مصر الكبرى

09:00 مساءً EET

حاتم ندا يكتب … هندسة الثورة

كان لابد من خلخلة النظم الحاكمة والتخلص من بعض الحكام الذين شاخوا وانتهت صلاحيتهم ومازالوا متمسكين بنظم حكم عائلية وقبلية منغلقة تشكل عبء على من يساندوها واصبحت لاتوائم الوضع العالمى الجديد الذى يجب ان يتغير ويتطور من حيث الشكل نحو حالة من الحداثة المصطنعة المعلبة لدول العالم الثالث عامة ولدول المنطقة خصيصا كى تتخذ شكل النمط الديمقراطى المناسب لها والمناسب للدول الكبرى والذى لا ينتمى الى ديمقراطية غربية حقيقية كالتى يتمتع بها العالم الغربى وذلك عبر مرحلة متقدمة من استعمار اقتصادى اتخذ شكل العولمة المتطرفة وبالطبع لم يكن هؤلاء الحكام مناسبين للتطور مع النمط الجديد بتمسكهم بمعطيات وانماط اصبحت بدائية جدا وعدم اابداء اى رغبة فى المرونة بحكم السن والتيبس فى مقاعد الحكم .

بالطبع كان الغرب على توقع بحدوث التغيير حتما وقد ساهم بشكل او اخر فى تكوينه وتفعيله عبر اجهزته وامواله واختراقه للدول الهشة مثل مصر وجاءت التحركات الشعبية الكبيرة نتيجة الانفجار والسخط على هذه الانظمة بمثابة اسدال الستار عليها لكن الدور الاكبر والاهم لم يكن فى كيفية تفجيرها بل هو فى تسيير وجهة هذه الحركات والسيطرة عليها نحو مايحقق مصالح الدول الكبرى التى مازالت متمسكة بالمنطقة نظرا لاهميتها الاستراتيجية والنفطية ولضمان التدفقات المالية الضخمة وبحكم ان الغرب توقع التغيير وساعد على تفعيله فهو بالطبع كان يعلم يقينا من يمكن ان يسيطر ويمد علاقات التعاون الوثيقة معه كما فعل النظام السابق وبالطبع كانت الحركات الدينية المتخلفة هى اللاعب الاقوى بحكم التنظيم والايدولوجيا والاموال كذا كانت اواصر الاتصالات قائمة ومعلنة ومستعدة يوما ما لسقوط التفاحة وذلك عبر عملاء دويلات فى المنطقة وعبر رجال اعمال اسلاميين هم اقرب مايكون الى فكر الراسمالية الجديدة وتقاربها مع فكر الاقتصاد الاسلامى الريعى القائم على التجارة والسمسرة والمناسب جدا لنمط العولمة الجديد.وبقى التعاون بين اطراف قديمة جديدة متمثلة فى الدولة الكبرى ومؤسسة عسكرية تتعاون معها منذ كامب ديفيد وتعتمد كليا عليها تسليحا وتدريبا وتتبنى عقيدة السلام والدفاع منذ تلك الفترة بديلا عن عقيدة العدو الرئيسى ومن جانب اخر الاخوان الراغبون فى التعاون بشدة والحلول مكان الحاكم السابق بكل ماله وما عليه وتركز التعاون على القيام بما يسمى هندسة الثورات والمقصود هنا وضع رسومات هندسية محكمة لتوجيه الثورة نحو ما يرغب اللاعب الاكبر ويتماشى ايضا مع احلام بقية الاطراف وذلك عبر هندسة العملية الديمقراطية على النمط الغربى من حيث الشكل فقط والفارغ تماما من مضمون ديقراطى حقيقى فتبدو الامور شكلا ديمقراطية لكن محتواها الحقيقى فاسد  تماما ,نمط يتماشى مع رؤية امريكا لشعوب ودول المنطقة ونظرتها العنصرية تجاهها يتم فيه التلاعب باصوات الناخبين وتوجيهها الى عكس ارادتها الحقيقية وكانه شئ ن السحر وتكريس حكم نخبوى صرف لايسمح فيه الا لبعض اللاعبين المتشابهين فقط بالتواجد ويبقى الشعب منفصلا فى النهاية وعاجزا عن فرض ارادته الحرة على الاحداث ولاعجب فامريكا نفسها نظام ديمقراطى نخبوى جدا يتم فيه تهميش باقى ابناء الشعب واقصاؤه عن المشاركة وذلك لاسباب تاريخية ليس موضعها هنا.