كتاب 11
نار ذات لهب!
هناك أكثر من قراءة لتفسير ما يحصل من جنون وتهور ودمار طائفي في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي اليوم، منها ما يعتمد على تشريح مبني على قراءة أساسها تشريح معتمد على علم الاجتماع السياسي والمدعوم بحقائق اقتصادية فيقول إن الوضع الحاصل هو نتاج الفقر والبطالة، والذي أدى إلى جهل، وبالتالي اللجوء إلى التطرف كحل أخير ونهائي لحل مشكلاتهم، والواقع الاقتصادي المؤلم الموجود في بنغلاديش ومالي على سبيل المثال، وهما دولتان تقبعان في قاع سلم الفقر في كافة تقييمات العالم المعتبرة، ولا توجد لديهما أي معاناة ولا أي مشكلات تتعلق بظهور حركات إرهابية متشددة ومتطرفة بل على العكس تماما.
المجتمع هناك لا يعاني من شد فكري ولا تفكير متوحش، وبالتالي هذه المقولة تسقط وبكل اقتناع وحقيقة. العالم الإسلامي يتطلع لومضات النور أن تأتي إليه ومنه خارج منطقة الشرق الأوسط، حاول الكثيرون أن «يفندوا» الأسباب الحاصلة ويجيروا كل الموضوع على الغير، فيقومون بلوم «الأصابع الخارجية» و«الدول الشريرة» و«الاستخبارات العالمية» .
وقد يكون هذا الكلام مريحا وحتى مقنعا للبعض ولكن بقراءة أدق وأعمق في التفاصيل الدقيقة للوضع، سنجد ونكتشف أن «مشايخ» و«قادة» هؤلاء المجاميع هم أهل المنطقة، ويعتمدون على «تفاسير» منتشرة في أمهات الكتب التي حولنا ويقومون ببثها مستخدمين أحدث وسائل التقنية الحديثة للإقناع وإيصال الرسائل بفعالية وقوة وتأثير بشكل مريب وغامض، وكذلك فإن ارتال المقاتلين الذين جاءوا للمشاركة في «المعركة الكبرى» التي وعدها بهم «مشايخهم» و«زعماؤهم» طرفي المعركة يشتركان في هذا الغث العبثي المدمر، فلا فريق القاعدة والنصرة وداعش مجرمون وحدهم ولا «حزب الله» وفيلق القدس وكتائب الفضل أبو العباس كذلك، وإنما كلهم بلا استثناء على ذات ونفس الدرجة من الوحشية والإجرام، وكلهم سواسية في الدم، بل هم بحاجة لبعض، لأن وجود الآخر يبرر بقاء الأول، ويعطيه الأعذار والذرائع للاستمرار والتوسع واستقطاب المزيد من هؤلاء المغسولة أدمغتهم سلفا.
هناك توجه واضح إلى تكريس طائفي بامتياز، توجه صريح أن يكون الخط «الوحيد» الذي سيحدد «انتماء» و«ولاء» أي شخص في هذه البقعة الملتهبة من العالم هو الانتماء الطائفي، وليس على أي درجة أخرى فلم يعد يؤخذ في عين الاعتبار أي انتماء آخر.
عندما نادت إحدى جماعات الإسلام السياسي ذات نهار بتحكيم «شرع الله» ورفعت شعارا مغريا وجذابا هو «الإسلام هو الحل»، ولكن هذا الشعار سرعان ما قسم المجتمع بين مسلم وكافر وبدأت نيران التفرقة والان تجذر الخلاف بشكل أكثر تجذرا، ودخل الجدل الحاد في التفاصيل الدينية، وسقطت فعليا من القاموس المدني الحضاري كلمة «العيش المشترك»، وأسخر من قراءة هذه النوعية من الكلمات في الصحف المختلفة، وأن أسمعها على المنابر وفي الندوات والمحاضرات..
هؤلاء مسلمون غير قادرين على العيش مع بعضهم البعض، كيف سيتمكنون من إقناع غيرهم من أصحاب الديانات وليس المذاهب ولا الطوائف الأخرى المخالفة من إمكانية العيش سويا؟ التحريض الطائفي عبر المنابر والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية لا يزال بألف خير، وإطلاق مسمى الفكر التكفيري على فصيل واحد فقط فيه إغفال تام للحقيقة، لأن كل فصيل منهما يكفر الآخر هذه هي الحقيقة التي يجب ألا ننساها أبدا. المنطقة تشتعل بنيران الطائفية.
لبنان كان الضحية الأولى والعراق لحقه ثم الصومال ثم سوريا واليمن وليبيا، ولن يسلم أي مكان من لهيب هذا الحريق طالما بقيت المنطقة «جاهزة» ومهيئة لإرسال المزيد من الأبرياء إلى التهلكة عبر أصوات الشر التي تمنحهم صك الفتوى المناسبة لذلك. نرجو أن تنتهي هذه المآسي التي حطمت بلداننا.