تحقيقات

10:34 صباحًا EET

التونسيون يختارون رئيسهم (تقرير)

بعد أكثر من 3 سنوات من الانتظر، ينتخب اليوم الأحد أكثر من 5 ملايين تونسي، رئيسهم الجديد للمرة الأولى في انتخابات رئاسية حاسمة، تمثل تتويجاً لمسار مؤلمٍ وطويلٍ ومتعثر أحياناً، سار فيه التونسيون منذ انتخابات أكتوبر (تشرين الأول)2011، التي أفضت إلى مجلس تأسيسي هيمنت عليه النهضة وبعض الأحزاب الصغيرة المتحالفة معها.

ولكن التونسيين الذين يتوافدون منذ الثامنة صباحاً على مكاتب الانتخاب في مختلف أنحاء البلاد، يحدوهم أمل كبيرفي وضع حدّ للمرحلة الانتقالية التي نقلتهم من الاستقرار والأمان، ورغم الفساد الذي كان سائداً فيها، إلى الاضطراب الاجتماعي والتراجع الاقتصادي وتغلغل الإرهاب إلى البيت التونسي الذي لم يعرف مثل هذه الرياح العاتية على امتداد تاريخه السياسي الطويل.

وزادت هيمنة الحركة الإخوانية على المشهد ثم القرار السياسي في معاناة الشق الأعظم من التونسيين الذين قرروا في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، إصلاح الخطأ الذي وقعوا فيه بسبب عوامل كثيرة ليس المجال لشرحها أو تفصيلها، فأقصوا الإخوان التونسيين من السلطة، قبل أن يقصوها عن الريادة في البرلمان الجديد.

 

حسم شعبي

وإذا حسم الشعب التونسي، كما شعوب عربية أخرى، أمره مع الإخوان المسلمين، فإنه يستعد بمناسبة الانتخابات الرئاسية لتأكيد وعيه ومسؤوليته بخطورة الرهان، وخطورة المرحلة التي يمر بها، فأي غفلة أو تغافل اليوم، ستعيد التاريخ إلى الوراء، إلى ما قبل انتخابات البرلمان في أكتوبر(تشرين الأول)، وستعيد اليد التي نشطت في حياكة خيوط المؤامرة على مستقبله والتي تتكالب على خياطتها أطراف كثيرة من الشرق والغرب، إلى سالف نشاطها.

في تونس كما في صفاقس وفي سوسة كما في بنزرت وفي مدنين كما في تطاوين، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أدنى الغرب إلى سواحل الشرق، سيتدافع الناس على صناديق الاقتراع، يؤشرون على الرجل أو السيدة الوحيدة التي صمدت في السباق الانتخابي لتكليفه أو تكليفها بالمسؤولية الكبرى التي اختاروه أو اختاروها لها.

وإذا كانت قائمة المرشحين تضم سبعة وعشرين اسماً بما فيها المنسحبين من السباق، يبدو الباجي قائد السبسي زعيم نداء تونس الفائز في الانتخابات البرلمانية، أقرب المترشحين للفوز، مستفيداً من النصر القريب الذي حققه الحزب تحت قيادته، ولكن أيضاً أو خاصة بسبب المنافسين الذين تصدى له أكثرهم، في الانتخابات البرلمانية، وخسروا.

 

مسؤولية أخلاقية

في البلدان الديموقراطية، وفي مواعيد مثل الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، يبادر الخاسر بشكل آلي، إلى الاستقالة متحملاً المسؤولية المعنوية والأخلاقية عن الهزيمة التي تكبدها حزبه أو التحالف الحزبي الذي نافس على الانتخابات تحت رايته، ولكن في تونس، بعد الانتخابات البرلمانية ورغم الهزائم المدوية، استمر المرشحون الحاليون الذين تعرضوا إلى هزائم مدوية وقاسية في أغلبهم، في التنافس على الانتخابات الرئاسية.

