أفضل المقالات في الصحف العربية
مؤتمر ومستقبل وأمية!
أكتب هذه السطور من العاصمة الأردنية عمان حيث أتيت إليها للمشاركة متحدثا رئيسيا في مؤتمر عن تقنية المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت رعاية ملكية من الملك عبد الله الثاني وبحضور عدد كبير جدا من الأخصائيين والتنفيذيين من الشركات المعنية والمجالات المتخصصة من حول العالم.
والأردن بهذه المناسبة وغيرها يسعى إلى تكريس مكانته كـ«ورشة» الإنتاج الأساسية للمعلوماتية ومشتقاتها في العالم العربي كله. اليوم الأردن، وهو الذي يعتبر أن لديه أهم منظومة تعليمية في المنطقة، كثف مجهوداته بتقديم المغريات للشركات العملاقة في هذا المجال لفتح مكاتب إقليمية لها، وكذلك قدم الدعم المعنوي والتمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة لإطلاقها بالشكل المهني السليم والمميز، وقصص «النجاح» المميزة في هذا القطاع تكاد تكون أردنية بشكل أساسي ومهم.
وبات لدى الأردن القدرة على تصدير الخبرة التراكمية والمعرفة المتخصصة، فأصبح مرجعية يعتد بها وبات يُكوّن لنفسه ميزة تنافسية وهي الفكرة التي يجب تكريسها والتوسع فيها لتطوير الاقتصاد الأردني بشكل عام والتركيز على قوة الأردن وتميزه في القطاع الخدمي الاستثنائي؛ قطاع يتضمن ولا يقتصر على التعليم والتدريب والصحة والسياحة وطبعا القطاع التقني المتطور.
إن النقلات القادمة إلى عالمنا ستكون للتقنية الحديثة فيها دور مهم وأساسي، فاليوم وخصوصا بعد خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن رغبته في أن تكون الشبكة العنكبوتية الإنترنت خدمة مثلها مثل الماء والكهرباء تضمنها الحكومات كحق لمواطنيها، سيجعل ذلك الأسعار في متناول شريحة أعرض من الناس وسيلغي بالتدريج فكرة الرقابة والحجب، وسيكون بالتالي من الممكن تفعيل الشبكة بعمليات أكبر وأوسع لأن السرعة ستزيد وستكون قابلة لتلقي ذلك الأمر بسهولة ويسر، وستكون الدول التي هيأت البنية التحتية الملائمة من تشريعات وأنظمة وقوانين وسياسات وكيانات رقابية تشريعية منظمة للعمل وقوة في المنظومة التعليمية تخاطب تماما احتياجات سوق العمل الحقيقية في موقع أهم وأفضل جدا لاستغلال هذه الفرصة وتحويلها إلى مصادر دخل وتوسيع حقيقي للقاعدة الاقتصادية بشكل ملموس وعملي.
التطور التقني الذي سيمس قطاعات التعليم والصحة والأعمال بشكل عام سيحول النموذج التقليدي والقديم إلى ما يشبه الحيوان المنقرض. التعليم بشكله الحالي سيكون من الماضي، والعلاقة بين الكتاب والمعلم والتلميذ ستشهد تغيرا وستمنح القوة للمتلقي وسيكون بالإمكان تحديد خط سير الطالب مبكرا في مجالات التخصص المنشود. كذلك سيكون الطب هو الآخر ملعبا ومسرحا لتغيرات حادة، حيث سيصبح بالإمكان تلقي المشورة من أهل الخبرة بشكل فوري ومن كل أنحاء العالم لأعقد الحالات وأصعبها.
اليوم سيكون للشركات الفرصة والحظ بأن «تخترع» لنفسها النموذج الأمثل لتفصيل احتياجاتها المعلوماتية لتتلقى ما تحتاج بشكل فوري وبأقل قدر من التكاليف.
إن النقلات النوعية التي قدمت في هذا الملتقى ما هي إلا عينة بسيطة مما هو آت، ولكن يبقى التحدي الأهم هو التغلب على الأمية التي لا تزال موجودة بقوة في العالم العربي، وإذا كانت الأمية موجودة فما بالكم بالأمية الإلكترونية!