك يسمع ويرى ويحاكم، وأن محاكمه ليست هزلية سيركية، وأن كروش القضاة في أمريكا ليست كجبال أحد أو نجد أو تهامة. الغريب أن الرجل كان يحمل في جيبه كفتي ميزان تميل حيث مال الهوى تماما كما يفعل قضاتنا الأشاوس. وفي عنجهية عربية متكلفة، فتل الرجل شاربيه وأخرج من جيب سترته بطاقة هوية، وصاح في وجه شرطي أمسك به من إبطيه: “ألا تعرف من إنا؟”
لكن هوية “مارك لست” لم تغن عنه من الحبس الاحتياطي شيئا، وظل قاضي هاريسون يصيح متوعدا من خلف القضبان حتى اختفى آثار الكحول من نبرات صوته الممطوط. ورغم محاولاته المستميتة في الدفاع عن صاحب العصمة، فشل محامي الدفاع “أندريو كوين” في الخروج من قسم الشرطة بصحبة موكله، لأن أحدا من رجال الشرطة هناك لم يفتح درج مكتبه الخشبي أو يمد يدا مشققة بالسلام.
ليس من حق قاضي هاريسون أن يدوس بعجلات سيارته الفارهة رؤوس القوانين، وليس من حقه أن يقود سيارته ورائحة الخمر تفوح من زجاجها نصف المفتوح. فالضعيف في أمريكا قوي حتى يصلح زجاج سيارته المهشم، والقوي في أمريكا ضعيف حتى ترتفع كفتا الميزان في بطاقة هويته حد التطابق. وويل لمن ظن أن القانون في أمريكا كالقانون في مصر يداهن ويتملق ويجامل.
في أمريكا يقف الخصمان أمام القانون دون أن يضطر أحدهما إلى خفض صوته ورأسه. وفي أمريكا يقف القضاة عراة أمام قانون لم يخصخصوه في قاعات لم يرثوها كابرا عن كابر. وفي أمريكا، لا تسبق الأحكام التحقيقات، ولا يمر أحد من تحت إبط القانون بشارة أو توصية، والكل في بلاط المشرعين سواء. فإذا قادتك أيها العربي يوما إلى بلاد الكاوبوي قدماك، فاقرأ – رحم الله أباك – قانون الافرنجة جيدا لأن كفتي الميزان هناك متساويتان في الوزن والحجم والارتفاع.
Shaer129@me.com