وبسؤال هذا الجيل من المسؤولين السياسيين عن استمرارهم في السباق رغم أنهم يعرفون تمام المعرفة، أن الشارع والناخب لفظهم منذ فترة ليست بالقصيرة، يكون الرد، أنهم حماة الديموقراطية الناشئة في تونس ضد تغول الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، يعني ببساطة أنهم يمنحون أنفسهم الحق في التقرير بدلاً عن الناخبين من هو الأجدر والأصلح لقيادة الدولة “ما بعد النهضة”.

 

مغالطة

ربما يكون مثل هذا الردّ مقبولاً في ظروف معينة، ولكنه لايستقيم بحال، في هذه الانتخابات، فالفائز في الانتخابات الأخيرة، فاز بها بسبب شخصية زعيمه، أولاً ما يجعله الأقرب للفوز بالموعد الانتخابي الجديد، أما عن تغول الحزب الفائز، فإن هذا الحزب لم يشارك في توزيع السلطات أو التوازنات بين الهياكل الرئيسية في الدولة، أي البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، وفي مطلق الأحوال هل كان السؤال عن تغول الفائز سيطرح لو حدث العكس، فلو فازت النهضة في الانتخابات السابقة على نداء تونس، هل كان النقاش حول الانفراد بالسلطة وبالقرار سيطرح بهذا الشكل؟

وهل فكرت الأحزاب الخاسرة عندما وضعت هذه اللوائح ووزعت السلطات بهذا الشكل في احتما ل خسارة الانتخابات لفائدة حزب مناهض؟ طبعاً لا يمكن القبول بأن طائفة من السياسيين التي كانت تتحرق شوقاً للوصول إلى السلطة منذ 40 سنة في بعض الحالات، يفوتها التفكير في مثل هذا الاحتمال، فيكون التفسير الوحيد لذلك، أنها عزمت على الفوز في كل انتخابات ستشهدها تونس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وعندها لم يكن موضوع التغول أو الاستبداد المتسلل سيطرح، فالإخوان وحلفاؤهم خير مطلق ودائم في جميع الحالات والأحوال.

إن الصفعة التي وجهها الناخبون التونسيون للنهضة وحلفائها، فتحت العيون على الوهم الذي استبد بهم حتى أعماهم عن إدراك مدى نفور الناخبين منهم، وانصرافهم عن طرحهم وأجنداتهم بالتصويت لحزب ظهر منذ سنتين فقط، ليقصي في أعقابها النهضة وشركائها السابقين في الحكم، ويدفن بعضهم غير مأسوف عليه، بالتصويت لرجل وحزب، اختار تونس قبل أن يختار المقطم في القاهرة أو التنظيم العالمي، واختار مخاطبة مواطنيه عن الدولة التونسية التي ضاعت هيبتها وغرقت في كبوة خطيرة على يد النهضة، وبرامج التنمية والتشغيل والعدالة الاجتماعية والطبقات المعوزة والجهات المهمشة والمحرومة، في حين ركب البعض أعلى موج الثورية والهوية وإعادة تشكيل المجتمع و”تحرير المبادرة”، وغيرها من المآزق التي تسببت فيها جماعة المرشد المحلي بدفع من المرشد الدولي والعراب الإقليمي في قصره التركي الأبيض.

 

إلى الجحور

في 26 أكتوبر (تشرين الأول) اختارت تونس المصالحة مع نفسها، مع أصالتها بعيداً عن أدران الإخوانية والانتهازية والسلفية والإرهاب بشكل خاص، وفي 23 نوفمبر(تشرين الثاني) ستهيل على ما يبدو التراب على ما تبقى من هذه المومياء التي ترفض الرجوع إلى جحورها إلى الأبد، ولن يكون مفاجئاً أن يحسم التونسيون أمرهم هذه المرة منذ الدور الأول، ليسدلوا الستار على مسرحية تراجيدية كوميدية في الوقت ذاته استمرت منذ 2011، معتبرين من أخطائهم، ومدفوعين بنداء تونس الذي لم يغب عن أذهانهم يوماً رغم بعض الصخب الذي منع السمع أحياناً.

التعليقات