وهى بالتاكيد صفقة دون مبالغة صفقة ثلاثية امريكا المهيمنة والمسيطرة والعسكر المعتمدين على المعونات العسكرية ولعل التغييرات فى تلك المؤسسة تعكس ذلك بشدة والطرف الثالث هو من انتظر طويلا وبكل انتهازية المحافظين كى تتم دعوته للمشاركة والتى جاءت على دماء جثث الشهداء.حقا الصورة فجة جدا فكل التغييرات فى المنطقة سواء ناعمة او صلبة تدور فى فلك التيارات الدينية على راسها بالطبع جماعة الاخوان المتشعبة فى المنطقة وهو خيار يبدو مناسبا جدا لتلك المرحلة التاريخية فهو مناسب وبعيد عن اى رؤية تحررية ديمقراطية للمنطقة فالديمقراطية خطر كبير وغير مناسبة لمن يسيطر على ثروات المنطقة اذ انها تعمل على تطور المنطقة واستقلاليتها بما يؤثر سلبا على عمليات نزح الاموال التى تضخ فى شرايين دول كبرى وتدير عجلة اقتصادياتها التى استنفذت ثرواتها واصبحت لا تملك سوى التكنولوجيا .الديمقراطية الحقيقية تمتنع تماما فهى عدوى غير مرغوب فيها وكل المطلوب مجرد دول خدمية فى المنطقة تؤدى دورا قد يتسع او يضيق وفق تفاهمات معينة ووفق خدمات يمكن ان تؤديها انظمة الحكم لتلك الدول الكبرى المسيطرة .والبديل السياسى المتطرف دينيا يمكن ان يتقبل ذلك النمط من الديمقراطية الشكلية كنوع من التطور اللازم والمفيد لذا لا نتعجب من عبارات المديح والغزل الموجه نحو قيادات اسرائيل ولا نتعجب من استمرار التعاون الامنى والمخابراتى المصحوبة بكل ود وان جاءت على حساب جزء من ارض الوطن.والامثلة كثيرة على تلون الغرب ودعمه لانظمة فاشية كما حدث فى اسبانيا فرانكو وايطاليا بعد الحرب فقد دعمت امريكا انظمة فاشية عنصرية وكأن الحرب العالمية ضد الفاشية كانت اكذوبة لذا لامانع من دعم انظمة دينية متطرفة والواقع ان كلها مفيد رغما عن تنوع اتجاهاتها لذا نجد دولة كالمملكة وهى الحليف الاوفر حظا فى المنطقة والاكثر اعتمادا على امريكا والاكثر فائدة لها حكم ثنائى لكنه مريح ومناسب حتى اكثر الانظمة راديكالية وممانعة وهى ايران كانت ومازالت هى السبب الرئيسى فى توغل الغرب فى المنطقة وسببا فيما حصلت عليه امريكا من جوائز كبرى منها السيطرة على دول المنطقة وترويج اسلحة بالمليارات تضخ اموالا مهولة فى بنوكها حتى الدول الواقعة فى المنطقة الرمادية كالسودان كانت ذات نفع عظيم ايضا فى التغلغل نحو ثروات ونفط الجنوب لذا فالحكم الدينى هو انسب انواع الحكم فى المنطقة والفائدة مؤكدة سواء تعاونا او صراع.ونرى هذا اكثر وضوحا فى سوريا والتى كانت للاسف بوابة مصر الشرقية قديما فامريكا تريد نفس النمط هناك لذا نجد التباطوء والتلاعب فى دعم الثورة السورية حتى تقع فريسة كاملة للتيارات الدينية ووكى تتحول ثورة شعبية مدنية الى حركة كفاح دينى مسلح ومتطرف متخلصة تماما من اى رموز مدنية علمانية وشئ مثل هذا حدث فى تونس وليبيا مع اختلاف المعطيات من هنا يمكن فهم اتهامات المرشح الجمهورى لاوباما من دعم مالى هائل للاخوان فى مصر فدائما ماكانت حركة الاموال هى الكاشفة دوما عن خبايا الصفقات واذا  تتبعنا حركة اموال الجماعة فسوف تنكشف كل الحقائق لذا يصر الرئيس ورجاله على ابقاء الجماعة كيانا سريا غير شرعى او قانونى كى لا تنكشف الخبايا كذا بقيت حركة اموال مبارك وعصابته خافية كى لاينكشف المستور ويستمر نزيف الثورة لكن هل هى ثورة بحق دائما ماتجنبت هذا السؤال المؤلم على النفس هلى هى ثورة ام مجرد هوجة كسابقاتها تلك مسألة اخرى

التعليقات