مصر الكبرى
لماذ يرفض الإخوان الإعلان الدستوري؟
 
لا يزال الإخوان المسلمين يصرون على أن يقوموا هم وحدهم بكتابة الدستور الجديد, حتى يتمكنوا من تحويل مصر إلى دولة دينية استعدادا لإعلان عودة الخلافة. ورغم إلغاء المحكمة الإدارية العليا للجنة التأسيسية التي اختارها الإخوان لوضع الدستور لعدم صحة تكوينها واتفاق القوى السياسية على ضرورة مشاركة جميع طوائف الأمة – بشكل متوازن – في صياغة الدستور, لا زال الإخوان يصرون على الإنفرد بكتابة الدستور. وبعد أن نجحوا في إجراء الإنتخابات البرلمانية قبل كتابة الدستور, ها هم يحاولون الآن منع صدور إعلان دستوري قبل إجراء الانتخابات الرئاسية.
   ذلك أن الإعلان الدستوري سوف يحدد صلاحية السلطات الثلاث, البرلمان والقضاء والرئاسة.  ولما كان الإخوان يريدون فرض سيطرتهم على كافة السلطات في الدولة المصرية الجديدة, فهم يصرون على أن يتولوا وحدهم تحديد هذه الصلاحيات بما يناسب مصالحهم. فلو نجح مرشح الإخوان للرئاسة, من الممكن إعطاء الرئيس صلاحيات كبيرة على السلطة التنفيذية والقضاء والجيش, أما إذا تم اختيار رئيس من التيار المدني, فسوف يقلصون صلاحياته بحيث يسيطر برلمانهم على كافة السلطات.
   لهذا يرفض الإخوان بشدة أن يقوم المجلس العسكري بإصدار إعلان دستوري يكمل الإعلان الذي صدر في مارس 2011, لتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية, معتبرين هذا تدخلا في صلاحيات البرلمان الإخواني. كما أعلن عبد المنعم أبو الفتوح – المرشح السري للإخوان – أنه "لا يحق لجهة أن تصدر أي مواد دستورية دون الرجوع للشعب", أي لبرلمان الإخوان, بينما لم يجر استفتاء على الإعلان الذي أعطى البرلمان حق اختيار لجنة الدستور.
       ولما كان الدستور هو النتاج الرئيسي لأية ثورة في العالم, فقد رفض الإخوان كل المحاولات لوضع دستور يشارك فيه جميع المواطنين, وأصروا عن أن ينفردوا هم بوضعه, عن طريق البرلمان الذي يسيطرون عليه. فالثورة عمل جماهيري تشارك فيه الغالبية العظمى من أبناء الشعب  وطوائف المجتمع, بهف تفيير النظام الذي يتم عن طريق كتابة دستور جديد يلغي النظام السابق ويمثل أهدافها. وإذا ما تمكن الإخوان عن وضع دستور للبلاد يمثل أهداف الجماعة – وليس أهداف الوطن – فإن ذلك يعني إنقلاب برلمان الإخوان على ثورة جماهير الشعب المصري التي قامت في 25 يناير, وإنشاء نظام يتعارض مع أهداف هذه الثورة. وبينما يصر برلمان الإخوان على أن تكون له السيطرة الكاملة على لجنة الدستور, فهم لا يخفون رغباتهم في إلغاء الدولة المدنية وإنشاء دولة دينية, تلغي فرصة التيارات المعارضة من المشاركة في الصراع السياسي في المستقبل, وتعيد النظام الشمولي للحزب الواحد الذي قامت الثورة للتخلص منه.   
  فعندما بدأت مظاهرات يوم الغضب في ميدان التحرير, كانت تعبر عن احتجاج الجماهير على ارتفاع الأسعار وانتشار الفقر والبطالة, كما طالبت بحل مجلس الشعب بسبب تزوير الإنتخابات وتعديل الدستور حتى لا يسمح بإعادة انتخاب الرئيس مرة أخرى. ولما أعلن مبارك تنحيه عن السلطة قام بتسليم سلطات الرئاسة للمجلس العسكري خلال فترة انتقالية لحين إنتخاب رئيس جديد.
   وقرر المجلس العسكري حل البرلمان وتشكيل لجنة لتعديل الدستور برئاسة المستشار طارق البشري, وأجرى استفتاء على التعديلات في 19 مارس . لكن المجلس بعد ثلاثة أسابيع فقط من الاستفتاء, قام بإلغاء دستور سنة 71 نفسه, وأصدر إعلانا دستوريا لم يتم الاستفتاء عليه يتم العمل به إلى حين وضع دستور جديد للبلاد. ولما كانت المادة 60 من الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري – الذي لم يجر الاستفتاء عليه – هي التي أعطت البرلمان حق اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور, فمن الضروري اصدار إعلان دستوري جديد ينص على كيفية اختار لجنة الدستور بعيدا عن البرلمان, وتحديد اختصاصات الرئيس الجديد للجمهورية.
أحمد عثمان